q
الوقت قد حان للنظر في إنشاء مؤشر ثالث: الغضب القومي الإجمالي. لماذا لا نقيس تحرك المشاعر في الروح البشرية كما نفعل في جوف الأرض باستخدام مقياس ريختر لقياس العواطف؟ فقد يساعد مثل هذا النهج الحكومات على التصرف قبل أن يصل الغضب الشعبي إلى ذروته. وكما...
بقلم: دومينيك مويسي

باريس- ليست مملكة بوتان الصغيرة غير الساحلية، الواقعة على جبال الهيمالايا بين الصين والهند، مجرد مكان سياحي، بل لطالما كانت الدولة رائدة في مفهوم "السعادة الوطنية الإجمالية"، التي يعتبرها مهندسوها المعماريون أكثر شمولًا ودقة من المقياس التقليدي لاقتصاد ما، أو لناتج قومي إجمالي معين.

ولكن نظرا لأن جائحة كوفيد-19 دقت ناقوس خطر ينذر بتفشي البطالة في كل مكان تقريبًا، فقد يكون الوقت قد حان للنظر في إنشاء مؤشر ثالث: الغضب القومي الإجمالي. لماذا لا نقيس تحرك المشاعر في الروح البشرية كما نفعل في جوف الأرض باستخدام مقياس ريختر لقياس العواطف؟ فقد يساعد مثل هذا النهج الحكومات على التصرف قبل أن يصل الغضب الشعبي إلى ذروته. وكما قال رجل الدولة الإيطالي الذي عاش في القرن التاسع عشر، كاميلو كافور، فإن "الإصلاحات التي تجرى في الوقت المناسب تضعف الروح الثورية."

وربما نقترب من "عصر الغضب"– وهو عنوان لكتاب ألفه كاتب المقالات الهندي، بانكاج ميشرا، وأصدر في عام 2017. إذ لم يعد الغضب حكراً إلى حد كبير على شعوب الجنوب العالمي. بل أصبح عالميا حقًا، كما هو واضح في الولايات المتحدة من خلال الاحتجاجات الواسعة النطاق، التي اندلعت على خلفية مقتل جورج فلويد -رجل أسود غير مسلح، ومستسلم للشرطة- من قبل ضابط شرطة في وقت منع ثلاثة آخرون المتفرجين من الاقتراب. وبالنسبة للحشود الغاضبة التي تتجمع في جميع الولايات الخمسين، انتهت أيام التسامح مع مثل هذه الانتهاكات التي تمارسها السلطة- والعنصرية النظامية التي تشجعها، وتجعل ممارستها أمرا سهلا.

وإذا استثنينا احتمال ظهور موجة ثانية مفاجئة محتملة من كوفيد-19، ربما تجاوزت العديد من البلدان ذروة الوباء فيما يتعلق بالصحة العامة. ولكن ذروة الغضب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي آتية على الأرجح- وبهذا المعنى، فإن بعض البلدان، مثل فرنسا، أكثر عرضة من غيرها لهذا الغضب.

وكلما كانت تلك السلطة مركزية ومتجسدة في شخص واحد، كانت أكثر هشاشة. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، السلطة الرمزية للملكة منفصلة عن السلطة الحقيقية التي يمتلكها رئيس الوزراء. بينما في فرنسا، فإن كلا النوعين من السلطة منوطتان بالرئيس، الذي هو أقوى وأكثر ضعفا في نفس الوقت، نتيجة لذلك.

وفضلا عن ذلك، كلما تغذى انعدام الثقة الشعبي في الدولة وممثليها على التصورات السلبية السابقة، كما هو الحال في حركة السترات الصفراء في فرنسا، زاد احتمال أن يؤدي الخوف والإذلال إلى الغضب.

وفي عصر كوفيد-19، يكمن السبب الرئيسي للغضب في الشعور بعدم المساواة فيما يتعلق بخطر العدوى. صحيح أن كل شخص تقريباً يقبل حقيقة أن المسنين أكثر تأثرا بالمرض. ولكن عندما يخبر الأشخاص الذين يشغلون مناصب في السلطة، ويتمتعون بالسلامة النسبية من المرض، الأشخاص الأكثر عرضة للخطر بأن الحماية التي يطلبونها غير ضرورية، يشك الكثيرون في عدم أمانتهم وعدم كفاءتهم. ثم ينفجر الغضب.

ويوضح "النقاش الحاد بشأن الأقنعة" في فرنسا هذه الظاهرة. كيف يجرؤ العاملون بالمكاتب، الذين يتمتع العديد منهم بالحماية من خلال قدرتهم على العمل من المنزل، أن يخبروا الحرفيين والعمال اليدويين في الخطوط الأمامية للأزمة أن مخاوفهم مبالغ فيها؟ لقد توفي بعض الأغنياء والأقوياء أيضًا بسبب كوفيد-19، ولكن هذا لا يكفي لخلق شعور بالعدالة.

إن مطالبة المواطنين بقضاء المزيد من الوقت في العمل في الظروف الاستثنائية الحالية ليس أمرًا صادمًا في حد ذاته. فخلال الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة في آسيا في عام 1998، على سبيل المثال، عمل مواطنون في دول مثل كوريا الجنوبية ساعات أطول بكثير من ذي قبل (تمامًا كما بدأت فرنسا العمل بوتيرة 35 ساعة كل أسبوع). ولكن من الصعب جدًا أن تطلب من الناس بذل جهد إضافي عندما تنعدم الثقة، والالتزام المشترك بينهم على قدم المساواة.

وكذلك، لا يمكننا أن نتوقع مسؤولية جماعية على أرض الواقع إذا كان الشعور بمواجهة قدَر غير عادل قويا للغاية، وإذا كان الشعور بالتضامن ضعيفا جدا. ويزداد الأمر جلاء عندما يسبق الغضب الشعبي الوباء.

وفي الواقع، السبب الرئيسي الثاني وراء الغضب الذي نشهده اليوم هو تراكمي: الانزعاج، يتضاعف، شأنه في ذلك شأن الخوف، وغضب اليوم يفتح ندوب غضب الأمس. ومن السهل جدًا على الشخص أن يغضب عندما تغمره مشاعر الخوف والإذلال.

ومن ناحية أخرى، لا يمكن تفسير السعادة دائمًا. فهي غالبًا ما تكون نتاجًا لميل طبيعي، أو انعكاسًا لسمات شخصية (مع أنه لا شك في أنه من السهل أن تكون سعيدًا عندما تكون ثريًا وفي صحة جيدة).

وليس للغضب مبررات فحسب، بل أكباش فداء أيضًا. فعلى غرار فيروس كورونا بحد ذاته، يسعى الغضب إلى أن يربط نفسه بشيء ما، وبعض القادة السياسيين أكثر عرضة للخطر من غيرهم في هذا الصدد.

وتقدم فرنسا والمملكة المتحدة مرة أخرى مقارنة تثير الاهتمام على نحو خاص. إذ قد يعتقد غالبية المواطنين البريطانيين أن رئيس الوزراء، بوريس جونسون، قد أدار أزمة الصحة العامة في البلاد إدارة تفتقر إلى الكفاءة، لكن الكثيرين لا يزالون يحبونه- ليس فقط بسبب معركته الشخصية ضد الفيروس.

وقد يكون هذا غير عادل إلى حد كبير، لكنه حقيقة. وكما تعَلم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالطريقة الصعبة، ليس هناك موضوعية عندما يتعلق الأمر بالغضب. (في الواقع، انخفضت تقييمات الموافقة لجونسون مؤخرًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى رفضه طرد المستشار الرئيسي، دومينيك كامينغز، الذي كان قد قاد سيارته عبر إنجلترا في وقت سابق، وهو ما يعتبره معظم الناخبين انتهاكًا لقواعد الإغلاق الوطنية.)

وعلى الرغم من أن الخوف الذي سيطر على المرحلة الأولى من أزمة كوفيد-19 سيستمر مادام اللقاح لم يُوفر بعد، إلا أن الغضب يهيمن الآن على الوضع. والضمانات الوحيدة هي إظهار ملموس للتضامن بين المواطنين والدول- جزئياً من خلال الضرائب وإعادة توزيع الثروات.

لقد كانت المرحلة الأولى من الوباء سيئة إلى حد كبير بالنسبة للشعبويين، حيث كانت البلدان التي يمارسون فيها السلطة من بين الأكثر تضررا من كوفيد-19. ولكن إذا لم يتم احتواء الغضب المتصاعد الحالي بنجاح، فإن المرحلة الاقتصادية الثانية قد تؤجج عودتهم.

* دومينيك مويسي، مستشار خاص في معهد مونتين بباريس ومؤلف كتاب الجغرافيا السياسية
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق