q
ثمّة جهود سعوديّة غير معلنة ونشطة في الوقت الحاليّ لسحب الوصاية الأردنيّة على الأماكن المقدّسة في مدينة القدس وإخضاعها للإدارة السعوديّة، بالشراكة مع السلطة الفلسطينيّة، وترتبط هذه الجهود بمحاولات أميركيّة لتمرير مقترحات لإنهاء الصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ والمعروفة باسم صفقة القرن وفقاً لما كشفه مسؤول...
بقلم رشا أبو جلال

 

ثمّة جهود سعوديّة غير معلنة ونشطة في الوقت الحاليّ لسحب الوصاية الأردنيّة على الأماكن المقدّسة في مدينة القدس وإخضاعها للإدارة السعوديّة، بالشراكة مع السلطة الفلسطينيّة، وترتبط هذه الجهود بمحاولات أميركيّة لتمرير مقترحات لإنهاء الصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ والمعروفة باسم "صفقة القرن".

ثمّة جهود سعوديّة غير معلنة ونشطة في الوقت الحاليّ لسحب الوصاية الأردنيّة على الأماكن المقدّسة في مدينة القدس، وفقاً لما كشفه مسؤول فلسطينيّ رفيع في السلطة الفلسطينيّة لـ"المونيتور".

ويتوافق حديث المسؤول، الذي وافق على كشف التطلّعات السعوديّة شريطة عدم ذكر اسمه، مع تقرير كانت قد نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة في 22 الجاري، عن وجود قلق لدى العاهل الأردنيّ الملك عبد الله الثاني حيال نيّة السعوديّة حرمانه من رعاية الأماكن المقدّسة في القدس التي ضمنتها له اتفاقيّات السلام مع إسرائيل، مثل اتفاقية وادي عربة عام 1994.

وتعني الوصاية الأردنية على هذه الأماكن، الإشراف عليها إداريّاً وأمنياً، إذ تشرف مديرية المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية على 1000 موظفاً يعملون على إدارة وحراسة المسجد الأقصى البالغ مساحته 144 دونماً، ويضم المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة. أما بالنسبة إلى المقدسات المسيحية فقد منحت الأردن الحرية للطوائف المسيحية في القدس بإدارة وصيانة كنائسهم وأديرتهم بدعم أردني.

الوصاية الأردنيّة على الأماكن المقدّسة في القدس بدأت خلال عام 1924، تزامناً مع نهاية الخلافة العثمانيّة. وفي عام 1988، قرّر ملك الأردن الحسين بن طلال فكّ الارتباط بين الأردن والضفّة الغربيّة باستثناء الأماكن المقدّسة في القدس التي بقيت تحت الوصاية الأردنيّة، بطلب من رئيس منظّمة التحرير الفلسطينيّة الراحل ياسر عرفات الذي أعلن قيام دولة فلسطين في العام ذاته. وفي نهاية آذار/مارس من عام 2013، وقّع الرئيس محمود عبّاس وعبد الله الثاني اتفاقيّة مكتوبة تحمل عنوان "اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدسات"، تعزّز الوصاية الأردنيّة على هذه الأماكن.

بالعودة إلى المسؤول الفلسطيني فيقول: "إنّ السعوديّة وضعت خطوات تمهيديّة لتحقيق هذه الغاية، تتضمّن توطيد العلاقات مع المجتمع الفلسطينيّ في القدس من خلال تنظيم زيارات مستقبليّة للسعوديّة تجمع رموزاً دينيّة وقيادات رأي عام مقدسيّة للقاء وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان من أجل إجراء نقاش حول هذه الفكرة في محاولة لخلق تأييد مقدسيّ لها".

أضاف المسؤول الفلسطينيّ: إنّ مسؤولين سعوديّين تواصلوا قبل أيّام مع شخصيّات نافذة في السلطة الفلسطينيّة، وعبّروا عن رغبتهم أيضاً في تنظيم زيارة تجمع رجال دين وإعلاميّين سعوديّين للقدس من أجل اللقاء بالمجتمع المقدسيّ وتوطيد العلاقات معه.

وأشار إلى أنّ المسؤولين السعوديّين لم يوضحوا الهدف من وراء توطيد العلاقات.

وقال المحلّل السياسيّ طلال عوكل لـ"المونيتور": "إنّ اهتمام السعوديّة المفاجئ لسحب الوصاية الأردنية ونقلها إليها، هي لإحداث الضغط على الأردن من أجل تغيير موقفه الرافض لصفقة القرن الأميركيّة التي بدأت بإخراج مدينة القدس من طاولة مفاوضات السلام بين الفلسطينيّين وإسرائيل باعتراف واشنطن في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2017 بالقدس الموحّدة عاصمة لدولة إسرائيل".

وأوضح أنّ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب يعتمد بشكل كبير على السعوديّة للعب الدور المحوريّ في تمرير صفقة القرن، باعتبارها شريكة أساسيّة للإدارة الأميركيّة، ولأنّها تمثّل قاعدة الوطن العربيّ والإسلاميّ.

وكان عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير أحمد مجدلاني قد قال في تصريحات سابقة لتلفزيون "فلسطين": إنّ المقترحات الأميركيّة المعروفة بصفقة القرن تهدف إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة، وقد نقلت إلى الفلسطينيّين عن طريق السعوديّة.

ورفض عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة واصل أبو يوسف خلال حديث مع "المونيتور" تأكيد أو نفي الحراك السعوديّ لسحب الوصاية الأردنيّة.

وكان موقع "عربي 21" نقل عن مصدر أردنيّ في كانون الثاني/يناير الماضي قوله: إنّ السلطات الأردنيّة تناقش الحراك السعوديّ تجاه القدس في الغرف المغلقة، وتتخوّف من سحب الوصاية الأردنيّة على الأماكن المقدّسة فيها.

وأشار رائد دعنا، وهو أحد أهمّ المرجعيّات الدينيّة في القدس وشغل سابقاً منصب مدير الوعظ والإرشاد في مديرية المسجد الأقصى المبارك التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، في حديث لـ"المونيتور" إلى أنّ المساعي السعوديّة لسحب الوصاية الأردنيّة "جادّة وتلامس الواقع"، لافتاً إلى أنّها بدأت بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب للسعوديّة في أيّار/مايو من عام 2017.

وكانت صحيفة "القدس العربي" اللندنيّة قد كشفت في 19 كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2017 عن نشوب خلافات في الكواليس بين وفديّ الأردن والسعوديّة خلال مشاركتهما في أعمال الدورة 24 للاتحاد البرلمانيّ العربيّ، التي عقدت في 17 من الشهر ذاته بالمغرب، وسط رفض سعوديّ لتأكيد الأردن وصايته على المقدّسات في القدس.

وقال رائد دعنا: "إنّ السعوديّة حاولت في كانون الثاني/يناير الماضي الترتيب لتنظيم زيارة وفد دينيّ من القدس للسعوديّة لإقناعه بالاعتراف بالوصاية السعوديّة، لكنّ هذا الترتيب فشل لرفض عدد من أعضاء الوفد إتمام هذه الزيارة، وتمّ التكتيم على هذا الحدث. ولذا، لا أستبعد أن تقوم السعوديّة بتكرار محاولاتها قريباً".

ورغم أنّ جهات اتّخاذ القرار في السعوديّة لم تتحدّث علناً عن تطلّعاتها لإدارة المقدّسات في القدس، إلاّ أنّ أوساطاً إعلاميّة سعوديّة مقرّبة دعت إلى تحقيق ذلك، حيث دعا الإعلاميّ السعوديّ المقرّب من العائلة السعوديّة الحاكمة عبد الحميد الحكيم خلال حديث في برنامج "نقطة حوار" على شاشة قناة "بي بي سي" في 16 أيّار/مايو الماضي إلى أن تكون المقدّسات في القدس تحت الإدارة السعوديّة.

وأولت السعوديّة اهتماماً بارزاً واستثنائيّاً بالقدس خلال القمّة العربيّة الأخيرة التي انعقدت في 15 نيسان/إبريل الماضي، إذ أعلن العاهل السعوديّ سلمان بن عبد العزيز خلال الجلسة الافتتاحيّة التبرّع بمبلغ 150 مليون دولار لدعم المقدّسات الإسلاميّة في القدس.

من جهته، قال مدير مركز القدس الدوليّ حسن خاطر لـ"المونيتور": "إن التبرع السعودي لدعم القدس خلال القمة العربية الأخيرة يهدف للتقرب من المجتمع المقدسي بهدف إقناعهم بالوصاية السعودية على الأماكن المقدسة بالقدس، ولكن المقدسيون يربطون بين فرض هذه الوصاية والتقارب السعوديّ- الأميركيّ المتزامن مع صفقة القرن".

وفسر حديثه بالقول: "هناك خشية من قيام السعوديّة بتطبيق أيّ أفكار أميركيّة منحازة لإسرائيل لإنهاء الصراع على المقدّسات في القدس مثل تقسيم المسجد الأقصى، قد تحملها صفقة القرن التي لم يكشف عنها بعد والمرفوضة فلسطينيّاً بسبب إعدادها من قبل إدارة أمريكية قررت الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في الوقت الذي أظهرت فيه السعوديّة محاباتها لإسرائيل في تصريحات سابقة".

وأحد هذه التصريحات، ما قاله وليّ العهد السعوديّ الأمير محمّد بن سلمان خلال لقاء صحافيّ مطوّل أجرته the atlantic في 2 نيسان/إبريل الماضي، إنّه يعترف بحقّ الشعب اليهوديّ في أن تكون له دولة قوميّة خاصّة به إلى جانب دولة فلسطينيّة، وهذا ما لم يعترف به أيّ زعيم عربيّ من قبل.

أمّا طلال عوكل فرأى أنّه ستكون هناك عراقيل صعبة أمام المساعي السعوديّة لنيل الوصاية على الأماكن المقدّسة في القدس، أهمّها عدم وجود ارتباط جغرافيّ بين السعوديّة والقدس، كما أنّ عملية الحصول على هذه الوصاية تحتاج إلى نيل تأييد الرموز الدينيّة في القدس ورؤساء دول العالم العربيّ، وهو أمر لا يزال بعيد المنال أمام السعوديّة.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق