q

يبدو أن علينا الانتظار بعض الوقت للحصول على احصائيات تبين الساعات التي يقضيها أطفالنا مع الانترنت بفضل الهاتف المحمول او الاجهزة اللوحية وغيرها، على غرار ما كنا نقرأه من احصائيات حول ساعات الجلوس أمام الشاشة الصغيرة، حتى يتضح لنا حجم التحدي الثقافي للمشروع التربوي، وإن كنا نبدي بعض الامتعاض من هذا الغزو الجديد لبيوتنا طيلة أيام السنة، فان أيام شهر رمضان المبارك ربما تكون فرصة لمساعدتهم على خيارات أفضل وأحسن.

الانترنت يقتل وقت الطفل

اكثر من علامة استفهام توضع على تطبيقات الالعاب الالكترونية في الجهاز المحمول، والغاية منها؟ وما اذا كان الطفل الصغير يكسب علماً او يُدرك معرفة ما من خلال هذه الالعاب؟

تستغل هذه الالعاب رغبات ونزعات في داخل الطفل، مثل؛ حب الاستطلاع والاكتشاف والتفوق والظهور، فتجذبه ببريق لامع واشكال متنوعة واحياناً بخلق عوالم افتراضية فيها اشخاص وبيوت وسيارات وحيوانات وغيرها، ثم تقذفه في عوالم الوهم والخيال الى عمق يصعب معه العودة بشكل طبيعي الى واقعه الحقيقي، وإن عاد، فهو محملاً بآثار تلك العوالم الافتراضية، بما يقربه الى حالة الادمان على الالعاب الالكتروني ولا يجد امامه سوى حرق المزيد من الوقت والزمن لمواكبة تلك العوالم الى أمد غير معلوم.

إن الخبراء والمعنيين بالشأن التربوي يجدون في هذه الالعاب تحدياً خطيراً لمشروعهم التربوي، فهم يرون بأم أعينهم احتراق ساعات ثمينة من عمر الاطفال في اللهو والعبث، في وقت هم أحوج ما يكونون اليها للتعليم والتربية وتوسيع المدارك العقلية والوعي، وكل ما من شأنه بناء فكرهم وشخصيتهم.

في غير أيام شهر رمضان المبارك، يكون الآباء والامهات في حيرة من أمرهم لايجاد البدائل المناسبة أمام ما يخوضونه بشغف بالغ، بيد أن أيام شهر الصوم وساعات ما بعد الافطار حيث تجدد القوى البدنية، توفر فرصة مناسبة لملء هذه الساعات الرمضانية بما يناسبها من برامج تعليمية وتربوية، ويأتي في مقدمتها القرآن الكريم، ليس فقط تلاوة وحفظاً، وإنما لتوسيع مدارك الفهم والوعي للاطفال لما في القرآن من قصص وعبر من تاريخ الانبياء و الأمم، فثمة قصص لها جنبة مشوّقة تكون فيها الحيوانات بطلة القصة، مثل قصة اصحاب الفيل، وهدهد سليمان، والنملة، وقصة اسماعيل مع أبيه ابراهيم، وغيرها مما تحمل دلالات واضحة بمعاني عميقة.

والى جانب القرآن الكريم، فان ابواب الهيئات والمحافل والمؤسسات الثقافية مفتوحة أمام الاطفال الى جانب الفتيان والشباب، وإضافة الى البرامج الدينية والثقافية والتعليمية، فان اماكن كهذه تعد مثالية لإنشاء الصداقات بين الاطفال ومحك لاختبار الذات والاستفادة من التجارب، فهنا طفلٌ ذكي وآخر مفوّه، وآخر ذو طباع هادئة وهكذا، فان وجود الأطفال ضمن الاجواء الرمضانية في مكان واحد يمنحهم شعوراً عميقاً بالاعتداد والفخر بأنهم ذووا شأن لما يحملوا من آداب وأخلاق تثير إعجاب سائر افراد المجتمع.

أطفال مميزون من خريجي شهر رمضان

يشكو الناس جميعاً في كل مكان من صعوبة السيطرة على الاطفال وايضاً صعوبة توجيههم نحو الصلاح {إلا ما رَحِم ربك}، حيث نلاحظ الغالبية العظمى تشكو من سلوك غير سويّ بمستويات مختلفة، ولهذا حديث مفصّل لسنا بوارد الخوض فيه، حيث يتصور بعض الآباء والأمهات أن سلاطة اللسان والتجرؤ – مثلاً- من مستلزمات العيش في الزمن الحاضر، أما الآداب والأخلاق فهي مما تكبّل يد الطفل وتجعله فريسة للآخرين.

هذه الشكوى لها اسبابها على ارض الواقع، حيث الملاحظ أن ما يُعد لدى البعض شروطاً وعواملاً لنجاح الطفل في حياته المستقبلية، بات يشكل أحد مصادر تهديد الأمن الاجتماعي، ومثالنا؛ العراق الذي يشهد باستمرار نزاعات بين الجيران وبين العشائر ايضاً تصل الى حدّ استخدام العنف اللفظي ثم العنف الدموي ونشوب معارك تسقط فيها الارواح وتنتهك فيها حرمات، كل هذا وغيره، بسبب تصرف طائش لطفل صغير، تكلّم بما لا يليق او ارتكب عملاً ما ربما لم يقصد به سوءاً.

فاذا عرفنا سبب هذه الظاهرة، عرفنا قيمة البرامج الرمضانية في المساجد والحسينيات والهيئات، ثم سائر البرامج طيلة أيام السنة، من مجالس الذكر والمحاضرات والندوات والمحافل القرآنية وغيرها، ودورها في ضخ الوعي والثقافة في النفوس، ولاسيما نفوس الاطفال، وقد أكد علماؤنا على حقيقة هذا الدور الحضاري وأثره العميق في المجتمع، ومن هؤلاء العلماء، سماحة الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي – قدس سره- عندما أكد ذات مرة الميزة التي يحملها رواد المجالس والهيئات الحسينية، وقال: إن امثال هؤلاء الشباب تخلو منهم السجون وايضاً مصحّات الامراض النفسية، ولا بين المنتحرين ومرضى الكآبة والعقد النفسية.

عالم اليوم يؤكد أن تصرفات الانسان لن تكون في حدود ذاته، إنما تعني الآخرين وتنعكس عليهم سلباً أو ايجاباً، فما أجمل ان نضمن التصرفات الايجابية منذ نعومة الأظفار مستفيدين من أجراس شهر رمضان وفرصته الذهبية قبل ان تنتهي هذه الفترة الرقيقة ولن يكون ثمة مجال للنعومة والايجابية، لا في التفكير ولا في السلوك.

اضف تعليق