q

عمل الخير يعني بسمة محتاج، راحة للنفس وطمأنينة، ودعاء غريب يزيح ذنبا متغافل عنه او منسي، عمل الخير يعني شمعة تُضاء في درب مجهول، ويد خفية تهدي للوجهة الصحيحة، ووزنا يرفع من ميزان أثقلته الشهوات والهفوات والمطامع، عمل الخير يعني باعث جديد ثمنه الجنة، وعامل الخير كالمزارع الماهر يعتني بزرعه حتى يزهر ويثمر، ليأكل منه الفقير ويترك عطره في نفوس البشر .وهنالك من بين الزهور الكثيرة أينعت في أرضنا وسمعنا بها وارتأينا تسليط الضوء على بعضها.

ليس الأغنياء وحدهم من يتصدق

الحاجّة السبعينية (أم كاظم) زهرة جميلة شممنا عطرها الفواح فذهبنا إليها نستمع ونستفيد كيف اهتدت لعمل الخير؟

فقالت: انعم الله عليّ بأربعة أولاد متزوجين متوسطي الدخل، تمنيت أن اعمل شيئا لله لكني لا املك المال أو الصحة لتجعلني من عاملي الخير، فخطر لي خاطر وقمت بجمع كل دينار يعطوني إياه أولادي لسد مصاريفي اليومية، فكنت آخذ منه الضروري لسد احتياجي وادخر الباقي (أضمه) ولم ابذر بفلسٍ واحدٍ، وبعد أن أصبح المبلغ جيدا اشتريت (6) برادات ماء من النوع الصغير ووزعتها على ثلاث مدارس في حيّنا، وعندما أردنا ذكر اسمها وأسماء المدارس التي تبرعت لها رفضت مستشهدة بقول الرسول (ص): (حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه).

"وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"

وهناك جندي خفي تطوع لخدمة العلم والدين وإحياء ذكر آل بيت رسول الله، ومن بين أعماله الكثيرة إنشاء موقع الكتروني تحت عنوان (حياة بشرى)، فكانت فرصة أتاحها هذا الموقع أمام الأقلام النسوية المزهرة ليعبرنّ عن آرائهن في الحياة الاجتماعية وتصويب الخطأ وتبيان طريق الصواب، وهو باب توجيه وإرشاد وفائدة يفوح عطره لكل من يدخل هذا الموقع، فلا يجد غير المعلومة العلمية والدينية القيمة والثمينة، والغاية منه إصلاح ذات البين بطريقة تواكب الحداثة والتطور الذي يشهده العصر.

ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون

وعبيرٌ آخر لأربعة أطباء من محافظة كربلاء المتهمين من قبل البعض بالاستغلال والجشع، قاموا باستقطاع جزء من واردهم اليومي ووضعه في صناديق الصدقات ليصل المبلغ الى الملايين عند فتحها كل أربعة أشهر لتوزع على الأيتام والأرامل، حسب قول إحدى موظفات (مؤسسة العين للرعاية الاجتماعية) التي تفتح الصناديق وتعدها بعد استلامها منهم والتي امتنعت عن ذكر أسمائهم حسب رغبتهم.

تهافتوا على فعل الخير

زهرة نمت وتفرعت ثم تلاشت وإن نساها الناس فعند الله لا يضيع فهو القائل عز وجل: (إنا لا نضِيع أَجرَ من أَحسنَ عملًا)، مشروع خيري من نوع جديد رسم البسمة على وجوه المحتاجين قامت به إحدى المعلمات من محافظة بغداد والذي بدأته بوضع ملابس من بيتها على جدار جمعية في منطقة الصحة، وأسمته بـ (جدار الرحمة) لينتشر في جميع مناطق بغداد وقام ميسوري الحال والناس البسطاء بالتهافت ووضع الملابس والأجهزة البيتية ليأخذها الفقراء والمحتاجين وتطوع مجموعة من الشباب للقيام بترتيب التبرعات وفرزها ليسهل على المحتاجين معرفة ما يحتاجونه، وانتشر هذا العمل الخيري في مناطق كثيرة من بغداد وخصوصا مناطق أصحاب الدخول المرتفعة، ثم أخذت بالانتشار ووصلت الى محافظات مثل البصرة والديوانية وكربلاء وغيرها.

غاية العلم الخير

شاب عراقي أراد تشجيع أبناء جيله على القراءة من خلال مجموعة ثقافية اسماها (دعوة للقراءة) على شبكة التواصل الاجتماعي، فأزهرت ونمت وتسلقت قلوب الكثيرين حتى أصبحت ساحة للتشجيع على القراءة والمنافسة والتميز لاختيار أفضل الكتب لقراءتها وتلخيصها وإبداء الرأي والنقد حولها، ومن خلال حملات القراءة التي كان آخرها حملة (سنقرأ معا بحب ومثابرة) لشحذ الهمم وتنمية حب المطالعة في قلوب الكثير، فأينعت وتجاوز عدد الأعضاء العشرين ألفا.

والجميل في هذه التجربة أو سواها، أنها سرعان ما تنتقل من مكان الى آخر ومن مجموعة الى أخرى، فينتشر عمل الخير أكثر فأكثر، وهذه إحدى أهم محاسن وسائل التواصل الاجتماعي في نشر ونقل التجارب الخيرية الناجحة والترويج لها، بعد أن كان الإطلاع عليها يتم عبر الصحف الورقية ووسائل إعلام بطيئة التوصيل، أما اليوم فإن فعل الخير من الممكن أن ينتشر في لحظات لا أكثر، وما يشيع الأمل في النفوس أن جميع المشاريع الخيرية حتى البسيطة منها أو تلك التي تكون بدايتها صغيرة، لكنها مع مرور الأيام تنمو وتكبر وتنتشر وتصبح ذات أثر خيري فعال في المجتمع.

ختاما، إن عمل الخير ليس سهلا لاسيما في أيامنا هذه، فأنت تعطي دون مكافأة او مديح لشخصك، ولا يشجعك احد سوى الله تعالى، والذي يستفيد من تعبك ويأكل من أموالك لا يعرفك ولا يثني عليك ولا ينشر اسمك أو عملك بين الناس حتى تكون معروفا أو شخصية اجتماعية مؤثرة، باختصار أنت تقوم بعمل الخير تقربا الى الله، لذا فإن كل ما يحثنا على عمل الخير هو دافعنا النقي وعزيمتنا القوية ورغبتنا الكبيرة لابتغاء مرضاة الله، فلا تبخلوا على أنفسكم بنعمة الغفران وراحة النفس والسمعة الطيبة والذكر الحسن، وهي دعوة لنقتدي بكل عامل خير نصادفه.

اضف تعليق