q
هل تصدق أن فيروس كورونا طورته إحدى الحكومات لإضعاف خصومها الأجانب؟ أو أن مجموعة من الوطنين قامت بتخليق هذه الفيروس للتحريض على ثورة ضد الحكومة الكبيرة والدولة العميقة؟ من المحزن أن كثيرين من الأشخاص الذين واجهوا مثل هذه المعلومات المضللة على شبكة الإنترنت شاركوها مع...
بقلم: فيليب هوارد

أكسفورد ــ هل تصدق أن فيروس كورونا طورته إحدى الحكومات لإضعاف خصومها الأجانب؟ أو أن مجموعة من "الوطنين" قامت بتخليق هذه الفيروس للتحريض على ثورة ضد "الحكومة الكبيرة" و"الدولة العميقة"؟ من المحزن أن كثيرين من الأشخاص الذين واجهوا مثل هذه المعلومات المضللة على شبكة الإنترنت شاركوها مع أصدقائهم وأسرهم.

مع ذلك، نحن نتعلم المزيد عن الجهات التي تنتج أخبارا زائفة حول الجائحة، وكيف يمكن وقف تداول هذه الأخبار. بالإضافة إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يخاطرون بحياتهم والعلماء والباحثين الذين يعملون جاهدين للتوصل إلى علاجات ولقاح، يستحق فرع آخر من الاستجابة لجائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) الاعتراف والتقدير. على مدار السنوات القليلة الأخيرة، عكف مدققو الحقائق على مستوى العالم على تطوير القدرة على رصد وكشف ووسم الأكاذيب المتداولة في المجال العام. والآن، حولوا انتباههم إلى الأخبار التافهة غير الصحيحة حول أزمة كوفيد-19، مما يساعد منصات الوسائط الاجتماعية على التحرك بسرعة أكبر لتبديد وتثبيط الشائعات، والمعلومات المضللة، ونظريات المؤامرة.

في معهد أكسفورد للإنترنت، نتتبع فيضا عظيم الحجم متعدد المنصات من المعلومات الخاطئة والمضللة حول كوفيد-19 والتي تنتجها الأنظمة الاستبدادية. تتمتع المنافذ الإخبارية المملوكة للدولة في الصين، وإيران، وروسيا، وتركيا بجمهور عالمي كبير، ويمكنها نظريا الوصول إلى مليار حساب على وسائط التواصل الاجتماعي بمحتوى باللغة الإنجليزية. ورغم أن بعض هذه الحسابات مزيفة، فإن المحتوى يتداوله عشرات الملايين من المستخدمين الحقيقيين عبر الشبكات.

تميل منافذ التضليل المعلوماتي إلى إنتاج محتوى أقل من ذلك الذي تقدمه المنافذ الإخبارية المهنية المستقلة، لكنها قادرة على اجتذاب ما يصل إلى عشرة أضعاف المشاركة الفعّـالة بالمواد التي تنتجها. على النقيض من الناشرين الأكثر احتراما للمسؤولية، تعمل هذه المنافذ بنشاط على تسييس الأخبار والمعلومات الصحية بغرض استغلال مخاوف وإحباطات قائمة سلفا. ومن خلال انتقاد الأنظمة الديمقراطية باعتبارها فاسدة وتفتقر إلى الكفاءة، وكيل المديح للقيادة العالمية من قِبَل قادة استبداديين، والترويج لنظريات المؤامرة حول أصول فيروس كورونا ودوافع الهيئات الصحية الدولية، يحاولون تشكيل ــ أو على الأقل تشويش ــ السرد العالمي قدر الإمكان.

بطبيعة الحال، تنبعث روايات مشتتة للانتباه ومشوشة بذات القدر من الديمقراطيات في العالم أيضا. ففي الولايات المتحدة، شددت إدارة ترمب على أن الفيروس نشأ في مدينة ووهان في الصين ــ وهي نقطة غير ذات أهمية إلى حد كبير في إيجاد علاج أو تنظيم استجابة للصحة العامة. والسبب الوحيد وراء هذا التركيز الـمَـرَضي على صِـلة مدينة ووهان بالأمر هو تسييس الأزمة أو الترويج لصور نمطية حول العِرق الصيني.

هذا هو الخبر المؤسف، أما الخبر الطيب فهو أننا نعرف الآن من أين تأتي المعلومات المضللة. فمن خلال تحليل عينة كبيرة من أكاذيب كوفيد-19 المرتبطة بالصحة، وجدنا أن واحدة من كل خمس يمكن تتبع مصدرها إلى ساسة ومشاهير وشخصيات عامة بارزة، وأن نسبة ضخمة من التضليل المعلوماتي يجري تحريكها ودفعها بواسطة وكالات الإعلام التي تسيطر عليها حكومات استبدادية.

