q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

كيف تصبح فرداً إيجابيا في المجتمع؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

للفرد في المجتمع مكانة يحدّدها نشاطه، ومن خلالها يحصل على درجة القبول أو الرفض المجتمعي، فإذا كان دوره إيجابيا ترتقي مكانته ومركزه إلى مراتب عليا، ويصحّ العكس في حالة تنكّر لدوره، وتعامل ببلادة أو لا مبالاة مع هذا الدور الأساس في تطوير المجتمع...

للفرد في المجتمع مكانة يحدّدها نشاطه، ومن خلالها يحصل على درجة القبول أو الرفض المجتمعي، فإذا كان دوره إيجابيا ترتقي مكانته ومركزه إلى مراتب عليا، ويصحّ العكس في حالة تنكّر لدوره، وتعامل ببلادة أو لا مبالاة مع هذا الدور الأساس في تطوير المجتمع.

هناك من يستكثر على الفرد قدرته في تغيير محيطه الاجتماعي، ويرى في ذلك ضربا من المبالغة أو التهويل، فيقول بعضهم إن الإنسان محكوما بظروفه المحيطة، وبقدراته العقلية والعضلية، وأنه يأتي هذه الدنيا ويغادرها دون إرادة أو قرار منه، لذلك يرى هؤلاء عجز الإنسان ومحدودية طاقاته.

لكن التاريخ والشواهد الدالّة التي أكدّها العلم والعلماء وصفحات التاريخ والواقع معا، تثبت بما لا يقبل الريب، بأن الإنسان عندما يكون إيجابيا متفائلا فاعلا وليس متقاعسا، فإنه يمكن أن يفعل الكثير ويمنح محيطه الاجتماعي فرصا كبيرة للتطور، فهو وإن كان فردا ذا طاقات معروفة وفق المنطق التكويني، إلا أن درجة الإيجابية التي يتحلى بها يمكن أن تجعل منه إنسانيا (خارقا) قياساً لغيره.

لذلك هناك أنواع من البشر، يتحلون بدرجات متباينة من الإيجابية، أفضلهم من يؤمن بنفسه ويثق بها، ويرفض الاستسلام للعقبات والمعوقات المادية والمعنوية التي قد تعيق تقدمه، فهناك أفراد بدأت عقولهم بمشاريع صغيرة وبإرادة كبيرة، تمكنوا أن يدفعوا بمجتمعاتهم إلى الأمام بقوة.

ظهر دورهم هذا من خلال تأسيسهم لنشاطات تعاونية جماعية، أسهمت في مساعدة الناس على الانتقال من الفقر إلى الغنى، ومن الضعف إلى القوة، ومن الحياد أو النكوص إلى الفاعلية، بحيث استطاع هؤلاء الإيجابيون دمج فرديتهم بالجماعة والتأثير فيها، ومن ثم نقل مجتمعاتهم نحو الرفعة والتطور المضطرد.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله)، يقف في مقدمة العلماء والمفكرين الذين حثّوا وشجعوا الأفراد، على أن يكون لهم دورهم الإيجابي الفاعل في مجتمعاتهم، وحذر من الركون إلى العجز والكسل وتثبيط الهمم، ورسم للأفراد خطوات عملية واضحة، تنقلهم من اليأس إلى التفاؤل، ومن الحيادية إلى التأثير، ومن العجز إلى الأفعال الكبيرة.

إنجازات الفعل الفردي الحيوي

في كتابه القيّم (كل فرد حركة وفلسفة التأخّر)، يقول الإمام الشيرازي:

(من الضروري أن يقوم كل فرد، بتأسيس أو تكوين هيئة أو جماعة أو جمعية أو ندوة أو نحوها، مهما كانت ظروفه المعيشية صعب، فالمهم أن يتم التجمع مع جماعة، لأنّ )يد الله مع الجماعة)، فيجتمعون كل أسبوع أو نحوه لمرّة واحدة، من أجل تطوير الحياة في أحدِ أبعادها). هذه الخطوة العملية يقترحها الإمام الشيرازي على أفراد الأمة، كي يصبحوا إيجابيين مؤثرين وفاعلين.

مغبونٌ منْ تساوى يوماه، قول كبير للإمام علي عليه السلام، يطالب الفرد أن يتصاعد يوميا في منجزاته، وأن يختلف يومه عن أمسه، وغدهُ عن يومه، وهناك نشاطات ومشاريع كثيرة ممكنة التشييد، هي بحاجة لمن يبادر لإنشائها، من خلال التخطيط والتحشيد لمشاريعه وأفكاره، والتحوّل من دائرة العجز إلى دائرة الحركة الإيجابية، وسرعان ما تصبح فعلا مجتمعيا جماعياً مباركاً.

الكثير من المبادرات يمكن أن يتحرك نحوها الفرد، المهم في الأمر أن تكون هناك حركة إيجابية تشحن الآخرين بهذه الطاقة الفعّالة، والمشاريع التي يحتاجها المجتمع كي يتطور كثيرة، منها المبادرة لإنشاء المكتبات العامة، وهي مطلوبة في جميع الأمكنة التي يمكن أن يجتمع فيها الناس كالبيوت والمدارس والعيادات الطبية، وحتى في وسائل النقل المختلفة التي يتكدس فيها المسافرون.

الإمام الشيرازي يقترح عددا من المبادرات على الفرد الإيجابي فيقول:

(من هذه الأبعاد تأسيس المكتبات العامة، لأن المكتبة ترفع المستوى الثقافي للأمّة، وطلب العلم الصحيح فريضة ومستحب، فمن الممكن أن تكون المكتبات عامة أو خاصة، في البيوت أو المساجد أو سائر المؤسسات، بل وحتى في الطائرات والقطارات والسيارات ومراكز الطب والأطباء والمحامين، وغير ذلك. ولا يوجد فرق في ضرورة المكتبات للرجال أو النساء أو الأطفال أو لفئة خاصة، ويمكن الاستفادة من المكتبات الصوتية أيضا).

تُرى لو أجرينا مسحا ميدانيا لقلّة الكتب والمكتبات المجانية العامة، فكم سوف يكون عددها، وبالتالي كم سيكون عدد الناس الذين لا يقتربون للكتاب، لا لشيء إلا لكونه بعيد عنهم، أو أنهم غير قادرين على الوصول إليه، فإذا بادر أحدهم إلى إنشاء مكتبة في مكان يجتمع فيه الناس، فإنه سوف يلقي الحجة عليهم، وليس أمامهم إلا أن يبادروا بالقراءة، وبعضهم بالفعل يرغب القراءة لكن الكتب ليست متيسرة له، في هذه الحال سوف يجدها بين يديه وسوف يؤثر بغيرة حتما.

تأسيس هيئات لتقديم الخدمات العامة

من المقترحات المترابطة مع المبادرة الأولى أعلاه، إنشاء المطابع، فمن غير الممكن تقديم الكتب للناس دون وجود المطابع، ولذلك يجب أن يبادر أفراد آخرون ببناء المطابع، لطبع الكتب المفيدة وجعلها تحت تصرّف القراء، كي يتطوروا ثقافيا وفكريا ودينيا، ويؤثروا في غيرهم أيضا.

بهذه الطريقة سوف تزداد أعداد الكتب، وتتضاعف أعداد المكتبات، ويزداد القراء بشكل متصاعد، وهذا يعني أننا سوف نكون أمام محيط اجتماعي متنوّر واع مثقف، له دوره الإيجابي في تطوير الحياة.

لذا من تلك المهام والأبعاد التي تقع ضمن مسؤولية الفرد لتطوير المجتمع (تأسيس المطابع، فيمكن أن تقوم بذلك إحدى الجمعيّات، فمثل هذا العمل يعدّ توسيعا لآفاق الثقافة، فالأخيرة هي التي تقود حياة الإنسان وتوجهها في المسارات الصحيحة) كما أكد ذلك الإمام الشيرازي في كتابه المذكور آنفاً.

مما يعانيه المجتمع المتأخر قلة الخدمات العامة، وحصر توفيرها بالحكومات فقط، وهو توجّه خاطئ، لأن العمل الطوعي المجتمعي يمكنه المبادرة بتقديم الكثير من الخدمات العامة التي تنقص الآخرين، ويمكن العمل على تقديم مساعدات تُسهم في تقليل نواقص الشباب وغيرهم، ومنها على سبيل المثال المبادرة بتزويج الشباب.

عند الولادات أيضا هناك من يعجز عن سد نفقاتها، أو يعجز عن توفير العلاجات الطبية، بل حتى الأموات قد يعجز بعض الناس عن دفنهم، مثل هذه الحالات التي تحدث بشكل متواصل في المجتمع، تحتاج إلى من يبادر لتقديم التسهيلات والمعونات اللازمة لمن يحتاجها، تبدأ بفعل فردي، ومن الممكن أن تنضوي في إطار جمعيات خيرية تتصدى لمثل هذه الأعمال التي تجعل المجتمع أكثر تماسكا.

الإمام الشيرازي يقول: (من الأبعاد المهمة تقديم الخدمات العامة، حيث تقوم بعض الجمعيات بتقديم المساعدة عند الولادة، أو الزواج، أو عند الموت، إذ أنّ كثيراً من الناس الفقراء في دنيا اليوم التي اتسمت بالماديّة، يعجزون عن إدارة شؤون أنفسهم، خاصة في الحالات التي سبق ذكرها، وقد جاء في الحديث الشريف: عونك الضعيف من أفضل الصدقة).

مطالعة واقع الأمة، في كثير من البلدان الإسلامية، يبرز تضخّم مشكلة البطالة، وعجز الحكومات عن توفير فرص العمل المناسبة، وفق مبدأ تكافؤ الفرص، وهذا يؤثر على البنية الاجتماعية، ويدمّر النسيج المجتمعي، ويضعف القيم الأخلاقية، لذلك يجب على الأفراد الإيجابيين أن يبادروا لمعالجة مشكلة البطالة، وتشغيل العاطلين، ولا بأس أن يكون ذلك عبر هيئات أو جمعيات تتخصص بتسهيل مهمة العثور على فرصة عمل تحمي كرامة الناس من الإذلال.

لذلك من الأبعاد والمهام الممكنة (تأسيس جمعيات لتشغيل العاطلين، ولا فرق إن كانت خاصة بتشغيل الرجال أو تشغيل النساء، وقد كان لنا في كربلاء المقدسة (هيئة الأعمال الشريفة) تخصصت بمساعدة العاطلين على إيجاد فرص عمل مناسبة لهم)، وهذا ما دوّنه الإمام الشيرازي في مقترحات عملية لابد من الأخذ بها لتطوير المجتمع عبر تفاعل أفراده الإيجابيين.

وأخيرا لعلّ إلقاء نظرة على المجتمعات الإسلامية، يؤكّد أن الأبعاد التي تم طرحها في أعلاه، تحتاج إلى معالجة فعلية، بل هنالك ما ينقص هذه المجتمعات أيضا، مما يؤكد الحاجة الكبيرة للفرد الإيجابي، وللمبادرات المتنوعة التي تمد أذرع المعونة والتكافل لإنقاذ المجتمع من دوامة الضعف والتأخر، وهو ما يمكن تحقيقه إذا ما آمنا جميعا بأن الفرد بمقدوره عمل المزيد إذا كان إيجابيا.

اضف تعليق