q
الطلاق علة تستشري في المجتمعات العربية ولا سيما المجتمع العراقي بصورة تفوق الخيال ولأسباب تافهة وواهية، والطلاق ظاهرة اجتماعية ذات جذور نفسية تفتك بالعوائل وتنهي الزواج وتأسس للوحدة والتفكك الاسري، حيث ينمي الكراهية والبغضاء وحالة عدم الاستقرار وهو ما يزعزع الامن المجتمعي ويزيد من فرص نشوء جيل مشحون نفسياً...

الطلاق علة تستشري في المجتمعات العربية ولا سيما المجتمع العراقي بصورة تفوق الخيال ولأسباب تافهة وواهية، والطلاق ظاهرة اجتماعية ذات جذور نفسية تفتك بالعوائل وتنهي الزواج وتأسس للوحدة والتفكك الاسري، حيث ينمي الكراهية والبغضاء وحالة عدم الاستقرار وهو ما يزعزع الامن المجتمعي ويزيد من فرص نشوء جيل مشحون نفسياً، او قد ينشئ جيلاً هامشياً ليس لديه فكرة عن مستقبله وما سيؤول اليه امره او مصيره، ومن هنا تظهر المشاكل والهنات والازمات التي غيرت الصورة البراقة للمجتمع العراقي الذي عرف بالالتزام بالقيم والاعراف والعادات التي هي محددات وموجهات لسلوكياته واخلاقياته.

حين اباح ديننا الحنيف الطلاق لم يبحه الا في الحالات المعقدة، ليكون العلاج الاخير لحياة زوجية اصبح الاتفاق بين طرفيها مستحيلاً، و شدد على كراهيته الشديدة وحث على عدم الاسراف فيه واتقائه ما استطاعوا اليه سبيلا، لكن المؤسف ان هذه الاباحة فهمت على انها امر يسير ومتاح للجميع ومهما كانت المسببات، والحال كل القوانين والشرائع والاخلاق قد امضت فصولاً في تنظيم هذه العلاقة وضمان استمرارها فكل من جانبه قدم ما يخدم نجاح هذه العلاقة لان في ذلك استمرار الحياة نفسها وسعادتها وتطورها.

يترتب على ازمة الطلاق آثار سلبية على الاسرة والمجتمع، فالأزواج تقع عليهم نتائج هذا الخيار المقدس، فالرجل المطلق يثقله العبئ المادي ناهيك عن الهم والالم النفسي وهو ما ينعكس على مستوى اداءه الوظيفي والاجتماعي، ولا تقف هذه الاثار عند الرجل فللمرأة ايضاً ملئ جعبتها من الالم بدءاً من الشعور بالوحدة والاحباط والشعور الفشل في المحافظة على كيان الاسرة مما يبرر لها ان تسلك طرق ملتوية لتعويض حالة الحرمان والفقدان الذي تعشيه، وبالتالي يتأثر المجتمع كله من هذه التغييرات السلبية.

والوجه الثالث للأثر السلبي يتمثل بالأطفال اللذين لهم النصيب الاكبر من العناء في النواحي النفسية والاجتماعية والتربوية تتمثل في الاضطرابات النفسية و التشرد والانحراف والجريمة وغير ذلك، فالدراسات التي اجريت للوقوف على الاثار السلبية للطلاق على الاطفال تؤكد على ان الطلاق يشكل احد الاسباب الرئيسية في انحراف وجنوح الاحداث ففي دراسة حديثة اجريت في بغداد في عام 2018 من قبل مكتب الخدمة الاجتماعية في محكمة الاحداث بينت ان 82% من اسباب الجنوح ترجع الى سوء المحيط وتصدع الأسرة وفقدان الرعاية الابوية مما يجعل منهم اشخاص غير مقدرين لذواتهم وغير مكترثين للخطر الذي يحيط بهم وما يهمهم هو العيش بطريقتهم الخاصة التي ترسمها لهم الاقدار من دون تخطيط ولا تنظيم ولا احتضان والنتيجة قد يكونوا ضحيا لعمليات الامتهان والاستغلال بأنواعه واشكاله، مما يجعلهم اكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والجسمية فضلا عن ضعف ادائهم الدراسي.

من الاسباب التي تدفع بالمتزوجين الى الطلاق هي اولاً عدم توافر نضج لدى المقبلين على الزواج يحصنهم ضد المشكلات الحياتية التي تواجهه في بداية الحياة الزوجية وعدم وعيهم بحقوق كل منها تجاه الاخر وواجباته، ثاني الاسباب هو ازمة اثبات الهوية فبعض الشباب والشابات ايضاً في الفترة الاولى من الزواج يحاولون اثبات هوياتهم فكل يرى في نفسه شخصية مستقلة ولها كيانها ولا ينبغي تجاوزها، من الاسباب الاخرى للطلاق استمرار احد الطرفين او كليهما في فوضويته واعتياده على قضاء معظم وقته مع اصدقاءه بعيداً عن اسرته مما ينتج مشاكل لا حصر لها، كما ان غياب الخصوصية وعدم ستر العيوب الازواج امام الغرباء وجعل الحياة مكشوفة تشكل احد الأسباب المؤدية الى الطلاق، وخامس الاسباب هو الارهاب الاجتماعي الذي يمارسه المجتمع على المتزوجين والتدخل الفج في الخصوصية سيما في حالة تعذر انجابهما الاطفال وهو ما ينعكس على الحالة النفسية للزواج وربما يقودهما الى الطلاق، واخيرا يمثل عدم اهتمام من الازواج بنفسيهما من النواحي الظاهرية المتمثلة في النظافة والملبس وغيرها ومن ناحية الطريقة في الكلام ولتفاهم وغياب لغة الحوار سببا في حدوث حالات الطلاق.

من الابجديات التي يحتاجها الزوجان لإكمال المشوار هي اختيار الزوج بالعقل لا بالعاطفة فقط وفق دراسة امكانية الزوج لتوفير ما يمدهما بالسعادة، وعلى الابوين ان ينصحا ابناءهم ليتمكنوا من تحمل مسؤولياتهم والتعامل بحكمة مع المشكلات التي تواجههم دون فتح الباب لاحد في التدخل وبالتالي تتعقد الامور وتخرج عن سيطرتهما، كما ينبغي ان يكون الزوجين متناسبين في العمر والمستوى الدراسي والثقافي لان الفرق الكبير في العمر او الثقافة يترك هوة بينهم وهو ما يصعب من عملية فهم احدهم للآخر، كما على الزوج غير القادر على توفير مستلزمات الحياة الضرورية ان لا يقرب الى الزواج وهو يعلم ان عاجز عن القيام بمسؤولية العائلة والاولى توفير فرصة عمل توفر له قوته قبل الاقدام على الزواج، واخيرا يجب ان يكون المقدم على الزواج لديه استعداد نفسي للزواج وتقبل تبعاته.

في الخلاصة نقول: الطلاق جريمة اجتماعية إذا ما اقترفت بدون وجه حق او مبرر منطقي مقبول، والعكس يجعل من الطلاق من اكبر الازمات والممارسات الخاطئة التي يرتكبها الازواج بحق انفسهم واطفالهم ومجتمعهم، فلا ينبغي للطلاق ان يكون اول الحلول بل آخرها فآخر الدواء الكي.

اضف تعليق