كما نعلم أن الاستجابة المدنية كانت عدوانية عنيفة. الواقع أن جماعة عالمية من مدققي الحقائق، والتي جرى تشكيلها بعد مناقشة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وانتخاب رئيس الولايات المتحدة في عام 2016، حولت انتباهها سريعا إلى التحقق من المعلومات الصحية. وفي حين يتتبع متطوعون في المملكة المتحدة المعلومات المضللة والخاطئة عن طريق مشروع Infotagion، يعكف نظراؤهم الأميركيون على تطوير قاعدة بيانات لمواقع اختبار كوفيد-19 المشروعة. ومع حرص العديد من منظمات تقصي الحقائق ذات المصداقية على تصنيف وفهرسة الأكاذيب، حدثت زيادة مقدارها تسعة أضعاف في التدقيق في صحة الأخبار الصحية بين شهر يناير/كانون الثاني ومارس/آذار من هذا العام.

على عكس ما حدث في عام 2016، فإن منصات وسائط التواصل الاجتماعي تستجيب الآن بقوة. وأغلبية مشاركات وسائط التواصل الاجتماعي التي اعتبرها مدققو الحقائق زائفة أو كاذبة إما أزيلت أو وسِـمَـت بعلامة تحذير. لكن الاستجابة تباينت إلى حد كبير عبر المنصات الرئيسية. وفقا لدراسة (شاركت في إعدادها) من معهد رويترز في جامعة أكسفورد، فإن 59% من المشاركات على تويتر التي جرى تصنيفها على أنها زائفة لا تزال قائمة، مقارنة بنحو 27% من المشاركات الكاذبة على يوتيوب، ونحو 24% على فيسبوك.

تظل النصيحة الدائمة الموجهة إلى المستخدمين الأفراد للتأكد من نظافة الأخبار قائمة هي ذاتها. لا تعيد توجيه أو مشاركة المعلومات أو إبداء الإعجاب بها ما لم تقض بعض الوقت في فحص المصدر والتفكير في المزاعم. وعندما تتعامل مع أصدقائك أو أفراد أسرتك، فلا تشارك سوى ما تعلم أنه مبني على الحقائق، وتجنب المحتوى المثير أو المروج لنظريات المؤامرة أو التعليقات التي تنشر على هيئة قصص إخبارية.

ينبغي لك أيضا أن تعمل على تنويع مصادر معلوماتك، وأن تتجنب الإفراط في التحميل على التعليقات السياسية. ينبغي لنا أيضا أن ننتبه إلى التأثير الـمحفز للذعر والذي يأتي مصاحبا للاستهلاك المستمر لأخبار كوفيد-19. ذلك أن القلق غير المبرر من الممكن أن يدفعنا إلى البحث عن تفسيرات مستترة وتكهنية، والتي سنصبح بعد ذلك أكثر ميلا إلى مشاركتها. من الأفضل لك أن تتابع ما يجري مرة واحدة في اليوم للحصول على التحديثات من قِـلة من الهيئات الجديرة بالثقة. فإذا كنت تبحث عن نصيحة تتعلق بالصحة العامة، فاستشر مواقع مثل المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وموقع منظمة الصحة العالمية.

بينما نكافح الفيروس، يتعين علينا أيضا أن نحارب الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة عن الجائحة. إن نشر الرسائل الصحية المسيسة أمر بالغ الخطورة، وينطبق هذا أيضا على الهجمات الموجهة إلى الهيئات العامة ذات المصداقية والمنظمات الإخبارية المهنية الجديرة بالثقة. ونحن في احتياج إلى بذل كل ما في وسعنا لضمان إقبال الناس على اتخاذ أفضل الاختيارات من أجل صحتهم وصحة من حولهم.

إذا كنت موفور الصحة وحبيسا في بيتك، ففكر في الانضمام إلى المقاومة. إن مجرد الحرص على الفِعل البسيط المتمثل في عدم مشاركة الأخبار الصحية الزائفة التي تصل إليك يُـعَـد مساهمة كبرى بالفعل. وكلما ازداد عدد الأشخاص الذين يساعدون في إخضاع منحنى المعلومات المضللة نزولا، كلما صرنا نحن وشبكاتنا الاجتماعية أكثر صحة.

* فيليب هوارد، أستاذ بجامعة أكسفورد ومؤلف كتاب "آلات الكذب القادمة: كيفية إنقاذ الديمقراطية من جيوش ترول، والروبوتات المخادعة، وعمليات البريد غير المرغوب فيه، والعاملين السياسيين
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق