q
إنسانيات - حقوق

جدل قانون المحكمة الاتحادية:

الوظيفة القانونية والسياسية

عمل المحكمة غاية في الأهمية وأن أي تأثيرات من خارج المؤسسة القضائية على عملها سيضعف من دورها القضائي الذي حدده الدستور، وهذا ما لاحظناه في آرائها الملزمة في عدد من القضايا ومنها مسألة تفسير الكتلة الأكبر، وكيف أثر ذلك على مجمل العملية السياسية، وحالة عدم الاستقرار السياسي...

تعد المحكمة الاتحادية العليا أو ما تعرف بالمحكمة الدستورية إحدى أهم مكونات مجلس القضاء الأعلى في العراق، وهي لم تكن وليدة هذه المرحلة ككيان قضائي مستقل، وإنما ترجع صلاحياتها إلى مراحل سياسية سابقة من التاريخ الدستوري والقضائي في العراق، لذلك فإن الدساتير التي ظهرت في العراق منذ أول دستور كان يسمى القانون الأساسي لعام 1925 ولغاية أحداث عام 2003، قد أشارت في بعضها إلى فكرة الرقابة الدستورية على القوانين كما أشار بعضها إلى تشكيل محاكم دستورية أو مجالس دستورية.

إلا أن جميع هذه النصوص الدستورية المتعلقة بالقضاء الدستوري كانت مجرد نصوص لم تفعل باستثناء حالة واحدة تم فيها تفعيل الرقابة الدستورية على القوانين عند النظر في دستورية القانون، حيث جاء في القانون الأساسي العراقي لعام 1925 من خلال المادة (81) التنصيص إلى وجود المحكمة الاتحادية العليا، وتتكون هذه المحكمة من ثمانية أشخاص، رئيس المحكمة هو رئيس مجلس الأعيان، ويشترط في أعضاء المحكمة الاتحادية أن يكون أربعة منهم من القضاة وأربعة من بين أعضاء مجلس الأعيان.

وذكر إن اختصاصها الأصلي هو محاكمة الوزراء وأعضاء مجلس الأمة وأعضاء محكمة التمييز على وفق التفصيل الوارد في النص، ثم منحها صلاحية تفسير النصوص الدستورية وبموجب آلية تعتمدها عند التصدي إلى هذا الموضوع على وفق نص المادة (83) من القانون الأساسي، وفي العهد الجمهوري صدر القانون المؤقت لعام 1968 وكان يحتوي الشعارات الثورية البراقة وضمن مواده العديد من الأحكام التي يدل ظاهرها على تأسيس دولة القانون، ومن ذلك ما أشار إليه في نص المادة (87) على تشكيل محكمة دستورية مهمتها النظر في الرقابة الدستورية على القوانين، ولم يذكر أي تفصيل حول آلية تشكيلها أو شروط العضوية، وإنما ترك الأمر إلى قانون يصدر لاحقا ينظم عملها، ثم صدر بعد ذلك قانون المحكمة الدستورية رقم 159 لسنة 1968 لكنها لم تنعقد ولم تشكل إطلاقاً، وكانت هناك إشارات أيضا في دستور 1973 لكن بسبب عدم استقلالية السلطة القضائية لم تسجل أي دور للرقابة على التشريعات ورقابة القوانين.

بعد عام 2003 شهدنا الإشارة لها في القانون المؤقت لإدارة المرحلة الانتقالية لعام 2004 ونصت عليها المادة (44) من القانون المؤقت، حيث وضعت هذه المحاولة لإدارة مؤسسات الدولة الرئيسة خلال وبعد انتهاء سلطة الائتلاف المدني الحاكم بقيادة الأمريكي بول بريمر، ونص القانون هذا على صلاحية المحكمة الاتحادية في الرقابة الدستورية على القوانين، من خلال الإشارة إلى تشكيل محكمة اتحادية عليا، مما يجب الإشارة إليه أيضا أن القانون الذي تعمل به المحكمة الاتحادية ونظم عملها لغاية الآن هو القانون الذي صدر خلال فترة الحاكم المدني بريمر ذو الرقم (30) لعام 2005، حيث أريد منه أن ينظم عمل وصلاحيات المحكمة لغاية كتابة قانون جديد وفق ما نص عليه فيما بعد الدستور العراقي الدائم لعام 2005، وقد نص القانون رقم (30) الذي يتكون من (9 مواد)، المادة (1) أقرت إنشاء المحكمة وسمتها بالمحكمة الاتحادية العليا، ويكون مقرها في بغداد تمارس مهامها بشكل مستقل لا سلطان عليها لغير القانون، والمادة (2) أقرت باستقلالية المحكمة الاتحادية ماليا وإداريا، فيما حددت المادة (3) تكوينية المحكمة الاتحادية العليا من رئيس وثمانية أعضاء، يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة، بناء على ترشيح من مجلس القضاء الأعلى بالتشاور مع المجالس القضائية للأقاليم وفق ما هو منصوص عليه في الفقرة (هـ) من المادة (44) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، ونصت المادة (4) على صلاحية المحكمة الاتحادية العليا وحددتها بالآتي:

أولاً: تتولى الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.

ثانيا: الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة من أية جهة تملك حق إصدارها وإلغاء التي تتعارض منها مع أحكام قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، ويكون ذلك بناء على طلب من محكمة أو جهة رسمية أو من مدع ذي مصلحة.

ثالثا: النظر في الطعون المقدمة على الأحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الإداري.

رابعا: النظر بالدعاوى المقامة أمامها بصفة استئنافية وينظم اختصاصها بقانون اتحادي.

وأشارت المادة (5) إلى آلية عقد اجتماعاتها وحضور أعضائها وقراراتها، حيث نصت أن تؤخذ القرارات بأغلبية الثلثين، وهذه المادة ستكون نقطة خلاف في تعديل القانون بين المكونات السياسية ونصت المادة (6) على إعطاء الصلاحية لرئيس وأعضاء المحكمة الاستمرار بالخدمة دون تحديد أعلى للعمر إلا إذا رغب بترك الخدمة، وهنا يبدو أن تقاعد بعض أعضائها فيما بعد هو ليس إلى إحالتهم على التقاعد بسبب العمر؛ وإنما قد يكون برغبة منها إلى الإحالة على التقاعد وقد يكون بموجب قانون التقاعد لعام 2020، وهو ما تسبب في تعطيل المحكمة الاتحادية في المصادقة على المسائل المناطة بها وأبرزها المصادقة على نتائج الانتخابات، وأصبح هناك فراغ دستوري، وبالتالي لابد من تعديل القانون حتى تستطيع المحكمة الاتحادية الاستمرار بعملها بالطريقة التي نصت عليها القوانين، أما الفقرة ثانيا من نفس المادة فقد حدد راتب رئيسها وأعضاءها بمخصصات وزير، المادة (7) أشارت إلى القسم الذي يؤديه الرئيس والأعضاء، المادة (8) أشارت إلى صلاحية تحويل الصلاحيات للأعضاء من قبل رئيس المحكمة.

وأخيرا نظمت المادة (9) من القانون إلى الجانب الإجرائي في تنظيم سير العمل في المحكمة، أما عن طريقة تعيين رئيس المحكمة وأعضاءها فأشار لها القانون، وقد عين الرئيس والأعضاء بمنتصف عام 2005 بقرار مجلس الرئاسة القرار الجمهوري رقم (2). لكن في الأغلب تكون هكذا مواقع خاضعة للأمزجة السياسية والحزبية والمحاصصة السياسية رغم أن القانون آنف الذكر، يحدد أن التعيين يكون باقتراح من مجلس القضاء الأعلى، وهذا بحد ذاته غير مقبول في الأعراف القضائية لما للسلطة من استقلالية تامة عن السلطات الأخرى وأبرزها السلطة التنفيذية التي تتكون من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء.

وبعد كتابة الدستور العراقي الدائم لعام 2005 نص المحكمة الاتحادية وحدد تكوينها بذات الآلية التي حدد القانون المشار إليها والصادر خلال فترة القانون خلال المرحلة الانتقالية ككيان مستقل ضمن السلطة القضائية أو ما يعرف بمجلس القضاء الأعلى، وأشار الدستور إلى عدد من المسائل منها أن تتكون أيضا من رئيس وهو بموقع وزير، وثمانية أعضاء.

ونصت المادة (92/ثانياً) من الدستور على: تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.

ولم يحدد دستور 2005 عدد أعضاء المحكمة وإنما ترك ذلك لقانون يسنه البرلمان بموافقة ثلثي أعضاءه، كما أوردت بعض التغيرات فيما بعد أي بعد أن أصبح الدستور الدائم نافذا تغييرات على تشكيل المحكمة عما كانت عليه في قانونها رقم (30) لسنة 2005 حيث أدخل إلى جانب القضاة، خبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء في القانون، وترك أن يكون أمر اختيارهم وطريقة عمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب (المادة 92 من الدستور) هذا فضلا عن توسيع صلاحياتها واختصاصاتها، فالمحكمة تتكون من القضاة، وخبراء الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، حيث هناك جدل وردود كثيرة حول وظيفة خبراء الفقه الإسلامي، ودورهم في المحكمة.

ومرجعية هؤلاء الفقهاء تعود إلى مؤسسات تعشش فيها المحاصصة ومؤسسة على أساس الانقسامات المكوناتية كالوقف السني والوقف الشيعي والأوقات الدينية الأخرى، وهناك من يختلف حول وظيفة هؤلاء الفقهاء إذ هناك من يرى أن أعضاء الفقه الإسلامي أن دورهم استشاري وبيان رأي فقط مستندين إلى أن القضاء وحده يقع عليه حق إصدار القرار والفصل في الخصومة لأن القضاء هو الجهة التي تختص بفض المنازعات بمقتضى القانون سواء أكانت هذه المنازعات واقعة بين الأفراد أم بينهم وبين الحكومة وإعطاء الحقوق لأصحابها.

وهذا الخلاف نظرا للصلاحيات الكبرى والأساسية المناطة بالمحكمة الاتحادية، إذ نص الدستور العراقي لعام 2005 على اختصاصات المحكمة الاتحادية في المادة (93) حيث خصص صلاحيات المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي:

أولاً: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة.

ثانياً: تفسير نصوص الدستور.

ثالثاً: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة.

رابعاً: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية.

خامساً: الفصل في المنازعات التي تحصل فيما بين حكومات الأقاليم أو المحافظات.

سادساً: الفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وينظم ذلك بقانون.

سابعاً: المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.

ثامناً: الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي، والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والفصل في تنازع الاختصاص فيما بين الهيئات القضائية للأقاليم، أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم.

وبالتالي هناك مسائل مهمة تعرض على المحكمة الاتحادية ولها حق الرفض ورأيها ملزم كصلاحيات دستورية، وبما أن الأحزاب والكيانات السياسية من كل المكونات تريد أن تمرر ما تريد عن طريق المؤسسات فهي تسعى جاهدة لضمان ذلك من خلال المحكمة بعد أن سيست كل مؤسسات الدولة وتقاسمتها وفق المحاصصة الحزبية والمكوناتية.

ومما تقدم نستنتج في خاتمة هذه الورقة: "إن هناك تعطيل دستوري بعد توقف عمل المحكمة الاتحادية، وهناك الكثير من المسائل متوقفة رفع التعطيل وبالتالي لابد من تعديل القانون رقم (30) لعام 2003 خاصة المادة (3) الصادر في المرحلة الانتقالية من إدارة الدولة، أو العمل على تشريع قانون جديد وهذا الأقرب إلى توجهات مجلس النواب الآن، وهناك جدل داخل مجلس النواب وخارجه بين الأوساط السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني تراقب بحذر هذا القانون، هناك رغبة من قبل الكتل النافذة داخل مجلس النواب ليس بتعديل القانون وإنما بوضع قانون جديد ينسجم مع اطروحاتهم الفكرية والسياسية، والجدل الثاني حول مسألة التصويت داخل المحكمة، حيث أن المحكمة كانت تمرر القرارات بمسألة أغلبية الثلثين كما نص عليه القانون رقم (30) وهناك من يريد أن تكون القرارات بالإجماع إذ أن هناك إصرار من قبل القوى الكردية على أن تكون قرارات المحكمة بالإجماع، وهو ما ترفضه القوى العربية، مشيراً إلى أن القضايا التي تخص المحافظات والأقاليم تُتخذ القرارات فيها بنسبة الثلثين وباقي الأمور تُحسم بالأغلبية.

من جهة أخرى، تطالب الكتل السياسية الممثلة للأقليات بالتواجد في عمل المحكمة الاتحادية بما يضمن الحفاظ على خصوصيتهم في المجتمع العراقي، فيما يثار الجدل حول وجود الفقهاء في قانون المحكمة ووظيفتها إذ هناك رغبة من قبل القوى الإسلامية بأن يكون للفقهاء دورا أساسيا في المحكمة الاتحادية، في حين يطالب البعض على مستوى المنظمات غير الحكومية وبعض الناشطين بأن لا يكون أي دور للفقهاء في المحكمة لأسباب كثيرة منها الخوف من أن تصبح المحكمة وظيفة دينية وفقهية أكثر من قانونية حتى شبهها البعض بولاية الفقيه، فيما رأى آخرون أن تكون وظيفة الفقهاء في قانون المحكمة دور استشاري فقط، أما مسألة تعيين أربعة فقهاء سيؤدي إلى التأثير على قرارات المحكمة الاتحادية، في حين ذهب مجلس القضاء الأعلى في بيان له باقتراح يحدد وظيفة خبراء الفقه الإسلامي إلى مطابقة القوانين والتشريعات مع الشريعة الإسلامية على اعتبار أن الدستور النافذ ينص على أنه لا يجوز تشريع قانون يتعارض مع الإسلام، وتكون وظيفة خبراء القانون مطابقة التشريعات والقانون مع مبادئ الديمقراطية وهذا وان كان يحدد الوظيفة والتخصص لكن قد تكون تعارضات كثيرة قد تصدر لاسيما وأن هناك الكثير من المسائل قد لا تكون متوافقة ما بين الإسلام من جهة وما بين الديمقراطية من جهة أخرى فما تبيحه الديمقراطية قد لا يقره الإسلام والعكس صحيح، وقد سبق وأن قلنا أن هذه المادة في الدستور النافذ في تناقض وازدواجية.

ومما تقدم نستطيع القول استنتاجا: "إن عمل المحكمة غاية في الأهمية وأن أي تأثيرات من خارج المؤسسة القضائية على عملها سيضعف من دورها القضائي الذي حدده الدستور، وهذا ما لاحظناه في آرائها الملزمة في عدد من القضايا ومنها مسألة تفسير الكتلة الأكبر، وكيف أثر ذلك على مجمل العملية السياسية، وحالة عدم الاستقرار السياسي بعد الضغوط التي تعرضت لها المحكمة آنذاك من قبل بعض الكتل السياسية، كما أن الضغوط الآن في تشريع بنود قانونية لتنظيم عمل المحكمة لابد وأن يكون بكل حيادية ووطنية واستقلالية ومنها وظيفة الفقهاء في القانون، وأن الرأي الصائب في مجتمع تعددي مثل العراق أن تكون وظيفة الفقهاء استشارية فقط طالما أشار الدستور إلى وجود الفقهاء في المحكمة حتى لا تكون محلا لتجاذبات سياسية ودينية واجتماعية، مما قد تثير فيما بعد تداعيات على حيادية السلطة القضائية بكل مؤسساتها ومنها المحكمة الاتحادية وتفسيراتها ورأيها، وكذلك شكل الدولة وطبيعة نظامها الدستوري والقضائي حتى لا تتحول وظيفة سلطة المحكمة الاتحادية في العراق من الوظيفة القانونية الدستورية إلى وظيفة سياسية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق