q
آراء وافكار - وجهات نظر

فخ الإقالة

لقد كان الكثيرون يشعرون بالقلق ان اقالة كلينتون ستضر بالرئاسة ولكن تأثيرها الرئيسي على السلطة الرئاسية كان عكس ذلك تماما ولقد اتفق الجمهوريون في نهاية المطاف مع الديمقراطيين ان مسؤولية هذا الاخفاق التام تقع على عاتق كينيث ستار وهو المستشار القانوني المستقل والذي قادت تحقيقاته...
بقلم: إريك بوسنر

شيكاغو- لقد ارتكب الحزب الديمقراطي الامريكي خطأ فادحا من خلال اطلاق اجراءات إقالة الرئيس دونالد ترامب فهم يعيدون عملية اقالة الجمهوريين لبيل كلينتون سنة 1998 وهي عملية فاشلة أضرت بالجمهوريين وعززت من سلطة كلينتون وتسببت بضرر مؤسساتي كذلك.

ان العامل المشترك لعمليتي الاقالة هو انه كان من الواضح ان مجلس الشيوخ الامريكي لن يدين على الاطلاق حيث ان الادانة تتطلب اغلبية الثلثين. لقد كان اعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين وعددهم 45 غير سعداء ان كلينتون قد حنث بقسمه امام لجنة محلفين موسعة واعاق سير العدالة وانخرط في علاقة جنسية خارج نطاق الزوجية مع المتدربة في البيت الابيض مونيكا لوينسكي لكنهم لم يعتقدوا ان هذا السلوك يبرر اقالته من المنصب ولم يكن هذا التصرف فاضحا لدرجة التخلي عن ولائهم السياسي لرئيس كان يحظى بالشعبية لدى الناخبين.

لقد كان الجمهوريون الذين قادوا عملية الاقالة يعرفون ان عدد قليل جدا من اعضاء مجلس الشيوخ من الديمقراطيين -ان وجدوا- سيصوتون للإدانة (والذي حصل انه لم يصوت احد للادانة) ولكن كان الجمهوريون يأملون بإحراج الديمقراطيين والاضرار بكلينتون معتقدين انهم سيكسبون بعض المقاعد في انتخابات نوفمبر 1998 وذلك من خلال اطلاق اجراءات الاقالة قبل ذلك ولقد كانوا على خطأ فلقد ارتفعت شعبية كلينتون بعد انتهاء اجراءات الاقالة ولقد اعتقد معظم الامريكيين ان الاقالة كانت خطأ.

لقد كان الكثيرون يشعرون بالقلق ان اقالة كلينتون ستضر بالرئاسة ولكن تأثيرها الرئيسي على السلطة الرئاسية كان عكس ذلك تماما ولقد اتفق الجمهوريون في نهاية المطاف مع الديمقراطيين ان مسؤولية هذا الاخفاق التام تقع على عاتق كينيث ستار وهو المستشار القانوني المستقل والذي قادت تحقيقاته قبل ذلك بسنوات فيما يتعلق بتعاملات كلينتون العقارية الى ليونسكي. لقد سمح الحزبان لتشريع المستشار القانوني المستقل ان ينقضي مما حرر الرئاسة من شكل قوي من اشكال الرقابة والذي يفيد ترامب كثيرا بعد ذلك بجيل.

أما اليوم، فربما اعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين يشعرون سرا بالقلق من سلوك ترامب ولكن لا يوجد اي مؤشر ان نجد حتى عضو واحد سوف يصوت لصالح اقالته وبينما ترامب لا يتمتع بالمرة بالشعبية التي كان يحظى بها كلينتون، الا انه ما يزال يتمتع بولاء قاعدته الانتخابية والذين يسيطرون على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري وبخلاف كلينتون يتمتع ترامب بدعم غالبية اعضاء مجلس الشيوخ وفي واقع الامر فإن الحماسة الاستثنائية لأنصار ترامب -عدم اكتراثهم لفضائحه الاخرى الكثيرة- تضمن تقريبا ان اي معلومات اضافية قد تظهر خلال جلسات الاقالة لن تؤثر على اعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري.

بعض انصار الاقالة يجادلون ان خطورة التهم ضد ترامب -اي الاستعانة بدولة اجنبية لمضايقة خصم سياسي- ستضمن ادانته ولكن لقد مررنا بذلك في السابق فالديمقراطيون والذين يكرهون بشدة التحرش الجنسي والحنث بالقسم دعموا كلينتون لانهم اعتقدوا ان البديل كان اسوأ والجمهوريون سوف يقومون بنفس الحسابات وربما القصة ستكون مختلفة لو اقنع ترامب الاوكرانيين باعتقال جو بايدن اثناء جولته السياحية في كييف. ان تصرف الرئيس وان كان بغيضا مختلف تماما عن تورط ريتشارد نيكسون في التجسس على الحزب الديمقراطي – المثال التاريخي الوحيد على اجراءات إقالة أدت الى انتهاء فترة حكم الرئيس (في حالة نيكسون انتهت فترة الرئاسة باستقالته).

يجادل اخرون انه حتى لو لم يتم اقالة ترامب فإن الاقالة في مجلس النواب -وهي إقالة مضمونة تقريبا بسبب الاغلبية الديمقراطية في مجلس النواب– ستبعث برسالة قوية بإن سلوك الرئيس ينتهك القيم الأمريكية ولكن الاقالة لديها منطق خاص بها وهو انه عندما يبدأ الديمقراطيون بإجراءات الاقالة فإنهم اما سيربحون او يخسرون واذا خسروا سينظر اليهم كخاسرين ضيّعوا الموارد العامة على هدف فاشل.

لكن هناك اخرون ما زالوا يعتقدون ان جلسات الإقالة ستكشف ان ترامب ارتكب جرائم او خان البلاد بطرق لم يتم الكشف عنها بعد أو ان الجلسات ستمكن الديمقراطيين من الكشف عن خطورة جميع افعال الرئيس بطريقة ستحفز العامة ولكن ادارة ترامب التي عادة ما تعاني من تسرب المعلومات قد احتفظت بأسرار قليلة حتى الان والكثير من سلوكه قد تم تطبيعه على اقل تقدير لمناصريه من الجمهوريين. ان اجراءات الاقالة بخلاف الاجراءات القضائية هي آلية بطيئة لتطوير الادلة فلم يكن هناك شيء جديد يتعلق بكلنتون بعد اصدار تقرير ستار ولا يوجد شيء جديد سنعلم به فما يتعلق بترامب.

في واقع الامر فإن عيوب شخصية ترامب وسوء سلوكه معروفة جدا لدرجة ان اجراءات الاقالة ستؤدي على الارجح الى نتيجة عكسية وستضر بالسياسيين الديمقراطيين اكثر من الجمهوريين ومرة اخرى فإن اجراءات اقالة كلينتون تقدم لنا بعض الدروس المستفادة فالجميع كان يعرف او كان يشك ان كلينتون كان يلاحق النساء (او ما قد يطلق عليه اليوم مفترس جنسي) وكان يكذب دائما ولم يكن الناس مدركين بنفس الطريقة ان رئيس مجلس النواب من الحزب الجمهوري نيوت غينغريتش كان لديه علاقة خارج نطاق الزوجية والحالة نفسها تنطبق على خليفته بوب ليفينغستون وكلاهما استقال واحتفظ كلينتون بمنصبه. ان اهم مهارة يتمتع بها ترامب هي تحويل من يقومون بمقاضاته الى متهمين حيث يجب ان نتوقع حصول ذلك مجددا بحيث يستخدم ترامب حسابه على تويتر لتسليط الضوء على أي عضو في الحزب الديمقراطي لديه أكبر نقاط الضعف السياسية.

ان ما ذكرته اعلاه لا يعتبر معقدا، اذن لماذا قررت شخصية سياسية حذرة مثل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ان تستسلم لضغوطات اعضاء المجلس الاخرين من اجل المضي قدما في موضوع الاقالة (على الرغم من مماطلتها الواضحة- على سبيل المثال من خلال رفضها اجراء تصويت في مجلس النواب على تفويض اجراءات الاقالة)؟ الجواب ينبع من المنطق الاساسي للكونغرس في حقبة الاستقطاب.

ان الكونغرس هو كيان جماعي واعضاءه يدينون بالفضل للناخبين في مناطق او ولايات محددة عوضا عن البلد بشكل عام فديمقراطيو مجلس النواب من مناطق اكثر ليبرالية يخشون من تعرضهم للهزيمة في الانتخابات التمهيدية من قبل متحدين اكثر عداءا لترامب والطريقة الوحيدة لمواجهة مثل تلك التحديات هي دعم الاقالة وبينما ينضم المزيد من الديمقراطيين لذلك التوجه فإن الديمقراطيين الاكثر اعتدالا ينضمون كذلك لتجنب ان يظهروا كمدافعين عن سوء سلوك ترامب.

ان من المفترض ان مارك توين قد قال مازحا ان "التاريخ قد لا يعيد نفسه ولكنه يتشابه كثيرا" ولكن في هذه الحالة فإن التكرار يبدو انه الكلمة الصحيحة فالمنطق السياسي والذي كان الجمهوريون عالقين فيه سنة 1998 سيؤثر بنفس الطريقة على الديمقراطيين سنة 2019.

* إريك بوسنر، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو. مؤلف كتاب: "الأسواق الراديكالية: اقتلاع الرأسمالية والديمقراطية من أجل مجتمع عادل"
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق