q
سجل تركيا في مجال حرية الإعلام ومع استمرار ملاحقة الصحافيين، مايزال محط اهتمام عالمي، فهذه المشكلة وبحسب بعض المصادر تفاقمت بشكل كبير منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، حيث سعت السلطات التركية الى تشديد اجراءاتها القمعية ضد الجهات المعارضة، واحتلت تركيا المرتبة 157 من أصل 180...

سجل تركيا في مجال حرية الإعلام ومع استمرار ملاحقة الصحافيين، مايزال محط اهتمام عالمي، فهذه المشكلة وبحسب بعض المصادر تفاقمت بشكل كبير منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، حيث سعت السلطات التركية الى تشديد اجراءاتها القمعية ضد الجهات المعارضة، واحتلت تركيا المرتبة 157 من أصل 180 في ترتيب حرية الصحافة لعام 2018 الذي وضعته منظمة "مراسلون بلا حدود" غير الحكومية. وتقول المنظمة إن عدد الصحافيين المسجونين في تركيا هو الأكبر في العالم. وبحسب الموقع الإلكتروني لحرية الصحافة "بي 24" يبلغ عدد الصحافيين الذين يقبعون في السجون التركية 142 صحافيا، أوقفوا بغالبيتهم بموجب حال الطوارئ التي فُرضت لعامين بعد محاولة انقلاب شهدتها البلاد في صيف عام 2016. وتقول الحكومة إن أحدا لم يتم توقيفه بسبب عمله الصحافي، إلا أن منظمة "مراسلون بلا حدود" تؤكد إن أعمال العنف ضد العاملين في وسائل الإعلام غالبا ما تمر من دون عقاب وأحيانا من دون تنديد. ورفض "حزب العدالة والتنمية" الحاكم وشريكه في الائتلاف الحكومي طلبا بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية في الاعتداءات الاخيرة.

وتشير الوقائع المتوفرة الى أن السلطات الحكومية لم تتوقف يوما عن ملاحقة خصومها من المعارضين والصحافيين واصحاب الرأي ولم تعد الماكنة الامنية للحكومة التركية بزعامة اردوغان ما بين تركي او اجنبي حيث تم الزج بسجناء اوربيون في السجون فضلا عن ناشطين آخرين من جنسيات غير تركية. وبحسب تقارير منظمة العفو الدولية فأن ثلث الصحفيين، والعاملين في المجال الإعلامي، والمسؤولين التنفيذيين في المهنة يقبعون في سجون تركيا، علماً بأن أغلبية كبيرة منهم ينتظرون تقديمهم إلى المحاكمة.

وتقول المنظمة ايضا ان حرية التعبير في تركيا تتعرض لهجوم مستمر ومتزايد؛ فمنذ محاولة الانقلاب الفاشلة يواجه أكاديميون، وصحفيون، وكتاب ينتقدون الحكومة الإحالة إلى التحقيق الجنائي ، ومواجهة الملاحقة القضائية، والترهيب، والمضايقة والرقابة. واقترن ذلك بإغلاق السلطات 156 وسيلة إعلامية على الأقل بموجب مرسوم تنفيذي أصدرته في إطار حالة الطوارئ المفروضة في البلاد. وكانت جمعية حماية الصحافيين الدولية قد صنفت تركيا بين الدول العشر الأسوأ في العالم في مجال حرية العمل الصحافي الحر. كما تم إحكام السيطرة على وسائل الإعلام وتحييد الأقلام الصحافية المستقلة والضغط على أصحاب العمل لطردها.

اجواء الخوف

وفي هذا الشأن دان الاتحاد الأوروبي "أجواء الخوف" التي تشيعها السلطات في تركيا مع عقوبات بالسجن المؤبد بحق عثمان كافالا وصحافيين لدعمهم تظاهرات "حركة جيزي" في 2013. وقالت فيديريكا موغيريني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي إن "اتهام 16 سجينا بينهم عثمان كافالا يطرح تساؤلات بشأن احترام القضاء التركي للمعايير الدولية والأوروبية".

وأضافت "استخدام تظاهرات حديقة جيزي في 2013 للمطالبة بعقوبات بالسجن المؤبد تفتقر إلى مصداقية وتخلق أجواء من الخوف وتثني عن تنظيم تجمعات سلمية". وكان مدع عام طلب السجن المؤبد بحق رجل الأعمال عثمان كافالا بتهمة "محاولة الاطاحة بالحكومة" بدعمه تظاهرات مناهضة لأردوغان. ويتهم الرئيس التركي كافالا، المعتقل منذ أكثر من عام في سجن سيليفري قرب اسطنبول، بتمويل الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 2013.

وتابعت المتحدثة أن "الاعتقالات من دون أدلة كافية والملاحقات القضائية حيال أشخاص يمارسون حقهم الأساسي في حرية التعبير والتجمع تلقي شكوكا جدية بشأن احترام مبدأ إفتراض البراءة والحق في محاكمة عادلة في العملية القضائية في تركيا". وأضافت أن "الأحكام الصادرة في 18 شباط/فبراير ضد صحافيين في جمهورييت تناقض مبادىء حرية التعبير والإعلام حجر أساس أي مجتمع ديموقراطي". وأكدت أن "اعتقال صحافيين وبرلمانيين ومدافعين عن حقوق الانسان وجامعيين غالبا دون اتهامات لممارسة الحق الشخصي والمهني في حرية التعبير لا يتطابق مع واجبات تركيا". وقد وقعت تركيا المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان وهي عضو في مجلس أوروبا.

من جانب اخر صدرت أحكام بالسجن بحق سبعة صحافيين أتراك يعملون في صحيفة موالية للأكراد أغلقتها السلطات التركية، بعد إدانتهم ب"الترويج للإرهاب"، كما ذكرت وسائل الإعلام. وكان الصحافيون السبعة يعملون في صحيفة "أوزغور غوندم" التي أقفلت بموجب مرسوم صدر في 2016 بتهمة الترويج لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمردا مسلحا ضد السلطات التركية.

ويحاكم 24 صحافيا من "أوزغور غوندم" في إطار محاكمة بتهمة "الترويج للإرهاب"، حكم على سبعة منهم، بينهم رئيسا التحرير ارين كسكين وحسين أيكول، بعقوبات بالسجن تتراوح بين 15 و45 شهرا. وحكم على عدد من الصحافيين والكتاب الأتراك بالسجن مع النفاذ، ولا يزال غيرهم يحاكمون للمشاركة في حملة تضامن مع الصحيفة. وتندد منظمات تعنى بالدفاع عن حرية الصحافة بانتظام بحملات الاعتقال التي تطاول الصحافيين، وبإقفال وسائل إعلام منذ الانقلاب الفاشل في 2016.

الى جانب ذلك ذكرت قناة تلفزيون (إن.تي.في) أن المحكمة الدستورية في تركيا قضت بأن السلطات انتهكت حرية التعبير والأمن الشخصي لصحفيين احتجزتهما باتهامات تتعلق بالإرهاب بعد محاولة الانقلاب في 2016. وصدرت في أبريل نيسان الماضي أحكام بالسجن تصل إلى ثمانية أعوام وشهر واحد على 14 من العاملين بصحيفة جمهوريت، إحدى الأصوات القليلة المتبقية المنتقدة للحكومة، في اتهامات بالإرهاب ودعم رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله كولن الذي تحمله أنقرة مسؤولية تدبير محاولة الانقلاب. وأفرجت السلطات عن المتهمين انتظارا لعملية الاستئناف. بحسب رويترز.

وقال محاميان إن ستة من العاملين بالصحيفة عادوا إلى السجن لقضاء المدة المتبقية من أحكامهم. وقالت (إن.تي.في) إن المحكمة الدستورية قضت بأن الأمني الشخصي وحرية التعبير للصحفيين قدري جورسيل ومراد أقصوي انتهكت. وأضافت أن المحكمة رفضت طعن أربعة آخرين من صحفيي جمهوريت وأنها ستنظر طعن ثلاثة آخرين. ومنذ محاولة الانقلاب زجت السلطات بأكثر من 77 ألف شخص في السجن انتظارا لمحاكمتهم بينما عزلت نحو 150 ألفا من الموظفين المدنيين والعسكريين أو أوقفتهم عن العمل.

محكمة الاستئناف

على صعيد متصل أيّدت محكمة استئناف تركية أحكاماً بالسجن بحق صحافيين سابقين في صحيفة جمهورييت التركية المعارضة، والتي باتت قضيتها رمزاً للانتهاكات التي تتعرض لها الصحافة تحت رئاسة رجب طيب أردوغان. ورفضت محكمة في اسطنبول طلبات استئناف قدّمها 14 مديراً ومتعاوناً مع جمهورييت بعد إدانتهم العام الماضي. وبعد إدانتهم بتهمة مساعدة "تنظيمات إرهابية"، حكم على الصحافيين في نيسان/أبريل 2018 بالسجن لمدد تتراوح بين عامين وثمانية أعوام.

وأثارت محاكمتهم التي تابعها الغرب من كثب، انتقادات من الدول الغربية ومن المدافعين عن الحريات. وبعد تأكيد الاستئناف الحكم، لا يزال بإمكان العاملين السابقين في جمهورييت المحكومين بالسجن أكثر من خمسة أعوام، اللجوء إلى محكمة التمييز. وهذه حالة المدير السابق للصحيفة أمين أتالاي، وكذلك رئيس التحرير السابق مراد صابونجو. في المقابل، على ستة عاملين سابقين في جمهورييت محكومين بأقلّ من خمس سنوات، العودة إلى السجن لإكمال عقوباتهم، وفق الصحيفة. وهذا ينطبق على رسام الكاريكاتور موسى كرت الذي فاز العام الماضي بالجائزة الدولية للرسم الصحافي. بحسب فرانس برس.

وكما زملاؤه الذين أدينوا العام الماضي، مُنح كرت إطلاق سراح موقت خلال مدة المحاكمة، وبقي خارج السجن بانتظار قرار الاستئناف. لكن، أكدت جمهورييت أن الكاتب قدري غورسيل والمحامي بولنت أوتكو لن يعودا إلى السجن بفعل الوقت الذي قضياه أصلاً خلف القضبان خلال المحاكمة. وباتت "قضية جمهورييت" التي انطلقت في نهاية عام 2016 بعد توقيف 20 عاملاً فيها، رمزاً لتدهور وضع حرية الصحافة في تركيا، خصوصاً منذ محاولة الانقلاب في تموز/يوليو 2016. وبالإضافة إلى المحاكمة، خاضت الصحيفة تحوّلاً صعباً العام الماضي، مع التغيير المفاجئ لفريقها الإداري. واحتجاجاً على ذلك، استقال عشرات الصحافيين من الصحيفة، معظمهم ممّن أدينوا في المحاكمة الجارية.

أجواء عدائية

الى جانب ذلك وبعد أن تعرّض لاعتداءات باللكم والركل والضرب بالعصي 28 مرة خلال مسيرته المهنية، اعتقد الصحافي التركي هاكان دينيزلي أنه شهد كل أشكال المعاناة، لكن في المرة 29 تحوّل الأمر إلى إطلاق النار عليه في أثناء اصطحابه حفيده البالغ أربع سنوات إلى دار الحضانة. ويقول دينيزلي، مدير تحرير صحيفة إيغيمن اليومية في مدينة أضنة في جنوب تركيا، شارحا ما تعرّض له "ركبت السيارة وكانت النافذة مفتوحة. أتوا وأطلقوا النار على ساقي وفروا".

وقعت الحادثة في أيار/مايو في خضم موجة اعتداءات تعرّض لها ستة صحافيين خلال ستة أسابيع. ويحمّل كثر مسؤولية تدهور الأوضاع للسياسيين الذين غالبا ما يهاجمون الصحافيين. ورداً على صحافي في قناة "فوكس خبر" التركية تساءل عمّا إذا كان الشعب سيحتج على ارتفاع الأسعار في أيلول/سبتمبر، فجّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان غضبه قائلا "إلزم حدودك" مهددا إياه ومتوعّدا بأن الشعب التركي سيجعله يدفع الثمن.

ويحمّل يافوز سليم ديميراغ، الصحافي المعارض لحكومة إردوغان في يومية "ينيتشا"، مسؤولية الاعتداء الذي تعرّض له لإعلان نشره "حزب الحركة القومية" اليميني الشريك في الائتلاف الحكومي على صفحة كاملة. وورد اسم ديميراغ مع أسماء نحو عشرة صحافيين آخرين في إعلان تحت عنوان "افتراء، ادعاءات، شكاوى" نشر في عدد من الصحف الواسعة الانتشار بعد الانتخابات العامة التي أجريت العام الماضي. وتعرّض اثنان على الأقل ممن وردت اسماؤهم في الإعلان لاعتداءات.

وانهالت عصابة على ديميراغ البالغ 61 عاما بالضرب بالعصي أمام منزله في 10 أيار/مايو، ما تسبب له بكسور في أضلاعه. ويقول "أشعر بالألم عند العطس أو السعال أو الوقوف". وتقول النيابة العامة إنها فتحت تحقيقا، وقد تم توقيف ستة مشتبه بهم سرعان ما أطلق سراحهم. ويقول ديميراغ إن "العمل الصحافي في تركيا صعب"، ويضيف منتقدا ما يتعرّض له الصحافيون في تركيا "الاعتداء على الصحافيين عمل بطولي".

ولا تقتصر معاناة الصحافيين على تعرّضهم للعنف، فهم عرضة أيضا لضغوط قضائية كبرى. وبعد نحو شهر من الاعتداء أدخل ديميراغ السجن لفترة قصيرة على خلفية إدانته سابقا بـ"إهانة الرئيس" في خطاب ندد فيه بالحصانة الممنوحة لبعض المسؤولين، وهو لا يزال تحت الرقابة. ويقول دينيزلي إن هناك "24 أو ربما 25" قضية مرفوعة ضده، مؤكدا أن "هذه القضايا لن ترهبه".

يتهدد الخطر الصحافيين بكل أطيافهم، لكن ردود الفعل غالبا ما تعكس الانقسامات الحزبية الحادة في السياسة التركية. وعلى سبيل المثال لم تعلّق الحكومة على الاعتداء الذي استهدف ديميراغ، فيما نددت الرئاسة فورا باعتداء استهدف الصحافي الإسلامي مراد ألان الذي تعرّض للضرب في اسطنبول في 14 حزيران/يونيو. وأفادت تقارير بان ألان وصف قادة عسكريين بأنهم "حمير" ما أثار غضب القوميين المتشددين.

ويقول الصحافي إدريس أوزيول المقيم في أنطاليا الواقعة على الساحل الجنوبي إن وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو اتصل به وواساه بعد تعرّضه لاعتداء. لكنه قال إن الوزير حمّل "حزب الحركة القومية" الشريك في الائتلاف الحكومي مسؤولية الاعتداء، مما زاد من غضبه. وقال "ذراع حكومية تعتدي، وأخرى توجّه رسائل تقول فيها نحن حزانى جدا"، مشبّها الأمر بلعبة تبادل الأدوار. ويقول إيرول أونديروغلو من "مراسلون بلا حدود" إن الوضع ينطوي على "نفاق كبير" نظرا لانتقاد تركيا للسعودية بعد جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول العام الماضي. بحسب فرانس برس.

بدوره يواجه أونديروغلو اتهامات بممارسة "الدعاية الإرهابية" لدعمه صحيفة مؤيدة للأكراد ويقول "نحن بحاجة إلى تدخل شخصية سياسية بارزة لوضع حد لهذه الأجواء العدائية... (لكن) من الصعب جدا توقّع حصول أي شيء". ويعتقد دينيزلي الذي لا يزال يتعافى من إصابته أن مقالاته حول الفساد هي السبب وراء ما يتعرّض له من اعتداءات، لكنّه يؤكد أنه لن يرتدع. ويقول "أنا أحاول فقط القيام بعملي بأفضل ما يمكنني".

اضف تعليق