q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

حيرة والدرب ضيّق

الاسلوب الأمريكي‮ ‬ذاته‮ ‬يحدث الآن بالطلب من حكومة الكاظمي‮ ‬ايجاد حل أمني‮ ‬لمشكلة الفصائل المسلحة العويصة‮، ‬فالطرق ضيقة جدا ويمكن لها أن تفضي‮ ‬الى نتائج كارثية قد تنتهي‮ ‬بالبلد الى التمزق والشعب الى التقاتل‮، ‬ما وضع الكاظمي‮ ‬في‮ ‬حيرة من أمره‮، ‬فأحلى الخيارات أمامه مر علقم‮...

يذكرني‮ ‬موقف الادارة الأمريكية من أزمة استهداف البعثات الدبلوماسية‮، ‬والحقيقة استهداف بعثتها‮، ‬بالسنوات الاولى للاحتلال‮، ‬ومع بدايات تشكيل القوات الأمنية العراقية‮، ‬حينها اذا أرادت القوات الأمريكية مداهمة منطقة معينة‮، ‬أن تكون تلك المداهمة برفقة الحرس الوطني‮ ‬وهي‮ ‬التسمية التي‮ ‬اطلقت على التشكيلات العراقية‮، ‬وما تسببه تلك المداهمات من انتهاك لحرمة البيوت وبث الرعب في‮ ‬نفوس العوائل‮، ‬وغيرها من الأساليب التي‮ ‬تعرفون‮، ‬فيُسقط الناس تذمرهم وغضبهم على القوات العراقية قبل القوات الأمريكية‮، ‬فنبتت بذور الكراهية وانعدام الثقة بين الأهالي‮ ‬وأبنائهم منتسبي‮ ‬القوات الأمنية التي‮ ‬دفعنا أثمانها الباهظة لاحقا في‮ ‬المناطق الغربية.

والاسلوب الأمريكي‮ ‬ذاته‮ ‬يحدث الآن بالطلب من حكومة الكاظمي‮ ‬ايجاد حل أمني‮ ‬لمشكلة الفصائل المسلحة العويصة‮، ‬فالطرق ضيقة جدا ويمكن لها أن تفضي‮ ‬الى نتائج كارثية قد تنتهي‮ ‬بالبلد الى التمزق والشعب الى التقاتل‮، ‬ما وضع الكاظمي‮ ‬في‮ ‬حيرة من أمره‮، ‬فأحلى الخيارات أمامه مر علقم‮، ‬الأمريكان‮ ‬يدفعونه لاتخاذ قرار الحرب ضد هذه الفصائل التي‮ ‬تناصبهم العداء‮، ‬وتستهدف قواتهم وسفارتهم وشركات الدعم اللوجستي‮ ‬بصواريخ الكاتيوشا‮، ‬وهذا‮ ‬يعني‮ ‬جعل القوات الحكومية بمواجهة الفصائل المسلحة‮، ‬واذا اشتعلت هذه الحرب فلن تنطفئ أبدا‮، ‬قبل ان تدفع المناطق الوسطى والجنوبية آلاف الضحايا‮، ‬وتدمير المدن المتهالكة بالأصل‮، ‬فتخيلوا حجم المآسي‮ ‬التي‮ ‬ستحدث؟‮.

‬وان لم‮ ‬يستجب الكاظمي‮ ‬للمطالب الأمريكية‮، ‬فسيتعرض النظام السياسي‮ ‬في‮ ‬العراق الى احتمالات الانهيار‮، ‬لأسباب سياسية واخرى اقتصادية‮، ‬فضلا عن ضغوط الحراك الاحتجاجي‮، ‬ذلك ان انسحاب السفارات من بغداد‮، ‬يعني‮ ‬الاقرار بان العراق لم‮ ‬يعد دولة‮، ‬وربما‮ ‬يدرج من جديد على طاولة مناقشات مجلس الأمن لفرض الوصاية عليه‮، ‬كما حدث ذلك في‮ ‬زمن النظام السابق بعد احتلاله للكويت‮، ‬ويجب ألا‮ ‬يغيب عن البال ان الأمريكان هم المتحكمون بالاقتصاد العراقي‮ ‬عبر مصارفهم التي‮ ‬تودع فيها واردات النفط‮، ‬ولا‮ ‬يمتلك العراق أية مرونة تذكر في‮ ‬هذا الجانب‮، ‬فالدولة فيه قائمة على مبيعات النفط فقط‮، ‬ولا تكاد‮ ‬تؤمن الحكومة رواتب موظفيها‮، ‬فكيف سيكون الحال مع عقوبات اقتصادية محتملة؟‮.

‬ان المشكلة تكمن في‮ ‬ان طرفي‮ ‬الأزمة‮، ‬وأقصد الأمريكان والفصائل المسلحة لا‮ ‬يبديان أية مرونة حيال هذا الواقع الواضح والمقلق‮، ‬فقد قضى تزمت الطرفين على ما‮ ‬يفكر به الكاظمي‮ ‬من خيارات للنجاة بالبلاد‮، ‬وليس ببعيد أن‮ ‬يروح الكاظمي‮ ‬ضحية لهذه الأزمة‮، ‬وربما تذهب به الى الاستقالة‮، ‬اذا رغب بعدم تحمل مسؤولية كارثة انسانية متوقعة‮.‬

لقد وضع الأمريكان العراق أمام خيارات جميها تصب في‮ ‬استراتيجية بقاء وجودهم على أرضنا‮، ‬فان تراجعت الفصائل عن أعمالها المسلحة‮، ‬فهذا‮ ‬يعني‮ ‬تلاشي‮ ‬التهديدات التي‮ ‬تستهدفهم‮، ‬وهم باقون‮، ‬وان تعنتت فسيفرض ذلك على الكاظمي‮ ‬في‮ ‬حال رغبته بالبقاء في‮ ‬السلطة‮، ‬الصدام معها بما‮ ‬يؤدي‮ ‬الى احراق الوسط والجنوب كما احرقت المناطق الغربية‮، ‬ولا‮ ‬يقل هذا الهدف أهمية‮ ‬للأمريكان عن الهدف الأول‮، ‬فلا ألذ عندهم من تقاتل القوات الحكومية مع الفصائل‮، ‬وبين الفصائل نفسها‮، ‬وبين الأهالي‮ ‬والفصائل‮.‬

ومن شأن ذلك انهاك الجميع والقضاء على المقاومة المحسوبة على ايران او تبدل مواقفها كما تبدّلت مواقف الكثير من الفصائل والجهات السياسية في‮ ‬المناطق الغربية في‮ ‬ضوء معطيات الواقع على الأرض‮، ‬وحرمان ايران من ساتر صلد ورئة مهمة في‮ ‬حال حدوث المواجهة المباشرة معها بحسب ما‮ ‬يرى الأمريكان‮. ‬وهي‮ ‬مواجهة حتمية طال أجلها ام قصر‮، ‬لأسباب شتى كنت ذكرت بعضها في‮ ‬مقال سابق‮. ‬والسؤال المهم كيف نجنب بلادنا حريقا جديدا؟،‮ ‬هذا ما‮ ‬يجب أن تتحاور به جميع القوى العراقية الفاعلة في‮ ‬المشهد‮، ‬المسلحة منها وغير المسلحة‮، ‬الرسمية وغير الرسمية‮، ‬الشيعة والسنة والكرد على حد سواء‮، ‬وواهم من‮ ‬يظن انه سيكون بمنأى عن هذا الحريق‮، ‬فان لم‮ ‬يطله لهيبه‮، ‬فالدخان سيخنقه.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق