q
الاعتداد بالنفس ضروري لان يدعم التفكير الابداعي والتواصل الفعال، وهو مهارة حياتية ممكنة الاكتساب والتعلم سيما للأطفال لأنهم سريعي الاستجابة لمثل هذه المهارات التي يحتاجها الانسان في الكثير من تعاملاته اليومية خصوصاً مع اتساع رقعة الانتقاص والتكبر وانعدام الانصاف في المجتمع بشرط الا...

لكل انسان الحق كله في بيان وجهة نظره وتقديم الدفاعات عن اراءه ومعتقداته الدينية والسياسية والفكرية والتربوية وغيرها، ولكل انسان الحق ايضاً في الفخر بنفسه بحدود، لكن ثمة من يرى ان الانسان الذي يصر على ما يقول او يرى انه متحيز لنفسه او بمعجب بها لا اعرف مدى علمية هذا الادعاء، فالحقيقة تقول ان المعتد بنفسه يمكن عن طريق هذا الاعتداد يتمكن من ان يصدح بصوته ويعترض على ما يراه خاطئ وهذه احدى سمات الناس الواثقون المتصفون بالصراحة والقدرة على تحليل المعلومات والإشارة إلى مواضع النقص بالتفاصيل والدلائل.

يعد (جوزيف ولبي) اول من قال بوجود هذا المصطلح كوسيلة التثبيط المتبادل، ظهر ذلك في كتابه الذي نشره علم 1985 حول علاج مصابي الامراض العصابية ومنذ ذلك الحين دخلت هذه الطريقة على العلاج السلوكي واستمر تداول هذا المصطلح حتى يومنا هذا في الكثير من الدراسات والابحاث النفسية سواء في الجامعات او في مراكز البحوث.

الاعتداد بالنفس او تأكيد الذات يمكن ان يستخدم دون ان يكون سلوك عدواني، او فلتقل انه سلوك دفاعي أكثر مما هو هجومي، ويعرفه معجم (دور لاند) الطبي النفسي بأنه "نوع من السلوك الذي يتصف بإظهار الثقة أو تأكيد الحكم دون الحاجة إلى دليل ويؤكد هذا السلوك على حقوق الشخص أو وجهة نظره دون أي عدوانية تشكل خطراً على حقوق الآخرين (بافتراض وجود الفرد في موقع الهيمنة أو السيادة) أو السماح للآخر طواعية بتجاهل أو إنكار حقوق أحد ما أو وجهة نظره".

الاعتداد بالنفس ضروري لان يدعم التفكير الابداعي والتواصل الفعال، وهو مهارة حياتية ممكنة الاكتساب والتعلم سيما للأطفال لانهم سريعي الاستجابة لمثل هذه المهارات التي يحتاجها الانسان في الكثير من تعاملاته اليومية خصوصاً مع اتساع رقعة الانتقاص والتكبر وانعدام الانصاف في المجتمع.

يتميز الناس المعتدون بأنفسهم بخصائص عدة وهي انهم يدخلون في علاقات من موقع الناس الذين يحسبون الحساب لحاجات الناس واحترامها كما يشعرون بحرية التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم ورغباتهم اضافة الى كونهم يكونون قادرين على الاستمرار في العلاقات المريحة مع الناس او قطعها متى ما شعروا انها غير مريحة، وهم من اكثر الناس تحكماً بغضبهم وهذا لا يدل على كبت مشاعرهم بل يتحكمون بالغضب ويتحدثون عن المشكلة بأسلوب منطقي متزن، وهم على عكس ما يؤخذ عليهم عدواناً بأنهم يمضون بأسلوبهم الخاص دون الاكتراث لكلام من حولهم بل يقفون بوجه غير المنطقي ويميلون إلى احترام ذاتهم بدرجة كبيرة.

اما في حالة تعدى الاعتداد بالنفس حدوده المشروعة فأنه سيتحول الى غرور او اعجاب بالنفس، اذ يفقد الاعتداد سلميته وخواصه الجميلة، على سبيل المثال يتصرف شيخ العشيرة او الوجيه في قومه إذا كان ذا إنجاز اجتماعي كأن يكون عالماً أو مبتكراً أو سياسياً مناضلاً أو رئيساً لعمل مشهود بنجاحه في مؤسسة خاصة أو عامة او استاذ جامعي كبير السمعة ويبدأ التعالي ينخر شخصيته وقوامه، مع ان ليس ثمة ما يدعو الى الاستعلاء لكن ذلك يحصل في العادة إذا ما شعر الإنسان الذي أصبح تحت دائرة ضوء الشهرة أو اعتقد هو بذلك خطأ إذا ما أصيب بمرض الاعتداد المريض بالذات أي الفائق عن حدود المطلوب.

ان احد ميزات الاعتداد هي الثبات الاخلاقي والابتعاد عن التكبر ولو نصب في اعلى المناصب ونال اعلى الدرجات الوظيفية في الحياة، والبراهين الحياتية وقصص الناجحين تخبرنا بأن اكثر الناس نجاحاً هم الذين يعادل تميزهم تواضعاً بحجمه او اكثر منه، ولا يغيب عدلهم وانصافهم حتى لإعدائهم مهما بلغت مسؤولياتهم المعنوية أو الجاهية في مجال معين.

فكثير من الناس لا يصدق حصوله على مال اتاه من ورث معين او صفة اجتماعية او علمية انعم الله بها عليه او وظيفة عليا توظف بها حتى صار يعتقد انها ام الوظائف واهمها وليس قبلها ولا بعدها شيء وبذا يكون حريصاً على ما بيده من نعم متناسياً ان ما وصل اليه يقتضي الابداع مهاراته في خدمة مجتمعه والا فقد وضع قدمه في اولى خطوات السقوط.

في الخلاصة نقول: صحي جدا ان يعرف الانسان قيمته ويعظم من شأنه بالطريقة التي تقوي ثقته بنفسه شريطة ان لا يؤدي ذلك التعظيم الى الاندماج المبالغ فيه مع الذات لدرجة يخسر فيها الفرد القدرة على رؤية الأمور من وجهات نظر الآخرين، كما من الصحي ان لا يتحول الفرد الى كائن لا يرى الا نفسه لان ذلك يعني تدهور انسانيته وفطرته السليمة التي فطر عليها ويصبح متكبراً منبوذً.

اضف تعليق