q
ولعل الأجمل ما في هذا الشهر الكريم؛ آثاره الممتدة على طول ايام السنة، إذ ليس من المعقول أن يتخلّى الواحد منّا من تلك الخصال الحميدة، والمواقف الكريمة لمجرد انقضاء الشهر الفضيل، فهل يقبل أيٌ منّا التخلّي عن صفة علمية لمجرد ان يغادر مبنى الجامعة؟ او منصب حكومي لمجرد أن يغادر الدائرة الحكومية؟ ...

من أجمل ما في شهر رمضان المبارك؛ التقاء الفوائد المادية والفوائد المعنوية على مائدة واحدة، وربما هي الرحمة الإلهية المهداة للصائمين، ففي المحافل القرآنية، وساعات الخلوة والمناجات نوثق العلاقة بالرب، وحول موائد الافطار بين الاقارب والاصحاب، وخلال جولات التزاور وصلة الأرحام نوثق العلاقة فيما بيننا، وبين هذا وذاك؛ نكون قد اجرينا عملية إعادة للحسابات فيما يتعلق بطريقة تعاملنا مع الآخرين، وحتى مع الاشياء من حولنا لتكون كلها منتظمة ضمن قواعد أخلاقية رصينة.

ولعل الأجمل ما في هذا الشهر الكريم؛ آثاره الممتدة على طول ايام السنة، إذ ليس من المعقول أن يتخلّى الواحد منّا من تلك الخصال الحميدة، والمواقف الكريمة لمجرد انقضاء الشهر الفضيل، فهل يقبل أيٌ منّا التخلّي عن صفة علمية لمجرد ان يغادر مبنى الجامعة؟ او منصب حكومي لمجرد أن يغادر الدائرة الحكومية؟

يبدو السؤال غير منطقي بالمرة، بيد أننا نلاحظ في بعض الاحيان عملاً غير منطقياً بعد شهر رمضان عندما نتخلّى عن كل ما اكتسبناه خلال تلك الايام والليالي، ونعود الى ما كنّا عليه.

موائد الافطار الطويلة، و السلاّت الغذائية للمحتاجين، وتبادل الابتسامات والاحاديث الودّية في الأماسي المختلفة، ثم تلاوة القرآن الكريم بتدبّر وتأمّل، وحتى الاعمال العبادية، كلها وغيرها، تمثل ينبوعاً يفترض ان يغدق على حياتنا في سائر الايام والشهور، ففي كل الشهور تكون تلاوتنا للقرآن الكريم بطريقة علمية ومعرفية، وأن تزداد الروابط الاجتماعية بين الجيران، وبين الاقارب والأرحام، ونتمسك اكثر فأكثر بالخصال الحميدة والصفات الحسنة، و نستمر في العطاء للمحتاجين.

من الصعب جداً أن نخسر الإمساك عن الطعام طيلة ثلاثين يوماً، وتحمل الجوع والعطش والنحول البدني والتأثير –احياناً- على مستوى العمل والانتاج، عندما نجعل الصيام في هذا الشهر الفضيل إسقاط فرض في حين معروفٌ عن الصيام أنه "عبادة سرية" خاصة بين العبد و ربه، وتتميز عن سائر العبادات ذات الطقوس الظاهرية أمام الآخرين، فالمفطر والصائم في شهر رمضان سواسية من حيث الظاهر في الشارع، بما يعني أن الصائم الملتزم بكافة شروط الصيام؛ من صيام الجوارح، وتفعيل العلاقات الانسانية، وكل ما جاء من وصايا في خطبته الشهيرة لاستقبال شهر رمضان، إنما يريد التميّز في علاقته مع ربه، ويكون صادقاً مع نفسه ومع الله –تعالى-، وهذا الصدق يهديه الى الصدق مع محيطه الاجتماعي خلال ايام الشهر الفضيل، وحتى بعد انقضائه.

يقول العلماء إن طريقة التحقق من التوبة الى الله من المعاصي والذنوب، مراقبة النفس وتكرار ميولها وحنينها على تلك المعاصي، فاذا كان كذلك، يعني أن هذه التوبة غير مستوفية للشروط.

وفي شهر رمضان المبارك نعرف مقدار ما أخذنا منه من عطايا إلهية، ومكتسبات اجتماعية، بعد انقضائه مباشرة، وبداية الشهر الجديد، وفي قادم الأيام وحتى شهر رمضان القادم، خلال سلوكنا وأخلاقنا وطريقة تعاملنا، بل وحتى تفكيرنا طيلة أيام السنة. وهو ما نرجو أن يكون في أعلى درجة من السمو والتكامل.

اضف تعليق