q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

صناعة المجتمع التكافلي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

يشير مصطلح أو تسمية الضمان الاجتماعي، إلى برامج عمل الحكومة التي تهدف إلى تعزيز رفاهية السكان، من خلال اتخاذ تدابير مساعدة وإسناد، تضمن الحصول على ما يكفي من الموارد العينية أو المالية، لتأمين الغذاء والمأوى ومن أجل تحسين الصحة ورفاهية السكان، في قطاعات كبيرة...

(يتوافق الضمان الاجتماعي في الإسلام مع الإنسانية في أعمق أبعادها)
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)

يشير مصطلح أو تسمية الضمان الاجتماعي، إلى برامج عمل الحكومة التي تهدف إلى تعزيز رفاهية السكان، من خلال اتخاذ تدابير مساعدة وإسناد، تضمن الحصول على ما يكفي من الموارد العينية أو المالية، لتأمين الغذاء والمأوى ومن أجل تحسين الصحة ورفاهية السكان، في قطاعات كبيرة، ومحتمل أن تكون الأوساط المستهدَفة ضعيفة، مثل الأطفال وكبار السن والمرضى والعاطلين عن العمل، وغالبًا ما تُسمى الخدمات التي تقدم الضمان الاجتماعي بـالخدمات الاجتماعية.

ولابد من التأكيد على أنهُ لكل فرد الحق في الضمان الاجتماعي، وله الحق في أن يتم توفيره له، من خلال الجهد القومي والتعاون الدولي وبما يتفق مع التنظيم والموارد في كل دولة، من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها، لحفظ كرامة الإنسان وتأمين حريته الشخصية.

يذهب علماء الاجتماع إلى أن التكافل الاجتماعي الهادف لضمان عيش مناسب للإنسان، ينبغي أن يكون ذا طابع جمعيّ، حتى تكون له القدرة على التأثير في جميع المجالات التي لها مساس مباشر، أو غير مباشر لإنجاز الاكتفاء الذاتي، وهو ما تخطط له الدول التي تقودها أنظمة سياسية جيدة.

إهمال الحكومات للضمان الاجتماعي دليل على فشلها، وعدم نشر ثقافة التكافل سببها خلال قيادي أولا، يؤدي إلى كوارث كبيرة تصيب المجتمع، وتجعل حياته مشوهة ومشلولة، بحيث يصبح مجتمعا عاجزا وخاليا من أدنى القدرات، والمواهب والطاقات التي يمكن أن تجعله قويا متماسكا،

ولا توجد أدنى مغالاة في قولنا، أن السبب الأساس في نجاح إقامة مجتمع إسلامي متماسك إبّان الرسالة النبوية الشريفة، يعود إلى وضع قواعد وثوابت تحثّ الفرد والجماعة على اعتماد منهج التكافل كثقافة اجتماعية، يتفاعل في ضوئها الجميع، مما يتيح ضمانا اجتماعيا رصينا، من خلال ثقافة سلوكية تصبح منهج حياة للمجتمع، وهو ما تم ترسيخه في مجتمع الرسالة الأول.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتابه الثمين (السياسة من واقع الإسلام): (إن رسول الله صلی الله عليه وآله قال: فمن ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً فعليَّ).

كيف نجعل من التكافل فعلا تكامليا؟

هذا يعني أن قيادة الدولة، وحاكمها الأعلى، يرسخ قواعد تدعم التكافل الاجتماعي، ويسعى بمثل هذه المبادرة إلى صناعة مجتمع تكافلي، يضمن فيه الجميع حقّهم في العيش الكريم، وإذا كان النظام السياسي وقائده يدعو إلى هذا النوع من التعاون المجتمعي، فأمر طبيعي أن يتوسع هذا السلوك التعاوني ليتحول إلى منظومة اجتماعية يسير في ضوئها الحراك المجتمعي كلّهُ.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه): (يتوافق الضمان الاجتماعي في الإسلام مع الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبتأكيد لم يره التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام حتى اليوم ضماناً اجتماعياً بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام).

البيئة الاجتماعية يمكن رسمها وفق ما يتم التخطيط لها، فلا شيء يحدث بصورة تلقائية، التمهيد والإعداد لصناعة مجتمع تكافلي، يحتاج إلى خطط مدروسة، ومن ثم العمل بجدية لنشر فوائد التكافل، ليس للفقراء وحدهم، وإنما حتى الأغنياء ومن يسعى للتبرع منهم، سوف يتنعّمون بالسعادة النفسية، وراحة الضمير، والشعر بالامتلاء والاكتفاء الذاتي، كونهم أسهموا بمساعدة الآخرين.

والإنسان بطبعه يحب تقديم المساعدة لمن يحتاجها، فإذا وجد من يشجعه على هذا الفعل، سوف يتضاعف لديه التحفيز، وهذه هي مهمة القيادات والنخب الفكرية والدينية والثقافية والسياسية أيضا، هذه الجماعات القيادية الرسمية والمدنية، تقع عليها مسؤولية صناعة المجتمع التكافلي.

لاسيما أننا نعيش في مجتمع تسوده قواعد وضوابط وثقافة وسلوكيات، تنظمها مجموعة من السنن والشرائع التي تكفل الحياة الكريمة للإنسان، فقد وردت نصوص كثيرة للشريعة الإسلامية تعالج هذا الجانب، وتحث على إعطائه الأهمية القصوى، لأسباب تتعلق بأهمية صناعة المجتمع التكافلي، مما يجعل من هذه المهمة أمراً قابلا للتحقيق.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(في نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير - حول الأمن الاجتماعي- وهو إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدى اهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الاجتماعي المهم، حيث تكرر نقل ذلك عن نبي الإسلام صلی الله عليه وآله والأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام).

الإيمان بإجراءات الضمان الاجتماعي

للقائد النموذج دوره في تحفيز المجتمع، كي يصبح تكافلا متعاونا، وهو ما كان يقوم به الرسول الأكرم (ص) بنفسه، حيث يستثمر وجوده في محاضرة أو كلمة للجماعة، فيعلن عليهم خطوة تكافلية عظيمة تتكفل بها الدولة، لتجعل الإنسان المتوفّى في حل من مديونيته سواء للدولة أو لغيرها.

يذكرنا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بالفعل القيادي الإنساني قائلا:

(ما كان رسول الله صلی الله عليه وآله ينزل من منبره، إلا قال: من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك ديْناً أو ضياعاً، فعليّ).

ويضيف سماحته (دام ظله): إن (هذا واحدا من بنود الضمان الاجتماعي في الإسلام، ويظهر منه عمق الإنسانية في الإسلام، وفي هذا النظام بالذات).

ولن نخطئ إذا قلنا بأن كل ما يعجّ به عالمنا من تصريحات وتبجح، حول المساعدات والتكافل المجتمعي، حول أولوية نشر التكافل، يؤكد ويثبت بأن الإسلام هو أول من خطا وسار في هذا المسار، إذ هناك مجتمعات من الغرب خصوصا ومن الشرق أيضا، تدّعي بأنها هي أول من رسخ هذا النظام التعاوني لصناعة المجتمع التكافلي، وهو ما تفنّده شواهد تاريخية لا يمكن إنكارها.

من أهم ما يهدف إليه هذا النظام التكافلي، هو الإبقاء على كرامة الإنسان محفوظة، وغير قابلة للمساس بسبب العوز المادي، هذه هي أهمية التكافل في نظر الإسلام فضلا عن ترسيخ الأمن الاجتماعي القادر على كبح آفة الفقر، من خلال عدالة التعامل مع عموم الناس في هذا الجانب، وقبر الفقر وهو في مهده من خلال التمهيد والتجسيد الفعلي لصناعة مجتمع يسوده التكافل، والرحمة والتعاون والشعور المتبادل في حفظ الحقوق واحترامها بشكل متبادَل.

إننا في واقع الحال نحتاج إلى ثقافة تبدأ بالحاكم، والطبقة السياسية أولا، فالحكومة حين تعلن تحملها سداد ديون الفقراء، إنما تخفف من الفقر، وتقضي عليه، وتحث الجميع على التعاون، وبذلك تتوافر فرص كثيرة لصناعة المجتمع التكافلي، وهو ما ينبغي أن يسعى إليه قادة النخب بمختلف أنواعها.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول في المصدر نفسه: (لو مات شخص وعليه ديون، فليس على النظام الحاكم من دينه شيء أبداً، أترى كم يساهم مثل هذه الأنظمة في تشتيت المجتمع وتحطيم الديون بين الأفراد والجماعات، إذ الدائن لا يملك ضماناً لو أعطى ديْناً لفقير معدم، لأنّه لو مات فمن الذي سيتكفّل ديونه؟)

في النهاية، مثل هذه الأسئلة المحرجة، لابد أن يُجاب عنها من قبل الحكومات، وقادة النخب، فهؤلاء هم الأقدر على صناعة مجتمع تكافلي، ولكن هذا لا يعفو الآخرين من أدوارهم ومسؤوليتهم، فالحقيقة كل فرد تقع عليه مسؤولية ودور يجب عليه أن يتصدى له بجدية، فهو معني مثل غيره باعتماد ثقافة وسلوك التكافل المتبادَل، والنتائج النافعة في الآخر، لابد أن تشمل المجتمع كلّه دون استثناء.

اضف تعليق