q
إن الحكام الطغاة يدركون قبل غيرهم حقيقة أن الامام الحسين، عليه السلام، وايضاً أمير المؤمنين، وسائر الأئمة المعصومين، بل وحتى الاولياء الصالحين، لن تتكرر شخصياتهم مطلقاً، للادوار الاستثنائية التي قاموا بها، بينما أشخاص مثل الشمر، او يزيد، يمكن أن يتكرر، فالانسان المعصوم لا يتكرر...

روي عن الإمام الصادق، عليه السلام، أن الأمويين أطلقوا الحديث عن التوحيد، ولكنهم أوقفوا الحديث عن الشرك، فالامويون ومن بعدهم العباسيون لم تكن لديهم مشكلة شخصية مع الأئمة المعصومين، كما هو حال الحكام من بعدهم، لم تكن لديهم أية مشكلة مع العلماء والمصلحين، بل كانوا يسعون للتواصل معهم، ويسبقون الناس لزيارتهم، في الوقت نفسه، نرى أنهم يشاركون الناس في الطقوس الدينية –ولو لغرض التقاط الصور- ويسهمون في بناء المزارات والمراقد المقدسة، والشواهد على ذلك كثير، آخرها –وليس بأخيرها- ما قام به صدام حسين خلال فترة حكمه الذي لم يظهر مطلقاً محاربته للدين وللمظاهر الدينية، إنما مشكلته ومشكلة أمثاله في الحالة المناقضة للدين وللقيم السماوية.

يقال أن أحد علماء الدين في عهد ايران الشاه، ألف كتاباً عن شخصية فرعون، وما أن طبع الكتاب وانتشر في المكتبات حتى جاء القرار بحجز الكتاب واعتقال المؤلف الذي أعرب عن استغرابه بانه لم يكتب في السياسة ولم يتعرض للملك (الشاه) بسوء، بيد أن المعروف أن مضامين البحث عن شخصية فرعون تؤشر الى تطابق شخصيته مع شخصية معاصرة–الى حدٍ ما- وهي شخصية الشاه، فلم تشأ السلطات الحاكمة آنذاك أن يعي الناس باحتمال وجود فرعون جديد غير ذاك الذي عاش قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة، فقد كان شاه ايران، كما صدام، وأشباههم –حتى اليوم- يعدون أنفسهم منقذين وفرسان أحلام الملايين بتحقيق السعادة والعيش الرغيد.

وللتعويض عن هذه الحلقة التاريخية الهامة، أعربوا عن اهتمامهم بالمساجد والمراقد والمكتبات لتكون مجرد شواخص ضخمة ومثيرة للاعجاب بمصابيحها وزخارفها وتصميمها الهندسي وفنون التزجيج والكاشي الفسيفسائي والكتيبات القرآنية وغيرها، ولكن دون روح ومعنى يعطيه صاحب المرقد، بينما اليوم عندما تدخل حرم الامام الحسين، عليه السلام، فانك ليس فقط تستذكر تضحيات الامام وابنائه واصحابه على هذه الارض من اجل القيم السامية، وأنه صاحب رسالة إصلاح وتغيير، إنما تستذكر ايضاً الفئة التي قاتلت الإمام وتسببت بهذه الجريمة النكراء والمدوية في التاريخ، ولذا نجد اسم يزيد والشمر وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد مذكورة في الزيارة التي نقرأها أما ضريح الامام الحسين، وفي زيارة أخرى نقرأ: "لعن أمة أسرجت وألجمت وتنقبت لقتالك"، فليس افراد جيش بن سعد مسؤولون عن الجريمة، بل وثمة أفراد في الخطوط الخلفية ملطخة ايديهم بالدماء ممن ساهموا في إعداد الخيل والسلاح والامدادات اللوجستية.

إن الحكام الطغاة يدركون قبل غيرهم حقيقة أن الامام الحسين، عليه السلام، وايضاً أمير المؤمنين، وسائر الأئمة المعصومين، بل وحتى الاولياء الصالحين، لن تتكرر شخصياتهم مطلقاً، للادوار الاستثنائية التي قاموا بها، بينما أشخاص مثل الشمر، او يزيد، يمكن أن يتكرر، فالانسان المعصوم لا يتكرر، بينما الانسان المعروف بطباعه السيئة، وبتأكيد القرآن الكريم بأنه "ظلوم"، و"كفور"، فان من الطبيعي أن يظهر أكثر من شمر، واكثر من يزيد، اذا توفرت الظروف، وهذا ما دفع الحكام لأن يمنعوا التطرّق الى هذه الاسماء خلال مراسيم إقامة العزاء على الامام الحسين، حتى صارت طريفة يتداولها الناس عندما أباحت السلطات العراقية (الصدامية) ذكر مصاب الامام الحسين ومقتله، ومنعت ذكر اسم القاتل، فقالوا: "وهل نقول أن الامام الحسين مات بالصعقة الكهربائية"!

ونفس الامر نراه يتكرر في بلد مثل البحرين حيث تعد السلطات نفسها مسيطرة على الاوضاع الامنية بعد قمع أي حراك جماهيري معارض طيلة السنوات الماضية، ولكن نراها تهتز بعنف من ذكر اسم يزيد والشمر، ليس من فم خطيب على المنبر، وإنما من قراءة زيارة عاشوراء عبر تسجيل ومكبر للصوت، فيتم اعتقال متولي الجامع او المسجد لانه بث هذه الزيارة! وقد لاحظت طبعة من كتاب مفاتيح الجنان في الكويت وقد حذفت منها عبارات اللعن لمعاوية ويزيد والشمر وعمر بن سعد، ولن تشفع المبررات الدينية، على أن معاوية –مثلاً- من الصحابة! ولا يجوز سبّ الصحابة، إنما هي القضية سياسية بامتياز، فالحديث عن مثل هؤلاء ليس حديثاً عن ذواتهم، بقدر ما هو حديث عن منهجهم، وكيف وصولوا الى هذا الدرك الاسفل، وكيف أنهم مارسوا النفاق والازدواجية والتضليل وتشويه الحقائق، وتلبسوا برداء الدين لاضفاء المشروعية على إزاحة أهل بيت رسول الله من الواجهة السياسية والاجتماعية، ثم تصفيتهم جسدياً.

وقد أوضح العلماء فلسفة اللعن بأنها تتجاوز الحالة العاطفية لتشمل الحالة المعرفية لكل انسان مؤمن وموالي لأهل البيت، بل وكل مسلم حقيقي، بأن يعرف من هو العدو للدين والفضيلة والاخلاق، وما هي صفاته حتى يتجنبه ويتخذ الموقف الحازم إزائه.

واذا عرجنا على القرآن الكريم نجد مصداقية ذلك في تكرار اسم فرعون في اكثر من سورة دون سائر الطغاة الذين واجهوا الانبياء والمرسلين، مثل؛ نمرود الذي أراد حرق نبي الله ابراهيم، ورغم تبيين القرآن لقصة التوحيد الكاملة لنبي الله ابراهيم، عليه السلام، في اكثر من سورة، إلا انه لم يرد اسم نمرود ولا مرة واحدة، بينما جاء ذكر قارون –مثلاً- لانه حمل صفة حب المال وعبادته القابلة للتكرار في الشخصية الانسانية على مر العصور.

اضف تعليق