q
تتجه بوصلة الانقاذ صوب طرفين في المجتمع هما: فئة الاقلية الواعية صاحبة الرؤية السليمة للمشكلة والحل، وفئة المواطنين الفعّالين القادرين على التحرك في الميدان بالشكل السليم، وبتحالف هاتين الفئتين يكون من الممكن ممارسة التأثير الايجابي على الشريحة الكبيرة من الناس، واقصد بها شريحة الناخبين الذي يملكون بدرجة ما قدرة التأثير على تطورات الحالة العراقية...

يكاد المراقب من الخارج ان يرصد ثلاثة انواع من مقتربات الحلول للوضع العراقي الراهن، والوضع الراهن هو الانسداد في قدرة الدولة العراقية على اداء وظائفها.

المقترب الاول، ولنطلق عليه اسم "المقترب التقليدي الحاكم". وهو الذي يظهر على شكل بيانات ومبادرات من طرف فئة الحاكمين في الدولة. وبالذات من الطرف الشيعي في هذه الفئة. ويلاحظ على مبادرات هذا الطرف انها مازالت تدور في نفس دائرة الفكر السياسي الذي ادار الدولة خلال الاعوام الماضية. وهو الفكر الذي يتمحور حول المكوناتية، وليس المواطنة. وثمة اجماع على ان هذا النمط من التفكير هو جزء من مشكلة الدولة العراقية، بل قد يكون هو العامل الاساسي في هذه المشكلة. والمفارقة هنا ان هذا الطرف الحاكم يُقر بالمشكلة لكنه لا يخرج في مبادراته الاصلاحية لحلها عن الفكر الذي تسبب بها.

المقترب الثاني، ولنطلق عليه اسم المقترب الشعبوي، الذي جسدته تظاهرات عام ٢٠١٩ بعد اختراقها وركوب موجتها من قبل اطراف داخلية وخارجية عديدة. وهذا المقترب يتسم بعدم الوضوح في الرؤية، باستثناء الرفض الكلامي المطلق لكل شيء، ثم القبول بالحلول القشرية التي جسدها مجيء مصطفى الكاظمي الى سدة الحكم، حيث سكنت التظاهرات، وانخرط اشخاصها في السلطة الخفية لحكومة الكاظمي.

المقترب الثالث، ولنطلق عليه اسم "المقترب الحضاري"، الذي يرى ان جوهر مشكلة الدولة العراقية يكمن في عيوب التأسيس واخطاء الممارسة التي تراكمت منذ سقوط النظام الدكتاتوري البعثي المتخلف حتى الان، والتي عبرت من ناحية اخرى عن الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة. يطرح هذا المقترب اقلية واعية من الناس، تدرك جوهر المشكلة وتعرف جوهر الحل، وتتألف من عدد من المفكرين والكتاب والاعلاميين والاساتذة الجامعيين، فضلا عن المرجعية الدينية العليا التي كثيرا ما اشارت الى الخطوات المطلوبة في هذا المقترب.

وبنظرة تحليلية الى هذه المقتربات يمكننا القول ان المقترب الاول حركة الى الخلف، والمقترب الثاني دوران حول الذات، فيما يشكل المقترب الثالث محاولة جادة للتحرك الى امام، مزودة (المحاولة) برؤية علمية دقيقة لطبيعة المشكلة (اي الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به)، ورؤية مستقبلية لحل المشكلة (اي فكرة الدولة الحضارية الحديثة).

ويمكننا بعد هذا التقييم الاولى للمقتربات الثلاثة ان نقول ان المقتربين الاول والثاني لا يمكنهما حل المشكلة وان التمسك بهما يطيل من عمرها، ويضيع المزيد من الجهد والوقت، ويُشغل الجمهور بحراك سياسي-اجتماعي لا جدوى منه. بل ان الاول يعطي جرعة انعاش لفئة سياسية حان وقت رحيلها، فيما يسهم الثاني في تشكيل فئة سياسية جديدة لا تشكل بديلا مجديا عن الاولى.

وبعد قول هذا، يمكننا القول ان المقترب الثاني هو الذي يمسك بيده مفتاح الحل وخارطته، وان كان لا يملك الادوات اللازمة لذلك. وهذا يضع العراق في دائرة انعدام الوزن، حيث لا يمكن ضبط اتجاه الحركة، والتحكم بها، وهذه حالة خطرة ينبغي ابعاد المجتمع والدولة عنها.

تتجه بوصلة الانقاذ صوب طرفين في المجتمع هما: فئة الاقلية الواعية صاحبة الرؤية السليمة للمشكلة والحل، وفئة المواطنين الفعّالين القادرين على التحرك في الميدان بالشكل السليم.

وبتحالف هاتين الفئتين يكون من الممكن ممارسة التأثير الايجابي على الشريحة الكبيرة من الناس، واقصد بها شريحة الناخبين الذي يملكون بدرجة ما قدرة التاثير على تطورات الحالة العراقية. الامر الذي يتطلب تحديد نوعية السلوك الانتخابي المطلوب من اجل تحقيق الهدف الاساسي وهو الشروع بالحل الجوهري للمشكلة العراقية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق