q

أولا: الفقر والعمل

أشار التقرير السادس لمؤتمر العمل الدولي أنه "من أصل مليار شاب في العالم، هناك ٨٥ في المائة منهم يعيشون في البلدان النامية حيث يتعرضون بشكل خاص للفقر المدقع" وأن "بين عام ٢٠٠٣ وعام ٢٠١٥ سيبلغ عدد الباحثين عن عمل للمرة الأولى مستوى لم يتم بلوغه سابقاً. وسيكون من الضروري زيادة فرص العمالة اللائقة للشباب بشكل ملحوظ من أجل رفع هذا التحدي. وسيزداد هذا العدد بشكل أكبر في الأقاليم التي يتوقع أن تنمو فيها القوى العاملة أكثر من أي مكان آخر".

ثانيا: حق العمل

ويعد الحق في العمل من أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛ فهو من الحقوق الاقتصادية، لأنه يؤمن الفرد ماديا واقتصاديا ويوفر له متطلبات معيشته. وهو من الحقوق الاجتماعية لارتباطه الوثيق بالمجتمع، ولان رقي المجتمع وتطوره ونهوضه موقوف على ممارسة هذا الحق. والحق في العمل يعني أولاً الحق في المشاركة في إنتاج وخدمة أنشطة المجتمع الإنساني. وثانيا الحق في المشاركة في الفوائد العائدة عن طريق هذه الأنشطة المشتركة إلى الحد الذي يكفل مستوى معيشياً لائقاً. وهكذا فإن الحق في العمل يكفل عدم استبعاد أي فرد من الحياة الاقتصادية. أما نوع العمل الذي يقوم به الإنسان فيعتمد على إمكان انتفاعه بالموارد والتعليم والتدريب.

ثالثا: المواثيق والإعلانات الخاصة بحقوق العمل

تاريخيا، تمثل الحقوق والحريات ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي الجيل الثاني من قائمة الحقوق والحريات التي نصت عليها المواثيق والإعلانات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك باعتبار أن الحقوق والحريات ذات المضمون السياسي والمدني تمثل الجيل الأول في هذا الخصوص. حيث تكفل المادة "23" من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل شخص "حق في العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة".

وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في المادة (6/1) على "الحق في العمل الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه بعمل". كما تنص المادة (6/2) على أن تتضمن "الممارسة الكاملة لهذا الحق توفير برامج التوجيه والتدريب التقنيين والمهنيين". وتنص المادة (1/2) من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 122 لسنة 1964 بشأن سياسة العمالة؛ على واجب الدول الأطراف العمل على "توفير فرص عمل لجميع المحتاجين للعمل والباحثين عنه".

رابعا: أنواع حقوق العمال

إن الهدف الرئيسي من وراء إقرار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية هو تحقيق العدالة الاجتماعية، والتأمين ضد المرض والفقر والعجز عن العمل، والتخلص من البطالة، وتهيئة فرص العمل اللائق للأفراد.. وقد أشارت ديباجة دستور منظمة العمل الدولية إلى نوعين من الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها العمال: أولا: حق العامل في العمل ويتضمن: حق العامل في اختيار عمله بحرية وطبقا لإرادته وميوله، وحق العامل في تأسيس النقابات والجمعيات والانضمام إليها، وحق العامل في الأجر العادل اللائق والمتساوي بين الجنسي في الإعمال المتكافئة في القيمة، وحق العامل في الإجازة الأسبوعية والسنوية، وحق الأحداث والنساء في تنظيم وقت العمل وظروفه، وحق العامل في تكافؤ الفرص في العمل والتعليم الحرفي والتربية، وحق العامل في المشاركة في توجيه السياسة الاجتماعية ووضع البرامج الاقتصادية. وثانيا: حق العامل في الضمان الاجتماعي ويتضمن: الحق في ضمان العجز عن العمل أو الحماية من البطالة، والحق في الضمان الصحي في حالتي المرض والولادة، والحق في ضمان إصابات العمل والحق في ضمان التقاعد.

خامسا: عدم تمتع العمال بحقوقهم

تترتب على بطالة الشباب أو على بطالتهم الجزئية تكلفة باهظة لهم ولمجتمعاتهم. أما بالنسبة للشباب فإن البطالة طويلة الأمد في بداية الحياة قد تخل بشكل دائم بقابلية الاستخدام وكسب القوت والوصول إلى أعمال ذات نوعية جديدة بالنسبة للباحثين عن العمل، إضافة إلى أن أنماط السلوك والمواقف التي يتم إرساؤها في المرحلة الأولى من الحياة تستمر في المراحل التالية منها. وبالنسبة إلى الحكومات، تعني بطالة الشباب أن الاستثمارات في مجال التعليم والتدريب ذهبت سدى؛ وأن قاعدة عائداتها الضريبية تدنت، وأن تكاليف الرعاية الاجتماعية قد ارتفعت، وأن تأييد ناخبيها من الشباب قد تضاءل. إضافة إلى ذلك قد تؤدي البطالة المرتفعة والمتزایدة بين الشباب إلى عدم الاستقرار الاجتماعي، وإلى ازدیاد تعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم.

سادسا: التزامات الدولة إزاء حق العمل

يقدم العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعاهدات الأخرى التي تتناول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عدداً من الضمانات المختلفة المتعلقة بهذه الحقوق إلى الفرد وإلى المجتمع، ويقابل كل حق من هذه الحقوق التزامات معينة من جانب الدولة. وبالتالي، لا بد من فحص طبيعة التزامات الدولة ونطاق هذه الالتزامات بموجب الصكوك الدولية والوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان حتى نفهم على وجه الدقة ما نستطيع وما ينبغي أن نتوقعه من الدولة، وما يرتبط بذلك من إدراك كيفية ضمان إعمال حقوقنا على نحو أفضل.

إن الالتزامات الواقعة على الدول فيما يتعلق بالحقوق والحريات السياسية والمدنية لا تعدو أن تكون التزامات سلبية تفرض عليها ألا تضع العراقيل أمام المواطنين وتحول بينهم وبين تحقيقها. وهو ما يفيد بأنه ليس للأفراد الحق في مطالبة السلطات الحاكمة سوى بأن تخلو بينهم وبين ممارسة حقوقهم وحرياتهم السياسية والمدنية. بينما لا يكفي النص على الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية في دساتير الدول، بل لابد من قيام الدول بعمل إيجابي بغية الوفاء بها. بعبارة أخرى، تفرض الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية على الدول القيام بأعمال من شأنها تقديم العون للمواطنين في حياتهم على مختلف الأصعدة، في الوقت الذي لا تفرض فيه الحقوق والحريات السياسية والمدنية عليها سوى التزاما سلبيا تمتنع بمقتضاه عن القيام بأية أعمال يمكن أن تحول بين المواطنين وبين ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية.

وعليه يمكن القول إن الالتزامات الواقعة على الدول فيما يتعلق بالحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية هي التزامات إيجابية، بما يعنيه ذلك من ضرورة بذل الدول لجهود معينة حتى تكفل للمواطنين فرص عمل مناسبة، فضلا عن توفير المسكن والغذاء والكساء والتعليم والرعاية الصحية المناسبة إلى غير ذلك من المتطلبات اللازمة للحياة الكريمة واللائقة لمواطنيها. وهو ما يفيد بأن للأفراد الحق في مطالبة السلطات الحاكمة بأن تقدم لهم يد العون والمساعدة، وأن توفر لهم كل ما هم بحاجة إليه لكي يعيشوا حياة لائقة وكريمة.

لذلك فان اتفاقية سياسة العمالة، ١٩٦٤ (الرقم ١٢٢) تجعل خلق العمالة إحدى الأولويات الرئيسية التي تقوم عليها قرارات الحكومات في مجموعة واسعة من سياسات الاقتصادي الكلي، حيث تطلب الاتفاقية من الدول الأعضاء، كهدف رئيسي، إقرار ومتابعة سياسة نشطة ترمي إلى توفير العمل لكل من كان مستعداً للعمل أو كان يبحث عن عمل. وينبغي تحديد خطوات تنفيذ مثل هذه السياسة ومراجعتها بانتظام في إطار سياسة اقتصادية واجتماعية منسّقة، وبالتشاور مع ممثلي أصحاب العمل والعمال وسائر الأشخاص المعنيين بها. وكذلك تدعو الاتفاقية إلى إيلاء "أولوية خاصة" إلى "التدابير المصممة لمعالجة مشكلة بطالة الشباب وهي مشكلة خطيرة وتزداد خطورة في بعض البلدان.

سابعا: النتائج المستخلصة

من خلال ما تقدم نصل إلى أن الحق في العمل أحد أهم حقوق الإنسان، وبموجب هذا الحق فان على الدولة احترام وحماية وكفالة إمكانية قيام الشخص بعمل لكسب الرزق، والالتزام بضمان حرية اختيار العمل أو قبوله.

ويعني ذلك، على سبيل المثال:

1- أن الدولة يجب ألا تدمر الفرص المتاحة أمام الفرد لكسب رزقه (التزام الاحترام).

2- يجب أن تحول الدولة دون تعرض تلك الفرص للدمار على أيدي الغير (التزام الحماية).

3- يجب أن توفر الدولة فرصة كسب الرزق لكل فرد لا يتمتع حالياً بمثل هذه الفرصة (التزام بالأداء).

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق