q

تؤثر تقنيات المعلومات على مجريات العملية السياسية في العالم بشكل عام والعراق على وجه الخصوص؛ فنجدها لعبت دورا كبيرا في تغيير الأنظمة وخاصة ما تمت ملاحظته خلال ما يسمى بالربيع العربي؛ فضلا عن ان ثقافة المجتمع ودرجة وعي الشباب، تعد هي الرافعة التي تضع الشعوب في المستويات العليا في سلم التصنيف الدولي والحفاظ على الحقوق والواجبات والمطالبة بها.

وتعد الثقافة السياسية جزء لا يتجزأ منها اذ لها دور كبير في تقرير المصير وكتابة المستقبل السياسي للبلدان؛ وتمثل مجموعة من الضوابط والقوانين والقيم والاتجاهات المحددة لدور الحكومات وحقوق المحكومين.

إلا أنها تعد من المتغيرات التي لا تعد تغييرا مطلقا ولا ثباتا مطلقا، إذ انها تعتمد على الرواسخ الاساسية المذهبية والدينية والعرقية لكل بلد؛ وتغيرها يعتمد على مدى النمو الاجتماعي والاقتصادي ونسبة الفئات النخبوية؛ واهتمام الدولة في إحداث تغييرات نوعية وزيادة الوعي السياسي داخل المجتمع؛ لذا نشاهد ان الحكومات الدكتاتورية غالبا ما تعتبر التغير تهديدا لسلطتها، على الحكم اذ ان ارتفاع المستوى الثقافي يعني سحب البساط من تحت كراسي الهيمنة كما حدث في ثورات الشباب في كل من مر وتونس واليمن وغيرها.

حيث تغيرت قناعات وتطورت ثقافات الشعوب العربية ما أدى بالتالي للاطاحة باحزاب وحكومات استعمرت تلك البلدان لعقود من الزمن؛ ويرى مراقبون أن أهم العوامل التي ساعدت في نجاح تلك الثورات، هي التطور التكنلوجيا والمعلوماتية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي اذ اعتبرت منبرا حرا لتعبير عن الاراء والتطلعات دون خوف او قيد.

وهنا نطرح هذا التساؤل: هل سيكون للانفوميديا تأثير في تغيير مسار العملية السياسية في العراق ما بعد مايو 2018؟.

سنجد آراء وأجوبة بعض المختصين والمتابعين للشأن السياسي العام في الاستطلاع الآتي:

رئيس قسم الصحافة في جامعة اهل البيت "عليهم السلام" الدكتور غالب الدعمي؛ قال: "إن الإعلام الجديد بكل أنواعه أو ما يعرف أحيانا "بالانفوميديا" ومنها وسائل التواصل الاجتماعي تويتر يوتيوب والفيس بوك وغيرها، تسهم برسم الصورة الذهنية لدى الجمهور العراقي عن الشخصيات السياسية قبل بدء المواسم الانتخابية، كما يزداد تأثيرها سنويا بما ينشر من كم هائل من المعلومات المتلاحقة عن الأحداث في هذا الفضاء الذي توسع في ظل تماهي وسائل الإعلام التقليدي مع الجديد؛ وبات استخدام النصوص والصور والصوت مع الحوسبة في فضاء الانترنت متيسرا للجميع؛ مما انعكس على سرعة نقل المعلومة وزيادة مساحة تغطيتها وشمولها على معلومات واسعة وإحاطتها بالحدث من جوانبه كلها".

وأشار الى أن الصحيفة المطبوعة اليوم بات لها موقع ينشر ويحدث الأخبار بشكل مستمر، وكذلك برامج التلفزيون ويشار إليها في صفحات الفيس بوك وتويتر واليوتيوب، ويعاد نشرها على هذه الصفحات مؤكدا على ان تأثيرها يأتي من عدد مستخدميها الذي يزاد يوم بعد آخر بشكل مضطرد؛ ويقدر ان فعالية الانفوميديا ستكون مستقبلا على مجريات الحياة كافة، وليس على مستوى العملية السياسية فقط؛ لأنها ستكون الفضاء الذي يستخدمه السياسيون لنشر دعاياتهم والتواصل مع جمهورهم؛ فضلا عن انه سيكون مكانا للتعبير عن الرأي وانتقاد اعضاء الحكومات والضغط عليهم لتصحيح مسارهم الاداري.

فيما قال مدير مركز الدراسات والبحوث الاعلامية ماجد الخياط: على الرغم من ان تغيير مسار العملية السياسية في العراق صعبا إلا انه ليس مستحيلا؛ وتأثير الثورة المعلوماتية يكاد يكون موجودا ولكنه غير مؤثر الى حد كبير، كون القناعات الشخصية التي تتشابك فيها العاطفة الانسانيه هي المسيطرة؛ وهذه القناعات لها من يدعمها على الشبكات المعلوماتية.

وأضاف ان ثورة المعلوماتية اليوم في العراق حققت الخطوة الاولى بايصال خدمة الانترنت الى نسبة كبيرة فاقت 50% وهو انجاز ينبئ بإمكانية تطور مسارات هذه الثورة؛ ولأن العراق يعتبر من البلدان النامية، وهو ايضا محكوم بعدة عوامل مجتمعية جعلت من تداول المعلومات فيه محدودا؛ فمازالت تبعيات معينة تتحكم بالمعلومات التي تصل المتلقي وهي تحتاج ثورة لتغييرها؛ واشار الى انه يجب تنبري لها الطبقة المثقفة والاقلام الحرة في البلد والناشطون في مجالات حقوق الانسان، كي تتضمن في المستقبل رصد اكبر وتدعيم لمصطلحات الديمقراطية الحقيقة والحرية الحقيقية والعيش الكريم؛ وبالتالي نصل الى مواد اخبارية مؤثرة في سلوك الانسان وتوجهاته صوب حقوقه وخلاصه من تبعيات ايديولوجية تسيطر في هذه المرحلة على طريقة تفكيره.

رئيس قسم الاعلام في جامعة بابل الدكتور كامل القيم أكد على الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي، في توضيح طبيعة الفشل وسوء ادارة الدولة من خلال دفق التواصل بين العراقيين ووسائل الاعلام بانواعها المختلفة؛ فقوى الاتصال الاجتماعي بكل انواعها ألقت بظلالها على نشر وترويج جميع المواقف والتصريحات والحركات والكلمات بدقة متناهية، لكي يعلم المجتمع ما يدار خلف الكواليس؛ في الوقت نفسه تشهد الحملات الانتخابية المقبلة اعتمادا سياسيا على الانفوميديا من قبل السياسيين وقادة الكتل والاحزاب والمرشحين، باعتبارها تتميز بالسرعة والتعدد بالتأثير؛ قلة التكلفة قدرتها على التكيف والرد والتسويق والتجميل؛ فضلا عن الانتشار والاتاحة للراي العام؛ والاعتمادية العالية للمجتمع عبر الوسائل الرقمية.

واشار الى ان جميع الوسائل التقليدية الاخرى تمر عبر بوابة الانفوميديا من صحف الى اذاعات الى وسائل الاعلام كافة. تتنوع موضوعاتها الفلمية الصوتية البصرية ( السمعيبصريات)، لافتا الى انه من الناحية العلمية والواقعية ان جميع هذه الوسائل واقعا مفروضا على طرفي العملية الانتخابية؛ فالبطل برأيه هو من يقنع الرأي العام ببرنامجه ورؤيته في ادارة الدولة على مدى 4 سنوات القادمة؛ وهذا التصور لا يمكن ان يمر إلا عبر بوابات التلاقح والاتصال بين الحاسب والمضمون والتصميم والجمهور؛ فالعلاقة ستتوسع والاعتمادية على وسائل الاتصال الاجتماعي والقوى الناعمة ستتمدد في الانتخابات، لأنها القاسم المشترك الذي سيجمع من يريد الإطلالة على واقع ومهارة وكذب وفساد المرشحين.

وينهي الدكتور حديثه بالقول "ببساطة أنها نعمة الطرفين في الاثر والتأثير؛ وانها سلطة الحاضر باعتبارها قوى إبهارية دائمة الاستخدام من قبل الناقد والمريد للعمل السياسي والارادة الانتخابية.

الان ان ورغم كل التأثير الواقعي لتلك النقلات التكنلوجية إلا ان البعض لا يزال لا يؤمن بتلك التأثيرات والثورات التي تقودها.

النائب السابق في البرلمان عبد المهدي الخفاجي اعتبر ان ثورات الانفوميديا في الغالب تمثل صدى لجهات لديها اجندة معينه ليس بالضرورة ان تمثل تطلعات الجمهور، لان وجهها يكون غير واضح الملامح لإخفائها خلف يافطات براقة، سرعان ما تنكشف ولكن بعد فوات الاوان وهذا ما يجري في أماكن متعددة من العالم العربي.

ويرجح الخفاجي خيار لا تأثير لتلك التقنيات في تغيير مسار العملية السياسية في العراق لافتقارها الى برامج ومناهج ذات توجهات معلومة واهداف محددة؛ فالفوضى العارمة لن تساهم في ايجابيات متوخاة؛ فضلا عن التوجهات والميولات سواء كانت مذهبية قومية او حزبية وعشائرية، فهي تفرض واقعها على مسار العملية السياسية في العراق.

اوباما يعد نموذجا جيدا في حسن استخدام وسائل التواصل في تحقيق الهدف السياسي والوصول الى دكة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية، هذا ما أشار إليه مدير الإعلام في محافظة كربلاء توفيق الحبالي اذ اكد على اهمية الدور الذي تلعبه تقنيات المعلومات في جميع مرافق الحياة ليس على العملية السياسية فحسب؛ وان التجربة الانتخابات الامريكية التي حقق فيها اوباما شعبية كبيرة كانت نتيجة التوجيه الصحيح من قبل فريقه فيما يتم نشره من البوستات والتغريدات؛ ولكن الحبالي بيَّن ان عدة عقبات تواجه المرشحين في العراق والمتمثلة في كيفية إدارة الوسائل الحديثة للاتصال، ويعتقد سيكون هناك تأثير كبير على سير الانتخابات إذا مأتم استخدام التقنيات الحديثة بالطريقة التي تؤدي الى اقناع الناخب بالرؤى والبرامج المطروحة.

واشار الى ان للانفوميديا او ما تسمى الوسائط المعلوماتية دور كبير في تغيير القناعات وخاصة لدى الشباب الذي يعتبر الشريحة الاكثر متابعة للاعلام الجديد؛ في الوقت الذي نلاحظ فيه انتقال الاعلام من احادي الجانب الى اعلام تفاعلي اذ يمكن من خلال ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي احداث نقلة نوعية وتاثير كبير؛ وان بدء الحملات الانتخابية مبكرا من خلال تشكيل كروبات لدعم المرشحين، الامر الذي سينعكس عملية التغيير اذا وُجد المشرف الجيد الادارة والمعرفة الكافية بهذه التقنيات على هذه المواقع.

نائب رئيس تحرير جريدة كربلاء اليوم الاستاذ سعد عواد قال: "لاشك ان التكنلوجيا الرقمية الحديثة هي المحرك الاساس للرأي العام في هذه المرحلة وصانع مهم في الاحداث السياسية والاجتماعية في العراق، كونها تساهم في بناء وتوجيه وتحديد اتجاهات الجمهور وتغيير انماط السلوك بحسب مضامين الرسالة الاعلامية.

واضاف ان عدم وجود التربة الخصبة والمناخ الديمقراطي السليم هو السبب الرئيس الذي جعل العواد يعتقد أن التأثير سيكون محدودا لهذه الوسائل في ظل دولة لا تعترف بوجود شيء اسمه الاعلام ولا تتأثر في كونها بعيدة عن السلوك الديمقراطي الصحيح؛ واشار الى انه قد يكون الاعلام محفزا او مساعدا على التغيير ولا شك ان المواطن يتأثر بالرسالة الاعلامية لكن بشكل بسيط؛ لان سلوكه مازال مرتبطا بسلطات اقوى من سلطة الاعلام؛ واقصد في ذلك سلطة الدين والقبيلة والمجتمع.

اضف تعليق