q
نشرت الصحافة الإيرانيّة المحلّيّة أنّ حفيد مؤسّس الثورة الإسلاميّة السيّد علي الخميني قد انتقل من حوزة قم إلى حوزة النجف، ليتابع دراسته ونشاطه الحوزويّ في العراق، بعدما كان يقوم بذلك في إيران. وقد كان للخبر تداعيات واسعة في كلّ من حوزتي قم والنجف، حيث أنّ...
بقلم علی معموري

 

في ظاهرة ملفتة للنظر، تزداد أعداد الطلاب الايرانيون المهاجرون من حوزة قم الى حوزة النجف من بينهم حفيد مؤسس الثورة الاسلامية في ايران، علي الخميني.

في نبأ مفاجئ، نشرت الصحافة الإيرانيّة المحلّيّة في 25 أيلول/سبتمبر أنّ حفيد مؤسّس الثورة الإسلاميّة السيّد علي الخميني قد انتقل من حوزة قم إلى حوزة النجف، ليتابع دراسته ونشاطه الحوزويّ في العراق، بعدما كان يقوم بذلك في إيران.

وقد كان للخبر تداعيات واسعة في كلّ من حوزتي قم والنجف، حيث أنّ مثل هذا الحدث من شأنه أن يثير تساؤلات عن أسباب الانتقال إلى النجف، خصوصاً لحفيد مؤسّس الثورة الإسلاميّة في إيران آية الله الخميني، والذي كان من أعمدة حوزة قم، ومن هناك أطلق الشرارة الأولى لثورته في إيران. فلماذا يا ترى يغادر الحفيد حوزة جدّه، وينتقل إلى مؤسّسة دينيّة أخرى عرف عنها اختلافها في الرؤى الفقهيّة والسلوك السياسيّ والاجتماعيّ السائد مع نظيرتها في قم؟

وقد عرف "المونيتور" خلال رحلته في النجف مكان إقامة السيّد علي الخميني، وهو بيت جدّه نفسه روح الله الخميني، حين كان منفيّاً من قبل نظام الشاه في إيران، وقد أقام فيه ما يقارب الـ15 عاماً، منشغلاً بنشاطه الدينيّ والسياسيّ في الوقت نفسه، حيث كان يقوم بالتدريس وتأليف الكتب الدينيّة وقيادة الثورة الإسلاميّة في إيران.

وقد قامت أخيراً مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني التي تقع في طهران، وتتلقّى دعماً رسميّاً من قبل الحكومة الإيرانيّة، بتجديد بناء بيت الخميني في النجف. ومن المتوقّع أن يبدأ السيّد علي نشاطه التدريسيّ باللغة العربيّة من محلّ إقامته الذي يمتلك رمزيّة كبيرة انتساباً لجدّه الخميني الكبير.

ويعدّ السيّد علي (33 عاماً) من أبرز شخصيّات بيت الخميني، حيث هو ابن السيّد أحمد الخميني الذي كان يدير مكتب روح الله الخميني خلال قيادته للثورة الإسلاميّة في إيران، وقد توفّي في ظروف غامضة في عام 1995، ممّا أدّى بالبعض إلى اتّهام جهات متنفّذة في النظام الإيرانيّ بتصفيته، بسبب انتقاداته للمنهج الحاكم بعد وفاة أبيه في إيران.

كما أنّ السيّد علي تربطه علاقات عائليّة بزعيم حوزة النجف آية الله السيستاني، حيث تزوّج حفيدته، وهي أيضاً بنت السيّد جواد الشهرستاني الذي يمثّل السيستاني في إيران رسميّاً. وتلعب العلاقات والأواصر العائليّة دوراً كبيراً في نظام السلطة الدينيّة في المؤسّسات الشيعيّة. وعليه فإنّ إقامة حفيد الخميني الذي ينتمي إلى المخيّم الإصلاحيّ في إيران في النجف، من شأنه أن يخلق جسراً بين هذا المخيّم الداعي إلى تحجيم دور وليّ الفقيه في إيران وتحديده، ومؤسّسة النجف التي تعارض تطبيق نظريّة ولاية الفقيه وتدعو إلى إقامة حكم مدنيّ في العراق.

وقد رحّب الإصلاحيّون في إيران بزعامة السيّد السيستاني في العراق بعد عام 2003 ومنهجه الداعي إلى الحكم المدنيّ بدل الحكم الدينيّ، واعتبروا ذلك مصدر إلهام لتغيير نظام الحكم الدينيّ في إيران. فقد صرّحت نائب رئيس الجمهوريّة الإيرانيّ في شؤون المرأة والعائلة السيّدة معصومة ابتكار في حديث لها إلى صحيفة "نيو برسبكتيفس كوارترلي"New Perspectives Quarterly في عام 2005 أنّ "زعامة آية الله السيستاني في العراق يفهم في شكل جيّد جدّاً من قبل الإصلاحيّين في إيران" وأنّ "هناك الكثير من النقاش حول أفكاره، وخصوصاً منهجه في ترويج التسامح".

ولم يرغب السيّد علي الخميني بإدلاء تصريح حول هجرته إلى النجف إلى الإعلام، تجنّباً للتداعيات السياسيّة السلبيّة عليه وعلى أسرته. ولكن أستاذه محمّد رضا نائيني صرّح في بيان بأسباب هجرة تلميذه الخميني إلى النجف، قائلاً إنّ "هناك أرضيّة واسعة للتدريس في مدينة النجف العراقيّة أفضل من مدينة قم، خصوصاً لمن همّه طلب العلم". وهناك تلميح واضح في هذا التصريح بأنّ هناك أجواء سياسيّة في حوزة قم لا تهمّها طلب العلوم الدينيّة، بل تطمح إلى توسيع الهيمنة السياسيّة للمرشد الإيرانيّ السيّد علي الخامنئي في الحوزة على حساب النشاط التقليديّ المتمثّل في الدراسة والتدريس والبحث العلميّ.

وتأتي هجرة الخميني من قم إلى النجف ضمن مسار عامّ بدأ منذ سقوط النظام السابق، حيث ترغب أعداد كبيرة من طلّاب الدروس الدينيّة في مدينة قمّ الإيرانيّة بالانتقال إلى النجف، لأسباب مختلفة يرجع بعضها إلى الدور والمكانة التاريخيّين العريقين للنجف والرمزيّة الكبيرة لها، ويعود البعض الآخر إلى المضايقات السياسيّة الموجودة في قم والتي تمارسها قوى ضغط منتمية إلى السلطة السياسيّة الإيرانيّة، حيث قامت تلك القوى سابقاً بإغلاق مكاتب عدد من مراجع الدين وتعطيل دروسهم والتضييق عليهم بمختلف الطرق، ومنهم آية الله حسين علي المنتظري الذي كان نائباً للمرشد الأعلى للثورة في عهد مؤسّسها آية الله الخميني.

وقد اطّلع "المونيتور" على أنّ عدد الطلّاب المهاجرين من قم إلى النجف قد بلغ 400 شخصاً إلى حدّ الآن، انتقل مئة منهم خلال العام الأخير فقط، ممّا يشير إلى أنّ دوّامة الهجرة في تصاعد مستمرّ.

وقد التقى "المونيتور" بعض الطلّاب الآتين من حوزة قم إلى النجف، متسائلاً عن أسباب هجرتهم مع وجود وضع ماديّ وخدمات عامّة أفضل في قم. فأجاب سعيد (اسم مستعار): "لي هنا في النجف حرّيّة أوسع في النشاط العلميّ، حيث لا يرغمني أحد على تبنّي رأي سياسيّ محدّد، ولا تلاحقني مضايقات سياسيّة إذا شاركت في حلقة درس أي من الأساتذة، على خلاف ما كان يحدث لي حين كنت أحضر دروس آية الله يوسف صانعي الذي أغلقت جماعات ضغط في حوزة قم مكتبه، عقب انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للجمهوريّة في إيران لدورة ثانية، وقد أصدرت جمعيّة مدرّسي حوزة قم العلميّة التابعة إلى نظام الحكم في إيران فتوى بعدم صلاحيّته للزعامة الدينيّة، وأثر ذلك قد منع صانعي من ممارسة نشاطه الدينيّ والعلميّ في الحوزة.

وأخيرا ما تظهره المؤشرات المذكورة كلها أن استمرار النظام الإيراني بممارسة هيمنته السياسية على الحوزة الدينية في قم التي كانت تعرف باستقلاليتها عن نظام الحكم طوال تاريخها، قد يؤدي الى توسيع النفوذ الديني والاجتماعي لحوزة النجف على حساب قم التي ازدهرت خلال العقود الأولى من الثورة الإيرانية.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق