q

في الساعة الثانية من فجر يوم الخميس الموافق 22 تشرين الأول نفذت قوات خاصة أمريكية بصحبة جنود من قوات البيشمركة الكردية عملية إنزال جوي في الحويجة بمحافظة كركوك على سجن تابع لتنظيم داعش، وذلك في عملية عسكرية نوعية أثارت الكثير من التساؤلات وردود الأفعال من جهات عدة رسمية وغير رسمية، وواجهت هذه العملية مواقف متباينة لدى السياسيين العراقيين، فبينما أشاد بها البعض، طالب آخرون بالكشف عن تفاصيلها عادّين إياها تعدياً على السيادة العراقية، مما وضع هذه العملية في ميزان التحليل والنقاش والاستنتاج، لأجل الوصول إلى إجابات مقنعة وشافية عن أسبابها الحقيقية والغايات الكامنة وراءها، وكذلك عن سبب تنفيذها في هذا الوقت بالتحديد، وهل كانت الحكومة العراقية على علم بالعملية قبل حدوثها؟ وما سبب اصطحاب القوات الأمريكية جنود من قوات البيشمركة بالتحديد دون الاستعانة بأفراد من القوات الأمنية العراقية الأخرى التابعة للحكومة المركزية، وهل تحمل هذه العملية رسائل معينة لجهات سياسية محلية أو دولية؟.

أهداف معلنة وأخرى مخفية

ومن الطبيعي أن ترافق مثل هكذا عملية درجة عالية من السرية وبالتالي عدم السماح لوسائل الإعلام المحايدة بتغطية هذا الحدث ونقل الصورة الحقيقة للظروف التي رافقت العملية، مما يفتح الباب واسعاً أمام الآراء والتوقعات والتكهنات بشأن عملية الإنزال الجوي الأمريكي في الحويجة، فعن الأسباب الحقيقية لهذه العملية نعتقد بأنها مرتبطة بتحرير أشخاص متعاونين مع القوات الأمريكية من خلال تقديم المعلومات الاستخبارية عن كل ما يتعلق بتنظيم داعش، وبالتالي فإن هؤلاء الأشخاص لهم أهمية خاصة عند الأمريكيين تستحق منهم المجازفة بعملية نوعية تنطوي على مخاطر كبيرة على حياة جنودهم وقد تواجه هذه العملية الفشل، ومن المحتمل أن يكون من بين السجناء المحرَّرين قياديون في داعش سجنهم التنظيم بسبب محاولتهم الانشقاق عن داعش أو تمردهم على أوامر التنظيم وهؤلاء يشكلّون أهمية للولايات المتحدة لما يمتلكون من معلومات عن إمكانيات داعش ومصادر قوته وخططه، فقد أشاد وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر، بالعملية وقال خلال مؤتمر صحفي إنه "تم الحصول على خزين هائل من المعلومات الاستخبارية من العملية"، متوقعا "المزيد من الفرص المستقبلية للقيام بعمليات مشابهة لتلك التي وقعت في الحويجة".

وقد يضاف هدف آخر إلى العملية بعد أن تناقلت الأنباء خبر وجود تاجر كردي ضمن السجناء المحررين كان يتاجر بالنفط المنتج من المناطق التي يسيطر عليها داعش أودع السجن بعد أن اختلف مع التنظيم بشأن مسائل مالية، وقد يمتلك هذا التاجر معلومات تدين قيادات كردية بالتعامل مع داعش في تصدير النفط المهرب وهذا ما يفسر الاهتمام الكردي بالعملية واشتراك البيشمركة فيها. ومهما يقال عن أسباب هذه العملية فأن تاريخ مثل هكذا عمليات أمريكية تثبت بأنها تسعى لحماية مصالح حيوية مرتبطة بالأمن القومي الأمريكي، كعملية تحرير 61 أسير أمريكي لدى فيتنام في سنة 1970، وكذلك عملية (مخلب النسر) لتحرير رهائن السفارة الأمريكية في طهران سنة 1980.

العملية وعنصر التوقيت

وعن توقيت العملية وأسباب تنفيذها بشكل مفاجئ فأن رواية الكرد والأمريكيين تقول إن تنظيم داعش كان ينوي في اليوم التالي القيام بحملة إعدام لهؤلاء السجناء ولذلك تطلب الأمر القيام بهذه العملية لإنقاذ حياة المحتجزين، لكن هناك من يربط بين موعد تنفيذ العملية وبين الاستعدادات الجارية من الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي وأبناء العشائر لبدء العملية العسكرية الرامية لتحرير الحويجة وبالتالي فأن خشية الأمريكيين من وقوع هؤلاء المحتجزين في يد قوات الحشد الشعبي هو الذي عجل من قيامهم بهذه العملية خوفا من انكشاف المعلومات التي تسعى الولايات المتحدة إلى بقائها سرية.

الحكومة وفرضية الابلاغ

المسألة الأخرى التي أثارت الانتباه هو موقف الحكومة العراقية من العملية الذي آثرت لزوم الصمت على الإدلاء بأي تصريح تأييداً أو رفضاً، أو حتى الإفصاح إن كانت على علم بالعملية أو لا، مما يعكس حجم الحرج الذي تعرضت له فهي من جهة ترحب بكل الجهود التي تصب في محاربة داعش ومن جهة أخرى تواجه ضغوطاً قويةً خصوصاً من فصائل الحشد الشعبي من اجل اتخاذ موقف أكثر حزما في مسألة التعاون مع الجانب الأمريكي وان يكون هناك تنسيق مشترك مع الجانب الأمريكي عند تنفيذ العمليات العسكرية الأمريكية، خصوصا وان هناك من اعتبر عملية الإنزال انتهاكا لسيادة العراق، رغم إن المتحدث باسم التحالف الدولي (ستيف وارن) قد أعلن أنه تم إبلاغ الحكومة العراقية بعملية إنقاذ الرهائن في قضاء الحويجة، وقال للصحفيين إن "الحكومة العراقية كانت على علم بعملية الحويجة وتم إعلامها بذلك"، لافتا إلى أن "العملية نفذت ضمن تقديم المشورة والمساعدة، ولم يحصل أي تغيير في سياستنا". إن صمت الحكومة العراقية تجاه هذه العملية سواء أنها كانت على علم بها قبل حدوثها أو لا يعكس رغبتها في عدم اتخاذ أي موقف يمكن أن يغضب بعض الأطراف السياسية العراقية التي اختلفت مواقفها تجاه العملية بين رافض ومؤيد.

الأمريكان يستعينون بالكرد

الغريب في هذه العملية إن مجلس امن إقليم كوردستان، الذي يتزعمه مسرور بارزاني، نجل رئيس الإقليم مسعود بارزاني، قد أعلن أن قوات مكافحة الإرهاب التابعة له شنت وبمساندة طائرات التحالف الدولي، عملية عسكرية قرب الحويجة حيث تمت السيطرة على سجن خاضع لسيطرة تنظيم داعش وتحرير 69 شخصا، وكأن الدور الأكبر فيها كان للقوات الكردية ولا أعرف كيف قبل الأمريكان أن يكونوا تحت قيادة الكرد ويستلموا الأوامر منهم، ولا شك إن العكس هو الصحيح فالأمريكان استعانوا بمجموعة من قوات البيشمركة لكن العملية بالتأكيد هي من تخطيطهم وتنفيذهم وبقيادتهم، وهنا نتساءل لماذا اختار الأمريكان صحبة الكرد ولم يستعينوا بقوات عراقية كجهاز مكافحة الإرهاب أو قوات الرد السريع أو القوات الخاصة، لعل الأمر يحمل في جنباته غايات سياسية تداعب مشاعر الكرد وتلمّح لهم وللآخرين بأنهم الأكثر قربا من الأمريكان ومحلاً لثقتهم أكثر من سواهم، أو لان المحتجزين أكثرهم من قوات البيشمركة وعليه فالكرد هم أولى بتحريرهم، ولو إن العملية قد بينت عدم وجود أي فرد محتجز من البيشمركة.

عملية الإنزال تحمل رسائل

إن عملية الإنزال الجوي الأمريكي رغم طابعها الأمني والعسكري إلا إنها لا تخلو من رسائل سياسية على المستويين المحلي والإقليمي، فعلى المستوى المحلي يبدو ان (قسم) من الادارة الأمريكية أرادت أن تؤكد دعمهما لمسعود البرزاني في مواجهة خصومه في كوردستان وبغداد على السواء من خلال إظهاره بمظهر الحليف المقرّب، كما أراد الأمريكان أن يؤكدوا إنهم حاضرون في العراق بقوة وهم قادرون على تنفيذ عمليات عسكرية نوعية وبحرية تامة، أما على المستوى الإقليمي فقد تكون إيران هي المقصودة من خلال إثبات قدرة الأمريكان على الوقوف بوجه أي محاولة إيرانية لإحداث خلل في ميزان القوى يميل لصالحها ومدّ نفوذها في مناطق يريد لها الأمريكان أن تكون بعيدة عن التأثير الإيراني.

وعلى كل حال فأن نجاح عملية الإنزال الجوي الأمريكي في الحويجة قد يغري القيادة الأمريكية على القيام بعمليات نوعية مماثلة وفي مناطق أخرى من العراق لتحقيق المزيد من الغايات والمكاسب العسكرية والاستخباراتية والسياسية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق