q
قرار البرلمان العراقيّ بحلّ مفوضيّة الانتخابات وتشكيل أخرى جديدة بإدارة كادر قضائيّ، أثار الكثير من علامات الاستفهام حول المدّة التي ستتطلّبها عمليّة تشكيل مفوضيّة، بعيدة عن نفوذ الأحزاب النافذة وكيفيّة ترشيح القضاة. تحاول الكتل البرلمانيّة تلبية ما يمكنها من مطالب الاحتجاجات الشعبيّة التي بدأت منذ...
بقلم: عمر ستار

قرار البرلمان العراقيّ بحلّ مفوضيّة الانتخابات وتشكيل أخرى جديدة بإدارة كادر قضائيّ، أثار الكثير من علامات الاستفهام حول المدّة التي ستتطلّبها عمليّة تشكيل مفوضيّة، بعيدة عن نفوذ الأحزاب النافذة وكيفيّة ترشيح القضاة.

ضمن الاستعدادات الجارية للانتخابات المبكرة في العراق، تحاول الكتل البرلمانيّة تلبية ما يمكنها من مطالب الاحتجاجات الشعبيّة التي بدأت منذ أكثر من شهرين بهدف تغيير النظام السياسيّ، لكنّها لم تتمكّن حتّى اليوم من التوصّل إلى حلول ترضي المتظاهرين في عموم مناطق البلاد. ورغم مصادقة البرلمان، في 5 كانون الأوّل/ديسبمر الجاري، على قانون "المفوضيّة المستقلّة العليا للانتحابات في العراق" الجديد، إلاّ أنّ الانتقادات الشعبيّة والرسميّة لا تزال مستمرّة تجاه هذا القانون، وأبرز ما فيه أنّ "أعضاء مجلس المفوضيّة سيكونون 7 قضاة من ذوي الخبرة، واختيارهم سيكون عن طريق القرعة لضمان الشفافيّة".

غير أنّ منح القضاء في إقليم كردستان حقّ ترشّح 2 من القضاة، ثمّ إجراء القرعة، أثار استياء الكثير من المتظاهرين وبعض الجهات السياسيّة، إذ اعتُبر ذلك بمثابة الالتفاف على مطالب التظاهرات التي تنادي بإنهاء المحاصصة الطائفيّة والقوميّة في البلاد. كما أنّ طريقة إشراك أيّ قاض في القرعة لا تزال مجهولة، وهناك خشية من التلاعب بالمفوضيّة من خلال تدخّل الأحزاب النافذة في ترشيح القضاة.

وكانت أحزاب كرديّة عارضت طريقة القرعة باختيار القضاة في المفوضيّة قبل أن يتمّ تحديد حصّة للقضاة الأكراد، واعتبر النائب عن "الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ" هوشيار زيباري أنّ "الحلّ الأفضل كان تكليف بعثة الأمم المتّحدة في العراق "يونامي" بمهمّة الإشراف الكامل على الانتخابات، بسبب الخلافات الكبيرة على طريقة تشكيل المفوضيّة ورفض المتظاهرين أيّ قرار يتّخذه البرلمان العراقيّ".

وأعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، بـ15 كانون الأوّل/ديسمبر الجاري، تحفّظه على إشراك قضاة في مجلس مفوضيّة الانتخابات بسبب مشاركتهم في "أعمال تنفيذيّة" وإصراره على ضرورة اقتصار دورهم في "النظر بالطعون والشكاوى"، التي تقدّم من قبل المشاركين في العمليّة الانتخابيّة، إلاّ أنّه كشف عن مفاتحة مجلس الدولة لترشيح عدد من المستشارين ليتسنّى لمجلس القضاء الأعلى اختيار اثنين منهم والطلب من رئاسات محاكم الاستئناف في كلّ المحافظات ترشيح من تتوافر فيه الشروط المنصوص عليها في القانون، تمهيداً لإجراء القرعة واختيار 5 منهم، بحضور ممثّل الأمين العام للأمم المتّحدة ووسائل الإعلام.

وأشار النائب يونادم كنّا خلال حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ "اختيار قضاة للإشراف على الانتخابات هو أفضل ما يمكن في هذه المرحلة للتخلّص من المحاصصة ونفوذ الأحزاب في المفوضيّة، ذلك أنّ اختيارهم سيتمّ من الجهات القضائيّة العليا وبنظام القرعة"، لافتاً إلى أنّ "بعض الكتل كان يرغب في إشراك تكنوقراط في المفوضيّة وخبراء ممّن سبق لهم العمل في هذا المجال، لكنّ صعوبة إيجاد طريقة لاختيارهم حالت دون ذلك"، مؤكّداً أنّ دور الأمم المتّحدة سيكون كبيراً في مراقبة تشكيل المفوضيّة الجديدة والإشراف على الانتخابات.

وكشفت وسائل إعلام محليّة عن محاولات "تحايل" من قبل الكتل البرلمانيّة للإبقاء على كبار موظّفي المفوضيّة من خلال تزوير أوراق إقالة قديمة لتعيد تعيينهم فيها من جديد، إضافة إلى جهود لإعادة قضاة متقاعدين بهدف اختيارهم كأعضاء مجلس المفوضيّة.

وبحسب عضو اللجنة القانونيّة حسين العقابي، فإنّ هناك كتلاً كثيرة تتحفّظ على قانون مفوضيّة الانتخابات، لكنّ تشكيلها قد يكون بطريقة تضمن حيادها ونزاهتها من دون تحايل أو التفاف على نصوص القانون.

ويشترك قانون المفوضيّة الجديد مع سابقه في كثير من التفاصيل التي كانت محلّ انتقاد واسع وكبير، ومنها وجود العديد من الدوائر في المفوضيّة، وهي: الدائرة الإداريّة والماليّة والدائرة القانونيّة ودائرة العمليّات ودائرة الإعلام، ولكلّ دائرة موظّف بدرجة مدير عام، وفي كلّ محافظة هناك مكتب يديره موظّف بدرجة مدير عام وعدد من الموظّفين، ولكلّ هؤلاء رواتب ومخصّصات متعدّدة تجعل من الموازنة الماليّة للمفوضيّة كبيرة جدّاً.

كما نصّت المادّة (18) من قانون المفوضيّة على أنّ مجلس المفوّضين هو الذي يبتّ في الطعون التي تقدّم من قبل القوائم الانتخابيّة والمرشّحين في حال حدوث خرق أو تلاعب بالنتائج أو أيّ مشكلة أخرى تحدث في العمليّة الانتخابيّة، الأمر الذي سيجعل من المفوضيّة هي الحكم في الشكاوى التي تطالها، وليس طرفاً ثالثاً محايداً.

ومن غير المستبعد عرقلة تشكيل مفوضيّة الانتخابات الجديدة أو استمرار نهج المحاصصة بأساليب مبتكرة من قبل الكتل والأحزاب السياسيّة التي تخشى أن تؤثّر القوانين الجديدة والغضب الشعبيّ العارم على النظام السياسيّ برمّته وعلى مواقعها الحكوميّة والتشريعيّة وخسارة النفوذ والمصالح التي تتمتّع بها الآن.

وربّما ستكون مهمّة تشكيل المفوضيّة أكثر تعقيداً ممّا يبدو، وفقاً لرئيسها السابق فرج الحيدري، الذي أشار في مقال حول القانون الجديد إلى أنّ قرار البرلمان بحلّ المفوضيّة وتشكيل أخرى جديدة بالكامل سيمنع تنظيم انتخابات مبكرة ويجعلها "مهمّة "مستحيلة"، وقال: "إنّ مجلس المفوّضين، سواء أكان من قضاة أم غيرهم، وظيفته وضع تعليمات للدائرة من تحديث سجلاّت إلى مصادقة على المرشّحين وتحديث سجل الناخبين إلى غيرها من التعليمات المتعلّقة بالعمليّة الانتخابيّة. أمّا من يجسّد هذه القرارات والتعليمات ويقوم بإجراء الانتخابات فهي هذه النخبة من الكادر المحترف، الذي تمّ تسريحه من قبل البرلمان، من دون وجه حقّ، من بينه الموظّفون الذين لا علاقة لهم بالانتخابات كالخدمات والصيانة والنقل والماليّة وغيرهم"

https://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق