q
وهذا ما حدث في زيمبابوي، حيث لدى الحكومة تاريخ طويل من الإدارة المالية الرديئة. إذ في عام 2003، على سبيل المثال، كانت الحكومة تسحب بشكل روتيني الأموال من الحسابات الخاصة المفتوحة بالعملات الأجنبية دون موافقة أصحاب الحسابات؛ وفي الوقت نفسه، لم تستطع تحمل تكاليف الحبر...
بقلم: جورج لواندا

أديس أبابا- عندما عُزل رئيس زيمبابوي، روبرت موغابي، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، بعد 30 عامًا قضاها في السلطة، كان الكثيرون يأملون أن ينعكس التراجع الاقتصادي الذي كان المسؤول عنه. ولكن بعد عام ونصف، لم يُظهر الاقتصاد أي علامات تشير إلى التعافي، وذلك بسبب أزمة العملة المستمرة. فهل يمكن أن تكون العملة المعماة القائمة على سلسلة الكتل هي العلاج لما تعانيه زيمبابوي؟

منذ ما يزيد عن عقد من الزمان، كانت زيمبابوي تعاني من هذا التضخم الشديد -الذي بلغ ذروته عند 89.7 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008- لدرجة أنها تخلت عن عملتها تمامًا، واعتمدت بدلاً من ذلك سلة من العملات الدولية، يأتي في مقدمتها، الدولار الأمريكي. ولكن النقص الحاد في الدولار أدى إلى ارتفاع الأسعار، مما دفع الحكومة، في عام 2016، إلى إصدار عملاتها الورقية، والعملات المعدنية، التي كان من المفترض أن تساوي نفس قيمة الدولار الأمريكي.

إلا أنه بسبب عدم الثقة، تم تداول الأموال الجديدة بخصم كبير في السوق السوداء. إذ مع استمرار تدفق الدولار إلى خارج البلاد بمعدل أسرع من تدفقه نحو الداخل، أدمجت الحكومة، في الآونة الأخيرة، عملتها وجميع النقود الإلكترونية في وحدة جديدة أخرى: دولار التسوية الإجمالية الآنية (RTGS).

ولكن مجرد إصدار عملة أخرى لن يكون كافياً لحل مشكلة زيمبابوي. إذ يُنظر إلى العملة "الإلزامية" -التي لا تكون قيمتها جوهرية، ولكنها أنشأت من طرف الحكومة- على أنها ذات مصداقية فقط عندما تطبع الحكومة النقود بمسؤولية، ويحتفظ بمعظم الأموال الموجودة في البلاد في النظام المصرفي. وعندما تنهار مصداقية النظام، فإن إعادة بناءها تحتاج إلى عقود من الزمن.

وهذا ما حدث في زيمبابوي، حيث لدى الحكومة تاريخ طويل من الإدارة المالية الرديئة. إذ في عام 2003، على سبيل المثال، كانت الحكومة تسحب بشكل روتيني الأموال من الحسابات الخاصة المفتوحة بالعملات الأجنبية دون موافقة أصحاب الحسابات؛ وفي الوقت نفسه، لم تستطع تحمل تكاليف الحبر اللازم لطباعة المزيد من الأوراق النقدية.

ونظرا لتراجع ثقتهم بسبب سنوات من التدخلات النقدية ذات الدوافع السياسية، بما في ذلك طباعة النقود دون قيود لتمويل الإنفاق الخاضع للقرار التقديري، تجنب الزمبابويون لفترة طويلة الاحتفاظ بالعملات التي تصدرها حكومتهم. إذ في عام 2008، كان المال يتداول في زيمبابوي بمعدل أسرع بمائة مرة من أي مكان آخر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث سعى الناس إلى مستودعات قيمة جديرة بالثقة أكثر.

ولا يزال هذا الافتقار إلى ثقة المستهلك والشركات في النظام النقدي الذي تديره الدولة قائما حتى يومنا هذا. إذ فقد دولار التسوية الإجمالية الآنية خُمُس قيمته في غضون شهر من إصداره.

ولا ينبغي أن يثير أي من هذه الأمور الاستغراب. إذ عندما يفقد الناس مدخرات حياتهم، ويغرقون في الفقر دون أي أن يكون لهم أي دخل في ذلك، فإن آخر ما يريدون فعله هو الاعتماد على الحكومة التي أوصلتهم إلى تلك المرحلة، والتي، في ظل تقلص عائدات الضرائب، لا تقدم لهم سوى القليل من الدعم ليتمكنوا من الوقوف على أقدامهم من جديد.

وسوف تقضي العملة المعماة القائمة على سلسلة الكتل على مشكل عدم الثقة هذا. إذ بدلاً من أن تُدار المعاملات من قبل البنك المركزي، ستُخزن في دفتر الحسابات العامة الموزع واللامركزي. وكما هو الحال مع Bitcoin (بيتكوين)، سيتم إيقاف العرض، وذلك للحيلولة دون الطباعة التقديرية للأموال؛ بمعنى أن العملة المشفرة ستحل مشكلتين أساسيتين في نظام نقدي تديره الدولة في زيمبابوي.

وستكون الفوائد بعيدة المدى. إذ تعمل تقنية سلسلة الكتل على جعل المعاملات غير قابلة للتلاعب بها فعليًا. ونظرا لعدم ضرورة وجود وساطة طرف ثالث، تصبح تكاليف المعاملات منخفضة. ويمكن أن يوفر هذا للمغتربين الزيمبابويين ما يصل إلى 90 مليون دولار سنويا في الرسوم المتعلقة بالتحويلات.

كما أن انخفاض تكاليف المعاملات من شأنه أن يدعم التقدم المحرز في التضمين المالي، حيث يمكن لأي شخص يتوفر على خدمة الأنترنت أن يتاجر بمبالغ صغيرة جدًا من المال في الوقت الفعلي. ومع الاستخدام الواسع النطاق للهواتف المحمولة المدعومة بالإنترنت، أتيحت حتى لأولئك الذين يعيشون في مناطق معزولة فرصًا قيمة للمشاركة في النظام المصرفي الرسمي. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن هذا الاتجاه قد ضخ الملايين بالفعل في الاقتصاد الرسمي في آسيا.

والخطوة التالية هي أن تبدأ زمبابوي في استخدام "عقود ذكية" ذاتية التنفيذ في اقتصادها الرسمي- وهو تغيير يمكن أن يوفر ما يصل إلى 0.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لزيمبابوي. ومن شأن هذه السياسة أن تعزز الثقة في مجال الأعمال، عن طريق جعل المعاملات أكثر أمانًا وأقل تكلفة. ويمكن توسيع نطاق هذا التحول ليشمل العديد من التطبيقات الأخرى: على سبيل المثال، يمكن أن تتيح تقنية سلسلة الكتل التحويل الرقمي الفوري لملكية الأصول.

وسيكون الهدف النهائي هو إنشاء نظام مصرفي مفتوح –وسيكون نموذجا أكثر شفافية، يتم فيه تقاسم البيانات المصرفية من خلال واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة، مما يمكّن مطوري الطرف الثالث من بناء تطبيقاتهم وخدماتهم الخاصة. ونظرا إلى افتقار الزيمبابويين إلى الإيمان بنظامهم الحالي، فلن يستغرق الأمر الكثير لإقناعهم بالتخلي عنه.

ونظرًا لأن النظام القائم على سلسلة الكتلة يعزز ثقة الشركات والمستهلكين، فإن الاستثمار والإنفاق الأسري سيرتفعان، مما يعزز الاقتصاد ويعزز إيرادات الضرائب. ومن شأن هذا، إلى جانب عدم قدرة الحكومة على الالتزام بطباعة النقود التقديرية، أن يحسن إلى حد كبير من إدارة المالية العامة، مما يساعد الحكومة على استعادة مصداقيتها على المدى الطويل. ولكن العنصر الأساسي في هذا النظام هو كونه سيلعب دوره، حتى وإن لازالت الحكومة تفتقر إلى المصداقية.

* جورج لواندا هو مستشار برنامج إقليمي عن الصناعات الاستخراجية في مركز الخدمات الإقليمي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أفريقيا، وزميل في معهد آسيا العالمي
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق