q
المقاومة ليست مجرد شعارات أو رجال يحملون السلاح أو الأعمال القتالية الارتجالية لشخص أو حزب، كما لا يجوز لحزب أن يُعلن المقاومة أو الجهاد فيما رأس النظام السياسي وبقية الأحزاب ملتزمة بالهدنة أو بالتسوية السياسية، بل يجب أن تندرج المقاومة في سياق استراتيجية وطنية تُحدِد مفهومها وأدواتها...

تشهد الساحة الفلسطينية الرسمية والحزبية حراكاً سياسياً مكثفاً، وإن كان يؤمَل منه شعبياً إخراج الحالة الفلسطينية من العدمية السياسية وانغلاق الأفق على كافة المستويات، إلا أنه في نفس الوقت يثير القلق لتعدد الملفات وتعقدها وتداخُل ما هو حزبي داخلي مع ما هو وطني، والمصلحة الوطنية مع المصلحة الخاصة للمتنافسين في الانتخابات، وتداخُل الإرادة الفلسطينية بالتغيير من خلال الانتخابات مع التدخلات الخارجية التي تريد تطويع وتكييف الحالة الفلسطينية مع المعادلات الإقليمية والدولية المستجدة.

بالرغم من التصريحات الإيجابية التي تصدر عن قيادات فتحاوية وحمساوية إلا أن الغموض ما زال يكتنف عديد الملفات، والشعب بات يتخوف من مفاجآت الأيام القادمة. وفي اعتقادنا أن الملف الأخطر والذي يتجنب الجميع الحديث عنه هو سلاح المقاومة والجماعات المسلحة في قطاع غزة وبدرجة أقل في الضفة الغربية، وهو موضوع يشكل قنبلة موقوتة قد تُفجر كل التوافقات إن لم يتم معالجتها الآن.

كانت الفصائل ومنذ بداية حوارات المصالحة في القاهرة 2009 تتجنب فتح ملف الأمن وسلاح المقاومة، وحتى في اللقاءات الأخيرة في القاهرة في الشهر الماضي صرح أكثر من مسؤول حزبي بأن ملف سلاح المقاومة لم يتم مناقشته وأنه خارج النقاش ولا يمكن المساس بسلاح المقاومة ما دام يوجد احتلال.

من حيث المبدأ فإن كل فلسطين خاضعة للاحتلال وحيث يوجد الاحتلال يوجد الحق بالمقاومة وهو حق مستَمد من كل الشرائع الدينية والوضعية كما أن الأمم المتحدة تُقر بحق الشعوب الخاضعة للاحتلال بمقاومته بكل الوسائل الممكنة والمتاحة. إن أي شعب خاضع للاحتلال ويتخلى عن حقه بالمقاومة ولا يمارسها إنما يُسقط حقه بوطنه ويبلغ رسالة بأنه مستعد للتعايش مع الاحتلال، وعلى هذا الأساس فإن الحق بالمقاومة يُرقى لدرجة الثابت الوطني والمقدس ولا يجوز لأحد أن يتخلى عنه.

ولكن، المقاومة ليست مجرد شعارات أو رجال يحملون السلاح أو الأعمال القتالية الارتجالية لشخص أو حزب، كما لا يجوز لحزب أن يُعلن المقاومة أو الجهاد فيما رأس النظام السياسي وبقية الأحزاب ملتزمة بالهدنة أو بالتسوية السياسية، بل يجب أن تندرج المقاومة في سياق استراتيجية وطنية تُحدِد مفهومها وأدواتها وأهدافها، وهي استراتيجية تتكيف حسب خصوصية ومعطيات كل مرحلة، وقد سبق أن توافقت الفصائل على أن قرار الحرب وقرار السلم يجب أن يكون وطنياً وبتوافق كل الأطراف وهذا ما أكد عليه أيضاً رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عندما تم تبني الوثيقة الجديدة لحماس عام 2017، إلا أن الأمور سارت على عكس ذلك، فلا قرار العودة للمفاوضات والتسوية السلمية كان بالتوافق ولا قرار المقاومة في غزة والاشتباك مع جيش الاحتلال كان بتوافق وطني، وحتى الهدنة التي وقعتها حركة حماس لم تكن بتوافق وطني كامل.

راهناً، وقد قررت كل الأحزاب والفصائل المسلحة وغير المسلحة –باستثناء حركة الجهاد الإسلامي- المشاركة في انتخابات مجلس تشريعي لسلطة الحكم الذاتي، واتفقت على أن تكون الحكومة التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات حكومة وحدة وطنية، وحيث إن حركة حماس وقعت اتفاقية هدنة مع إسرائيل وأوقفت المقاومة المسلحة، وحتى مسيرات العودة وكسر الحصار تم وقفها، وحتى لا يصبح حالنا كحال لبنان حيث أصبح سلاح حزب الله أو سلاح المقاومة أحد العوائق أمام استقرار لبنان ونجاح المسار الديمقراطي، وحيث إنه ليس من مهمة الحكومة الفلسطينية القادمة الدخول في مواجهات مسلحة مع الاحتلال كما أن المرحلة القادمة كما يبدو مرحلة استشراف فرص التسوية السياسية، و لأن ما تملكه فصائل المقاومة من سلاح ومسلحين أكثر عدداً وأقوى مما تملكه أجهزة أمن السلطة، وحيث إنه لا يجوز أن يملك حزب مشارك في الحكومة سلاح ومسلحين غير خاضعين للحكومة بينما أحزاب أخرى لا تملك سلاحا ولا مسلحين...

لكل ذلك يجب الآن مناقشة ملف سلاح المقاومة في المرحلة القادمة، حتى لا يرتد سلاح المقاومة على الشعب وقد عايشنا وسمعنا كثيراً من الحالات التي تم فيها استعمال (سلاح المقاومة) لتصفية حسابات حزبية أو عائلية بل أحياناً ارتكاب جرائم سرقة وسطو وابتزاز، بالإضافة إلى الانفجارات العَرَضية أو الناتجة عن المناورات الحربية وتجريب صواريخ وأسلحة الخ.

انطلاقاً من ذلك ولأن هناك اجتماع في القاهرة بعد أيام بين الأحزاب الفلسطينية للبحث في القضايا الخلافية، نتمنى أن يمتلك المتحاورون الجرأة ويضعوا على رأس اهتماماتهم بحث الملف الأمني وخصوصاً مستقبل سلاح المقاومة، لأنه لا يمكن لمواطن أن يشعر بالطمأنينة والاستقرار في قطاع غزة أو الضفة الغربية ولا يمكن لحكومة أن تستقر، حتى مع تشكيل حكومة وحدة وطنية، ما دام هناك ترسانة من الأسلحة بيد الأحزاب والأفراد، وهؤلاء غير منزهين عن الهوى والعواطف والمصالح الخاصة والارتباطات الخارجية، وإن كان هذا السلاح تم استعماله بين أبناء فصيل واحد وبين أبناء فصائل المقاومة ضد بعضها البعض فما الضمانة لعدم استعماله في أية خلافات ستنشب بين مكونات حكومة ما بعد الانتخابات وخصوصاً أنه تم ترحيل كثير من القضايا الخلافية إلى حين تشكيل الحكومة، بل ما ضمانة عدم اللجوء للسلاح كأداة ترهيب أثناء الانتخابات وقبل تشكيل الحكومة؟

نعم المقاومة حق مقدس ومرفوض تجريد الشعب الفلسطيني من سلاحه قبل تحرير وطنه، ولكن يجب أن يكون هناك مرجعية واحدة تشرف على السلاح والجماعات والأجهزة المسلحة سواء المتواجدة في قطاع غزة أو الضفة، أيضاً استراتيجية وطنية للمقاومة والتي يتحدث عنها الجميع دون خطوات عملية لإنجازها، وهذان الإجراءان يجب أن يُنجزا قبل الانتخابات وتشكيل الحكومة، هذا إن جرت الانتخابات في مواعيدها وتم الالتزام بمخرجاتها.

وحتى في حالة عدم إجراء الانتخابات فإن موضوع سلاح المقاومة بشكل عام يجب معالجته بحكمة وسرعة خصوصاً مع تبني فصائل المقاومة في قطاع غزة (استراتيجية دفاعية)!!!! ووجود هدنة بينها وبين الكيان الصهيوني، وإلا سيتحول السلاح لأداة قمع داخلي، ولا يستثنى من ذلك سلاح الفلتان الأمني في الضفة الغربية وهناك خشية أن تتحول مناطق السلطة في الضفة إلى حالة فوضى وفلتان كما هو الحال في المجتمع الفلسطيني في أراضي 48، وإسرائيل غير بعيدة عن حالة الفلتان وفوضى السلاح في الحالتين.

[email protected]

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق