q
بغضَ النظر عن عدالة ومشروعيّة حقوق الأقليّات في إقامة دولهم، وفي الحصول على استقلالهم ضمن الكيانات السياسية، والجغرافيّة التي يعيشون، ويستوطنون فيها، منذ عهود بعيدة، بغضّ النظر عن كلّ ذلك يمكن أن نطرح الآن، وفي هذا التوقيت بالذات، الأسئلة الاتية: ماهي علاقة جمهوريّة كردستان الحمراء (سابقاً)، بجمهوريّة ناغورني قره باغ، الحمراء حاليّاً؟...

بغضَ النظر عن عدالة ومشروعيّة حقوق "الأقليّات" في إقامة "دولهم"، وفي الحصول على "استقلالهم" ضمن "الكيانات" السياسية، و"الجغرافيّة" التي يعيشون، ويستوطنون فيها، منذ عهود بعيدة.

بغضّ النظر عن كلّ ذلك يمكن أن نطرح الآن، وفي هذا التوقيت بالذات، الأسئلة الاتية:

ماهي علاقة "جمهوريّة كردستان الحمراء"(سابقاً)، بجمهوريّة "ناغورني قره باغ"، "الحمراء" حاليّاً؟ ماهي الدروس، والعِبَر، والنتائج المُستخلَصَة من نشأة وتأسيس "جمهوريّات" كهذه؟

هذا ما سنحاولُ الإجابة عليه من خلال العرض الآتي.

أوّلاً: جمهورية "ناغورني قره باغ"

"ناغورني" كلمة روسية تعني مرتفعات (أو جبال). أمّا "قره باغ" فتعني الحديقة السوداء. وبهذا فإنّ "ناغورني قره باغ" تعني عند الترجمة "مرتفعات الحديقة السوداء"، ويُطلِق الأرمن الذين يعيشون في الإقليم عليها إسم "آرتساخ". أمّا الأذريّون فيعرفونها بإسم"يوخاري قره باغ" ، أو "قره باغ العليا" (بالمعنى الحرفي للكلمات).

يقع اقليم "ناغورنو قرة باخ" داخل الأراضي الأذربيجانية، وهو أحد أقاليم جمهورية أذربيجان في الأصل. عاصمته هي سيتباناكيرت (نسبة للزعيم الأرمني البلشفي ستيبان شوموهان)، يقدّر عدد سكّان الإقليم بـ 145 ألف نسمة، 95% منهم أرمن (غالبيتهم من الأرمن الأرثوذوكس) ، و5% منهم من أعراق أخرى.

في عام 1923 قامت السلطات السوفيتيّة بوضع الأرمن (من سكّان قره باغ) داخل حدود أذربيجان، وبحدود اداريّة تمّ ترسيمها لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانيّاً (وذلك بالضدّ من رغبة السكان من أصول أرمينية). وفي المقابل أبقتْ هذه السلطات الأقليّة الأذربيجانيّة في اقليم "ناختيشافان" معزولةً داخل جمهورية أرمينيا. وإضافة لذلك فقد منحت السلطات السوفيتيّة اقليم "قره باخ" صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، لتزرع بذلك العديد من القنابل الموقوتة التي ما لبثت ان انفجرت لاحقاً بين أرمينيا وأذربيجان.

وبعد تفكّك الإتحاد السوفيتي(1991)، أعلن الإنفصاليّون في إقليم "قره باخ"(1992) الإستقلال عن أذربيجان. وفي عام 1993 توغّلت أرمينيا داخل أذربيجان، وسيطرت على شريط الأرض الفاصل جغرافيّاً لـ "قره باغ" عن أرمينيا، المسمّى بـ "رواق لاجين"(سنذكر "لاجين" هذه لاحقاً في هذا المقال لأهميتها بالنسبة لجمهورية كردستان الحمراء). كما استحوذت أرمينيا على أراضي 6 مقاطعات أخرى شرق وجنوب "قره باغ"، وأحتلّتْ بذلك ما يقدّر بـ 20% من إجمالي مساحة أذربيجان.

وفي عام 1994 أعلن "الإنفصاليّون "الأرمن عن قيام جمهوريّة "ناغورني قره باغ" ، وهي جمهورية غير معترف بها دوليّاً ، وتعمل بالنظام الرئاسي منذ تشرين الثاني/نوفمبر/ 1994.

ثانياً: جمهوريّة "كردستان الحمراء"

تُسمّى هذه الجمهورية بالكرديّة"كردستانا سور"( (Kurdistana Sor، وبالأذريّة "قيزيل كردستان" ، وبالروسيّة "تراسفايا كردستان". وهي جمهورية ذاتيّة الحكم تابعة لأذربيجان، تأسّست بداية عهد لينين ، في7 تموز / يوليو/ 1923 ، وأنتهتْ في 8 نيسان / أبريل/ 1929.

كانت عاصمة هذه الجمهورية هي "لاجين"، التي تضم مدن "كلباجار" و "قوبادلي" التي تقع اليوم داخل منطقة "ناغورني قره باغ" التي يسيطر عليها الأرمن منذ عام 1992. وكان الكرد يشكّلون 72% من سكانها (الذين يقدّر عددهم في حينه بـ 37 ألف نسمة). غير أنّ القمع الستاليني المستمرّ ضدّ الأقليّات في القوقاز أدى إلى اضمحلال الوجود الكردي هناك، عبر سياسات التتريك الأذريّة، وسياسات التهجير السوفيتيّة.

في مايس 1930 تمّ إنشاء وحدة إداريّة سميّت"كردستان"، ضمّتْ مناطق جديدة منها "زنكلان" و "جبرايل". وبعد تفكّك الإتحاد السوفيتي حاول الأرمن استمالة الكرد، وتمّ تأسيس "جمهوريّة لاجين الكرديّة" في عام 1992 برئاسة وكيل مصطفى (أو وكيل مصطفاييف). غير أنّ هذه الجمهوريّة لم تدم طويلاً بسبب افتقادها للدعم الجماهيري الكردي من جهة، والنظر اليها بعدّها وليدة سياسة أرمينيّة معادية لأذربيجان من جهة أخرى. لذا يعتقد البعض أنّ رفض الكرد لهذه الجمهورية(أو عدم دعمها) يعود لإشتراكهم مع الأذريّين في الدين والثقافة والأرض . وفي العام ذاته (1992) لجأ رئيس "جمهورية كردستان الحمراء" إلى ايطاليا، ومن ثمّ انتقل إلى بلجيكا، التي توفي فيها في 19 نيسان / ابريل/ 2019.

هذا عرضٌ مُلخّص للعلاقة بين جمهوريّات "الأقليّات"، وبين دول "الأغلبيّات" الكبرى المحيطة بها، أو التي تحتويها، هذا بالإضافة طبعاً للعلاقات والتحالفات القائمة على التخادم السياسي والمصلحي بين هذه الدول، وبين الدول الأخرى "الكبرى" ذات النفوذ والتأثير في هذه المنطقّة الحسّاسّة والخطيرة من العالم (ايران، تركيا، روسيا، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكيّة)، والتي تتحكّم في نهاية المطاف بأسباب ودوافع نشأة "جمهوريّات الأقليّات" هذه، أو بزوالها.

وفي التاريخ دائماً ما يستحّق اعادة القراءة والمراجعة .. لكي تعيش "الأقليّات" في محيطها بسلام .. ولا يتكرّر "الخطأ".

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق