q
ان تحقيق الاصلاح قد يتم على يد الطبقة السياسية الراهنة نفسها حين تنفض عن نفسها غبار الفساد، فيما يرى اخرون ان هذه الطبقة جزء من المشكلة ولا يمكن ان تكون جزءا من الحل، فالاصلاح الجذري الشامل لا بد ان يأتي من خارج الطبقة الحاكمة حاليا...

مرحلة التأسيس هي من اخطر المراحل التي تمر بها الدول. فان أحسن الاباء المؤسسون العملَ سارت دولتهم في طريق التطور والتقدم والقوة والدوام، وان لم يحسنوا ذلك تعثرت دولتهم وتراجعت حتى تتحلل وتنهار.

تأسست الدولة العراقية الحديثة في مطلع القرن الماضي، وقد قام بتشييدها البريطانيون مع النخبة العراقية العثمانية التي جاءت الى العراق بعد سقوط الدولة العثمانية في الفترة نفسها. وانطوت عملية التاسيس تلك على نقاط قوة ايجابية، وانطوت ايضا على نقاط ضعف سلبية. لكنها كانت تسير في طريق كان يمكن ان يقود الى التقدم. غير ان "الضباط الاحرار" بزعامة عبد الكريم قاسم قطعوا هذه التجربة واسسوا الجمهورية العراقية الاولى التي ما لبثت ان غرقت في خلافات الضباط الاحرار وصراعات فسقطت بمؤامرة بعثية عام ١٩٦٣ ما لبثت هي الاخرى ان سقطت في العام نفسه على يد من تبقى من الضباط الاحرار بزعامة عبد السلام عارف الذي اسس ما يمكن اعتباره الجمهورية الثانية التي استمرت على يد اخيه وخليفته عبد الرحمن عارف حتى عام ١٩٦٨.

في ذلك العام قفز البعثيون على السلطة من جديد مؤسسين بذلك الجمهورية الثالثة التي سقطت بدورها على يد القوات الاميركية عام ٢٠٠٣. كانت تلك بداية الجمهورية الرابعة التي مازالت مستمرة حتى عامنا هذا ٢٠١٩. ونستطيع ان نرى ان العراق لم يحقق الكثير من التقدم خلال المئة عام التي مضت من تعاقب الحكومات والانظمة والجمهوريات، ولم تتحقق تراكمات في الخبرة والانجازات بسبب الانقطاعات المتكررة خلال قرن من الزمان. وحين يفقد المجتمع القدرة على المراكمة، كما يقول الان تورين، فانه يفقد معها القدرة على التقدم. فالعلاقة بين الامر كانها علاقة سببية، كعلاقة العلة بالمعلول. ففي كل مرة يشطب القادمون الجدد على ما مضى وينطلقون من نقطة شروع جديدة.

انطوت نقطة الشروع الاخيرة، بعد عام ٢٠٠٣ على نقاط ضعف كثيرة اطلقت عليها اسم "عيوب التأسيس" مستعيرا المصطلح من فيلسوف الديمقراطية جان جاك روسو (١٧١٢-١٧٧٨) الذي استخدمه في كتابه "خطاب في اصل التفاوت وفي اسسه بين البشر" المطبوع في عام ١٧٥٥. وتراكمت فوق عيوب التأسيس اخطاء كثيرة في الممارسة ادت الى انتاج النظام السياسي الراهن الموصوف بانه نظام تلفيقي او نظام هجين.

ومن الطبيعي ان نظاما هجينا ينطوي على كم كبير من عيوب التاسيس واخطاء الممارسة سوف يصعب عليه تحقيق السعادة والحياة الكريمة للمواطنين، بل انه سوف ينتج الكثير من الظواهر السلبية كالفساد وتردي الخدمات وغير ذلك مما يعاني منه العراقيون في الوقت الحاضر.

وليس من باب التنبؤ بالغيب القول بان استمرار الوضع على ما هو عليه سوف يفاقم من سوء الاوضاع ويطيل امد المعاناة ويزيد من حدة التوتر السياسي والاجتماعي في البلد. وكل هذا يحتم ضرورة الاسراع باصلاح الاوضاع سياسيا واقتصاديا واداريا وخدماتيا.. الخ. وهذا الاصلاح يجب ان يكون جذريا وشاملا لان العيوب والاخطاء والسلبيات كثيرة لا ينفع معها الترقيع والاجراءات الفوقية كالتي اتخذتها الحكومة السابقة ولا ينفع معها البرود الى ما يقرب الشلل المصابة به الحكومة الراهنة.

وفي الوهلة الاولى قد يبدو ان تحقيق الاصلاح قد يتم على يد الطبقة السياسية الراهنة نفسها حين تنفض عن نفسها غبار الفساد والجهل لتشرع بالاصلاح انطلاقا من نفسها، فيما يرى اخرون ان هذه الطبقة جزء من المشكلة ولا يمكن ان تكون جزءا من الحل. فالاصلاح الجذري الشامل لا بد ان يأتي من خارج الطبقة الحاكمة حاليا. وقد يكون ذلك بداية لولادة الجمهورية الخامسة.

..........................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق