q
تستمر أعمال الاحتجاج والتظاهر في هونغ كونغ منذ أسابيع في أكبر تحد للحكم الصيني منذ تسلّمها من بريطانيا في العام 1997، وقضت اتفاقية التسليم إبقاء هونغ كونغ على نظامها الرأسمالي لمدة 50 سنة قادمة. ويعود سبب الاحتجاجات الحالية إلى صدور قانون يجيز تسليم المطلوبين إلى الصين...

تستمر أعمال الاحتجاج والتظاهر في هونغ كونغ منذ أسابيع في أكبر تحد للحكم الصيني منذ تسلّمها من بريطانيا في العام 1997، وقضت اتفاقية التسليم إبقاء هونغ كونغ على نظامها الرأسمالي لمدة 50 سنة قادمة. ويعود سبب الاحتجاجات الحالية إلى صدور قانون يجيز تسليم المطلوبين إلى الصين، وتطوّر الأمر للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية، علماً بأن هونغ كونغ ” المستعمرة البريطانية” السابقة تُدار وفقاً لمبدأ ” بلد واحد بنظامين”، حيث يعطي لمواطنيها حقوقاً لا مثيل لها في الصين، وخصوصاً فيما يتعلق بباب الحرّيات وفي مقدمتها “حرّية التعبير”، علماً بأن رئيسة هونغ كونغ الحالية كاري لام موالية للصين، ويبلغ عدد نفوسها 7 ملايين فقط، حيث يمتدّ أصول نحو 94 بالمئة منهم إلى قومية الهان الصينية.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد حذّر بكين من مغبّة قمع التظاهرات على غرار ما فعلته في ساحة “تيانانمين” العام 1989 معتبراً أن حصول مثل هذا الأمر سيضرّ بالمفاوضات التجارية الجارية بين واشنطن وبكين. وأعرب في تصريحات أخيرة عن أمله في أن تنتهي أزمة هونغ كونغ سلمياً وتحلّ بطريقة إنسانية ودعا نظيره الصيني شي جينبينغ إلى التفاهم مع المحتجين حول الحلول الممكنة.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أدانت أعمال العنف ودعت جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس مع تأييد القوى الداعية إلى حرّية التعبير وحق التجمّع السلمي في هونغ كونغ، ويأتي التحذير الأمريكي لمواجهة احتمالات تدخل عسكري صيني كما حصل في مجزرة تيانانمين، واعتبر جون بولتون مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض من أن استخدام القوة ضد المتظاهرين سيكون خطأ كبيراً وسيعيد ذكريات مأسوية لما وقع سابقاً.

وكانت الأزمة بين هونغ كونغ وبكين قد اندلعت منذ أكثر من شهرين، ولكن بكين صعّدت مؤخراً من نبرتها ضد حركة الاحتجاج وهو ما أعاد إلى الأذهان مذبحة ساحة تيانانمين، حيث سقط المئات من الضحايا قتلى وجرحى بعد أن نزلت الدبابات لسحق حركة تمرّد قادها شباب وطلاب عزّل، يطالبون بإصلاحات والمزيد من الحرّيات.

وحتى الآن فإن خيار تيانانمين بالنسبة لبكين غير وارد أو مستبعد على الأقل، على الرغم من حساسية الصين إزاء هونغ كونغ التي احتلتها بريطانيا في أعقاب حرب الأفيون (1839-1842) وانتظرت طوال هذه العقود لتعود إليها سلمياً، ومارست سياسة طول النفس والتدرّج لاستعادتها مثلما انتهجت سياسة مرنة ومتميزة منذ عودتها، لأنها لا تريد التفريط بها على الرغم من اختلاف طبيعة الحكم الذاتي وليبرالية النظام الذي تتمتّع به هونغ كونغ في إطار النظام الاشتراكي الصيني وقواعده المعروفة بالمركزية.

ولذلك وخلال الأزمة الراهنة كشفت بكين عن خطط جديدة لتطوير ” مدينة شينزن” وجعلها “مكاناً أفضل” من هونغ كونغ وفق الإعلام الصيني الذي واجه الأزمة، وكان قد ورد في وثيقة توجيهية رسمية نشرتها الحــــكومة الصـــــــينية بأنها ترمي تحويل مدينة شينزن إلى منطقة رائدة وواجهة لما أسمته ” الإشتـــــــراكية الصينية”.

ونصت الوثيقة على اعتبار أبناء هونغ كونغ وماكاو العاملين في شينزن والمقيمين فيها مواطنين وأوجدت نظام دخول وخروج ملائم ومنفتح ودون قيود شديدة، بما فيها السماح لحاملي الإقامات من الأجانب بتأسيس شركات علمية وتكنولوجية سعياً لاجتذاب الاستثمارات وتسهيل تمركز الشركات العالمية فيها للحصول على الأفضلية والريادة، وهكذا يُراد أن تتحوّل شينزن من قرية هادئة لصيد الأسماك إلى عملاق اقتصادي وتكنولوجي وبسرعة كبيرة، لكن الأمر حسب تقديري متّصل بمدى التسهيلات التي ستتوفّر والحرّيات التي ستمنح والحقوق الإنسانية التي ستؤمن، ناهيك عن الجدوى الاقتصادية والاستقرار السياسي والأمني على صعيد الإقليم والعالم. وعلى الرغم من أن الوثيقة تضمّنت أهدافاً وخططاً عامة، لكن تأكيدها أنه بحلول العام 2025 ستصبح شينزن إحدى أفضل مناطق العالم لناحية ” القوة الاقتصادية ونوعية التطور” جاء ملفتاً للنظر ، كما شدّدت الوثيقة على أن السلطات الصينية تعتزم تحقيق اندماج أكبر مع هونغ كونغ وماكاو، وأبدت آمالاً كبرى على أن تقود شينزن الواقعة جنوب الصين العالم بحلول العام 2035 وهذا يعني حسب خبراء في جامعة فيلونغ الصينية أن هونغ كونغ إن بقيت غير جاهزة لاستغلال فرص اللحاق بالتطور في عموم الصين ستكون متخلّفة جداً في المستقبل مقارنة بشينزن التي ستتقدم بوتيرة سريعة جداً،علماً أن شينزن تقع على الجانب الآخر من الحــــــــدود مع هونغ كونغ لما يُعــــــــرف بسور الصين العظيم. لقد تغيّرت “صين ماوتسي تونغ” منذ وفاته وانتهاء (ثورته الثقافية) إلى دولة صناعية متطورة خلال أربعة عقود من الزمان فقط، وانتقـــــــــلت من ضفة التخلف إلى ضفة التقدّم وذلك بفعل انتهاجها سياســـــــة انفتاحية في الاقتصاد والإدارة والاستثمار، تلك التي وضعتها اليوم منافساً قوياً على الزعامة مع الولايات المتحدة حيــــــــــث تحتل المرتبة الثانية في اقتصاد العالم بعد واشنــــــطن، ولعلّ ذلك سيكون حافزاً جديداً لها في السباق الاقتصادي عبر شيـــــــنزن وليس وفقاً لخيار تيانانمين.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق