q
إنسانيات - منظمات

حرب من أجل المواهب

يحظى رأس المال البشري بقيمة عالية، لكن الأشخاص المسؤولين عن الموارد البشرية ليسوا كذلك. إن أحد الأسباب المحتملة هو أن المهنيين في مجال الموارد البشرية يُنظر إليهم على أنهم يفتقرون إلى الفطنة التجارية. وهناك بعض المزايا لهذا التصور. لقد أعطى التركيز التاريخي على وظائف مثل...
بقلم: آن ماري سلاوتر/مونيكا تشيلام

العاصمة واشنطن- في خمسينيات القرن الماضي، عندما كان سوق العمل محدودا للغاية في الفترة ما بعد الحرب، صنف مديرو الأعمال الأمريكيين مجال "الموارد البشرية"، على أنه الأفضل في مجال الأعمال. وكما يروي بيتر كابيلي، الذي يشتغل أستاذا بمدرسة وارتون، "شُغلت 90٪ من المناصب (وكلها تقريبًا مناصب عليا) بأشخاص من داخل المؤسسات المعنية- وخصصت 96٪ من الشركات الكبيرة قسمًا كاملًا، للتخطيط للاحتياجات فيما يتعلق بالقوى العاملة." ويقول أنه عندما تحتاج الشركات للمواهب، ترتفع هيبة الموارد البشرية. وعندما تتراجع أسواق العمل، تعود الموارد البشرية إلى إدارة الفوائد.

إن سوق العمل ضيق جدا اليوم، إذ بلغت معدلات البطالة في الولايات المتحدة 4٪ أو أقل منها، منذ مارس/أذار 2018. وفي كتابهما الشهير، الذي صدر عام 2018 Talent Wins (فوز المواهب)، حث المدير العام السابق لماكينزي، دومينيك بارتون، وشركاؤه في تأليف الكتاب، جميع الرؤساء التنفيذيين الطموحين على الحصول على تجربة مهمة في مجال الموارد البشرية. وحث كل مجلس إدارة شركة على قضاء وقت كبير في الأمور التي تتعلق بالمواهب. وكذلك، خلص إيلي فيلر من شركة الاستشارات Korn Ferry (كورن فيري)، وDave Ulrich (ديف أولريتش)، من جامعة ميشيغان، أن سمات الرؤساء التنفيذيين ذات الصلة تتوافق مع سمات رؤساء موظفي إدارة الموارد البشرية أكثر من توافقها مع سمات أي منصب آخر في الرئاسة؛ ويقولون أنه ينبغي مراعاة رؤساء موظفي إدارة الموارد البشرية عند اختيار الرؤساء التنفيذيين.

ولابد أن تكون هذه الحرب من أجل المواهب خبراً رائعاً للنساء، لأن النساء يهيمنن على الموارد البشرية. إذ في الولايات المتحدة، تشكل النساء ذواتي البشرة الملونة نسبة مئوية في الموارد البشرية أعلى من أي قسم آخر في الشركات.

وبصفة عامة، على الرغم من التقدم، لا تزال النساء يمثلن حوالي 10٪ فقط من المناصب التنفيذية العليا في الشركات الأمريكية. وفقط 4٪ من القادة في المناصب العليا هم من النساء ذواتي البشرة الملونة. وبالمقابل تشكل النساء الأغلبية في الموارد البشرية: 73٪ من مديري الموارد البشرية، و55٪ من رؤساء موظفي الموارد البشرية. وما يقرب من ثلث المتخصصين في الموارد البشرية في الولايات المتحدة هم من غير البيض، وأكثر من 10٪ من رؤساء موظفي الموارد البشرية في شركةFortune 100، هم من النساء ذواتي البشرة الملونة.

إذا لدينا الحل لسد ثغرة القيادة النسائية، أليس كذلك؟

ولكن ليس بهذه السرعة. إن دراسة ماكينزي الرائدة التي تنبأت بأن الموهبة ستكون المورد الأكثر قيمة للشركات –وستكون نادرة- نشرت منذ أكثر من 20 عامًا. كما أن تزايد التقدير لقيمة المواهب لم يقابله تزايد التقدير لقيمة الموارد البشرية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإعادة تسمية المجال (باسم "الأشخاص"، أو "تجربة الموظفين" أو ببساطة "المواهب")، إلا أن سمعة الموارد البشرية باعتبارها مأزقا وظيفيا لازالت قائمة. وقد يكون لكبيري موظفي الموارد البشرية دور في اتخاذ القرارات، لكن من المستبعد أن من في هذا المنصب رئيسا تنفيذيا.

وفضلا عن ذلك، يحصل قادة الموارد البشرية على رواتب أقل بكثير من نظرائهم في مناصب الرئاسة، مما يشير إلى أنهم أقل قيمة بكثير. ووفقًا لجمعية مجموعة الرؤساء التنفيذيين، يكسب رؤساء موظفي الموارد البشرية في الشركات العامة أقل من 10٪ مما يكسبه نظراؤهم في مناصب الرئاسة.

وباختصار، يحظى رأس المال البشري بقيمة عالية، لكن الأشخاص المسؤولين عن الموارد البشرية ليسوا كذلك. إن أحد الأسباب المحتملة هو أن المهنيين في مجال الموارد البشرية يُنظر إليهم على أنهم يفتقرون إلى الفطنة التجارية. وهناك بعض المزايا لهذا التصور. لقد أعطى التركيز التاريخي على وظائف مثل علاقات الموظفين، وإدارة المنافع، الموارد البشرية سمعة تتجاوز الخط الفاصل بين الهرب من المخاطر والدنيوية، وهي بالكاد الوظيفة التي ترغب أن تقود الجهود الابتكارية، والتطلعية التي قد تحدد مصير الشركة. كما أن الأجور المنخفضة نسبيًا جعلت من الصعب على الموارد البشرية –وهو توجه نادرا ما يختاره خريجو كليات إدارة الأعمال الكبر- جذب أفضل المواهب.

وتعد الموارد البشرية أيضًا تجسيدًا وظيفيًا لـ"للأعمال المنزلية في المكتب". إنه مجال طُلب لتولي نصيب الأسد من المهام الإدارية، التي يصعب قياسها، والتي تساهم في تقدم الشركة، وليس في تقدم مهن أولئك الذين يؤدونها. وليس من المستغرب إذا أن يكون المديرون التنفيذيون سعداء للغاية بزيادة التنوع (بشكل هامشي) عن طريق توظيف النساء، بما في ذلك عدد كبير من النساء ذواتي البشرة الملونة، في وظائف الأعمال المنزلية في المكتب، وهي وظيفة تتطلب الكثير من التركيز على العلاقات الفوضوية بين الموظفين. وعلى غرار جميع المهن الأخرى التي تهيمن عليها النساء، فهي تحظى بأجر وقدر قليلين. ولأن الموارد البشرية تعاني من نقص الموارد، وتغمرها أعمال متعلقة بالمعاملات، لطالما كافح القادة في الموارد البشرية من أجل أداء العمل الاستراتيجي المطلوب منهم.

ولحسن الحظ أن دور الموارد البشرية يتغير. أولا، أصبح كميا أكثر. إذ أصبحت أداة تحليلات الناس، التي حظيت بشعبية من قبل المدير التنفيذي السابق لشركة غوغل، لازلو بوك، أداة راسخة، وتقوم إدارات الموارد البشرية بتوظيف علماء البيانات بشكل روتيني، لتوجيه قرارات الشركات الهامة. بالإضافة إلى ذلك، انفجر مجال تكنولوجيا الموارد البشرية، مما خلق نظامًا بيئيًا يضم أكثر من 4000 من مزودي البرامج، الذين يلبون احتياجات محترفي الموارد البشرية. ويعيد هذا التطور، إلى جانب الاتجاه نحو إدارة فوائد الاستعانة بمصادر خارجية، تشكيل وظيفة الموارد البشرية بشكل جذري

ولكن عندما يتعلق الأمر بمزيد من التكنولوجيا والبيانات، مما يتطلب المزيد من المهارات الكمية، يلجأ الرؤساء التنفيذيون إلى الرجال. وبدلاً من الاستفادة من مجموعة المواهب من النساء في الموارد البشرية، يميل قادة الأعمال نحو توظيف الرؤساء التنفيذيين للموارد البشرية "الاستراتيجية" من خلفيات غير الموارد البشرية. وتشير المتطلبات الوظيفية للأدوار القيادية للموارد البشرية بشكل متزايد إلى "الفطنة التجارية" كشرط ضروري.

واستجابت شركات أخرى إلى الفجوة التي لوحظت في المواهب في مجال الموارد البشرية، من خلال أخذ أجزاء من الوظيفة، وتوزيعها على الوظائف الأخرى التي يهيمن عليها الذكور، بما في ذلك إرسال كشوف الرواتب، والمزايا إلى المدير المالي، وإرسال التحليلات إلى مدير التكنولوجيا التنفيذي، وإرسال أنظمة البرمجيات إلى المدير التنفيذي، إلخ.

إن جلب مواهب جديدة إلى مجال الموارد البشرية، وزيادة المشاركة الوظيفية في الموارد البشرية ودعمها، ليس بالأمر السيء. وقد يعني ذلك مزيدًا من الموارد المخصصة للموارد البشرية، وإيلاء مزيد من الاهتمام لما يقوم به قادة الموارد البشرية فعليًا، والمزيد من التنافس على أهم الأدوار في قسم الموارد البشرية. ولكن قد يعني ذلك أيضًا أننا نهدر فرصة للتعرف على الموهبة الموجودة بالفعل بين قادة الموارد البشرية، الذين قلل من شأنهم بشكل منهجي، وتمكين مجموعة المواهب الحالية للموارد البشرية، وتنميتها.

وفي أغسطس الماضي، أعلنت طاولة مائدة الأعمال الأمريكية المستديرة عن عزم أعضائها اتباع "اقتصاد يخدم جميع الأميركيين". والأهم في تلك الرؤية هو الاستثمار في تعزيز القوى العاملة المتنوعة والشاملة.

ومع احتلال المواهب مركز الصدارة، واكتساب رأسمالية أصحاب المصلحة الزخم، فإن معدل النساء في الموارد البشرية، وهي الوظيفة الأكثر تنوعًا في الشركات الأمريكية، يسير نحو الارتفاع. والقرار يرجع لرؤسائهن بالسماح لذلك.

* آن ماري سلاوتر، المديرة السابقة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية (2009-2011)، هي المدير التنفيذي لمركز الأبحاث أمريكا الجديدة/مونيكا تشيلام، مسؤولة الخدمة الخارجية بوزارة الخارجية الأمريكية السابقة، في مجال التكنولوجيا
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق