q
ما موقع الفساد الإداري من مضمون وسائل الإعلام العراقية لان المشكلة تتعلق بالبلد وما يراد التعبير عنه إعلام البلد، والمتلقي او المراد التأثير علية هو داخل البلد، إذن القضية تتعلق بالعلاقة بين أجهزة الدولة المختلفة، ووسائل الإعلام المحلية، والمتلقي الذي يجب وضعه بين الوقائع...

هناك مثل يوناني قديم يقول: (كلما زادت القوانين غير المطبقة للدولة، زادها الفساد فساداً) ليس غريباً القول ان الاتصال بوسائله المختلفة والمنتشرة تعد الآن المفصل الأساس في نمو العلاقات الاجتماعية والسياسية، ويعده البعض على انه هندسة مكتوبة او مرئية للمجتمع، وقد امتدت صراعات ومخاضات على مر القرون بين من يحمل السلطة،وبين من يضع نفسه حارساً للجماهير ومعبرا عن ضميرها وميولها، ومنها القضاء ورجال الدين وقنوات الإعلام بشكلها الحديث.

وموضوعنا ( دور الإعلام في مكافحة الفساد الإداري ) من وجهة النظر العلمية يشوبه عدم الدقة في التعويل على الدور المفترض لوسائل الإعلام، باعتبارها وسائل المراقبة والعين الساهرة والحارسة لتطلعات ومشكلات المجتمع، وارى في ذلك تحميلاً اكثر مما تحملة السلطة والتأثير الواقعي لتك القنوات في ظل متغيرات شاملة وأقطاب مختلفة وحلول مثيرات جديدة من قبيل التعرض للإنترنت والفضائيات العربية والأجنبية.

وارى الأفضل ان يصاغ العنوان بآلاتي (ما موقع الفساد الإداري من مضمون وسائل الإعلام العراقية) لان المشكلة تتعلق بالبلد وما يراد التعبير عنه إعلام البلد، والمتلقي او المراد التأثير علية هو داخل البلد، إذن القضية تتعلق بالعلاقة بين أجهزة الدولة المختلفة، ووسائل الإعلام المحلية، والمتلقي الذي يجب وضعه بين الوقائع، التي تبدو الى حد كبير ضائعة او باهتة المعالم.

وبشكل عام يجب النظر من زاوية أخرى إلى ان وسائل الإعلام، هي أدوات مفسّرة وناقلة لجملة من الأخبار والظواهر والحوادث التي تثير الرأي العام، وهي إلى حد ما أشبه بموظف حكومي يسعى للتميز والبقاء وربما الاتساع في ظل ظروف يسعى الى خلقها او الدفاع عنها، وذا تحدثنا عن وسائل الإعلام العراقية بكل قنواتها فان وظيفة التفسير او كما يطلق عليه في الأدبيات الإعلامية ( بالديدبان ) وملاحقة مناطق القصور والزلل الحكومي والاجتماعي، هذه كلها تبدو مبهمة وغير صالحة للترجمة الميدانية، هي نفسه ( كمؤسسات) حائرة، وهي تريد ان تتعرف على ما يُرسم لها من مسؤوليات ليس فقط في النطاق العام، تحت مصطلح التنوير او التثقيف او نقل الأخبار، إنما إلزامها لحماية الديمقراطية، وحقوق الإنسان في التعبير والاستعلام، فوسائل الإعلام العراقية لازالت تحت شرنقة الممول، ولازالت تحت رحمة القرارات الشخصية وطاووس الخبرة الطويلة والكليشيهات الإعلامية المنسلة من النظام السابق.

وإذا كانت النظريات الإعلامية قد أشارت منذ وقت بعيد الى ان نشوء وسائل الإعلام جاء كنتيجة حتمية وملحة وبمطلب اجتماعي للتعبير عن آراء الرأي العام، ثم بتطور التشريعات والقوانين حصلت على قدر أوسع من الحرية، وامتدت لتغدو كمراقب للبيئة الاجتماعية والسياسية وتصاعدت لتقارع وتقّوم أعمال الحكومة وتكشف ما وراء الكواليس ودهاليز العمل السياسي والعسكري...الخ.

وبالرغم من المحاباة والمجافاة التي شكلت علاقة الحكومة بوسائل الإعلام في ظل الأنظمة الديمقراطية الغربية، إلا أن النتيجة او المحصلة النهائية تميل الى كفة احتواء الحكومة للصحافة ( او لوسائل الإعلام ) بكل أشكالها، وقد تصاعدت هذه العلاقة مع التلاقح الذي حصل في ظل العولمة، والتي أخضعت شبكات الاتصال لارادة السوق ومصالحها، ومن هنا كانت المراهنة على تطوير علاقاتها مع السلطات الحاكمة وبعض مراكز القوى السياسية التي تحتل مواقع متميزة في المجتمعات، وبذلك يصبح الإعلام مضطراً للتنازل عن ممارسة دوره السابق، وبعض حقوقه كجهاز مراقبة على أجهزة الدولة والمجتمع وأداؤهما وفضح الخروقات التي تنتهك حرمة الحريات العامة والشخصية وحقوق الإنسان والفساد الإداري والحكومي.وغدت بعض الأقطاب ثالوثا اساسياً وعموداً فقرياً للسياستين الداخلية والخارجية في معظم أرجاء العالم وهي : الحكومة ( ومنها العسكرة ) والاقتصاد، والإعلام.

ويمدنا التاريخ بالكثير من الشواهد التي جعلت الصحافة تعانق رغبات الرأي العام وحاجات المجتمع بالكشف وتسليط الضوء على نواحي الزلل في السياسة او الاقتصاد او الصراعات العسكرية، والأمراض الاجتماعية الأخرى.

ويميل البعض إلى أن يجعلها في ظل التشريعات المتعلقة بالحريات المدنية وحرية التعبير والرأي أن تكون سلطة اجتماعية ( أولى ) لأنها فيما لو أُستخدمت فضاءتها التشريعية تستطيع ان تُسقط الحكومة او بعض أجهزتها التنفيذية.

وإذاكان موضوعنا يتعلق بدور أجهزة الإعلام في مكافحة الفساد الإداري، أرى من الغرابة ان نضع هكذا عنوان ( لان أعلامنا المحلي الى ألان تشوبه عدم الدقة في مديات صلاحياته الدستورية والقانونية، بعدما الغي هامش الحريات الصحفية بعد أحداث 1963 ولحد ألان.

فليس الإعلام تقنية محضة، وليس الدواء الساحر الذي يمتثل لما نتمنى أو يُنفذ ما نُريد، انه جزءً لايتجزء من منظومة مؤسسات الدولة وهو ايضاً يعيش المناخ الاجتماعي والإداري الذي نحن بصدد مخاطره وعدم انضباط سلوكه الميداني والمؤسسي.

فعلى الأعلام اولاً ان يتخلص من شرنقة الصعوبات التي تلفه، مع الحاجة الماسة له في وقت نحتاج فيه كل ورقة مطبوع، ودقيقة بث وصورة مرئية...الخ لكي نشيع قيم التغيير الديمقراطي في بلد محروم تعبيرياًمن طول عقود من الزمان..وارى ان الوضع الحالي اعلامياً يعاني المعوقات الآتية :

• غياب التشريعات القانونية التي تنظم العمل الصحفي وبالأخص فيما يتعلق بقانون حماية الصحفيين، وحرية الانتقاد البناء، وطرق الحصول على المعلومات من دوائر الدولة.

• مشروعية الغور في المشكلات السياسية والاجتماعية، مقترنة بمهارة وتأهيل الصحفيين في عملية رصد الموضوعات وجمعها وصياغاتها برسالة اتصالية يمكن ان تثير الرأي العام وبالتالي الحكومة.

• أجهزة الإعلام المحلية بحاجة الى اجندة تنظم مشروعيتها اولاً، وثانياً تنظم تمويلها بقانون أو تشريع سنوي، لان التمويل يلعب دوراً اساسياُ في سياسة القناة الإعلامية، وبالتالي أحقية المؤسسة الإعلامية في طبيعة الملاحقة الصحفية للظواهر والمشكلات

• الثقافة الإعلامية، أي الأيمان بجدوى الكشف او العرض الإعلامي وهذا الأمر يتعلق بآلاتي:

1-شخصية القناة الاتصالية، اقليمياً، وطنياً، المصداقية، معدلات التوزيع، ارتباطها بالحكومة، كادر التحرير، كاتب التحقيق.

2- طبيعة مستهلكي القناة الإعلامية.....عددهم.، أماكنهم..

3- علاقة القناة بالمسؤولين في دوائر الدولة...إيجابية...سلبية

4- الحق والموضوعية لما تنشره او تذيعه القناة الاتصالية، وهل ضمن الإطار الأخلاقي والقانوني.

5- نية كاتب التحقيق، ومع من سيرفع التصادم، ومن يحميه في ذلك.

6- القنوات المحلية وقياس مديات التعرض لها، إذ لا توجد لدينا أجوبة علمية عن كيف يستهلك الجمهور المضمون الإعلامي.

7-لاتوجد لدينا معطيات وحقائق علمية عن كيفيات وافضليات التعرض الى القنوات المحلية، ومديات التكثيف الزمني، وعلى مستوى المضامين.

الفساد الإداري :

هو كل قرار أو سلوك او عمل من شانه ان يعمل على :

هدر المال العام، الإنفاق الحكومي وتراكماته.

• هدر الطاقات العلمية وتجريدها من الإنتاج التنموي.

• هدر الوقت، الذي بالإمكان استغلاله في البناء والتنمية والتحديث.

• الرشاوى، التبعية، التسمين الإداري.

• الاستاتيكية في العمل ( دون تطوير ) او استحداث.

• المحسوبة، ضعف الخدمات، ترهل الجهاز الإداري والوظيفي.

• هامشية الالتزام بالضوابط والقوانين.

• خلق الظروف بما يؤمن الفائدة الشخصية.

• استغلال أملاك وموارد الدولة دون مبرر قانوني او شرعي.

• عدم الأيمان بالبحث العلمي ونتائجه في القرارات الإدارية والإنتاجية.

• الفارق الكبير بين الإنفاق والجدوى..المدخلات والمخرجات....الخ

كل هذه الظواهر وغيرها جعلت العراق من البلدان الرائدة في مجال الفساد الإداري، والسؤال الذي نفسه، ما الدور الذي يمكن ان تلعبه وسائل الأعلام العراقية في الحد من الفساد ؟ لاسيما ان بعضها قد أقام جسوراً رائدة في التأثير الاجتماعي، لكنها بطبيعة الحال لايمكن لها ان تحل محل الدولة بمؤسساتها القضائية والمالية والمحاسبية الأخرى، ذلك ان الإعلام قد يلاحق الفساد ويكشفه، ويضع الإدارات والسلوكيات والقرارات الفاسدة في مرأى ومسمع الرأي العام والحكومة، وقد أمكن وضع بعض المقترحات المختزلة بالشكل الذي يمكن ان يفاعل الإعلام ودورة في ملاحقة الفساد الإداري في النقاط الآتية :

• عمل مؤتمر إعلامي لوضع آلية عمل شاملة لتشكيل ( حملة إعلامية ) للحد من الفساد الإداري، بالاشتراك مع الأكاديميين، وعلماء الاجتماع والدين والسياسة والاقتصاد، بالإضافة الى رجال الإعلام.

• تكفيل الحماية القانونية للصحفي أثناء عمله في الكشف عن حالات الفساد.

• الإيعاز لكافة دوائر الدولة والمرتبطة بها على تزويد رجال الإعلام بالمعلومات المالية والإدارية، التي من شانها ان تصل الى حالة مرجوة العمل او النشر. (( وبقرار من رئاسة الوزراء )).

اضف تعليق