q
ثقافة وإعلام - أدب

الأدب ومعنى الحياة

يحاول الأديب والمبدع، أن يرصد العديد من المشاهد الحياتية والظواهر الاجتماعية، ويبلور رؤيته تجاهها.. ولعل الخيط الدقيق الذي يربط الروايات المتعددة والقصص المتنوعة مع بعضها، هو أنها تنتمي في موضوعاتها وهمومها إلى بيئة اجتماعية محددة، دون أن ينحبس في شرنقة الذاتي والمحلي، وإنما ينطلق منه أيضا للإطلالة...

ثمة علاقة عميقة بين الحياة اليومية للإنسان والجماعة ومعنى الحياة.. إذ أن هذه المفردات والمحطات اليومية للإنسان، هي التي تحدد (مع عوامل أخرى) بشكل أو بآخر مفهوم الحياة العامة لدى الإنسان.. لهذا تتعدد معاني الحياة لدى الإنسان بتعدد الثقافات والمناهج والأولويات فلكل ثقافة حياتها ودنياها التي تدعو إليها وتبشر المؤمنين بها، وتستخدم كل الوسائط من أجل بلوغها والقبض على حقائقها..

ولكن هذه الحياة بحاجة إلى فهم ومعرفة عميقة، حتى يتمكن الإنسان من تسخير إمكاناتها وتحقيق النجاح والفلاح فيها.. وعلى وضوء هذه الحقيقة يتفاوت البشر وتتمايز أولوياتهم وأنماط معيشتهم.. ولكن القدر المشترك بين جميع التجارب الإنسانية، هو أن المعنى بروافده الإبداعية المتعددة، هو الذي يضفي على الحياة رونقا خاصا ومعاني عليا، يكافح الإنسان الفرد والجماعة للوصول إليها..

ولا ريب أن القصص التي نرويها عن الحياة، هي أحد دروب فهمها.. لأن هذه القصص تختزن جملة من الدروس والعبر التي تجعل الإنسان يتجاوز أخطاء من سبقه، ويعمل من حيث انتهى الطرف الأول.. فقصص الحياة ورواياتها المختلفة تجعل الإنسان يعيش أكثر من تجربة وحياة من خلال معرفته بقصص من سبقه وروايات المجتمعات الأخرى..

من هنا تتشكل العلاقة الجوهرية بين مدرسة الحياة وفنون السرد والقصة.. إذ أن هذه الفنون، تغتني في مضامينها بالحياة المليئة بالتحولات والتطورات والعبر والمعاني.. كما أن القصة وأجناس الأدب الأخرى، تساهم في فهم الحياة بشكل عميق وحقيقي..

فالعلاقة جد عميقة بين فنون السرد ومستوى الحياة العامة فالسرد بجميع أجناسه يغني الحياة، كما أن الحياة بكل زخمها وتعدد أطرها، وتنوع مشاكلها وصعوباتها، وبقاء الأمل العميق لدى الإنسان كلها عناوين تساهم في عملية الإثراء والغنى المعرفي والنفسي والإبداعي..

لذلك فإن المبدع، ليس كائنا علويا أو كيانا مجاوزا للمجتمع والحياة بكل تفاصيلها ومراحلها، وإنما هو الإنسان الذي يمارس حضوره وإبداعه من مدرسة الحياة، متوسلا بذلك بأحد أشكال التعبير والأدب..

وهذا الحضور الخلاق والمتواصل بعمق مع مدرسة الحياة ومحطاتها المختلفة، هو الذي يبلور معنى الحياة والحرية والجمال.. وإن الكشف عن جسد الواقع بتجليات إبداعية، يزيد من إصرار الإنسان على التحليق نحو الأعلى ومقاومة كل رواسب الانحطاط، والانطلاق في رحاب الحياة لاجتراح معجزة التقدم الإنساني..

من هنا فإن المبدع الحقيقي، هو الذي يتواصل مع مجتمعه بتحولاته وتقلباته المتعددة، لكي يتمكن من رصدها لقولبتها إبداعا، مما تزيد المجتمع حركة ومعنى ومسؤولية..

والكثير من الجهود الأدبية والإبداعية، التي يقوم بها المبدعون والأدباء، هي تستهدف كشف العلاقة الجوهرية بين الحياة والأدب.. حيث يحاول الأديب والمبدع، أن يرصد العديد من المشاهد الحياتية والظواهر الاجتماعية، ويبلور رؤيته تجاهها..

ولعل الخيط الدقيق الذي يربط الروايات المتعددة والقصص المتنوعة مع بعضها، هو أنها تنتمي في موضوعاتها وهمومها إلى بيئة اجتماعية محددة، دون أن ينحبس في شرنقة الذاتي والمحلي، وإنما ينطلق منه أيضا للإطلالة الأدبية والإبداعية على قضايا الإنسان في وجوده وخياراته المتعددة..

فالإنسان وتهذيب سلوكه، وتطوير وعيه وزيادة تربيته الجمالية، كلها عناوين أساسية يستهدفها المبدع في إبداعه..

فالإبداع ليس انقطاعا عن الحياة، وإنما هي مصدر لغناها وثرائها المتنوع..

وهكذا تتشكل العلاقة بين الأدب والحياة، إذ كل منهما يغني الآخر ويثريه على الصعد كافة.. ولعلنا لا نجانب الصواب حين القول: أن الانطلاق من شؤون الحياة وهمومها وشجونها المختلفة على مستوى الكتابة القصصية والأدبية، يساهم بشكل كبير في إثراء المضامين الأدبية، كما أنه يساهم في بلورة جملة من الآفاق والممكنات العملية.. وعلى كل حال فإن قراءة أجناس الأدب المتنوعة، يساهم في عملية الإثراء وإنضاج الخيارات المستقبلية.. وهذه الحقائق بكل آفاقها ومضمونها الإنساني، تدفعنا إلى القول: أن الأدب بمختلف تعبيراته وأجناسه، يضفي على الحياة، معاني جميلة وخلاقة، تطور من اهتمامات الإنسان، وتساهم في تنمية الذوق الاجتماعي السليم..

من هنا فإننا نعتقد بأهمية العمل على تنمية الاهتمام بالأدب بكل أجناسه، لأنه يساهم في تطوير الذوق العام، والتهذيب الاجتماعي، ويزيد من فعالية الثقافة والمعنى في الحياة العامة.. لهذا لا يمكن أن يتطور ويتقدم أي مجتمع، بدون تطور المعنى في حياته.. والمعنى لا يمكن أن يتطور ويتراكم في الفضاء الاجتماعي، بدون الأدب والثقافة..

ونهيب بجميع المؤسسات والأطر الرسمية والأهلية، إلى الاهتمام بحقل الأدب والإبداع والفنون المختلفة، لأنها من المداخل الأساسية التي تساهم في تطوير الحياة في مختلف جوانبها ومجالاتها..

فهي (الأجناس الأدبية) ليست من توافه الأمور والاهتمامات، وإنما من ضروراتها التي ينبغي أن يزداد الاهتمام بها، والقيام بمبادرات مستديمة من أجل النهوض بحقل الأدب والإبداع في الفضاء الاجتماعي والوطني.. كما ندعو الأدباء وصناع الإبداع في الوطن إلى الاستمرار في عطاءهم الأدبي والإبداعي لأنه يساهم في تشكيل الوعي الحياتي لدى جميع أبناء الوطن. فجمال الحياة بإبداع المبدعين لأنهم وحدهم الذين يمتلكوا القدرة على إبراز كل العناصر الجمالية في الحياة ومسيرة الإنسان.

كما أن الإبداع بكل أجناسه، هو الذي يدفع بالإنسان إلى إظهار بعده الجمالي وتهذيبه السلوكي والاجتماعي. فالإبداع هو إغناء للوجود، واكتشاف إلى صنع الله عزوجل في الحياة، وسعي لرقي الإنسان سلوكا ومعرفة. ولايمكن أن نتصور تربية جمالية بدون فسح المجال وإعطاء الحرية لإبداع المبدعين وأدب الأدباء لممارسة أدوارهم ووظائفهم في تشكيل وعي الحياة، من خلال أعمال أدبية رائعة ومتميزة وخالدة.

فالأدب بكل أجناسه، هو احد عناصر قوتنا الوطنية الناعمة، وحري بنا جميعا في ظل هذه الظروف الحساسة أن نعتني بجوانب قوتنا الناعمة، حتى نتمكن من إنتاج المعنى الذي يثري حياتنا الاجتماعية والوطنية، ويعزز حياتنا الداخلية ويحصنها من كل انحراف وزيغ، ويوفر لنا جميع الظروف للدفاع عن مكاسبنا وحقوقنا من خلال ملء الفضاء بالمنجزات الإبداعية والأدبية والتي تزيدنا منعة وعزة.

اضف تعليق