q
آراء وافكار - دراسات

المواطنة الفعالة في العراق

رؤية تحليلية في المفهوم ومعوقات التجذير

العراق كبلد لا زال يمر في مرحلة انتقالية تواجه ديمقراطيته الناشئة مشكلة نتيجة الخلل الواضح في قضية المواطنة الفعالة لمواطنيه، تقف خلفها أسباب كثيرة مباشرة وغير مباشرة، ولا يمكن لخياره الديمقراطي أن يصيب النجاح ما لم تعالج هذه المشكلة ليكون المواطن الفعال مرتكز حماية وتطوير الديمقراطية...

الخلاصة:

الديمقراطية هي المرتكز الأساس لقيام دولة حديثة، أي الدولة التي تستند الى القانون والمؤسسات في عملها، وفي تنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين؛ لضمان حقوق وحريات المواطنين العامة والخاصة. والعراق –كما هو حال عدد من البلدان العربية-جرب الديمقراطية في النصف الأول من القرن العشرين الماضي الا أن تجربته انتهت بفشل كبير عكسته الانقلابات العسكرية والنظم الاستبدادية اللاحقة. ومنذ الغزو الأمريكي لهذا البلد في عام 2003 تتبلور معالم تجربة ديمقراطية جديدة، الا انها تجربة تمر بمخاض عسير، وتواجه عقبات وعراقيل تشوهها وتهدد استمراريتها. والسؤال المحوري هو: لماذا لا تجد الديمقراطية ارضا خصبة لاستنباتها في البيئة العراقية؟

ان الديمقراطية لا يمكن ان تترسخ جذورها بدون وجود مواطنة فاعلة، والأخيرة لا توجد من غير وجود المواطن الفعال. فالمواطن الفعال المبادر والمشاركة بفاعلية في صياغة قوانينه النافذة وتشكيل مؤسساته العامة على اختلاف مؤسساتها هو الضمانة الأكبر لنجاح الخيار الديمقراطي في أي بلد. والعراق كبلد لا زال يمر في مرحلة انتقالية تواجه ديمقراطيته الناشئة مشكلة نتيجة الخلل الواضح في قضية المواطنة الفعالة لمواطنيه، تقف خلفها أسباب كثيرة مباشرة وغير مباشرة، ولا يمكن لخياره الديمقراطي أن يصيب النجاح ما لم تعالج هذه المشكلة ليكون المواطن الفعال مرتكز حماية وتطوير الديمقراطية ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تعترض سبيلها.

المقدمة

لقد مرَّت الشعوب المتقدمة التي نجحت الديمقراطية فيها بمراحل طويلة من التطور للوصول إلى ما وصلت إليه، حتى يمكن القول إن ما تراه من سعادة غامرة وانتظام مذهل وتقدم متصاعد هناك إنما تستند قواعده الراسخة الى كم هائل من الألم والفوضى والهمجية المفرطة التي جربتها الشعوب، أوصلتها إلى قناعات نهائية بأنها لم تعد تحتمل المزيد، وأن عليها اختيار مسار آخر لإدارة شؤونها، وحماية نفسها، فكانت الديمقراطية هي خيارها المنشود والصحيح. وفي العراق، على الرغم من مضي أكثر من خمس عشرة سنة على بدء مسيرة الديمقراطية في هذا البلد، فإنها ما زالت عرجاء ومهددة بالخطر، والخشية عليها مسوَّغة مع وجود عدد من العوامل الدافعة بالضد منها، مما يعيد إلى الأذهان تجربتها الفاشلة الممتدة من تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 ولغاية الإطاحة بالنظام الملكي سنة 1958.

وعليه، فان تجنيب هذه التجربة الديمقراطية الجديدة مصير نظيرتها في النصف الأول من القرن العشرين يتطلب لفت الانتباه الى خطر حصول ذلك، وإثارة الرأي العام النخبوي والشعبي لتكون له مواقف جدية تحمي الديمقراطية، وتساعدها على النمو والتطور. فالديمقراطية أولا وأخيرا هي نظام للحكم والحياة لن يكتب له النجاح ما لم يتشارك الجميع الحلم الديمقراطي، ويتبنون آلياته العملية التي اثبتت نجاحها في تجارب الدول الديمقراطية المستقرة في العالم.

إن العناد السياسي والاجتماعي المقاوم لاستنبات الديمقراطية في العراق، بل وإخفاقها المستمر في تحقيق أهدافها السياسية والاجتماعية لا يأتي من فراغ، وإنما تقف خلفه أسباب ذاتية جوهرية عميقة ومترابطة ومستديمة، يأتي في مقدمتها غياب او ضعف المواطنة الفعالة التي تشكل المرتكز الصلب لبناء الديمقراطية، وصمام الأمان لضمان تطورها وترسيخها. فوجود ديمقراطية فعالة مرتكزة على مواطنين فعالين مبادرين هو أمر في غاية الأهمية البحث فيه والتركيز عليه من قبل الباحثين في موضوع الديمقراطية، وكذلك من قبل صناع القرار والقوى التي تعلن انها تريد تطبيق وترسيخ تجارب ديمقراطية حقيقية.

والإشكالية الرئيسة التي ينطلق منها هذا البحث هي: لماذا لم تتجذر المواطنة الفعالة في العراق على الرغم من تبني الديمقراطية كإطار دستوري ومؤسساتي؟ وفي سياق الإجابة عن هذه الإشكالية سنكون مضطرين الى تحديد ماهية المواطنة الفعالة وعلاقتها بالديمقراطية؟

اما الفرضية التي يقوم عليها فهي: هناك علاقة وثيقة بين الديمقراطية والمواطنة الفعالة، وان ضعف المواطنة الفعالة في العراق تقف خلفه أسباب داخلية عديدة تعرقل نجاح خياره الديمقراطي. وفي سبيل اثبات هذه الفرضية سنعتمد على منهج التحليل الوصفي.

ولتحقيق مقاصد البحث جرى تقسيمه الى مبحثين: الأول يركز على تحديد ماهية المواطنة الفعالة وعلاقتها بالديمقراطية من خلال مطلبين، فيما ينشغل الثاني بتحديد معوقات تجذير الديمقراطية في العراق سواء كانت معوقات مباشرة ام غير مباشرة ومن خلال مطلبين أيضا.

المبحث الأول-ماهية المواطنة الفعالة

يتطلب فهم ماهية المواطنة الفعالة تحديد المقصود بها أولا، وبيان علاقتها بالديمقراطية ثانيا، وكما يلي:

المطلب الأول – إطار تعريفي للمواطنة الفعالة

قبل الشروع في تعريف المواطنة الفعالة هناك حقيقتان من المهم الالتفات إليهما ووعيهما بشكل واضح هما:

الحقيقة الأولى، هي إن الديمقراطية كفلسفة، وآليات عمل، وقواعد وأحكام، وما يرتبط بها من مفردات كالمواطنة والمواطن وما شابه، ترتبط ارتباطا مفصليا بالدولة الحديثة، تلك الدولة التي تنظم حدودها الجغرافية، وتحفظ سيادتها ووحدتها الوطنية قواعد القانون الدولي المعاصر، كما تحدد علاقات الحاكم بالمحكوم، وتصون حقوق وحريات الأفراد والجماعات فيها مبادئ وأعراف وأحكام حقوق الإنسان، كما جسدتها المواثيق الوطنية والدولية ذات العلاقة. بمعنى، انه لا جدوى من تبني الديمقراطية ما لم يرتبط ببناء دولة حديثة بالمفهوم الحضاري والإنساني المعاصر. نعم قد يقول البعض: إن الديمقراطية وجدت منذ عهد الإغريق في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد، إلا أن تلك الديمقراطيات البدائية تنفع في التأصيل التاريخي للديمقراطية، ولكنها فاشلة تماما في القياس عليها لبناء دولة حديثة تعتمد الديمقراطية كمنهج حياة وحكم.

الحقيقة الأخرى، إن الديمقراطية لا تنضج ويستقيم عودها ارتكازا على ما قد نسميه "المواطن الصالح" الطيب غير المؤذي، فالمواطن الصالح بهذا الفهم يجعل معظم المواطنين، وفي جميع الدول –حتى المستبدة – مواطنين صالحين، وعندها يكون المواطن الصالح هو المواطن السلبي، غير المبادر، المطيع للقوانين حتى لو كانت جائرة. وفي ظل دولة يكون مواطنيها بهذا الشكل من العبث الحديث عن الديمقراطية، طالما إن الوعاء الانساني المحتضن لها، بعيد كل البعد عن الانسجام مع مستلزمات تأسيسها، ورعايتها، وتقويمها؛ لأن هذا يعني ان من يحدد مسار السلطة ومؤسساتها ومصالحها هي القوى النخبوية المهيمنة (افراد، أسر، أحزاب...الخ) وليس المواطنين، في حين ان الغرض من تبني الخيار الديمقراطي هو إيجاد دولة تعمل مؤسساتها وتوزع ثرواتها بما يتناسب مع مطالب وحاجات مواطنيها لا نخبها المهيمنة فقط، ولا يمكن لهذه الدولة ان يكتب لها الوجود بدون وجود مواطنين يتصفون بالجرأة والقوة والوضوح في طرح مطالبهم وفقا لحقهم الأصيل في الاختيار وتقرير مصيرهم.

إذا، ومع إدراك الحقيقتين أعلاه، ماذا نقصد بالمواطنة؟ وما هي مقتضيات فاعليتهما؟

تعرف المواطنة على أنها "علاقة اجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسي (الدولة)، حيث تقدم الدولة الحماية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للإفراد عن طريق القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد ككيانات بشرية طبيعية، ويقدم الأفراد الولاء للدولة ويلجئون إلى قانونها للحصول على حقوقهم"(1). وهي " علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمن تلك العلاقة من واجبات وحقوق..."(2). وهي " فكرة قائمة على أساس تحالف وتضامن بين أناس أحرار، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، أي بين أناس متساوين في القرار والدور والمكانة، ومن رفض التمييز بينهم على مستوى درجة مواطنيتهم وأهليتهم العميقة لممارسة حقوقهم المواطنية"(3).

والمواطنة " توزيع سياسي لإفراد المجتمع على قاعدة الاعتراف بمساواتهم جميعا أمام القانون وبتكافؤ حقوقهم تجاه الدولة، على نحو لا تمييز فيه بينهم على أساس العرق أو المذهب أو الأصل الاجتماعي، ولا على أساس تحصيل أفراد المجتمع لعائدات هذا التوزيع السياسي لهم"(4). كما أنها " تعني الاشتراك على قدم المساواة في حقوق وواجبات يفرضها الانتماء إلى مجتمع سياسي، وبات المواطن هو من يتمتع بتلك الحقوق التي يقرها المجتمع وتحظى بحمايته، من جهة، ويتحمل تلك الواجبات ويحاسب على التقصير في أدائها، من جهة ثانية"(5). و" الصلة أو الرابطة القانونية بين الفرد والدولة التي يقيم فيها بشكل ثابت وتحدد هذه العلاقة عادة حقوق الفرد في الدولة وواجباته تجاهها"(6). وهي " مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول (المواطن) الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية. وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة"(7).

وترتبط المواطنة في التعريف الغربي لها بحمل جنسية الدولة، فالمواطن هو من يحمل جنسية الدولة ويتمتع بحقوق المواطنة فيها أي انها رابطة قانونية، أما في التعريف العربي فترتبط الوطنية والمواطن بمحل السكن، أي الوطن أي انها شعور وعاطفة (8). وهذا البحث يميل إلى تبني التعريف الغربي، لأنه الأكثر حداثة ودقة، وهو ما يمكن استخلاصه من جملة التعاريف المتقدمة، فالمواطنة أساسا، وقبل أن تكون رابطة وجدانية تحكمها العاطفة، هي رابطة قانونية تربط المواطن بدولته بصرف النظر عن طبيعة هذه الدولة وشكل الحكم فيها، وهي تتناسب مع حمل جنسية الدولة لا مجرد الولادة والعيش فيها، فيكون الانتماء والولاء للدولة مقرونا بالتمتع بحمل جنسيتها، إذ بدون ذلك يفقد الأساس القانوني للمواطنة قيمته واعتباره، بالمنطق الحديث للدولة. ولهذا يستدعي الأمر، من المهتمين بالمشروع الديمقراطي، فك الارتباط القانوني للمواطنة، عن الارتباط اللغوي بالوطن في اللغة العربية، لتأخذ المفردة قيمتها وفاعليتها المرجوة.

وتقوم المواطنة " على أساس إبقاء الخلافات في دائرة السجال السلمي والاحترام المتبادل بين القوى السياسية المتصارعة، والحيلولة دون انتقال الصراع السياسي إلى مرحلة التشكيك في النوايا أو التخوين أو الاتهام بالعمالة أو ما شابه ذلك من المواقف التي تجعل الحوار مستحيلا... فالوعي الصحيح للمواطنة يحول دون خروج النقد السياسي عن قواعد الاختلاف السياسي..." (9). ولتحقيق ذلك، من الضروري توافر القواعد المؤسسة للمواطنة وهي: (10)

أولا- قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون دون تمييز.

ثانيا- قاعدة المشاركة الفعلية ودون تمييز بكل أبعاد المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ثالثا- قاعدة الحرية وتقبل الرأي والرأي الآخر.

رابعا- قاعدة العدالة في توزيع السلطة والدخل والمكانة الاجتماعية.

يتضح من خلال ما تقدم،" إن المواطنة توفر آلية العيش المشترك وسط التنوع والاختلاف وتولد جانبي الواجبات والحقوق، ولكن أن لا ينظر إليهما باعتبار كل منهما شرطا للآخر وإلا انتهى المجتمع إلى الانحراف والفساد، كما في مقولة (لا تمثيل بدون ضريبة ولا ضريبة بدون تمثيل)، فمن هنا يتحدد مفهوم المواطنة الفعالة بالمواطن المشارك في المجتمع السياسي الذي يقدم للوطن أكثر من مجرد الحصول على ثماره وإعطاء وزن أكبر للواجبات والالتزامات من الحقوق، ورب قائل لا تسأل ماذا يمكن للوطن أن يفعل لك، بل اسأل ماذا تستطيع أنت أن تفعل من اجل الوطن"(11).

ان المواطنة الفعالة هي رابطة قانونية فاعلة تحفز الأفراد والجماعات، لعيش حياة أفضل، وتطوير دولتهم، وترشيد الحكم فيها، وتحسين أنظمتها الحياتية المتنوعة، فيصنع المواطن الذي يمثل محور المواطنة وجوهرها التاريخ والحياة التي يريد، دون أن ينتظر ذلك من حاكم ما أو نخبة ما أو إرادة خارجية.

فالمبادرة، والفعل، والتطلع نحو الأفضل، والمشاركة الحقيقية هي ما تميز جماعة المواطنين الفعالين عما يسمى بجماعة الرعايا، فلا مواطنة فاعلة بلا مواطنين فاعلين، مواطنون يطورون دولهم ويحسنون ظروف حياتهم فيها بصرف النظر عن مدى تمتعهم بحقوقهم، فالحقوق تكتسب وتصان من خلال نضال الإنسان واستعداده للتغيير ومواجهة العقبات والتحديات، التي تقف في طريقه بإرادة حرة واعية لا تقبل الخضوع والإذلال.

والمواطن الفعال يتطلب أن تتوفر فيه ثلاثة أركان مهمة هي: "الانتماء إلى الأرض، والمشاركة في بنائها، والمساواة مع غيره من المواطنين والحكام في اتخاذ القرارات للمصلحة العامة. أما الشخص الذي يقيم على أرض وطنه منصاعا لجميع الأوامر دون أن يساهم بشكل فعال في صياغة هذه الأوامر والنواهي وإعدادها وإصدارها فيطلق عليه رعايا..." (12).

وعلى أكتاف المواطنين الفعالين تؤسس وتزدهر المواطنة الفاعلة التي تعبر عن " قابلية البشر لأن يكونوا مواطنين فعالين...لدولتهم. لا مجرد رعايا وأتباع مطيعين خاضعين لحاكم معين..." (13)، تلك المواطنة التي تفرق بين الدولة الديمقراطية الحديثة والدول السلطانية، التي يحكمها الحاكم بأمره، فيفرض على رعاياه السمع والطاعة عند الخير والشر.

المطلب الثاني-العلاقة بين الديمقراطية والمواطنة الفاعلة

الديمقراطية كمفردة، بحد ذاتها، يجب ألا تخدع المتلقي سواء كان فردا أم شعبا، فكثير من الأنظمة وظفتها كشعار إعلامي وسياسي، في الوقت الذي مارست فيه أشد أنواع الاستبداد قمعا وامتهانا لكرامة مواطنيها، كما هو الحال بما سمي بـ “الديمقراطية الشعبية" و"المركزية الديمقراطية" لدى الأنظمة الشيوعية والاشتراكية. وهناك –أيضا-ما يسمى بالديمقراطية المقيدة، التي تشير إلى " أنظمة سياسية فيها بعض العناصر الديمقراطية، ولكن فيها أيضا قيود مفروضة على المنافسة والمشاركة والحريات"، والديمقراطية الجامدة، التي تصف" الديمقراطيات المقيدة التي تهيمن فيها النخب، غير الراغبة في إجراء إصلاحات جوهرية تحسن أحوال الفقراء"(14).

إن الديمقراطية الجديرة بالاهتمام والعمل من اجلها، هي تلك التي يوفر نظام حكمها الحد الأقصى من الرفاه الاقتصادي، والكرامة الاجتماعية، والحرية وعدم الظلم، والمساواة أمام القانون وفي الحصول على الفرص، والتوزيع العادل للدخل والثروة والسلطة بين المواطنين، وهي "تعد أو تهدد بجعل كافة جوانب الحياة ديمقراطية من العمل والجنس، والأسرة واللباس، والغذاء، والسلوك والخيارات وما يلجأ إليه كل شخص في أمر ويؤثر في حياة أي جمع من الناس. وما ينجم عن ذلك من استبعاد كل أثر لامتياز من تنظيم الحياة البشرية. إنها رؤية تصور كيف يمكن للبشر العيش مع بعضهم بعضا، إن فعلوا ذلك في سياق حياة قطع منها دابر الظلم...(وذلك) يشترط استبعاد السلطة (بمعنى القدرة على قسر الآخرين على العمل بعكس ميولهم الثابتة) من العلاقات الإنسانية. إنها تفرض على أضعف الإيمان استبعاد كل سلطة مستقرة كفاية لتكشف نفسها للآخرين، وصلبة كفاية لتستمر في البقاء أي قدر من الوقت متى تم لها ذلك..."(15).

وهذه الديمقراطية تمر في سيرورة تحولها بثلاث مراحل هي: "

1- المرحلة التحضيرية التي تتسم بنضال سياسي يقود إلى انهيار النظام اللاديمقراطي.

2- مرحلة اتخاذ القرار التي تتأسس فيها عناصر واضحة المعالم من نظام ديمقراطي.

3- مرحلة التحول التي تشهد مزيدا من التطوير للديمقراطية الجديدة، وبالتدرج، تصبح الممارسات الديمقراطية جزءا راسخا في الثقافة السياسية"(16).

إن مراحل التحول الثلاث أعلاه، لا تجعل الديمقراطية وصفة جاهزة في حكم الدولة، يمكن تطبيقها بسهولة، وانتظار نتائجها على عجل، سواء في تنظيم علاقة السلطة بالشعب في دولة ما، أم في تنظيم علاقة هذه الدولة بغيرها من دول العالم، في ميدان العلاقات الدولية. فما لم يتحقق النجاح في تطبيق الديمقراطية داخل الدولة أولا، ومن اجل خير شعبها، فان هناك خطر حقيقي يواجهها لا يخلو من الإخفاق والفشل عند تطبيقها في العلاقات الدولية (17). لذا يتطلب نجاح الخيار الديمقراطي وجود القوة الفاعلة التي تعمل باستمرار على ترسيخه، ومنع انتكاس وانحراف مشروعه، وتلك القوة هي المواطنة الفاعلة المرتكزة على مواطنين فاعلين يعيشون القيم الديمقراطية في منازلهم ومدارسهم وشوارعهم واجتماعاتهم العامة والخاصة، وفي نقدهم لأنفسهم أو للآخرين أو لنظام الحكم، وعند معالجتهم للمشاكل والتحديات التي تعترضهم، وفي نظرتهم للآخر المختلف معهم فكريا ودينيا وعرقيا، سواء داخل بلدانهم أم خارجها.

ولأن الخيار الديمقراطي بهذا التعقيد، وهذه السعة والشمول، ذهب المفكر الفرنسي (جورج بوردو) إلى القول: " إذا كان أمام الديمقراطية فرصة للبقاء، فان هذه الفرصة تبقى قائمة بشرط أن يعرف الإنسان كيف يبقى حرا، لا تجاه الأخطار الخارجية التي تهدده، بل تجاه نفسه ذاتها"(18). فالديمقراطية هي " فلسفة وأسلوب حياة وشكل للحكم، وهذا الشمول والغنى لا ينبعان مما فيها فحسب، بل من الأفكار التي يكونها البشر عنها، عندما يضعون فيها آمالهم في حياة أفضل"(19).

وعليه، فان "المؤسسات والوسائل الديمقراطية وحدها حتى إذا قامت واخذ بها بشكل سليم تبقى قاصرة عن تحقيق قيام المجتمع الديمقراطي، إذا لم يحرك المؤسسات إيمان بالديمقراطية وفلسفتها، وتسود فيها وفي المجتمع إلى جانب ذلك مبادئ ومقومات ومفاهيم الديمقراطية..." (20).

صفوة القول، لا أمل للديمقراطية بالنجاح في دولة ما بدون مواطنة فاعلة، تلك المواطنة المعبرة عن إرادة مواطنين أحرار يؤمنون بالقيم الديمقراطية ويلتزمون بها داخل أنفسهم، وفي علاقاتهم، قبل تجسيدها في مؤسساتهم على اختلاف مستوياتها، واتجاهاتها، وأهدافها.

المبحث الثاني: معوقات تجذير المواطنة الفعالة في العراق

تواجه عملية تجذير المواطنة الفعالة في العراق صنفين من المعوقات يمكن تصنيفها الى معوقات مباشرة ومعوقات غير مباشرة، وسيتم التطرق لكلا الصنفين من خلال المطلبين القادمين.

المطلب الأول: المعوقات المباشرة.

يمكن تحديد هذه المعوقات بثلاثة مظاهر رئيسة هي:

1- الديمقراطية بوصفها خيارا خارجيا

في كل التجارب التي نجحت الديمقراطية في تثبيت أركانها كانت تمثل خيارا للشعب المطبقة فيه، حتى لو وفدت من الخارج بطريقة أو أخرى. فالديمقراطية لا تعني "أن نحكم أنفسنا بأنفسنا، ذلك أننا حين نتحدث أو نفكر في أنفسنا باعتبارنا نعيش في ديمقراطية، فان ما يجول في خاطرنا أمر مختلف كل الاختلاف. وهذا الأمر أن دولتنا، والحكومة التي تبذل الكثير لتنظم حياتنا، تستمد شرعيتها منا، وأن لنا فرصة طيبة لنفرض على كل منهما الاستمرار على هذا النهج"(21). وهي تعني بذلك تمكين الشعب للحكومة من تقلد السلطة نيابة عنه، بشكل مباشر أو غير مباشر (22). فالشعب هو صاحب القرار الأول والأخير في اختيار الديمقراطية بوصفه منهج لإدارة دولته، وحماية حقوقه وحرياته.

ومشكلة الديمقراطية في العراق أنها في كل مرة يجري التعامل معها تترافق مع وجود قوة أجنبية غازية، فتكون الديمقراطية جزءا من خيارات المحتل وترتيباته. إذ عرف العراقيون الديمقراطية عام 1921 من خلال دستور وهياكل مؤسساتية أوجدتها سلطة الاحتلال البريطاني –آنذاك- وعرفوها ثانية بعد عام 2003 من خلال دستور وهياكل مؤسساتية شارك المحتل الأمريكي في وضعها أو توجيه مسارها بشكل أو آخر. لذا فالخيار الديمقراطي لم يكن في يوم من الأيام خيارا عراقيا شعبيا، بل خيار أجنبيا مفاجئا، وهذا جعل الشعب غير مستعد لتحمل أعبائه وضريبته من التفكير والألم والحلم بتحقيقه، ليمر بعملية تحول ديمقراطي تدريجي ترسخ قيمه ومؤسساته في بنية اجتماعية وثقافية ومؤسساتية تشبعت بالحكم السلطوي لقرون طويلة (23).

قد يجادل البعض أن العراقيين قدموا الكثير من أجل حريتهم قبل الغزو والاحتلال في مطلع القرن العشرين المنصرم، وقبل الغزو الأمريكي مطلع القرن الحادي والعشرين، ولكن فات المتأمل أن معظم هذه التضحيات لم تكن تضحيات من أجل الحلم الديمقراطي، بل كانت مجرد رغبات للخلاص من حالة الظلم، سواء أكان ظلما اجتماعيا أم اقتصاديا أم سياسيا، وللانتقام من الظالم، سواء أكان إقطاعا أم حاكما أم محتلا. وأحيانا تلبس هذه التضحيات ثوبا أيديولوجيا معينا دينيا أو قوميا أو فكريا (الشيوعية مثلا)، ولم يكن النضال من أجل هذا الهدف الأيديولوجي يعني بأي حال من الأحوال الذهاب باتِّجاه الديمقراطية، إنما يعمل أحيانا على استعارة واستغلال أدواتها لتحقيق أهداف أخرى، وأحيانا يعلن صراحة عداءه لها وإنكار جدواها. لذا تجد معظم الإسلاميين، والقوميين، والشيوعيين وغيرهم كانوا حالهم مثل حال التحرريين من إخوانهم السابقين أعداء أصلاء للديمقراطية، وإن دفع بعضهم الحرج السياسي، وقوة تأثير النموذج الديمقراطي إلى الادِّعاء بالحكم استنادا الى المنهج الديمقراطي.

إن وصول الديمقراطية الخاطئ إلى العراق، مع وصول الأجنبي المحتل، جعل فكرتها وآليات عملها، غالبا ما ينظر لها على أنها جزء من املاءات المحتل التي لابد من التخلص منها، فغالبا ما تسمع في الشارع أو في الأماكن العامة والخاصة عبارات من قبيل ديمقراطية المحتل، ودستور الاحتلال، وسياسيو الاحتلال... ومن المفارقات أن ما سيسكن خيال الناس ومزاجهم العام اعتقادهم الخاطئ بأن التزامهم الوطني يدعوهم إلى الرجوع إلى صيغة الحكم السابق للاحتلال، تلك الصيغة التي يكون طابعها الاستبداد والفردية والمركزية الشديدة، وهو ما يمكن تلمس مظاهره في تلك الدعوات المسموعة من هنا وهناك لدى بعض النخب وعامة الناس التي تدعو إلى استعادة مجد المركزية وسطوة الرجل القوي أو الحاكم القاهر.

وقطعا تنامي مشاعر الإحباط من عدم نجاح المشروع الديمقراطي في معالجة مشاكل الناس الملحة سيعزز ضعف روح المبادرة الفردية والجماعية، ويمنع المواطنة الفعالة من التطور والنضج، فتكون الديمقراطية هي الضحية التي يصب عليها الجميع جام غضبهم، مسوِّغين فشلهم في تحمل ضريبة أن يكونوا أحرارا في ظل نظام حكم يحمي حريتهم، ويكفل حقوقهم. وبرز هذا التوجه بشكل ملح في ظل التجربة الحاضرة للديمقراطية، التي اقترن الأخذ بها بحالة غير مسبوقة من الانفلات والفوضى والعنف والإرهاب، ليصدق عندئذ الرأي الأرسطي: أن الانسان في ظل الفوضى التي تنطلق مع الديمقراطية، وهي قمة الحرية، يمكن أن يندفع نحو الطغيان، وهو قمة العبودية (24).

2- السلوك غير المسؤول للنخبة السياسية العراقية

عندما تكلم الملك فيصل الأول سنة 1932 عن العراق بين افتقاره إلى "الوحدة الفكرية والملية والدينية"، وشخَّص طبيعة النخبة السياسية الملائمة لقيادته، وهي نخبة يُفترض بقادتها "أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحساسيات أو أغراض شخصية أو طائفية أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معا، على جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثرات رجعية أو الى أفكار متطرفة تستوجب رد الفعل"(25).

وهذا الكلام -باختصار شديد -يعني وجوب اتِّصاف النخبة السياسية بصفات محددة لبناء العراق على أسس حديثة وعادلة، إلا أن نصائح الملك بقيت –في الغالب- مجرد أمنيات في العهد الملكي، وذلك بأن "عددا كبيرا من محترفي السياسة قد اتخذوا من هذه الحرفة وسيلة للعيش، وسبيلا للارتزاق، وهم لهذا لم يضعوا خطة لسيرهم، ولم يرسموا هدفا لأعمالهم، فهم بالطبع بعيدون عن النظم الحزبية، التي توجب عليهم تركيز فعاليتهم في حدود مبادئ الحزب، وإلزام أنفسهم بمقرراته. ولئن رأيتهم منخرطين في حزب من الأحزاب، فهم سرعان ما ينقلبون على حزبهم، إذا ما لاح لهم في غيره نفع أعم، أو مغنم أوسع، كما أنهم على أتم الاستعداد للتبرُّؤ من الحياة الحزبية حين تعود عليهم بأقل الضرر"(26).

هذا السلوك السياسي لدى عدد كبير من أفراد النخبة السياسية العراقية يمكن أن نسميه بـ "(غياب الالتزام الأخلاقي) وهو لم يكن مقتصرا على رجالات العهد الملكي، بل صار صفة ملازمة لهذه النخبة طوال العهد الجمهوري بمختلف انتماءاتها الفكرية ومرجعياتها الاثنية والدينية، وهي بارزة بجلاء في الوقت الحاضر لدى معظم أفراد النخبة السياسية الماسكة بزمام السلطة بعد عام 2003م، وانعكس ذلك سلبا على الديمقراطية وعملية التحول الديمقراطي غير المستقرة.

إن الديمقراطية ليست سلعة تجارية نأخذ بها عندما تحقق لنا الربح، ونلقيها بعيدا عندما تجلب لنا الخسارة، بل هي التزام أخلاقي شديد بين الانسان ونظام الحكم الذي يعتقد به صالحا له، وهذا الالتزام هو الذي يجعل الإنسان يتخلى عن مصالحه الشخصية وراحته الجسدية والفكرية في سبيل تحقيق الهدف الديمقراطي، بل ويكون مستعدا لتحمل المسؤولية عن الإخفاق والفشل في عدم الوصول إليه، وتقديم التضحيات المؤلمة من أجله، فالحرية حلم، والديمقراطية هي الإطار العملي الذي يسمح بتحويل الحلم إلى حقيقة، والإنسان متى ما ارتبط بحلمه بقوة سعى بكل إمكاناته لجعله واقعا معاشا.

هكذا هي كل الأفكار العظيمة التي ارتقت بحضارة البشر، فقد أصبحت أحلاما يطاردها أصحابها ليلا ونهارا لتغدو لذة تحقيقها لا تدانيها أي لذة جسدية آنية أو مصلحة صغيرة عابرة، فاللذات الجسدية والمصالح الذاتية تكون عقبات تقف في طريق الأحلام. لذا تجد العظماء من البشر حريصين على التخلص من هذه العقبات بكل الطرق الممكنة، وهذا ما نسميه بالالتزام الأخلاقي. وعند دراسة سلوك النخبة السياسية في العراق الحديث(1921- الوقت الحاضر) تجد أن معظمها يفتقر افتقارا تاما إلى الالتزام الأخلاقي بالديمقراطية، فمن يتابع وضع هذه النخبة يجد أن دفاعها عن مصالحها وامتيازاتها ونفوذها لا يدانيه أي شيء آخر، فلم تكن تسعى لسعادة الناس، وتحقيق مصالحهم، وتنوير عقولهم، وتحرير طاقاتهم، وتخليصهم من أعباء الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يرزحون تحته، بل كان جل انشغالها هو كيفية البقاء في السلطة لأطول مدة ممكنة، وتوظيفها بالشكل الأمثل لتحقيق هذه الغاية، ووجود مظاهر الديمقراطية في العهد الملكي لا يعني الإيمان بها، بل لكونها الطريقة الأمثل لتحقيق هذه الغاية، أما ما يتذكره بعض الناس من حسنات شكلية لنظام الحكم في هذه الحقبة، فكانت مجرد أمور ثانوية مصاحبة للهدف الرئيس الذي هو بقاء السلطة ورجالها بعيدا عن أي تهديد.

ولم يكن وضع النخبة السياسية التي جاءت بعد زوال العهد الملكي مختلفا عن وضع من سبقها، إنما كان أسوأ، فالتكالب على السلطة أصبح أشد وطأة لدرجة أن قتل شعب بكامله لم يعد أمرا مثيرا للاستهجان، مادام أنه يحقق مصلحة السياسي، ويبقيه في منصبه.

وبعد سقوط النظام البعثي عام 2003 كررت النخبة السياسية التي اعتلت سدة الحكم بكافة مشاربها وتوجهاتها الاثنية والفكرية المرض التاريخي نفسه الملازم للسياسي العراقي، فما يهم السياسي ليس نجاح الديمقراطية أو إخفاقها، بقدر اهتمامه بالبقاء في السلطة وعدم التخلي عنها تحت أي ظرف كان. لذا غالبا ما تصب القوانين والإجراءات الحكومية في مصلحة السياسيين، في الوقت الذي تقتضي الديمقراطية جعلها في مصلحة الشعب. كما أن تعطيل القوانين أو تجاوزها، وعدم تحمل استحقاقات نجاح الديمقراطية، ومحاولة توظيفها لمصلحة هذا الطرف أو ذاك هي مؤشرات تثبت الإخفاق الأخلاقي للسياسي العراقي في التعامل مع القضية الديمقراطية. لذا لم يستطع السياسيون في العراق ضرب نموذج للشعب شبيه بجورج واشنطن، وغاندي، ونيلسون مانديلا... ولم يتجرأ أعظمهم على الاعتراف بفشله أمام الناس، ولم يقدِّم استقالته نتيجة تقصيره أو سوء أدائه، ولم تشرَّع القوانين المرتبطة بمصلحة الناس، ولم تستكمل المؤسسات الدستورية... فأغلبهم لم يكن يعنيه نجاح الديمقراطية في العراق، بقدر ما يعنيه مصالحه وامتيازاته ونفوذه.

وهذا السلوك السياسي للنخبة يعرقل بصورة مباشرة عملية تشكيل المواطنة الفعالة لدى المواطن العراقي، فالمواطنة الفعالة هي أيضا نوع من الالتزام الأخلاقي يبديه المواطن اتجاه دولته، وتجربتها الديمقراطية، ومن الصعوبة اتصاف الشعب بها عندما لا تكون النخبة السياسية قدوة صالحة في هذا الموضوع، فعندما تميل كفة السلطة والثروة والتشريعات والمؤسسات لمصلحة النخبة السياسية على حساب مصلحة المواطن ستكون النتيجة مواطنا متذمرا لا يدرك التزامه المواطني، لتكون الضحية الديمقراطية، بل وكل مبدأ نبيل في الحكم.

3- غياب التقاليد الديمقراطية

إن الاعتقاد بحاجة الليبرالية السياسية إلى ليبرالية اجتماعية سابقة لها، بمعنى تنامي القيم الليبرالية في السلوك الاجتماعي بين الأفراد والجماعات قبل تبلورها بشكل نصوص قانونية ومؤسسات دستورية، يبدو من الناحية التاريخية أمرا واقعيا وصحيحا تدعمه شواهد عديدة؛ فوجود المؤسسات الدستورية والقوانين غير المدعومة بمنظومة قيم اجتماعية ساندة يعد من أكبر الأخطاء التي يرتكبها المشرِّعون والمنظِّرون للديمقراطية في بلدان العالم النامي، كونهم يكتشفون بعد مدة من التطبيق الفوقي السيء عجز واخفاق ديمقراطيتهم، وتعثرها المؤسساتي نتيجة لعدم وجود قاعدة اجتماعية قوية تحميها، مع شيوع ثقافة تقليدية تتناقض بشكل صريح مع الثقافة الديمقراطية، فتغدو مقولة وجود ديمقراطية من غير ديمقراطيين أمرا محسوما، ولكن بدلا من إعداد الناس ليكونوا ديمقراطيين بالتدريج من قبل نخبتهم السياسية، تتم الإطاحة بالديمقراطية بطريقة أو أخرى.

هذا الحال الذي عانت منه تجارب الديمقراطية في معظم دول العالم النامي، كان بارزا للعيان بالنسبة للوضع العراقي، فهذا البلد طول تاريخه الحديث لم يعرف التقاليد الديمقراطية لا في علاقات الأفراد بعضهم ببعض ولا في العلاقة بين الحكومات المتعاقبة وشعبها. لذا تجد أن الثقافة السياسية السائدة هي ثقافة تقليدية دكتاتورية ذكورية أبوية تعاند الحوار، وتقصي الرأي الآخر، وتسمح بالاحتيال والخديعة والظلم والتسويف وسرعة الاستثارة العاطفية اتِّجاه الآخر... وتجد مظاهر هذه الثقافة داخل الأسرة، كما تجدها في العلاقة بين الأديان والمذاهب والاثنيات والمناطق الجغرافية، وفي سلوك الحكام وطريقة تعاطيهم مع قضايا شعبهم. نعم هناك قيم إيجابية كثيرة يتعايش بها الناس، ولكن تعايشهم السياسي يواجه مشكلة حقيقية تجعل السيادة للقيم السلبية على حساب القيم الإيجابية (27).

وهذا الامر طبيعي جدا إذا ما أدركنا أن العراقيين عاشوا في القرون السبعة المظلمة التي تلت سقوط بغداد عام 1258م وهم لا يبحثون عن سبل الارتقاء بعمرانهم المادي والروحي بقدر بحثهم عن الأمن من بطش الغزاة المحتلين، والطغاة المتجبرين، ناهيك عن الأمان من ظلم الطبيعة وكوارثها المتوالية بصيغة أمراض وبائية تهلك معظم الناس بين فينة أو أخرى، أو فيضانات مدمرة تقضي على المدن بساكنيها. ومع هذه الظروف القاهرة تجدهم في القرون الممتدة من عام 1500-1900 م كانوا مجرد لعبة وساحة صراع بين شاهات إيران والسلاطين العثمانيين، وقد عملت أطراف الصراع على توظيف الدين والقبيلة والتاريخ والمصالح توظيفا سيئا من أجل مدِّ نفوذها وكسر خصومها (28).

أمام هذه الأوضاع البائسة كانت نزعة البقاء على قيد الحياة هي الشيء الوحيد الذي يشكِّل هاجسا للناس، وصار الخوف هو الأمر الوحيد المتوارث بينهم، كما كانت الهيمنة الاجتماعية الأبوية في الأسرة يمثِّلها الرجل، وخارجها يمثِّلها الحاكم، والعسكري، وشيخ القبيلة، والزعيم الديني. لذا لم تكن للتقاليد الديمقراطية فسحة كبيرة للانتعاش بين هذه الأشكال من الهيمنة الاجتماعية والتحديات الوجودية، فلم يشهد البلد حركةً ثقافيةً تؤسس لإصلاح ديني وسياسي وثقافي حقيقي، وكان الجمود سيد الموقف في الفكر والسلوك العام. لذا لا غرابة أن تجد توقفا للتاريخ داخل العقل السياسي العراقي متمحور حول ما جرى وتمَّ التفكير فيه في القرون الوسطى الإسلامية التي سبقت سقوط بغداد، فهذا العقل كان في إجازة طويلة حالت دون تطوره بعد هذه القرون، بفعل وجود العوامل المختلفة التي أبقت عليه وغذته وعملت على إنتاجه مرة بعد أخرى.

واليوم تَنُوء تجربة الديمقراطية في العراق بكل هذا الثقل التاريخي المعيق لتطور الانسان في هذه الأرض، فغياب التقاليد الديمقراطية يقطع الدعم الاجتماعي عن مظاهرها المؤسساتية، ونصوصها القانونية، إذ غالبا ما يتمُّ النظر إلى هذه المؤسسات والقوانين لا بمنطق حمايتها لحقوق الأفراد وحرياتهم، وضمانها للمصالح العامة، وإنما بمنطق توظيفها لمصلحة هذا الطرف السياسي أو ذاك، ويجري التعامل معها بعقلية الاستحواذ التي غرسها الغزاة الأجانب والطغاة المحليون، والهيمنة التي حافظت عليها سلطة الأب وشيخ القبيلة والزعيم الديني، وساعد على قبول هذه العقلية في الحكم استحكام عنصر الخوف الظاهر والخفي في النفوس من السلطة بكل ما تمثله، والنظر إلى خدماتها على أنها عطايا وغنائم وليست حقوقا واجبة عليها.

إن بقاء الديمقراطية في العراق بلا تقاليد داعمة لها يهدِّد وجودها ويحول دون امتداد جذورها في الواقع الفكري والسلوكي للناس ليؤسس لمواطنة فعالة إيجابية، وهذا يسمح بالإجهاز عليها من طلاب السلطة وأصحاب النفوذ الذين همهم مصالحهم الآنية الضيقة، ولا مانع لديهم من فشلها وإحياء مجد الدكتاتورية من جديد، ولا غرابة في ذلك، فالتقاليد لها هذه القوة في حياة البشر، فنحن نتعلم أشياء كثيرة عن طريق التقاليد (29).

وإذا رأى (غوستاف لوبون) أن "المشاعر والمعتقدات هي التي تقود الناس وتكون التاريخ"(30)، فما أحوجنا اليوم إلى نسف المعتقدات والتقاليد العراقية المعيقة للديمقراطية والتي جعلت المواطن ينظر لنفسه على انه مجرد فرد من الرعايا في دولة سلطانية، وليس مواطنا فعالا في دولة حديثة له حقوق واجبة محترمة، وعليه واجبات ضرورية لا يمكن التنازل عنها او التحايل عليها.

المطلب الثاني-المعوقات غير المباشرة

إضافة إلى المعوقات المباشرة المعرقلة لظهور المواطنة الفعالة في العراق، هناك معوقات غير مباشرة لا تقل عنها خطورة يمكن تلمسها من خلال مظهرين أساسيين هما:

1- الفساد

لم يكن الفساد في يوم من الأيام غريبا على مؤسسات الحكم وثقافة السلطة ورجالها في العراق، فقد توارث هذا البلد ولقرون طويلة إدارات فاسدة بامتياز تباع فيها المناصب وتشترى، وتوقد نيران النزاعات والصراعات لأهداف ظاهرها فرض سيادة الدولة وباطنها نهب الأموال الخاصة والعامة ووضعها في جيوب أصحاب النفوذ، وكانت مظاهر الرشوة والمحسوبية والبيروقراطية المقيتة، والمناقصات الزائفة، والضرائب التعسفية، والافلات من العقاب، وانحراف اتِّجاه العدالة الجنائية لتطال الأبرياء والضعفاء والإخفاق في محاسبة أصحاب السلطة والنفوذ، وما تزال من الأمور التي يكثر التندر والحديث عنها في مجالس العراقيين قديما وحديثا، ففساد مؤسسات السلطة واستبداديتها وطغيانها ليست أمرا جديدا على شعب العراق(31).

ولكن رب سائل يسأل: أن الفساد بطبيعته أصبح اليوم ظاهرة شبه عالمية تتفاوت سطوتها بين دولة وأخرى، وحسب طبيعة ثقافة الدول ومقدار رسوخ مؤسساتها الدستورية، فلماذا نجعل منه مشكلة تعيق تشكيل المواطنة الفعالة والتحول الديمقراطي في العراق؟

الإجابة عن هذا التساؤل المهم تعود إلى طبيعة الظروف الخاصة التي وصلت فيها الديمقراطية إلى العراقيين بعد عام 2003، وهي ظروف تميزت بتحولين مهمين: الأول، تحول سياسي من نظام الحزب الواحد والدولة البسيطة إلى النظام التعددي الفدرالي الديمقراطي. والثاني، تحول اقتصادي يجري تنفيذه ببطيء من نظام الاقتصاد الشمولي الاشتراكي إلى اقتصاد رأسمالي قائم على تفعيل اقتصاد السوق وزيادة دور القطاع الخاص وغيره من القواعد المعروفة. وكل واحد من هذين التحولين بحد ذاته يحتاج إلى مرحلة انتقالية ترعاها قيادة حازمة وحكومة قوية فاعلة، فما بالك بحصول كلا التحولين في العراق تحت ظل احتلال أجنبي دمر البنية المؤسساتية للدولة، وقضى على أجهزتها الحامية، وفسح المجال للنهب الممنهج لمؤسساتها، ودمر مصادر قوتها الاقتصادية المتمثلة بآلاف المصانع والمعامل الحكومية، فخلق جيشا جرارا من الناقمين والفقراء والعاطلين عن العمل.

قطعا أن مثل هذه الظروف تجعل عملية التحول الديمقراطي تجري في ظل بيئة صعبة جدا، فلا حكومة قوية تحرسها وتسهر على بلوغها أهدافها، ولا ثقافة شعبية داعمة تضغط على السياسيين لتمنع انحرافهم وتجاوزهم على المؤسسات الدستورية والقوانين النافذة، ومثل هذه الظروف تعد أرضا خصبة جدا لتمدد الفساد وتحوله من ظاهرة فردية إلى ظاهرة مؤسساتية تمد أذرعها من خلال عصابات الجريمة المنظمة والسياسيين النافذين لتشمل مؤسسات الدولة كافة بما فيها الأجهزة الأمنية والقضائية، وتتغلغل أكثر وأعمق في بنية المجتمع الثقافية والاقتصادية، فتكون للفساد دولة موازية داخل الدولة الرسمية يتم تغذيتها كل يوم بقيم فاسدة مضللة يتمُّ استنباتها، وأفواج جديدة من الفاسدين (أفرادا ومؤسسات) حتى تصبح دولة الفساد أشد قوة من الدولة الرسمية.

وفي ظل هذه الظروف سيصدق رأي (مايكل جونستون) القائل: "عندما تكون العلاقات الفاسدة هي التي تقود عملية اتخاذ القرارات، فان القيم والمشاركة الديمقراطية تصبح غير ذات أهمية وتحجب الفرص عن أولئك الذين هم في أمس الحاجة اليها. في بعض الأحيان يحصل المواطنون العاديون الفقراء على بعض المزايا... غير أن هذه الحوافز قصيرة الأمد تأتي بكلفة على المدى البعيد؛ لأنها لا تُقدم كرما بل للاحتفاظ بالسيطرة، كما أن قبولها يعني التنازل عن الخيارات السياسية..." (32).

كما أن "الفساد يعود بالفائدة على قلة من الناس على حساب الأغلبية؛ حيث أنه يؤخر ويشوه التنمية الاقتصادية، وينتهك الحقوق الأساسية والإجراءات القانونية، ويحول الموارد عن مقاصدها الاصلية، سواء كانت خدمات أساسية، أم مساعدات دولية، أم الاقتصاد بمجمله، وخاصة عندما تكون الدولة ضعيفة، فانه يرتبط غالبا بالعنف. ويعود هذا جزئيا الى أنه بسبب الفساد، فان الديمقراطية تعني مزيدا من انعدام الامن..." (33). وستكون نتيجة الفساد هي: ضعف الدولة الشامل، وانعدام ثقة المواطنين بمؤسساتها، وعدم القدرة على استنهاض ولائهم (34). وهذا سيعني ضعف الهوية الوطنية التي تمثل اطارا لا غنى عنه لأي مواطنة فعالة.

لذا لا غرابة في أن تجد العراق بعد عام 2003، وحتى هذا التاريخ، قد أحتل مراكز متقدمة بين الدول الأكثر فسادا في العالم حسب تقارير المنظمات الدولية (35)، كما صارت مؤسساته هشة وضعيفة وغير قادرة على مواجهة الأخطار التي واجهتها فسقطت فريسة سهلة بأيدي عصابات إجرامية إرهابية مثل عصابات داعش. ونتيجة ذلك، إنه على الرغم من هزيمة هذه العصابات بفضل التعبئة الشعبية العامة التي حفزتها منطلقات روحية ووطنية لم تستطع الحكومة العراقية بعد ذلك القيام بإصلاحات مهمة تحارب دولة الفساد الخفية أو تحاسب رموزها البارزة، بل وتشاهد أن جميع مدن العراق بما فيها تلك التي كانت آمنة تتساوى في عدم نهوضها الاقتصادي وتطوير بنيتها التحتية؛ كون الأموال تتحول بطريقة أو أخرى إلى جيوب الفاسدين بدلا من استثمارها في مشاريع الدولة الحيوية (36).

إن مشكلة الفساد في دولة ضعيفة مثل العراق أنه أصبح منيعا بوجه القانون وبعيدا عن المراقبة والمحاسبة، وتتضافر جميع القوى السياسية على توظيفه لمصلحتها، ويصبح الصراع بين القوى السياسية لا صراعا حول البرامج الانتخابية، بل صراعا من أجل المغانم السياسية. لذا لم تظهر داخل العراق بعد عام 2003 معارضة سياسية حقيقية؛ مادام الجميع مقتنعين أن الوقوف في صف المعارضة يعني الحرمان من غنيمة السلطة والثروة، كما أن حكومة الأغلبية السياسية التي نص عليها الدستور تحولت إلى حكومة الشراكة الوطنية، بمعنى شراكة الجميع في الغنيمة التي لا يقبل طرف ما الحرمان منها.

وفي ظل هذه الظروف سيمتد الفساد حتى إلى المفردات السياسية نفسها فتتحول الديمقراطية التوافقية(37)، التي وجدت بوصفها آليةً لإدارة الاختلاف والتنوع في بلدان أخرى إلى مصدر من مصادر الاختلاف والنزاع نتيجة عدم احترام قواعدها الرئيسة، وكذلك الحال مع الفدرالية؛ اذ يتمُّ معاداتها وتصويرها على أنها منطلقا إلى تقسيم العراق، بالرغم من كونها آلية إدارية لضمان وحدة الدولة في تجارب أخرى كثيرة في العالم، وبالرغم – أيضا - من إقرارها في الدستور العراقي لعام 2005، فلا تتطور أدواتها (ظهور الأقاليم الجديدة، منح صلاحيات أوسع للحكومات المحلية، تشكيل مجلس الاتحاد الموازي التشريعي لمجلس النواب...) وذلك خشية خروج السلطة والثروة من النخبة السياسية المسيطرة إلى نخب جديدة ربما تكون أفضل منها(38). ناهيك عن إشاعة ثقافة الواسطة(المحسوبية) بشكلها الفج، وتعطيل القوانين الملحة ذات العلاقة بمصالح المواطن ومصالح الدولة العليا، وتوظيف العلاقات القبلية والعشائرية والمذهبية والقومية، لا بقصد تهذيبها وتطويرها، لتساعد في بناء الدولة أو تحقيق مصالح هذه الهويات الفرعية، إنما بقصد الإلهاء المتعمد الهادف إلى تشتيت الانتباه عن حالة الاستئثار والفساد والتمدد المستمر على حساب الدولة ومواطنيها، فما يهم الفاسدين مصالحهم الخاصة لا مصالح العراق والعراقيين.

لقد تعطلت نتيجة هذا الوضع الفاسد المؤسسات الرقابية المالية والقضائية والتشريعية على مستوى الحكومة الاتِّحادية والحكومات المحلية، وتأخر بشكل متعمد إقرار الحسابات الختامية للموازنات المالية الحكومية السنوية، وتحول البلد إلى دولة مقترضة للأموال بدلا من أن يكون-وحسب مقتضى الحال- واحدا من أغنى بلدان العالم بثرواته البشرية والطبيعية(39)، وأصبحت الأكثرية التي تقوم عليها الديمقراطيات الراسخة أكثرية عديمة القيمة ويسهل التلاعب بها، فخسرت الديمقراطية مرتكزها الأساس ألا وهو المواطن الفعال، المواطن المبادر القادر على منح فكرتها وآليات عملها ثقته؛ ليعطيها قدرة الاستمرارية والتطور ومعالجة العيوب والأخطاء.

فوجود الفساد في العراق، يحول الديمقراطية إلى مجرد آلية لإسباغ الشرعية على النخبة السياسية الفاسدة لا تختلف كثيرا عن الاليات التي تتبعها أعتى الدكتاتوريات، فما يهم عند الحكم بطريقة ديمقراطية أن يشعر المواطن بالفرق بحجم الخدمة التي تقدمها حكومته له، ومقدار المشاركة الحقيقية التي يبديها في إدارة شؤونه العامة وتوزيع ثروته الوطنية. وعندما تفشل الديمقراطية في منح المواطن هذا الإحساس، بل والقيام بهذا الدور تكون قد حكمت على نفسها بالموت البطيء، وخسرت تأييد الشعب (مصدر السلطة الحقيقي في الحكم الديمقراطي)، وتحولت إلى طريقة مضحكة للوصول الى السلطة، والاستفادة من مغانمها، وعندها لا نتوقع ان تزدهر لدى المواطن المشاعر والقيم الإيجابية المعززة لدوره ومبادرته في بناء دولته، والتي بغيابها ستفتقد رابطة المواطنة الى مرتكزها الأساس وهو المواطن الفعال، ولا مواطنة فعالة بلا مواطن فعال.

ان وجود دولة الفساد، وسلبية المواطنين وعدم مبادرتهم ودفاعهم عن خيارهم الديمقراطي يهدد وجود الدولة واستقرارها ويحولها الى دولة هشة فاشلة بشكل أو آخر، وستكون مسألة القضاء على الديمقراطية وإيجاد آلية أخرى للحكم مسألة وقت، تحدده مسارات التطورات في الأحداث الداخلية والخارجية.

2- طبيعة النظام الانتخابي

لا يمكن فصل الديمقراطية عن واحدة من أدواتها الرئيسة وأكثرها تأثيرا ألا وهي العملية الانتخابية؛ فالانتخاب هو مصدر المشروعية للنظام الحاكم، وهو وسيلة الناخب لاختيار من يراه مناسبا من المرشحين والقوى السياسية للوصول الى السلطة (40). ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون انتخابات شفافة ونزيهة قادرة على السماح للمواطنين بالتعبير الحر عن خياراتهم، إلا أن الانتخابات بحد ذاتها ليست غاية، وإنما وسيلة لتهذيب السلوك الفردي والمجتمعي في الميدان السياسي، أما الغاية من وراء ذلك فهي تجذير المواطنة الفعالة والسلوك الديمقراطي في الحكم ورفع كل أشكال الوصاية عن البشر تحت أي مظلة أو تسويغ، وتمكين الناس من الوقوف أمام السلطة، بدل الانحناء لها.

ويبرز تأثير العملية الانتخابية في التجارب الديمقراطية من خلال طبيعة النظام الانتخابي المعتمد، فكثيرا ما ربط المختصون بين النمط الانتخابي السائد والنمط الحزبي السائد (41)، فالمعروف أن هناك تشكيلاتٍ متعددةً من العمليات الانتخابية، إلا أنها بمجملها تندرج تحت واحد من نظامين انتخابيين (42): الأول، نظام الأغلبية الانتخابية. والثاني، نظام التمثيل النسبي. وعند الربط بين هذين النظامين والنظام الحزبي في كل بلد، نجد أن نظام الأغلبية غالبا ما يجري العمل به في الدول التي تسمى بثنائية الأحزاب كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة الامريكية. أما نظام التمثيل النسبي، فيجري العمل به في الدول التي لديها أحزاب متعددة (ثلاثة أحزاب وأكثر) كما في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول. ومع صحة هذا الاستنتاج، نوعا ما، فإنه يصدق على الدول التي تطورت فيها التجربة الديمقراطية وباتت مؤسساتها الدستورية مستقرة بشكل متين، سمح بتطور الوعي والادراك السياسي للفرد والمجتمع.

أما الدول التي لم تألف الديمقراطية اطلاقا في تاريخها، وتعوزها مقومات الثقافة الديمقراطية الكثيرة، وتحكمها أشكال متعدِّدة من الوصاية (وصاية: الاب، وشيخ القبيلة، والزعيم الديني، والبطل القومي، والزعيم السياسي...)، والنزعة الفردية، والمواقف العاطفية، والصراعات المستفحلة... فهي بحاجة إلى اختيار ذكي للنظام الانتخابي يسمح لها بالاستقرار السياسي، وقوة الحكومة، والاختيار الأمثل للمرشح بعيدا عن الضغوط، ناهيك عن مساعدته على تقليل الانشقاقات الفئوية والشخصية داخل القوى السياسية والمكونات الاجتماعية.

ومثل هذه المواصفات في النظام الانتخابي لا يحققها نظام التمثيل النسبي، ذلك النظام الذي يعطي كل تيار سياسي عدد من المقاعد يتناسب مع عدد المصوتين له، فهذا النظام بما يثيره من شهية سياسية للوصول إلى قبة البرلمان، انطلاقا من طموحات فردية أو فئوية أو ما شابه ذلك يسمح بتكاثر الأحزاب والقوى السياسية بطريقة مذهلة، كما يسمح بانشقاق الجماعات بطريقة تثير السخرية، فالدول حديثة العهد بالديمقراطية لم تتبلور سياسيا أفكار مواطنيها، ولم تهدأ أو تخف أطماع زعاماتها، ولم تعتاد على الحوار والتفاهم تحت سقف المصلحة العامة، وعندما يفسح النظام الانتخابي لكل هذه الاطماع والصراعات بالتشكل بوصفها أحزابا تريد الوصول إلى البرلمان، ولو بمقعد واحد، فهذا الأمر ينتج عنه عملية سياسية غير مستقرة تتحرك باتِّجاه المزيد من الفوضى في عدم تحديد المسؤولية عن الفشل، لاسيما أن الحكومات المتمخضة عنها غالبا هي حكومات ائتلافية تكون الخلافات بين أطرافها من الشدة بحيث يضعف أداؤها بشكل كبير، وتعطل أحيانا بشكل متعمد مشاريعها؛ كون أطرافها الكثيرة تحاول عرقلة الإنجاز من أجل أن لا يحسب لطرف آخر، مما يسمح له بكسب المزيد من التأييد الشعبي(43).

إذاً، تحتاج الدول المعتادة على الدكتاتورية، التي ما زالت عاجزة عن إدارة تنوعها واختلافاتها الاجتماعية والسياسية بنجاح، وحديثة العهد بالديمقراطية، أن تذهب لترسيخ تجربتها الديمقراطية باتِّجاه اختيار نظام الأغلبية الانتخابية؛ فهذا النظام بما يفرضه من قواعد في الفوز قائمة على تصغير حجم الدوائر الانتخابية؛ ليكون عددها مساويا لعدد المقاعد البرلمانية، وجعل المرشح الفائز (فردا أم قائمة) هو ذلك الذي يحصل على أغلب المقاعد البرلمانية، فإنه يجعل من مصلحة القوى السياسية أن لا تنقسم على ذاتها أولا، وتخفف من صراعاتها ثانيا من أجل أن تحصل على الأغلبية التي تؤهلها للفوز.

وكذلك، يساعد الناخب ليكون أكثر تحكما بخياراته عندما يختار ضمن دائرته الانتخابية الصغيرة المرشحين الذين يشعر أنهم أكثر تمثيلا له وخدمة لمصالحه. وستكون الحكومات الناتجة عن هكذا عملية انتخابية أكثر انسجاما وقدرة على تنفيذ برامجها الانتخابية دون خشية من حلها أو تعطيل عملها من طرف ما داخلها، وسيتركز هدفها على تحقيق توقعات الناخب؛ لأنها تدرك أن من السهولة لناخبيها تحميلها مسؤولية الفشل والإخفاق دون أن تتمكن من تحميل جهة ما المسؤولية، وستكون الانتخابات اللاحقة موعدا مهما للحكم على الحكومة والقوى السياسية التي تقف خلفها، وهذا يجعل من السهولة إسقاط الأحزاب الفاشلة والسياسيين الفاسدين، واختيار بدلاء عنهم في عملية انتخابية جديدة يكون من يفوز فيها خائفا تماما من هذا الحكم الشعبي، فهو لا يريد تكرار نفس التجربة.

لقد أخطأ المشرِّع العراقي تماما منذ عام 2005 م عندما جعل نظام التمثيل النسبي هو النظام الانتخابي المعتمد في العراق (44)؛ لأنه فتح الباب نتيجة ذلك أمام استفحال وهيمنة الثقافة الشعبية الأبوية على الثقافة الديمقراطية الوليدة، وسمح لكل المتناقضات والخصومات السياسية وصراعات المصالح بالتعبير عن نفسها. وأدَّى توالي الإخفاق السياسي، مع ضعف الأداء الحكومي، والتهرب من المسؤولية، وسهولة التحكم بالنتائج الانتخابية في الدورات الانتخابية المتلاحقة بعد هذا التاريخ، إلى إصابة الناخب بالإحباط الحقيقي، وتناقصت حوافزه الدافعة باتجاه التغيير من خلال صندوق الانتخاب.

وهذا يدل على إصابته بالمشاعر السلبية إزاء التجربة الديمقراطية، ومثل هذا الناخب السلبي يؤثر تأثيرا كبيرا على تجذير وتطور الشعور بالمواطنة الفعالة في العراق. لذا كان الأجدر بالمشرع العراقي أن يكون لديه إدراك فلسفي ورؤية مستقبلية أكثر اتِّساعا فيتوجه نحو اختيار نظام الأغلبية الانتخابية، مع الحرص على توفير كافة مستلزمات نجاح هذا النظام من أجل نجاح الديمقراطية بحد ذاتها، وربما في مرحلة لاحقة عندما تعبر الديمقراطية مرحلتها الانتقالية، وتغدو نظاما للحكم والحياة مألوفا وثابتا في البنية السياسية والاجتماعية العراقية يختار المشرِّع التحول عنه الى نظام التمثيل النسبي.

نعم، قد يجادل بعض المدافعين عن النظام الأخير بالقول: إنه أكثر عدالة في تمثيل الأصوات الانتخابية، ليُرد عليه: أننا في الديمقراطيات الناشئة نبحث عن ترسيخ الديمقراطية بوصفها أولويةً قصوى، بعدم السماح لتحديات البيئة غير المؤاتية بالبروز واستغلال الأدوات الديمقراطية لمصلحتها. ثم إن العدالة في الديمقراطية لا تعني أن جميع الأصوات الانتخابية تمثل تحت قبة البرلمان، إنما تعني وجود رابحين من العملية الديمقراطية لا بد من إعطائهم الفرصة لإثبات جدارتهم في الحكم وتلبية طموحات الاكثرية التي انتخبتهم، وخاسرين عليهم احترام رأي الأكثرية، دون أن يعني ذلك خسارتهم لحقوقهم وحرياتهم، فجل ما خسروه هو جولة في عمر الديمقراطية الطويل، ومن الممكن في الجولة اللاحقة أن يثبتوا فشل الفائزين في الجولة الأولى بإقناع الناخبين أنهم أكثر قدرة على خدمة المصالح العامة، فيكون الفوز من نصيبهم، وعندها تبدأ مرحلة اختبار صدقهم، واكتشاف مدى قابليتهم على النهوض بالمسؤولية بطريقة أفضل. هذه هي الديمقراطية الحقة، أما التمييز الإيجابي لمصلحة المكونات الاجتماعية الصغيرة جدا من الأقليات، بإعطائهم كوتا خاصة بهم في العملية الانتخابية، فهذا لا يتعارض مع نظام الأغلبية الانتخابية، ولا يحول هذا النظام دون اعتماده.

إن معظم الفوضى السياسية والحكومية في العراق بعد عام 2003م كان يمكن التخلص منها وتقليلها بشكل كبير لو اختار المشرِّعون العراقيون نظاما انتخابيا مناسبا لواقع الدولة العراقية، ولوجدنا حينها أن سياسيين مخضرمين كثيرين قد تمَّ اقصاؤهم بالعمليات الانتخابية اللاحقة لمصلحة وجوه جديدة، ربما تكون أكثر قدرة على الإنجاز وتحقيق المصلحة العامة، ولأنعكس ذلك بشكل إيجابي كبير على شعور المواطنة لدى العراقيين، ولتعززت ثقتهم بخيارهم الديمقراطي.

الخاتمة

اتَّضح مما تقدم أن ترسيخ رابطة المواطنة في العراق وتحويلها الى رابطة فعالة ترتكز على وجود مواطنين فعالين مبادرين يحمون مواطنتهم ويضمنون استمرارها واجه وما زال عقبات خطيرة مصدرها البنية الاجتماعية والسياسية للدولة والمجتمع، وأنه دون ادراك وتفهم هذه العقبات والسعي لتخفيف حدتها، ومن ثم إبعاد تأثيراتها المعرقلة لنشوء مواطنة عراقية حقيقية ستبقى هذه المواطنة فاقدة للضمانات الجوهرية لترسيخ وجودها وقيمها وآلياتها في البيئة العراقية.

وان استمرار المظاهر الشكلية للديمقراطية بدون وجود مواطنين فعالين في العراق (انتخابات، نصوص دستورية وقانونية، وهياكل المؤسساتية...الخ) منذ عام 2005 م لن يكون دليلا على نجاح الخيار الديمقراطي في هذا البلد، فهذه المظاهر ستكون خادعة بشكل كبير ومموهة لتحركات القوى والقيم والمصالح المعادية لها والساعية لإسقاطها، لاسيما ان ذلك حدث في تجارب متعدِّدة على مستوى العالم، ولا يوجد ما يمنع حدوثه مرة أخرى في العراق.

لقد جرى في هذا البحث التركيز على المعوقات الداخلية التي تعرقل تجذير المواطنة الفاعلة في الحياة السياسية العراقية؛ كونها الأكثر قوة والأشد تأثيرا على تدمير رابطة المواطنة وتشويه صورتها ومنع تحول العراقيين من رعايا في دولتهم الى مواطنين فعالين مبادرين في صياغة قوانينها وتشكيل وحماية مؤسساتها الديمقراطية، ولكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال عدم وجود معوقات خارجية مضادة للديمقراطية وتعيق ترسيخ رابطة المواطنة؛ فالعراق يقع في بيئة إقليمية أقل ما توصف به هو أنها غير راغبة بالديمقراطية بوصفها منهجا للحياة والحكم، وهي متحفزة ومستعدة لتوظيف كل إمكاناتها لإجهاض أي ديمقراطية تبرز في محيطها، لتقنع الشعوب في هذه المنطقة أن لا سبيل أمامها إلا القبول بالأنظمة القائمة، وأن الديمقراطية خيار مستورد أو خيار غير جذاب محفوف بالكوارث، لذا عملت جميع حكومات الدول المحيطة بالعراق -بشكل أو آخر- على زعزعة أمنه واستقراره لإسقاط خياره الديمقراطي، ونسف رابطة المواطنة لشعبه واغراقه في صراع هويات ضيقة دينية وعرقية وطائفية وحزبية وعشائرية وجغرافية، ويمكن للدارسين والباحثين المهتمين تحليل تأثير العامل الخارجي في منع تجذير المواطنة الحقيقية في العراق من خلال دراسات معمقة ومتخصصة لما لهذا العامل من تأثير سلبي كبير على الخيار الديمقراطي للعراقيين.

على العراقيين اليوم، ولاسيما صناع القرار، فهم حجم التغيير والتحول في الفضاء الاجتماعي والسياسي الإقليمي والدولي، فالتقدم التكنلوجي كسر الحواجز، وفتح عقول وعيون الناس على أنماط جديدة من الحياة غير تلك التقليدية والمتعارف عليها، وهذا من شأنه تهديم المصالح والمؤسسات والقيم والبنى التقليدية بشكل تدريجي؛ لتأتي اللحظة التي ستسقط جميع المعابد والعروش القائمة على رؤوس أصحابها، ولن تكتب السلامة إلا لتلك الشعوب التي تكيفت وتماشت مع ظروفها المتغيرة(45)، وإذا أراد العراق أن يكون رائدا في محيطه، آمنا على مستقبله، ومؤثرا على مستوى العالم، فعليه توفير المرتكزات اللازمة لترسيخ ديمقراطيته، وفي مقدمتها تعزيز المواطنة الفعالة لمواطنيه؛ لأنه بين خيارين لا ثالث لهما: إما النجاح في تجربته الديمقراطية، وإما الاستسلام لدكتاتورية جديدة قصيرة العمر تعقبها الفوضى العارمة التي قد تهدد وجوده السياسي بالكامل.

** بحث منشور في مجلة رسالة الحقوق-العدد الثالث 2019، كلية القانون-جامعة كربلاء
* الأستاذ الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2019
www.fcdrs.com

..............................................
Abstract:
Democracy is the fundamental basis for a modern state, the state which acting in accordance with the law and institutions, and in regulating the relationship between rulers and ruled; to guarantee the public and private rights and freedoms of citizens. Iraq, as many other Arab countries, tried democracy in the first half of the 20th century, but its experience ended with a significant failure reflected by subsequent military coups and authoritarian regimes. Since the US invasion of the country in 2003, a new democratic experiment has been taking shape, but this is an experience going through a difficult process, so it faces obstacles that distort and threaten its continuity. The central question: why does not democracy find fertile ground for its breeding in the Iraqi environment?
Democracy can not be rooted without an active citizenship, and the last is not existed without an effective citizen. An effective citizen who is proactive and actively involved in the formulation of his laws and the formation of his public institutions and this is the greatest guarantee for the success of the democratic choice in any country. As a country in transition, Iraq faces a major problem because of the inadequacy of the issue of effective citizenship for its citizens. There are many direct and indirect reasons behind it, and its democratic option can not succeed unless this problem is resolved to be an effective citizen the basis for the protection and development of its democracy and faces internal and external challenges.
..................................................
الهوامش
1 - عقيلة الدهان، أثر التنشئة الاجتماعية في البناء الديمقراطي، الطبعة الاولى، بغداد، دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع، 2014، ص 35.
[2] - أمين فرج شريف، المواطنة ودورها في تكامل المجتمعات التعددية، مصر-الإمارات، دار الكتب القانونية ودار شتات للنشر والبرمجيات، 2012 ص29.
[3] - المصدر نفسه، ص31.
[4] - المصدر نفسه، نفس الصفحة.
[5] - علي يوسف، المسلمون بين المواطنة الدينية والمواطنة السياسية، الطبعة الاولى، بيروت، دار المعارف الحكمية، 2013، ص 15.
[6] - رنا صبحي سعيد عثمان، أحكام الجنسية والمواطنة من منظور إسلامي، أطروحة دكتوراه غير منشور، فلسطين، جامعة النجاح الوطنية-كلية الدراسات العليا، 2011، ص44.
[7] - أسيل عبد الكريم الشمري، استراتيجيات تنمية مفاهيم المواطنة الصالحة لدى أطفال الروضة من وجهة نظر الهيئة التعليمية، مجلة واسط للعلوم الإنسانية، العدد 21، واسط-العراق، جامعة واسط، 2013، ص 5.
[8] - يُنظر للمزيد: ثائر رحيم كاظم، العولمة والمواطنة والهوية، بحث منشور في مجلة القادسية، العدد 1، المجلد 8، جامعة القادسية، كلية الآداب، 2009، ص 256.
[9] - لؤي صافي، الحرية والمواطنة والإسلام السياسي والتحولات السياسية الكبرى وقضايا النهوض الحضاري، الطبعة الاولى، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2013، ص54.
[10] - يُنظر للمزيد:
أمين فرج شريف، مصدر سابق، ص32
عبد الحسين شعبان، جدلية الهوية والمواطنة في مجتمع متعدد الثقافات، الطبعة الاولى، بيروت، المركز الدولي لعلوم الإنسان،2016، ص 29-30.
[11] - عقيلة الدهان، مصدر سابق، ص37.
[12] - إيمان عز الدين إبراهيم عبد اللطيف، القيم المرتبطة بمفهوم المواطنة في منهاج المواد الاجتماعية للصف التاسع الأساسي ومدى اكتساب الطلبة لها، رسالة ماجستير غير منشورة، فلسطين، الجامعة الإسلامية-كلية التربية، 2013، ص56.
[13] - ديفيد هيلد، نماذج الديمقراطية، ترجمة فاضل جتكر، الطبعة العربية الاولى، بغداد، معهد الدراسات الإستراتيجية، 2006، ص70.
[14] - غيورغ سورنسن، الديمقراطية والتحول الديمقراطي السيرورات والمأمول في عالم متغير، ترجمة عفاف البطاينة، الطبعة العربية الاولى، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص 254.
[15] - جون دن، قصة الديمقراطية، ترجمة عبد الإله الملاح، الطبعة العربية الاولى، الرياض، العبيكان للنشر، 2012، ص214.
[16] - غيورغ سورنسن، مصدر سابق، ص87.
[17] - جون دن، مصدر سابق، 240.
[18] - جورج بوردو، الديمقراطية، ترجمة سالم نصار، بيروت، دار الاتحاد، 1963، ص 196.
[19] - المصدر نفسه، ص 7.
[20] - خالد عليوي العرداوي، الديمقراطية في الفكر القومي العربي المعاصر، رسالة ماجستير غير منشورة، بغداد، جامعة بغداد-كلية العلوم السياسية، 2000، ص 14.
(21) جون دن، مصدر سابق، ص21.
(22) يُنظر للمزيد: بلال أمين زين الدين، أزمة الديمقراطية المعاصرة للدولة المؤسساتية من منظور الشريعة الاسلامية، الطبعة الاولى، الاسكندرية، دار الفكر الجامعي، 2013، ص223.
(23) يُنظر للمزيد حول معنى ومتطلبات التحول الديمقراطي: ياسين البكري وهالة كريم تركي، التنشئة الاجتماعية السياسية والتحول الديمقراطي في العراق، الطبعة الاولى، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 2013، ص 33-41.
(24) يُنظر للمزيد: جون دن، مصدر سابق، ص55.
(25) عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، الجزء الأول، الطبعة السابعة، بيروت، الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، 2008، ص9.
(26) عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، الجزء الثالث، الطبعة السابعة، بيروت، دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، 2008، ص247.
(27) يُنظر للمزيد: ياسين البكري وهالة كريم تركي، مصدر سابق، ص 171-175.
(28) يُنظر للمزيد: ستيفن همسلي لونكريك، مصدر سابق، ص 179-217.
(29) يُنظر للمزيد: ت.هارف ايكر، أسرار عقل المليونير، الطبعة العربية الثانية، الرياض، مكتبة جرير، 2008، ص 37-47.
(30) غوستاف لوبون، روح السياسة، ترجمة عادل زعيتر، الطبعة العربية الاولى، عمان-الاردن، الاهلية للنشر والتوزيع، 2016، ص33.
(31) يُنظر للمزيد حول تأصل ظاهرة الفساد تاريخيا في العراق كل من:
ستيفن هيمسلي لونكريك، مصدر سابق، ص115 و ص 421.
حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، الكتاب الاول، مصدر سابق، ص250-251.
(32) مايكل جونستون، متلازمات الفساد: الثروة والسلطة والديمقراطية، ترجمة نايف الياسين، الطبعة العربية الاولى، الرياض، العبيكان للنشر، 2008، ص55.
(33) المصدر نفسه، ص19.
(34) المصدر نفسه، ص132.
(35) يُنظر في ذلك ترتيب الدول العربية ضمن مؤشرات الفساد التي اصدرتها منظمة الشفافية العالمية على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت)على الرابط الالكتروني: https://www.alhurra.com تاريخ الزيارة 22 نيسان 2019 الساعة الخامسة مساء. وكذلك يُنظر: نصير الحسون، العراق يتصدر لائحة الدول الاكثر فسادا في العالم، مقال منشور في موقع صحيفة الحياة في الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) على الرابط الالكتروني: http://www.alhayat.com تاريخ الزيارة 22 نيسان 2019 الساعة الخامسة والنصف مساء.
(36) يُنظر للمزيد: محمد محمد الحيدري، احداث العراق معايشة عن قرب أيار 2004-كانون الأول 2005، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، بغداد، شركة مجموعة العدالة للطباعة والنشر، 2007، ص 247-260.
(37) الديمقراطية التوافقية هي تلك الديمقراطية التي تجمع بين مقتضيات الديمقراطية من جانب، ومقتضيات التوافق من جانب آخر، أي التوافق بين المكونات الاجتماعية المختلفة في مجتمع غير متجانس ثقافيا ومتصارع اجتماعيا وتشتد عدم الثقة بين اطرافه، فهي الية ديمقراطية لإدارة التنوع والصراع في المجتمعات التعددية. يُنظر للمزيد حول الموضوع:
آرنت ليبهارت، الديمقراطية التوافقية في مجتمع متعدد، ترجمة حسني زينه، الطبعة العربية الاولى، بغداد، معهد الدراسات الاستراتيجية، 2006، ص 17 وما بعدها.
(38)يُنظر للمزيد:
خالد عليوي العرداوي، الفدرالية والديمقراطية التوافقية ومعطيات الواقع العراقي، مجلة القانون والسياسة، عدد خاص، اربيل-العراق، جامعة صلاح الدين-كلية القانون والسياسة، 2010، ص 207-245.
(39) يُنظر للمزيد: الشفق نيوز، العراق من بين 10 دول في العالم الاغنى بالموارد الطبيعية، الشبكة الدولية للمعلومات(الانترنيت) على الرابط الالكتروني لشبكة الشفق نيوز: http://www.shafaaq.com تاريخ الزيارة 22 نيسان 2019 الساعة السادسة مساء.
(40) يُنظر للمزيد: موريس دوفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري: الأنظمة السياسية الكبرى، ترجمة جورج سعد، الطبعة العربية الثانية، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2014، ص52.
(41) يُنظر للمزيد: موريس دوفرجيه، مصدر سابق، ص104-110.
(42) يُنظر للمزيد كل من:
حميد حنون خالد، الأنظمة السياسية، بغداد، مطبعة الفائق، 2008، ص70 وما بعدها.
صالح جواد الكاظم وعلي غالب العاني، الأنظمة السياسية، بغداد، مطبعة دار الحكمة، 1991، ص 44 وما بعدها.
علي يوسف الشكري، الوسيط في الانظمة السياسية المقارنة، الطبعة الاولى، عمان-الاردن، دار صفاء للنشر والتوزيع، 2012، ص298 وما بعدها.
(43) للمزيد حول الموضوع من واقع التجربة العراقية، يُنظر: علي مراد العبادي، التعددية السياسية والبرلمان العراقي بعد عام 2003، الطبعة الأولى، بغداد، مركز العراق للدراسات، 2015، ص189-195.
(44) ادرك بعض المتابعين للنظام الانتخابي العراقي الذي جرى العمل به منذ عام 2005 ان هناك خطأ ما في هذا النظام، ولكنهم لم يصلوا بعد الى التبني الصريح لنظام الاغلبية كبديل-مؤقت على الاقل – لنظام التمثيل النسبي. للمزيد يُنظر: وليد كاصد الزيدي، الأطر القانونية للانتخابات في العراق 1924-2014، بيروت، دار السنهوري، 2018، ص297-300.
(45) للمزيد حول اهمية التكيف مع الظروف المتغيرة يُنظر: براين تراسي، كيف يقود أفضل القادة، الطبعة العربية الاولى، الرياض، مكتبة جرير،2015، ص4.

اضف تعليق