q
أبان الحراك السلمي الجزائري على سر استمراريته من خلال توظيف سلميته كقوة ناعمة كانت مغيبة سابقا في يومياته، حتى أن وسائل الإعلام \"المغرضة\" كانت تعرف الشخصية الجزائرية على انها \"فوضوية \" تميل \"للخشونة وغير \"متحضرة\" وسريعة الانفجار لكن الفرد الجزائري أبان عن وجهه الحقيقي بعيدا...

''القوة الناعمة" هي عكس "القوة الصلبة" التي تستعمل الخشونة لتحقيق أهدافها كالحروب والنزاعات والضغوطات والتهديد والوعيد.. أما القوة الناعمة فهي تلك "الطاقة" الهادئة التي يرتاح لها الإنسان فتجلبه إليها، كالابتسامة والتحية، والبشاشة، والنصيحة، والمحبة والمودة والحنان.. كل هذه الصفات الحميدة تجعل الإنسان شخصا وقورا وسط مجتمعه. يوصي بها كل من يرغب في النجاح.

أما القوة الناعمة بالنسبة للدول فهي "كما صاغها أبوها الروحي جوزيف ناي أستاذ بجامعة هارفارد: بأن الحرب ليست هي القدر الوحيد، بل أن كسب المعارك أيضا يتم بالسلام، هو أهم وأقوى من الحرب. وصفا قدرة الدول على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، وكيفية تمكن الدول الحديثة من استخدام الجذب الإيجابي والإقناع لتحقيق التأثير العالمي، بما يتسق مع أهداف السياسة الخارجية للدولة".

وعلى ضوء ما قام به هذا العالم، أصدرت مؤسسة بورتلاند للاتصالات مؤشر القوة الناعمة العالمي صنفت 30 دولة قوية غربية تتصدر المشهد الدولي في جميع المجالات، وكما هو معروف فان الدول العربية والإفريقية لم تصنف لعدم امتلاكها على وسائل التشخيص، من بينها الجزائر كحكومة غير مصنفة تماما وغير موجودة لا في قائمة مؤشر القوة الناعمة، ولا حتى ضمن المؤشرات الأخرى، كالتعليم والصحة وحرية الإعلام والاستثمار والمال والإعمال..

لكن فجأة نهض الشعب الجزائري ثائرا دون سابق إنذار يوم 22 فبراير 2019 من "نومه العميق" ضد "السحر البوتفليقي" الذي ابتلى به لعشريتين، حتى أنه وجد نفسه خارج كل تصنيف دولي، في الوقت الذي كانت فيه الجزائري في سبعينيات القرن الماضي تلقب في المحافل الدولية "قبلة الثوار".

وبفضل ديناميكية هذا الحراك الشعبي السلمي المتواصل كسر كل قيود الأوهام، وأخذ زمام الأمور بنفسه مطالبا باختيار قادته ومسؤوليه بعيدا عن التعيينات الفوقية وتزوير الانتخابات التي عودوه عليها.

فقد أبان الحراك السلمي الجزائري على سر استمراريته من خلال توظيف سلميته كقوة ناعمة كانت مغيبة سابقا في يومياته، حتى أن وسائل الإعلام "المغرضة" كانت تعرف الشخصية الجزائرية على انها "فوضوية " تميل "للخشونة وغير "متحضرة" وسريعة الانفجار ووووو.

لكن الفرد الجزائري أبان عن وجهه الحقيقي بعيدا عن الكليشيهات النمطية الإعلامية الغربية فعرف بقوته الناعمة التي أبهرت العالم حتى أنه رشح لدخول كتاب قينس بخروج أكبر مسيرة عالمية كل أسبوع تقدر بنحو ما بين 20 الى 25 مليون شخص عبر الوطن دون تسجيل أدنى حادث.

1- فللجمعة (الـ39) لم يحتك الحراكيون بقوات الأمن، ولم يحدث أي تصادم معهم، على العكس وزعت عليهم الورود والحلوى ولم يقتل أي شخص.

2- لم تقع أي انحرافات ولا أي حوادث "بلطجية" أثناء المسيرات المليونية عبر الـ 48 مدينة كبرى في الجزائر.

3- تنظيف الشوارع مباشرة بعد انتهاء المسيرات من طرف متطوعين في مشهد حضاري تشارك فيه النساء والرجال على حد السواء اغلبهم من الشباب.

4- تبدأ المسيرات الاحتجاجية الأسبوعية بعد صلاة الجمعة حسب توقيت كل مدينة عبر الوطن وتنتهي نصف ساعة قبل صلاة المغرب.

5- التكفل بنقل كل من يشارك في المسيرات يقطن بعيدا عن مسكنه.

6- توزيع المشروبات والمأكولات مجانا على المشاركين في المسيرات.

7- ترفع الشعارات والمطالب موحدة عبر كافة مدن الوطن مفادها رحيل كل أفراد "العصابة البوتفليقة" التي نهبت البلاد وتسليم السلطة لممثلي الحراك او لا انتخابات في ظل بقاء بقايا البوتفليقية.

تأتي كل هذه القوة الناعمة في "غياب" قيادة توجه الحراك السلمي الشعبي فهي غير معروفة حتى الان فصار ينظم نفسه بنفسه بفضل تحرره من قبضة سياسة التحكم في الشعوب "كالاستغباء والاستعباد" التي كانت قد تقوده نحو المجهول، مثلا بترشح "أفراد البوتفليقية" رئيسا على الجزائريين للمرة الخامسة لقيادة البلاد وهو مشلول منذ 7 سنوات؟ وهي الشرارة التي أفاضت الكأس.

لقد أعجب العالم المنصف للحق بالتنظيم والشجاعة التي تحلى بها الشعب الجزائري في هذا الحراك الذي كانت كلمة سره سلمية سلمية. فصار الجزائري محل اهتمام عالمي عبر كبريات الفضائيات الإعلامية وحتى محل نقاش أكاديمي في مراكز البحث والإستراتيجية.

ان الشعب الجزائري بهذه الهبة الشعبية مرشح ان يلتحق بالدول الإقليمية في غضون العشر سنوات القادمة في حالة عدم الالتفاف "الامبريالي" على ثورته التي وشحها بعنوان سلمية سلمية منذ اندلاعها.

* أستاذ جامعي الجزائر

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق