q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

كرة القدم أفيون شعوب إفريقيا

تاريخ يعود إلى ما قبل المسيح بخمسة آلاف سنة

كرة القدم هي سيل جارف من الأحاسيس المختلطة، هي فرح وهستيريا وجنون ونشوة عند تسجيل الأهداف، هي حسرة وألم ودموع عند الخسارة، هي خوف وتوجس عند إصابة نجم الفريق لأن عاشق الرياضة الأكثر شعبية في العالم يعلق عليه كل آماله وأمنياته بعدما خدعه الساسة وأثقلته...

لا حديث هذه الأيام سوى عن كاس أمم إفريقيا، حتى خلت كرة القدم ديانة اعتنقها جميع الآدميين وأضحت خلاص للبشرية -ولو بشكل مؤقت- من آلامها وحروبها ونكباتها وخلافاتها المحلية والإقليمية والدولية التي لا تكاد تنتهي.

الجميل أن البعض اكتشف للتو أن كرة القدم هي سيل جارف من الأحاسيس المختلطة، هي فرح وهستيريا وجنون ونشوة عند تسجيل الأهداف، هي حسرة وألم ودموع عند الخسارة، هي خوف وتوجس عند إصابة نجم الفريق لأن عاشق الرياضة الأكثر شعبية في العالم يعلق عليه كل آماله وأمنياته بعدما خدعه الساسة وأثقلته الحياة همومًا ولم يهتد دونها للفرحة المنشودة. ساعة ونصف يهب فيه هواة «الفوتبول» جوارحهم لفرق ومنتخبات وينسون أو يتناسون بؤس الحياة الذي تركوه خلفهم وانغمسوا في حياة من اختيار أهوائهم.

كأس امم افريقيا أيضًا شكلت مناسبة لمصالحة الشعوب الإفريقية مع وطنيتهم وحبهم لبلدانهم، كان فرصة للحمة أمم سائرة نحو التفكك وسادت فيها التفرقة لأسباب دينية وعرقية أو لاختلاف التصورات والرؤى حول سبل انتشال المجتمعات الإفريقية من براثن الجهل والتخلف وتضارب مصالح سياسيها، لقد بكينا وتألمنا جميعًا لخسارة بلداننا العربية، لكن الإيجابي أن أغلبنا تخلى عن عبارات الخذلان والسخط التي يمطر بها الآخرين كلما باغتهم شبح الفشل، وشجعنا لاعبينا رغم مرارة النتائج، لقد تخلينا عن خطابنا العدمي والسوداوي وتمنينا الأفضل لمنتخباتنا خصوصًا المنتخب المصري والجزائري التونسي والمغربي اللذين ظهرا بوجه مشرف لحدود كتابة هذه السطور.

فعلنا كل هذا لأننا رأينا بأم أعيننا كيف ابتلت القمصان بعرق الرجال قالوا عن كرة القدم أنها الأوبرا التي يعزفها جميع البشر، والعشق الذي سرق قلوب سكان الأرض، صدقوا حينما قالوا عنها أفيون الشعوب، لأنها وحدها التي تجمع العالم، ولكن لأن لكل قاعدة شواذ، فكان هناك من خرج عن النص وغرد خارج السرب، شعوب رفضت هذا العشق وانساقت قلوبها لألعاب أخرى، تلتهب مشاعرها لأشياء غير الجلد المدور الذى تتوقف مع الكرة الأرضية عن الدوران فكيف ظهرت هذه اللعبة.

الصينيون أول من عرفوا اللعبة.. والمصريون واليابانيون القدامى كانوا يتسلون بركل الكرة يوليوس قيصر أتقن استخدام كلتا ساقيه في اللعب ونيرون لم يكن ماهرًا في المباريات وضع ١٢ ناديًا إنجليزيًا قواعد اللعبة.. وأقرتها جامعة كامبريدج عام ١٨٤٦.. ولم يسمح للاعبين لمس الكرة باليد أثناء المباراة.

ومن المعروف أن المصريين واليابانيين في العصور القديمة، كانوا يتسلون بتبادل ركل الكرة، وعلى رخام قبر إغريقي يعود إلى ما قبل المسيح بخمسة آلاف سنة، يظهر رجل يلاعب كرة بركبته. وفى كوميديات إنتيفانيس، هناك عبارات ذات مغزى مثل: كرة طويلة، تمريرة قصيرة، كرة متقدمة.

ويقال إن الإمبراطور يوليوس قيصر كان يتقن استخدام كلتا ساقيه في لعب الكرة، وأن نيرون لم يكن ماهرا في اللعب.

وعلى أقدام الرومان القدماء وصلت البدعة إلى الجزر البريطانية. وبعد قرون من ذلك، وتحديدا في عام ١٣١٤ مهر الملك إدوارد الثاني بخاتمه وثيقة ملكية تدين هذه اللعبة الرعاعية والصاخبة، وكرة القدم التي كانت تسمى بهذا الاسم منذ ذلك الحين كانت تخلف أعدادا من الضحايا. فقد كانوا يتنافسون فى جماعات كبيرة، ولم يكن هناك تحديد لعدد اللاعبين، ولا لمدة اللعب ولا لأي شيء آخر. فقد كان شعبا بكامله يتبادل ركل كرة القدم ضد شعب آخر، ويدفعونها بالأقدام والقبضات نحو الهدف، الذي كان في ذلك الحين عجلة طاحونة قديمة، وكان اللاعبون يصطفون على امتداد عدة فراسخ، ولعدة أيام وبتكلفة تصل إلى عدة حيوات بشرية، وقد منع هذه المباريات الدموية: ففي عام ١٣٤٩، ضم الملك إدوارد الثالث كرة القدم إلى ألعاب الحماقة التي ليست لها فائدة، وهناك مراسيم ضد كرة القدم ممهورة بتوقيع هنري الرابع في عام ١٤١٠، وهنري السادس في عام ١٥٤٧. ولكنهم كلما كانوا يمنعونها كان اللعب يزداد، مما يؤكد القدرة التحريضية لكل ما هو محظور.

وفى فلورنسا كانت كرة القدم تسمى «كالشو»، مثلما تسمى حتى الآن في إيطاليا كلها. وكان ليوناردو دافنشي مشجعا متحمسا، وميكيافيلي لاعبا ممارسا. وكان يشارك في اللعب فرق من ٢٧ رجلا، موزعين على ثلاثة خطوط، يمكنهم استخدام الأيدي والأقدام لضرب الكرة، ولبقر بطون خصومهم. وكانت الحشود تتوافد إلى المباريات التي تجرى في أوسع الميادين وفوق مياه نهر أرنو المتجمدة. وبعيدا عن فلورنسا في حدائق الفاتيكان اعتاد البابوات كليمنت السابع وليون التاسع وأوربانو الثامن، أن يشمروا ثيابهم لكي يلعبوا الكالشو أي كرة القدم.

أما في المكسيك وفى أمريكا الوسطى، فكانت طابة المطاط هي شمس الطقوس المقدسة منذ حوالي ألف وخمسمائة سنة قبل المسيح، ولكن من غير المعروف متى بدأ لعب كرة القدم في أماكن كثيرة من القارة الأمريكية.

وفى القرن الثامن عشر، قدم كاهن إسباني من بعثات الجيزويت التبشيرية في أعالي نهر بارانا، شرحا بهذه الطريقة لعادة قديمة من عادات هنود الغواراني: إنهم لا يقذفون الكرة بأيديهم مثلما نفعل نحن، وإنما بالجزء العلوي من القدم العارية.

وفى المكسيك وأمريكا الوسطى كان ضرب الكرة يتم بالورك أو بالعضد، بالرغم من أن رسوم تيويتهواكان وتشيشتين إيتزا، تبين أن بعض الألعاب كانت تستدعى ركل الكرة بالقدم أو بالركبة. وهناك جدارية تعود إلى ما يزيد على ألف سنة تظهر واحدا من أجداد هوجو سانتشيز، وهو يلعب بقدمه اليسرى فى تيبانتيتلا. وعندما ينتهي اللعب كانت الكرة تنهى رحلتها: فالشمس وصلت إلى الفجر بعد أن اجتازت منطقة الموت. وعندئذ ولكي تطلع الشمس كانت تراق الدماء. وحسب رأى بعض العارفين، كما يوضح الكتاب كان من عادة الأزتيك التضحية بالفائزين وتقديمهم قرابين. وقبل أن يقطعوا رءوسهم كانوا يطلون أجسادهم بخطوط حمراء. وكان المختارون من الآلهة يقدمون دماءهم قربانا لكي تكون الأرض خصبة والسماء سخية.

* الأمين العام للأكاديمية الدولية لتكنولوجيا الرياضة–السويد

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق