الحديث عن تاريخ وسائل الاعلام المسموعة يقودنا دائما الى تاريخ الحرب العالمية الثانية (ما قبلها وبعدها) حيث كانت الاذاعة في اوج طاقتها وقوتها، في تلك المرحلة ولد ما يسمى بالاذاعات الموجهة، اذ استخدمت هذه الوسيلة النشطة بقوة باعتبارها \"جريدة بدون ورق\" كما اطلق عليها الزعيم السوفيتي ستالين...
الحديث عن تاريخ وسائل الاعلام المسموعة يقودنا دائما الى تاريخ الحرب العالمية الثانية (ما قبلها وبعدها) حيث كانت الاذاعة في اوج طاقتها وقوتها، في تلك المرحلة ولد ما يسمى بالاذاعات الموجهة، اذ استخدمت هذه الوسيلة النشطة بقوة باعتبارها "جريدة بدون ورق" كما اطلق عليها الزعيم السوفيتي ستالين.
يمكن تقسيم تطور البث الإذاعي الدولي الموجه إلى ثلاث مراحل بدأت الأولى منها والتي يمكن تسميتها بمرحلة البث التجريبي وتشمل بدايات تجارب استخدام الموجات القصيرة في البث الإذاعي في عشرينيات القرن الماضي مروراً بنشوء الإذاعات الدولية الموجهة لإغراض سياسية في العقد الثالث من القرن الماضي وحتى بداية الحرب العالمية الثانية ، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة البث الإذاعي الموجه والدعاية المباشرة ، وأمتدت هذه المدة مع احتدام الصراع السياسي قبيل الحرب العالمية الثانية عندما وجه الإتحاد السوفيتي السابق بثه الإذاعي عام 1930م بخمسين لغة وراديو باري الايطالي عام 1932م (1), مروراً بدخول الإذاعة كإحدى أدوات الصراع والحرب النفسية بين الدول المتصارعة في الحرب العالمية الثانية اذ امتدت تلك الاذاعات لتوجه الى جمهور الدول المحايدة ، وشهدت هذه المرحلة اوج صراعها الاعلامي وحربها النفسية اثناء الحرب الباردة لتنتهي هذه المرحلة بإنتهاء الحرب الباردة بداية العقد الأخير من القرن الماضي ، فيما يشهد العالم حالياً العهد الثالث الذي بدأ عقب إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق ، وهو عهد القنوات الفضائية الموجهة التي تمارس دعاية غير مباشرة .
وتعرف الاذعة الموجهة بأنها " الإذاعات التي توجه برامجها المختلفة ويصل إرسالها إلى أنحاء العالم، بلغات شعوب الدول المستهدفة لتلك الإذاعات ووفقاً للزمن الذي يوافق تلك الشعوب وذلك وفق ما تخططه الدولة ضمن سياستها الإعلامية بحيث يصل صوت الدولة الباثة للإرسال وفق سياسة إعلامية مخططة وهادفة وليس بشكل عفوي " (2)
مراحل تطور الاذاعات الموجهة
نستطيع ان نجمل مراحل تطور الاذاعات الموجهة والغايات التي استهدفتها فيما ياتي (3):
المرحلة الاولى : تبادل البرامج بين الاذاعات في الدول المختلفة .
المرحلة الثانية : الاذاعات الموجهة من الدولة الام الى مستعمراتها البعيدة او الدائرة في فلكها .
المرحلة الثالثة : الاذاعات الموجهة الى مواطني الدولة , ( او من كانوا مواطنيها واستوطنوا بلدا آخر ) بغرض تبصيرهم بما يجري في بلادهم وتدعيم ثقافاتهم وعقائدهم وربطهم بوطنهم .
المرحلة الرابعة : الاذاعات الموجهة راسا من دولة الى مواطني دولة اخرى .
ولادة اذاعة البريطانية "بي بي سي"
حققت الإذاعة البريطانية وجوداً واسعاً لها في المنطقة العربية عبر إذاعتها الموجهة والتي حرصت فيها على تقديم البرامج والمواد الإخبارية المتنوعة هذا فضلاً عن اعتمادها على مجموعة من الاعلاميين الجيدين الذين شكلوا حضوراً كبيراً في العالم العربي، مما أنعكس أيجاباً على نسبة الاستماع العربي لهذه الإذاعة في المنطقة العربية .
افتتحت هيئة الإذاعة البريطانية عام 1922م تحت اسم شركة الإذاعة البريطانية وبدات البث في عام 1923 كشركة راديو خاصة , ولكنها سرعان ماتعثرت . وفي مطلع عام 1927 تحولت الهيئة الى شركة عامة عندما تدخلت الحكومة البريطانية للحفاظ على الوسيلة الاعلامية الجديدة , واعتمد راديو BBC على مصدرين للتمويل في ذلك الحين الاول الحكومة البريطانية في صورة منحة مالية سنوية والثاني رسوم التراخيص الخاصة باجهزة استقبال الراديو. وقد استمرت هذه الرسوم عند ظهور التلفزيون في المملكة المتحدة ومازالت قائمة حتى اليوم (4) .
وقد بدأت هيئة الإذاعة البريطانية اول ارسال منتظم عبر البحار بالموجه القصيرة في اول ديسمبر عام 1932م وذلك لربط المستعمرات بالوطن وايصال البرامج الإذاعية الى البريطانيين الموجودين في الخارج .. وقد عرفت تلك الإذاعة باسم خدمة الامبراطورية Empire service ، واستخدمت اللغة الانجليزية فقط . وكان الهدف تدعيم وحدة الامبراطورية ، ولم تشجع الحكومة البريطانية جهود جون ريث في هذا الشأن ، ورفضت ربط نفسها بهذه الخدمة إذ ان الحكومة البريطانية لم تكن تؤمن بجدوى نقل مضمون تختلف حوله وجهات النظر ويهم الجمهور البريطاني، الى الجمهور في الخارج… وقد نجح ريث فيما بعد في وضع تقاليد للخدمة الاذاعية اصبحت تتمتع بسمعة ممتازة تهدف لخدمة كل المستمعين الناطقين بالانجليزية خارج بريطاني (5).
ومرت هيئة الاذاعة البريطانية الموجهة للخارج بمراحل عديدة تمثلت المرحلة الاولى بتوجيه اذاعات الى المستعمرات للوصول الى مواطنيها عبر البحار, والمرحلة الثانية حدثت كرد فعل على الدعاية التي كانت تبثها دول المحور , والمرحلة الثالثة خلال الحرب العالمية الثانية وما رافقها من جهود دعائية مضادة للدعاية الالمانية , اما المرحلة الرابعة بدأت عام 1947 حينما زاد الاهتمام بالاذاعات الموجهة لدول خارج الكومنولث البريطاني (6).
ويشير تاريخ الإذاعة البريطانية إلى أن البدايات الأولى لها عندما تم تفويض شركة الإذاعة البريطانية إنشاء محطة إذاعية رئيسية في لندن وتأسيس تسع محطات إذاعية أخرى تكفي لسد حاجة البلاد وهذه المحطات هي (7):
1. محطة إذاعة لندن وقد تأسست في 14 تشرين الثاني 1922.
2. محطة إذاعة مانجستر وقد تأسست في 15 تشرين الثاني 1922.
3. محطة إذاعة برمنغهام وقد تأسست في 16 تشرين الثاني 1922.
4. محطة إذاعة نيوكاسل وقد تأسست في 24 تشرين الثاني 1922.
5. محطة إذاعة كارديف وقد تأسست في 13 شباط 1923.
6. محطة إذاعة غلاسكو وقد تأسست في 6 آذار 1923.
7. محطة إذاعة أبردين وقد تأسست في 10 تشرين الأول 1923.
8. محطة إذاعة بورنموث وقد تأسست في 17 تشرين الأول 1923.
9. محطة إذاعة بلفاست وقد تأسست في 15 أيلول 1924.
10. محطة إذاعة دافنتري وقد تأسست في 27 تموز 1925.
وتمول الاذاعة عبر مبلغ سنوي يخصصه البرلمان للخدمات الداخلية يوازي الدخل المستمر من رسوم الرخص على أجهزة الراديو بعد خصم تكاليف جمعها , او اعتماد اجور الاعلان في التمويل (8), وتبلغ قيمة مبيعاتها 2.25 بليون دولار (تقديرات مراجع السبعينات ) ناتجة عن عائداتها من الضرائب السنوية والمدفوعة الى البريد من مالكي محطات الاذاعة والتلفزيون في بريطانيا فضلا عن بيع خدماتها المتنوعة (9) .
وعلى الرغم من أن هيئة الإذاعة البريطانية لها صفتها وكيانها القانوني المنفصل كهيئة فإنها وكالة تابعة للحكومة البريطانية وحتى إذا لم تكن إحداها فان الغالبية العظمى من المستمعين إليها فيما وراء البحار يعدونها كذلك ، لذلك فان تكاليف الخدمات الخارجية تدفع كمنحة من الحكومة ، كما تقع على وزارة الخارجية البريطانية المسؤولية الأولى في مجال الدعاية الخارجية (10) ، فهيئة الإذاعة البريطانية معنية بتوفير التفسير البريطاني للأحداث الدولية والتطورات السياسية والاقتصادية في بريطانيا لبقية أجزاء العالم حيث يقوم المسؤولون عن الإعلام في وزارة الخارجية وهيئة الإذاعة البريطانية بتفسير أهداف وقرارات الحكومة البريطانية ، كما تضطلع هاتان المؤسستان بدور مهم في زيادة الصادرات من خلال توجيه الاهتمام إلى سلع أو عمليات محددة ، ومن خلال الإعلان عن بريطانيا كدولة وكطليعة للتقدم التكنولوجي (11).
اما حول علاقة هيئة الإذاعة البريطانية BBC بالحكومة فأن الهيئة تعمل من الناحية النظرية مستقلة عن الحكومات والاحزاب السياسية والمصالح المختلفة ، الا انها خاضعة لارادة البرلمان ، وهي تعمل كشركة بتفويض من البرلمان وذلك لعدد معين من السنوات ، وهي تخضع بالرغم من استقلالها للفحص الدوري من جانب السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان (12) .
والهيئة لا تخرج عن الخط العام لسياسة الدولة في برامجها الاذاعية ، كما حققت فائدة سياسية كبرى للحكومة البريطانية ، في المراحل المختلفة ، في استغلال الهيئة في دعم سياستها داخلياً وخارجياً ولكن دون ان يكون ذلك بالسيطرة الحكومية المباشرة في انشطة الهيئة واعمالها وتدخلها المباشر في تفاصيل العمل الاذاعي بل يمنح العاملون في الهيئة حيزاً كبيراً من الحرية والاستقلالية في تناول الموضوعات والقضايا لأنهم محل ثقة بالنسبة للحكومة ولانهم يمارسون رقابة ذاتية لعملهم الاذاعي بحيث لا يسيئون الى النظام السياسي والاجتماعي القائم (13).
والأخبار هي السلعة الرئيسة التي تقدمها هيئة الإذاعة البريطانية، ويعد اغلب المستمعين هيئة الإذاعة البريطانية مصدر موثوق به للانباء(14), ولهذا فالاشكال تتحدد دائماً في طريقة معالجة وتقديم الأخبار، فمن ناحية المنطق نجد تناقضاً بين سمة الايجابية كوظيفة من وظائف الأعلام ، وعرض الرأي البريطاني كوظيفة اخرى ، فواحدة إعلامية والاخرى دعائية .. ويقول في هذا سير شارلي كوران مدير عام الإذاعة ومدير البرامج الخارجية سابقاً نحن اميل الى تفسير الأحداث من الارشاد والتوجيه، ولا نسعى الى المبالغة في الاستمالة ، ولكننا نذكر مستمعينا بالنقاط المهمة من وجهة نظر بريطانيا، والتي تتناسب مع مصالح المتلقي (15), ويبدو ان هيئة الإذاعة البريطانية BBC اكتسبت خبرة طويلة في التعامل مع الأحداث عن طريق تاريخها الطويل, وقد انتهجت أسلوباً يبتعد عن التعصب والتحيز والدعاية المباشرة .. كما اتسم الأسلوب البريطاني بالهدوء ودفع الاتهامات دون اشارة صريحة الى مصادرها مع الايحاء بالحياد والموضوعية في تناول القضايا والموضوعات (16)
وتعد الـ(BBC) مؤسسة اذاعية ضخمة يعمل فيها بحدود (30000) موظف وقد استطاعت ان تحقق مكانة متميزة على مستوى العالم , ومن جانب اخر فقد لاقت انتقادات بخصوص اللغة التي تستخدمها لمخاطبة الجمهور ووصفت بانها اذاعة الطبقة المثقفة او البيروقراطية الثقافية (17).
وفي 6 مايو 1994 تم اطلاق خدمة (BBC)على شبكة الانترنت وقد عرفت الخدمة باسم(BBC اون لاين ) ثم تغير الى (BBC آي ) والذي مازال معرفا للخدمات التفاعلية التي يقدمها الموقع منذ عام 2004 (18).
القسم العربي في اذاعة BBC
أفتتح القسم العربي في هيئة الاذاعة البريطانية برامجه يوم 3 كانون الثاني عام 1938 حيث عرض أول نشرة أخبار باللغة العربية كان خبرها الثالث يتضمن تنفيذ حكم الاعدام شنقاً بمواطن عربي فلسطيني بأمر من محكمة عسكرية بريطانية (أبان الانتداب البريطاني في فلسطين) وكان المحكوم عليه قد تم القاء القبض عليه في أضطرابات وقعت في جبال الخليل وكان بحوزته بندقية وذخيرة ، وقد أحدث أذاعة هذا الخبر صدمة وغضباً في العالم العربي وكذلك في وزارة الخارجية البريطانية التي تلقت تقارير تفيد أن ملك السعودية قد بكى عند سماعه لهذا الخبر وذهبت صحيفة عراقية الى القول في عبارات غاضبة (19).
واشتملت برامج البث العربي على المعلومات والتسلية وأحاديث لبعض السياسين العرب إضافة الى البرامج الدينية وخاصة في شهر رمضان وحاولت الاذاعة تعزيز الصورة الايجابية لها امام المستمع العربي عن طريق انتهاج اسلوب يبتعد عن التعصب والتحيز والدعاية المباشرة في الرد على الدعاية الايطالية والالمانية كما أتسم الأسلوب البريطاني بالهدوء ودفع الاتهامات دون اشارة صريحة الى مصدرها مع الايحاء بالحياد والموضوعية في تناول القضايا والموضوعات (20).
وكان إرسال الإذاعة البريطانية الموجهة باللغة العربية يتم على الموجة القصيرة والمتوسطة من خلال محطات للتقوية او للترحيل في البحر المتوسط والبحر العربي (21)، وقد حققت الاذاعة مؤخراً استماعاً واضحاً لها بعد اعتمادها على البث عبر الاقمار الصناعية في توجيه بث رقمي يمكن التقاطه بوضوح على اجهزة الاستقبال الفضائي (ريسيفر) عبر القمرين نايلسات عبر التردد (11843 أفقي ) وهوتبرد ليغطي منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وأوربا ، أذ بدأت تواجه الاذاعة عبر موجة الـ( FM) صعوبات عديدة في بعض الدول العربية منها (التشويش الكبير) فالجمهور المصري يشكو من عدم الاستماع لها جيداً بسبب الازدحام والمباني المرتفعة فضلاً عن ان خدمة الـ(FM) تحتاج الى موافقات من الحكومات التي تبث فيها ، وقد عانت القناة من رفض بعض الدول العربية منح الترخيصات اللازمة لها لانها تخشى من ان تؤثر اذاعة BBC على إعلامها المحلي(22)، وتستعين اذاعة BBC العربية في تغطياتها الاخبارية وفي انتاج برامجها بعدد من المكاتب الاذاعية التابعة لها في بعض العواصم العربية فمكتب القاهرة يعد مكتباً رئيسياً في انتاج البرامج وقد انتقل نشاطه الاذاعي في عام 1956 الى بيروت بسبب اندلاع حرب السويس ثم عاد الى القاهرة في عام 1975 بسبب الحرب الاهلية في لبنان (23) وتدار برامج BBC العربية في مكتبي لندن والقاهرة فيتولى الاخير فترة البث الصباحي فيما يتولى مكتب لندن البث لفترتي الظهيرة والمساء ويقوم أيضاً بإذاعة نشرات الاخبار على رأس كل ساعة ويقدم موجزاً إخبارياً عند منتصف كل ساعة وتذاع هذه الاخبار من مكتب لندن(24)، وبعد أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة زادت الاذاعة بثها ليصبح 24 ساعة في اليوم لتغطية الاحداث المهمة في افغانستان والشرق الاوسط وهي المدة التي يستقر عليها البث في المرحلة الراهنة .
ولمسايرة التطورات التقنية في العمل الاعلامي حرصت اذاعة BBC العربية على أنشاء موقع لها على شبكة الانترنيت في عام 1997 وذلك للتعريف بالخدمة الاذاعية التي تقدمها BBC منذ عام 1938 وكان الموقع في البداية يضم معلومات عامة عن BBC وبرامجها ومواعيد الارسال وموجات البث ثم تطور تدريجياً وبأمكانات محدودة ليضم نصوص نشرات الاخبار وبث مباشر لبرامج الاذاعة (25) , وبعد الانطلاقة الحقيقية للموقع على شبكة الانترنيت في 2 تشرين الثاني 1999 فقد انطلقت خدمة تحديث الاخبار على الموقع على مدى أربع وعشرين ساعة وبمرور الوقت بدأ الموقع يحظى باهتمام مستخدمي الانترنيت من خلال الاخبار التي يقدمها والمواد التوثيقية وخدمة الأخبار الصوتية على مدار اليوم أضافة الى الملفات الصوتية من لقاءات وتصريحات فضلاً عن ملفات الفيديو ومنتدى الحوار الذي يقدم منفذاً مهماً للجدل والمناقشة حول أحدث موضوعات الساعة بين رواد الموقع (26).
ويشكل العاملون في البرامج الاخبارية والسياسية نسبة كبيرة من كادر القسم العربي الذي يضم (80) شخصاً من الاصول العربية، بالاضافة الى عدد اخر يعملون بعقد مؤقت ولا يحق لهؤلاء أبداء أي رأي سلبياً كان ام ايجابياً وفقاً لطبيعة العقد المبرم بينهم وبين (BBC) وليس لهم الحق في التدخل في تحرير الاخبار او كتابة التحليلات السياسية بل ان عملهم يقتصرعلى مراقبة الترجمة والاشراف على تنفيذها كما تخضع جميع التقارير والأخبار للمراقبة أثناء بثها لمعرفة فيما إذا كان هناك تغير عليها أثناء قراءتها فخلال الحرب العالمية الثانية كانت هيئة الاذاعة البريطانية تختار شخصاً من الاصول الانكليزية يجيد اللغة العربية يجلس في الاستوديو مع مذيع النشرة يراقب قراءته لها ففي حالة أن يكون المذيع قد خرج عن النص المكتوب أمامه وأضاف كلمات خارجة عنه يقوم هذا المراقب بإغلاق الإذاعة فوراً تحاشياً لأية أضرار قد تحدث من جراء ذلك (27).
بي بي سي وعلاقتها بالسياسة البريطانية
للاذاعة البريطانية شهرة كبيرة لدى معظم الناس في العالم بكونها "تقول الحقيقة" , حتى ان مدير البرامج الخارجية فيها قال ذات مرة "لقد قيل في سايجون ان الاذاعة البريطانية اذا ما اعلنت موت رئيس وزراء فيتنام الجنوبية مثلا ثم ظهر في اليوم التالي وهو يسير في شوارع العاصمة في اليوم التالي فلن يتعرف عليه احد" (28), ويرى عدد من الباحثين انه على الرغم مما قيل من ان الخدمة الخارجية لـ BBC تتميز بالدقة والموضوعية والمستوى العالمي من قابلية التصديق ألا إن هناك بعض الفترات التي تدخلت السياسة في الحقيقة التي تنشرها الاذاعة البريطانية، الامر الذي يجعل من خدمة سياسية معينة توخي وجهة نظر معينة مصاغة في شكل ملائم يصعب على بعض المستمعين معرفة ابعاده (29), حيث كانت BBC تعتمد اعتمادا اساسيا في توجيهها للنشرات الاخبارية على مذيعين من نفس الاقطار التي توجه اليها هذه الاخبار , ولكنها في حالة التعليقات السياسية كانت تعتمد سياسيين ومذيعين بريطانيين حتى لا يتهموا من مستمعي هذه الاقطار بانهم خونة (30).
ان تاثر المصالح البريطانية في المنطقة العربية بعدما توجهت ايطاليا باذاعة "باري" الى المنطقة العربية كان سببا رئيسيا في انشاء الخدمة العربية في هيئة الاذاعة البريطانية , وذلك بعد ان وجه الايطاليون الفاشيست دعايتهم للنيل من المصالح البريطانية في المنطقة مما دعا الحكومة البريطانية وبدعوات من البرلمان الى انشاء هذه الخدمة , حيث بدات البث في 3 يناير عام 1938 وكانت البرامج الدينية اكثر البرامج فيها خاصة في شهر رمضان , وثبت خلال تلك الفترة ان الدين سلاح فعال في الدعاية السياسية (31),
كما ان الحكومة تسيطر على هيئة الاذاعة البريطانية من خلال وزارة الخارجية والمستعمرات التي لها الكلمة الفصل في استخدام عدد اللغات التي تستخدم وفترة الارسال الاذاعي الموجه لكل جمهور . وتسيطر وزارة الخزانة من خلال معونتها لوزارة الخارجية على تمويل الBBC بهذا يكون هنالك نوع من السيطرة المالية والسياسية على الاذاعة . وهذا ما يدعو البعض للتشكيك في ماتقولها من حيادية حيث تتحقق وزارة الخارجة من عدم تقديم الاذاعة باستمرار لمعلومات معارضة للحكومة, وتقبل الحكومة تقديم الراي الاخر و لكنها لا تستطيع ان تتحمل اهمال رأيها باستمرار وتقديم وجهة نظر المعارضة فقط, وتحاول وزارة الخارجية احيانا ان تمارس سلطتها بارسال مسؤول صغير ليتحدث كضابط اتصال مسؤول مختص في هيئة الاذاعة البريطانية وقد حدث هذا خلال ازمات عديدة منها ازمة تاميم قناة السويس (32)
وعن تدخل الاذاعة في السياسة الخارجية البريطانية نذكر ماحدث في ابريل 1967 عندما قام جيش اليونان بثورته مع استبقائه في الحلف المركزي , اي انها مابرحت صديقة لاعضاء هذا الحلف ومن ضمنهم بريطانيا , ولكن الثورة مكنت الدكتاتورية من حكم البلاد , وبالفعل كان رد فعل الاذاعة في غير صالح الانقلاب , لكن قرار الاذاعة كان نابعا من ان المحافظين والعمال لايؤيدون قيام الدكتاتورية في اليونان وهذا في حد ذاته يثير بعض التساؤلات الاساسية بشان الدور السياسي للاذاعة في السياسة البريطانية (33) .
والاذاعة البريطانية كغيرها من الاذاعات الدولية الموجهة جزء من شبكة عالمية للاتصالات تهدف الى تعزيز النفوذ القومي ونشره , وفي ذلك نجد دبلوماسية بريطانيا عن طريق الاتصال اقل نسبيا من دبلوماسية الدول الاخرى ولكنها تعزز نوعا من الاستعمار , او تعمل من اجل زيادة الصادرات او ان تقييم دورات تدريبية للمخرجين والفنيين , واذا مااضفنا الى ذلك سمعة بريطانيا نجد ان الدبلوماسية التي تمارسها بريطانيا عن طريق الاذاعة لاتضيع هباء (34).
اضف تعليق