q

جعلت الشريعة الإسلامية للأبناء حقوقا على آبائهم، في ذات الوقت الذي جعلت فيه حقوقا للآباء على أبنائهم، تنعم الأسرة -بتطبيقها ومراعاتها- بحياة مكللة بالاحترام والسعادة والاطمئنان، ويكون دعامة أساس من دعامات تبادل الحقوق والواجبات الاجتماعية، وعاملا رئيسا في تكوين شخصية الفرد وإسهامه في بناء المجتمع الصالح.

والكلام ذاته، أو قريب منه، ينطبق على المدرسين والأساتذة في تعاملهم مع طلابهم. اذ يعدّ الأستاذ أبًا روحيًا لطلبته، بجانب كونه أستاذا لهم في تعليمه، يسهم نوع التعامل والعلاقة التي تربطه بطلبته في تحديد الكثير من عناصر شخصية الطالب في واقعها الاجتماعي والعلمي.

ونحن نذكر بعضا من تلك الحقوق التي يجدر بالآباء مراعاتها وتوفيرها لأبنائهم، والنظر إليها بعين الاعتبار والواقعية:

1- إظهار المودة والعطف للأبناء، ولا يكتفى بالمحبة القلبية من دون أن يظهرها في قوالب العطف والحنان، من الضمّ والتقبيل، واستعمال الكلمات الرقيقة المؤدبة وإشعار الأبناء بأهميتهم وخصوصية شخصيتهم. ولا يلقاهم بوجه عبوس، أو يعاملهم بقسوة وجفاء. فقد روي عن النبي(ص) أنه قال (من قبّل ولده كتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرَّحه، فرحَّه الله يوم القيامة)

(وكان رسول الله (ص) يقبل الحسن والحسين(ع): فقال أحدهم: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت أحدا منهم، فقال رسول الله (ص): من لا يَرحَم لا يُرحم.

2- السعي حثيثا للعدل بينهم فيما يتعلق بالأمور المادية أو الروحية، فلا يظهر اهتماما لأحد دون سواه، ولا يتقرب من أحد منهم على حساب غيره، وقد ورد أن النبي (ص) نظر إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال(ص): "فهلّا ساويت بينهما". وقال إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَل.

3- أن يحسن تربيتهم ويعلّمهم ما يضرهم وما ينفعهم، ويرشدهم الى ما فيه خير لهم في دنياهم وآخرتهم، ويكفل لهم التعليم الناجح الصحيح، ويراقب -عن كثب- علاقاته مع أصدقائه، من دون تدخل يضايقه الا اذا شعر بحاجة لذلك التدخل.

ومما يؤسف له أن عددا ليس بالقليل من الآباء لا يولي أسرته من الاهتمام بما يتناسب مع حجم المسؤولية التي يضطلع بها، وخطر التحديات التي تحيط الفرد والمجتمع في هذا الوقت; فلا يولي اهتماما لنوع التعليم الذي يتلقاه أبناؤه، ولا يراقب تصرفاتهم مراقبة المصلح الشفيق، ولا يسأل عن علاقاتهم وأصدقائهم، وكأنّ مسؤوليته منحصرة في توفير ما يسد احتياجاتهم المادية، ويضرب عن احتياجات الروح صفحا. وقد ورد تحذير شديد من قبل النبي(ص) لهؤلاء الآباء، كما تنقله مصادر التاريخ والرواية حين (نظر النبي (ص) إلى بعض الأطفال فقال: ويل لأولاد آخر الزمان من آبائهم، فقيل: يا رسول الله من آبائهم المشركين؟ فقال: آبائهم المؤمنين; لا يعلّمونهم شيئا من الفرائض، وإذا تعلّموا -يعنى أولادهم– منعوهم، ورضوا عنهم بعِوَضٍ يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء وهم منى براء).

4- مصادقة ومصاحبة الأبناء، ومساعدتهم في اختيار وانتقاء أصحابهم، واتخاذ القدوة الصالحة، والمثل الأعلى في الحياة. إذ غالبا ما يتأثر الشاب في مقتبل حياته ويعجب بشخصيات تلفت انتباهه وإعجابه، وواجب الأب توجيه هذا الشعور التوجيه الصحيح، بأن يسعى كي يكون قدوة صالحة لأبنائه، ويساعدهم على الارتباط نفسيا برموز وشخصيات ينفعه الاقتداء بهم في دنياه وآخرته.

* السيد نبأ الحمامي، باحث ومدرس في الحوزة العليمة في النجف الاشرف

اضف تعليق