q

لن يكون انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفكك الكتلة الشرقية سبباً رئيساً في قلب المعادلة العالمية ممثلة بانحسار دور اليسار مقابل تقدم هادئ لليمين، والمتطرف منه على وجه الخصوص، فثمة أسباب أخرى تتعلق بالدور الذي رآه اليمينيون المتطرفون "بارداً" من اليمين التقليدي تجاه أهم القضايا وأعقدها بالنسبة للغرب، وهي قضية الهجرة لأوروبا واستقبالها للاجئين، خصوصاً مع تصاعد وتيرة أعمال العنف في البلدان التي استقبلت اللاجئين.

ولليمين المتطرف موقف صارم من هذه القضية بالغة التعقيد؛ لأن لها تداخلاً اجتماعياً - اقتصادياً في ذات الوقت. فالشق الاجتماعي يتعلق بسهولة اندماج اللاجئين في المجتمعات الأوروبية، بينما يتعلق الشق الاقتصادي بمسألة مزاحمة اللاجئين للمواطنين الأصليين في الوظائف والأعمال، وهو ما جعل شرائح تلوذ باليمين منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، ولغاية اليوم.

كما أن صعود الإسلام السياسي في البلدان التي شهدت مايعرف بـ (الربيع العربي)، وتمكنها من الوصول للسلطة أدى بصورة غير مباشرة في تعزيز بعض الأفكار التي تنطلق منها أعمال التطرف والارهاب لكن بغطاء رسمي تارة، أو غض النظر عن تلك الأعمال والتعامل إزاءها ببرود تارة أخرى، وما قضية اغتيال رجل الدين المصري (حسن شحاتة) إلا تأكيد لمقولة التعامل البارد قانونياً حتى بعد سقوط نظام الإخوان المسلمين الذي جرت الحادثة أيام حكمه وعلى مرأى من قواته الأمنية، وهنا تأكيد للظلال المذهبية على هذه القضية التي أخذت بعداً عالمياً صار ينظر للإسلام والمسلمين نظرة سلبية أثرت بشكل أو بآخر على أوضاع المسلمين المهاجرين، ليكون الإسلام بشقه المرتكز على إيديولوحيات التطرف والإقصاء القابعة في النصوص والفتاوى التكفيرية ضلعاً مكملاً لمثلث أسباب تصدر اليمين المتطرف لزحاج الواجهات العالمية، حتى صار اليمين طوق نجاة للغرب الذي ضاق برومانسية اليسار وتقليديته ولاواقعيته، وغفوة اليمين التقليدي الذي بدا هرماً عجوزاً لا يقوى على شيء.

وتعتقد الدكتورة (مروة نصير) الباحثة في شؤون العلاقات الدولية أن تصدر قوى اليمين المتطرف سيظل مراوحاً بين مد وجزر، فهي "نجحت في تغيير الأحكام المسبقة تجاهها كجماعات نازية أو فاشية مع الاحتفاظ بالمبادئ الأساسية مثل معارضة أوروبا والهجرة، فضلاً عن أن كل العوامل المحيطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تشكل عوامل مساعدة لصعود هذه التيارات".

ثم تتوقع سيناريو آخر يتمثل بانحدار المعدل البياني للصعود اليميني؛ معللة ذلك بعلو نسب الرفض الشعبي لراديكالية اليمين مستشهدة ببعض الاستطلاعات في بلدان مثل فرنسا والسويد.

ترامب الانعزال اليميني

وعزز فوز الرئيس الأمريكي (دوناد ترامب) في انتخابات الرئاسة الأمريكية من قضية انعزال اليمين، خصوصاً بعد تصريحاته المثيرة للجدل بعد أن تعهد ببناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك؛ وذلك لمنع تدفق وتسلل اللاجئين لبلاده. وتحول الجدل الدولي الكبير حول تصريحات ترامب إلى تصريحات ناقدة، آخرها كان من وزير الخارجية الفرنسي (جان مارك إيرلوت)، حيث اعتبر العالم والدينقراطية مهددان بالنزعات المتطرفة التي أطلق عليها وصف (الشعبوية) قائلاً : " سنرتكب خطأ جماعياً كبيراً إذا استسلمنا لصعود السياسات المتطرفة، .......، أولئك الذين يقترحون بناء الجدران، وإغلاق الحدود؛ ليس لديهم أي حل لأمن دولنا وهم يهددون ازدهارها".

في حديث المسؤول الفرنسي، فضلاً عن استبطانه الناقد للسياسة الترامبية الانعزالية ؛ نجد أنه يلمح لقضية باتت تؤرق المعتدلين في اوروبا، وهي قضية صعود اليمين الانعزالي، والتي قد تكون شيئاً واقعاً خلال انتخابات الرئاسة في فرنسا، ومن معطيات هذا الصعود اليميني التهنئة المبكرة لرئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا(ماريان لوبان) للرئيس الأمريكي (ترامب) بفوزه، فضلاً عن كونها مرشحة رئاسية في بلدها ؛ لذلك نجد أن الوزير (إيرولت) صعّد من لهجته محذراً من خطأ كبير سيُرتكب لو سادت النزعة الانعزالية كمشروع يعود لأوروبا، عبر البوابة الفرنسية.

إن صور تصدر اليمين لزجاج الواجهات الأمامية العالمية؛ تؤكد أنه ماض في مرحلة خلق ظروف جديدة ؛ لتقديم نفسه مجدداً بآليات تحاول تسلق سلم الأحداث ومن أهمها قضايا الإرهاب واللاجئين لتكريس الأنموذج اليميني بما يتناسب وتحديات العولمة.

وقد نصل إلى حقيقة مخيفة تتمثل بعولمة انعزالية تُحدث تحولات ثقافية وسياسية يمكن أن تقوض صور التعايش الحضاري، وتعزز الكراهية والانتماء للهوية بمعنى إقصائي وعنصري تتغذى عليه النزعات الاستعلائية التي واجهها الهاربون من نار الارهاب في الشرق الأوسط، ليكونوا بمواجهة نار أخرى تتمظهر باتهمات التخلف والدونية، فتعلو الأصوات المتطرفة المنادية بإلغاء استقبال المسلمين كونهم ينتمون لفكر (إرهابي) حسب قناعتهم المضببة، وهي نظرة شمولية لاتنسجم مع الواقع، رغم أن الإسلام - بنسخته السلفية العنفية - مازال يوفر مبررات جاهزة لمتطرفي الضفة الأخرى (اليمين) في رفض الآخر وتكريس السلوكيات الفوقية والشعبوية، والمناداة بضرورة الدفاع عن (المهد المسيحي للعلمانية) والقصد طبعا هو المهد الأوروبي.

وبطبيعة الحال سينتقل مثل هذا الجدل إلى المناخات الفكرية والثقافية متموضعاً في مفاهيم الحداثة والتجديد، فنكون إزاء نظرة حداثية عنصرية جازمة بأن الحداثة تنسجم مع المسيحية دون غيرها، وربما - وهذا مالانتمناه - سنقرأ عن الحداثة الانعزالية!

ومن المناخ الفكري والثقافي تتعزز الراديكالية اليمينية كسلوك اجتماعي، ينذر بالكثير من التحولات.

اضف تعليق


التعليقات

ليث السعيدي
العراق
طالما ارتبطنا مع امريكا بعقد احتكار لنا ولأقدارنا علينا أن نتحمل التسلط والتطرف ومن كل جهاته تحياتي استاذ عادل التقيت بك العام الماضي في جامعة الديوانية اذا تتذكرني2017-03-06