q
فليس بالجديد أن ينال البعض من المبدعين، ويسخفون منجزاتهم، ويقللون من شأنها، فالتسخيف ظاهرة ألفناها في مجتمعنا ماضيا وحاضرا وربما مستقبلا إذا ما ظل الواقع على حاله، انها حصيلة أمراض اجتماعية مزمنة خلفّتها التنشئة العشوائية التي لم تكن يوما من بين أولويات اهتمام الجهات المعنية...

لا يمكنني نسيان تلك العبارة بدأت بها مقالي الاسبوعي في جريدة (أشنونا) التي صدرت عن محافظة ديالى عام 2001 وتوقفت بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة، عندما كتبت (لقد قتل النجاح منا أكثر مما قتل الرصاص) وكنت اريد بها التعبير عن قنص الفاشلين للمبدعين، نعم قنص، ويتعذر وصفها بأقل من اغتيال المبدعين على أيدي من أمعن وجودهم في مؤسساتنا بتخلف مجتمعنا، وأرجع بلادنا قرونا الى الوراء. هذا هو الواقع، فمنذ عقود والبلاد تمضي الى الخلف، او بحسب تعبير شاعرنا الكبير محمود درويش (الصعود نحو باب الهاوية).

فليس بالجديد أن ينال البعض من المبدعين، ويسخفون منجزاتهم، ويقللون من شأنها، فالتسخيف ظاهرة ألفناها في مجتمعنا ماضيا وحاضرا وربما مستقبلا اذا ما ظل الواقع على حاله، انها حصيلة أمراض اجتماعية مزمنة خلفّتها التنشئة العشوائية التي لم تكن يوما من بين أولويات اهتمام الجهات المعنية، وبدل أن يُدفع بالمبدعين الى الأمام لتحقيق المزيد من العطاء، يضع هذا البعض العصي في دواليب مسيرتهم في محاولات تنجح في غالبها بتعطيل الابداع، وتكبح من حماس المبدعين واندفاعهم ، ذلك ان غالبية الابداع لدينا يأتي بجهود فردية وبإمكانيات شخصية محدودة وليس عملا مؤسساتيا، ولذلك يمكن للعقبات عرقلته، تأملوا مسيرة الفنانين الكبيرين كاظم الساهر ونصير شمعة، اذ لم تقدم لهم المؤسسات الفنية أي دعم يمكن القول معه، انه لولاه لما بلغ هذان الفنانان ما بلغاه من مجد، وما حققاه من سمعة للعراق، بينما ظلت الكثير من مؤسساتنا مرتعا للفاشلين يصولون ويجولون فيها، متمتعين بامتيازاتها، وما تحققه لهم من وجاهة ومصالح شخصية. وليس أمامهم سوى رصد الناجحين وقمعهم، متوقعين ان نجاح هؤلاء الأفراد قد ينتهي بهم الى شغل مناصبهم.

هذا ما تبادر الى ذهني عند متابعة ما نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي من كلام اريد به التقليل من أهمية حلقة الطابق15 من العمل الدرامي الرمضاني الذي بثته قناة الشرقية (كما مات وطن) الذي أخرجه الفنان سامر حكمت وقام بأدواره ألمع نجوم التمثيل وفي مقدمتهم الفنان أياد راضي وسعد خليفة، بقولهم ان الفكرة مسروقة من عمل فني ايراني بعنوان (وداعا يا صديقي)، ومن بين ما قرأت كلام لمتخصصين في الفن، ولست هنا بصدد تفنيد كلامهم، لكني أقول ان العمل حقق نجاحا ساحقا تمثل في الاعجاب منقطع النظير به، بدلالة اكتظاظ مواقع التواصل بعد انتهاء عرض الحلقة بسيل من المديح للقائمين عليه، والتعبير عن حجم تأثرهم به، ويكفى انه أبكى الملايين، بما لم يحدث لأي عمل سوى تلك التي انتجت في مرحلة السبعينات من القرن الماضي، أقول لهؤلاء الذين يدعون المعرفة بالفن والذين يقومون بتدريسه او الكتابة عنه او متابعته: انكم فشلتم بالإتيان بمثله طوال عقدين، وليس لكم الذكاء الفني والحس المرهف الذي يمكنكم من استثمار الخزين الثر من الحكايات الاجتماعية والسياسية التي خلفتها المآسي التي مر بها العراق، وانكم لا تتوافرون على المهارات الفنية اللازمة ، وتفتقدون الصدق في التعامل مع حوادث مزقت قلوب العراقيين، والمسؤولون منكم غير مبالين بما وصلت اليه الدراما العراقية، ويستنكفون من الاستعانة بالمشهود لهم بالكفاءة وممن يتمتعون بخبرات متراكمة.

وحتى لو سلمنا بان الفكرة مطروقة في الفيلم الايراني، فلا ضير في ذلك أبدا، يكفي فخرا (تعريق الفكرة) شكلا ومضمونا، واذكرهم ان السينما المصرية بدأت بتقليد الأفلام الأجنبية (لقطة لقطة، ومشهدا مشهدا) حتى تمكنت من تشكيل هويتها.

لقد قال الحكماء في الماضي (إن المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، البدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيّر اللفظ)، ويقصد بذلك الشكل، فالإبداع يكمن في الأشكال، وهذا ما حدث في الطابق 15 بامتياز.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق