q
لقد شهد العراق اولى الثورات من اجل الحرية في التاريخ، بقيادة الثائر اوتو-حيگال في ١٤ تموز من عام ٢١٢٠ ق م، وجاء بعده الامام الحسين ليعلن ثورته في العراق من اجل الحرية، وليس هناك ما يمنع من ان يحمل شباب العراق راية الحرية في بلادهم، كاحد مستلزمات محاربة التخلف والفساد والاصلاح السياسي...

ليس عنوان هذا المقال لي؛ بل هو عنوان مقالة كتبها شاب فرنسي في عمر ١٦ او ١٨ سنة، اسمه إيتيان دو لا بويسي (١٥٣٠-١٥٦٣)، ومن المحتمل انه كتب هذه المقالة في عام ١٥٤٦-١٥٤٨، وهو التاريخ الذي شهد بدايات تحول ميزان القوى الحضاري بين "العالم الاسلامي" و"اوروبا"، بعد فتح القسطنطينية في عام ١٤٥٣ ثم سقوط الحكم الاسلامي في الاندلس في عام ١٤٩٢ وهو نفس العام الذي وصل فيه المغامر كروستوف كولومبوس الى القارة الجديدة باحثا عن طريق جديد الى الهند والصين لا يمر بالبلاد الاسلامية.

والعبودية الطوعية مصطلح يشير الى استعداد مسبق لدى الفرد او المجتمع الى التنازل عن حريته والقبول بالاستعباد لطاغية، فردا كان او جماعة، وقد اشار "الشيطان" الى هذا الاستعداد الطوعي لدى بعض الناس للعبودية، كما يذكر القران الكريم في الاية التالية:

"وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي، فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".

واذا كان الفيسبوك يعبر جزئيا عن الاتجاهات السائدة في المجتمع، فان بعض التعليقات تعبر عن وجود اتجاه في المجتمع العراقي يفضل في النتيجة النهائية الدكتاتورية و الاستبداد على الديمقراطية، العبودية على الحرية.

في تعليق على منشور لي حذرتُ في من عودة الدكتاتورية وتأليه الحاكم، كتب احد اصدقائي باللهجة العامية: "خليهم استاذ ايغنون الناس تريد تتعلق بأي منقذ ينقذها من الذي هيه فيه.... وصلنا إلى حالة اليأس بكل شيء ماعندنا دوله الطب منتهى والتعليم والخدمات وكل شيء والان القتل بالكيف متعرف منو عدوك وصديقك.... هاي الكوابيس دمرتنا فوق امراضنا البلد يحتضر ننتظر المنقذ.....".

وواضح ان اليأس من الوضع الراهن السيء، يدفع هذا المواطن الى القبول باي بديل حتى ولو كان الاسوأ، اعني الاستبداد.

الخطورة في هذا الاتجاه، مهما كان قليل العد ومحصور المساحة، انه يعبر عن خلل حاد وكبير في المركب الحضاري. فالحرية من اهم مفردات منظومة القيم الحضارية المحيطة بالمركب الحضاري، وحصول اي خلل في هذه المنظومة من شأنه ان يعيق التقدم الحضاري للمجتمع واقامة دولته الحضارية الحديثة، ويعبر عن انعدام مخيف للوعي الحضاري.

وليس هذا وليد حالة اليأس التي ولدتها الاوضاع السيئة الحالية فقط، انما هو من المضاعفات السلبية لنظام الحكم الدكتاتوري الذي جثم قرابة ٣٥ سنة على صدور العراقيين بحيث حرم بعضهم من التعرف على الحرية والايمان بها والدفاع عنها. ولم تركز مناهج التربية في المدارس العراقية على قيمة الحرية في المئة سنة الاخيرة بما يكفي لجعلها جزء لا يقبل المساومة من الثقافة الشعبية السائدة.

واعود مرة اخرى الى الشاب الفرنسي الذي ابتدع مصطلح "العبودية الطوعية" لأستعير قوله: "ان الشعب الذي يستسلم بنفسه للاستعباد يعمد الى قطع عنقه"، ومن اجل ان تجنب ان يصل شعبنا الى هذه الحالة المأساوية يكون من الضروري ان تتم اشاعة حب الحرية والتعلق بها، ورفض كل اشكال العبودية والاستبداد السياسي والديني، الفردي والجماعي.

لقد شهد العراق اولى الثورات من اجل الحرية في التاريخ، بقيادة الثائر اوتو-حيگال في ١٤ تموز من عام ٢١٢٠ ق م، وجاء بعده الامام الحسين ليعلن ثورته في العراق من اجل الحرية، وليس هناك ما يمنع من ان يحمل شباب العراق راية الحرية في بلادهم، كاحد مستلزمات محاربة التخلف والفساد والاصلاح السياسي.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق