q
قد تصبح مجموعات واتساب مساحة تتعذر السيطرة عليها حيث يتحول الأفراد إلى عناصر خيالية تعكس مشاعر المرسلين، الإيجابية أو السلبية. يقود هذا حتماً إلى القلق والانقسام، في بعض الحالات يؤدي إلى سيناريو من الشللية بشكل مفاجئ وغير متوقع، مما يترك مزيداً من الأشخاص السذج أو الضعفاء محاصرين...
بقلم: أوليفيا بيتر-كاتبة لايف ستايل

الناس اليوم ينشئون مجموعات واتساب لأسباب غير مبررة تماماً

ينشئ المستخدمون باستمرار مجموعات كثيرة خاصة بكل شكل من اللقاءات أو المناسبات ويواظبون على إرسال الدردشات من دون كلل

خاصيات الإشارة إلى أن المتسلم قد قرأ الرسالة الواردة، والدردشات الجماعية التي لا تنتهي، ومعرفة لحظة كتابة الرسائل... تطبيق الدردشة الشهير حلقة وصل بالغة الأهمية ولكنه أيضاً يجعل توجيه حياتنا أكثر صعوبة. هل في المستطاع إصلاحه؟

بالنسبة إلى كوركور، ابن الـ26 سنة، الهواتف مصدر قلق لا ينتهي. "متى ما رأيت أن رسائل عدة وصلتني في وقت واحد، يؤشر ذلك إلى أن شخصاً ما يحاول باستماتة أن يتصل بي، لذا أفترض أني إزاء حال طارئة. على الفور، يغمرني شعور بالذعر والقلق". شأن سلسلة الرسائل القصيرة السريعة التي تثير القلق، تبعث الرسائل الطويلة والمفردة على الخوف أيضاً، كما تعلم، إنه نوع الرسائل الذي تصوغه في تطبيق "الملاحظات" خاصتك بغرض تسوية خلاف مع صديق أو شريك. ويضيف كوركور أن "بلوغ فقرات أو رسائل نصية كبيرة إلى هاتفي يملأني بالهلع. تساء معرفة طبيعة النبرة عبر الرسائل النصية، لذا من الأفضل دائماً سماع صوت الشخص، والاستماع إليه في الوقت الحقيقي".

اليوم، إذا كنت تمتلك هاتفاً ذكياً، تجد في متناولك منصات كثيرة للمراسلة الفورية. "وي تشات" WeChat، و"سيغنال" Signal، و"فايبر" Viber، وهلم جرا، ولكن "واتساب" واحد من بين التطبيقات الأكثر شعبية. التطبيق الذي اشترته "ميتا" Meta في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 مقابل نحو 22 مليار دولار (17.8 مليار جنيه استرليني)، لديه أكثر من ملياري مستخدم، وصار منصة مفضلة للمحادثات المهنية والشخصية، متيحاً للمستخدمين تبادل المعلومات، والأقاويل والثرثرات، والدعابات بسرعة وكفاءة. يسمح لك بإرسال الصور، ومقاطع الفيديو، وملفات "جي آي أف" GIF، والتسجيلات الصوتية، وغيرها المزيد. إنه الوجهة التي تلبي جميع المقاصد والأغراض، أشبه بشريان حياة بالنسبة إلى كثيرين منا، ولكنه على مر السنين، أصبح أيضاً السبب الأساس لكثير من القلق، مع كل خاصية جديدة تحمل معها دفعة جديدة من الأمور التي تشغل بالنا.

تتضمن تلك الخاصيات، على سبيل المثال لا الحصر، معرفة أن الشخص الذي تتحدث إليه متصل بالتطبيق (أونلاين online)، وأنه أخذ يكتب رسالة إليك (ومتى يتوقف)، وأنه قرأ رسالتك (بالتالي اختار عدم الرد عليها)، ومعرفة المرة الأخيرة التي كان فيها متصلاً بالتطبيق. لحسن الحظ، في يدك تعطيل معظم هذه الميزات، ولكن هذه الخطوة لن تضع حداً لمخاوفك بالضرورة.

توم بورليت، من الشركة المتخصصة بتنسيق الحفلات "فيز بوكس"، يستخدم "واتساب" في إنجاز عمله، وفي تواصله مع الآخرين اجتماعياً. يقول متحدثاً عن تجربته: "يرهقني جداً". خاصية الإشارة إلى أن المستخدم قد قرأ الرسالة تثير القلق ("يقلقني دائماً أني سأبدو وقحاً في حال امتنعت عن الإجابة فوراً")، ولكن مجموعات "واتساب" تبقى مصدراً خاصاً للهموم بالنسبة إلى بورليت، إذ يضيف "ينشئ المستخدمون باستمرار مجموعات كثيرة خاصة بكل شكل من اللقاءات أو المناسبات. ومنهم من يواظب على إرسال الدردشات من دون كلل. أعاني "اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه" (ADHD)، وأرى أن عليَّ أن أنغمس في عملي، وأني لا أملك الوقت للتحقق من الرسائل، وإلا سأفقد تركيزي، ولكن أجد نفسي أحاول باستمرار اللحاق بغيري بعد أن تأخرت في الرد، وأروح أقرأ كثيراً من الرسائل من البداية حتى النهاية".

لنفترض أنك تملك الجرأة لوقف تشغيل هاتفك أثناء متابعة عملك. ولكنك ستعود إليه بكل بساطة لتجد أن أكثر من 100 رسالة قد وصلت إلى إحدى المجموعات وأنك لم تقرأها، ذلك أن جميع الأعضاء الآخرين كانوا على اتصال بالتطبيق في الوقت نفسه. في هذه الحالة، يستولي عليك شعور بعبء مهول تجاه اللحاق بكل ما فاتك، وإمكانية الانخراط في الدردشة.

ليس مفيداً، بالطبع، أن الناس اليوم ينشئون مجموعات "واتساب" لأسباب غير مبررة تماماً. بالتأكيد، توجد مجموعات واضحة المبررات: عشاء عيد الميلاد، وحفلات عيد الميلاد، وحراسة الحي. ومجموعات إشكالية يبتكرها المستخدمون في كل مناسبة، من التخطيط لوجبة فطور متأخر، إلى توفير مساحة للحديث عن مسلسل "جزيرة الحب" Love Island. كذلك لا ينطوي بعض المجموعات على أي جدوى على الإطلاق، ما عدا الإحساس بالانتماء الاجتماعي، فإما أن يتأكد هذا الشعور أو يجد المستخدم نفسه في عزلة.

مارك هيكستر، استشاري في علم النفس السريري في "ذا ساميت كلينيك" في مدينة "هاي غيت" البريطانية، قال إن "مجموعات "واتساب" تتميز بجميع أنواع الصفات التي تظهر في البيئات الاجتماعية الأخرى حيث يتنافس الأفراد على نيل الاهتمام". تتمثل إحدى كبرى المشكلات في أنه كلما ازداد عدد الأعضاء في المجموعة، صارت معرفة كيفية إنشاء القوى المحركة داخل المجموعة أكثر صعوبة. من الأسهل كثيراً، مثلاً، توجيه مجموعة حقيقية من الأشخاص. ويضيف هيكستر: "نتيجة لذلك، قد تصبح [مجموعات واتساب] مساحة تتعذر السيطرة عليها حيث يتحول الأفراد إلى عناصر خيالية تعكس مشاعر المرسلين، الإيجابية أو السلبية. يقود هذا حتماً إلى القلق والانقسام ويمكن، في بعض الحالات، أن يؤدي إلى سيناريو من الشللية بشكل مفاجئ وغير متوقع، مما يترك مزيداً من الأشخاص السذج أو الضعفاء محاصرين في مساحة حيث يستبد بهم شعور بالإرهاق والعزلة."

ربما يكون أحد أسوأ الأمور إمكانية إضافتك إلى أي مجموعة "واتساب" من دون موافقتك. تقول فيكتوريا (32 سنة) متحدثة عن تأثير هذه الخاصية: "لقد دعيت إلى أعياد ميلاد وحفلات توديع العزوبية من دون إخباري مسبقاً، ثم أشعر بالحرج الشديد عندما أضطر إلى تقديم اعتذاري عن تلبية الدعوة أمام مجموعة من الغرباء. كوني جزءاً من مجموعات كثيرة في الوقت نفسه أجدني في قلق دائم من أن أبعث إلى المجموعة الخطأ رسالة معينة أتحدث فيها عن مشروع لن يشمل أشخاصاً بأعينهم".

كذلك عليك أن تنتقي طريقة متأنية عندما تختار أن تغادر مجموعة ما، وأن تتحمل النتائج إذ يراك الناس تنسحب منها. حتى أغسطس (آب) من العام الماضي، كان التطبيق يرسل إشعاراً إلى أعضاء المجموعة عندما يغادرها شخص ما، ولكن الآن، قدم "واتساب" خيار أن يترك المستخدم المجموعة "بصمت" من دون إخطار أي شخص باستثناء المسؤولين عن المجموعة. كذلك توفر منصة الدردشة تدابير أخرى متصلة بالخصوصية، من بينها اختيار أي من جهات الاتصال تريد أن يراك عندما تكون متصلاً بالإنترنت.

مشكلة هذه المنصات أنها لا تملك مميزات قادرة على تخفيف وطأة القلق الذي تسببه. وبالنسبة إلى كثيرين منا، ليس سهلاً التخلي عنها تماماً بهذه البساطة. أصبح "واتساب" والتطبيقات الأخرى المشابهة له من بين أساسات الحياة الحديثة التي يؤدي حذفها إلى استبعادنا اجتماعياً ومهنياً. بدلاً من ذلك، علينا ببساطة أن نتعلم كيف نديرها بطريقة أفضل، ويبدأ ذلك بخلق قليل من المساحة النفسية بينك وبينها.

"لا ننسى أننا لسنا مصممين حقاً للتواصل مع هذا العدد الكبير من الأشخاص في وقت واحد"، تقول زوي كلوز، اختصاصية العلاج بالتنويم المغناطيسي المتخصصة في علاج القلق، و"لذا بدلاً من أن تجلد ذاتك لأنك تعجز عن "مواكبة" أو "متابعة الرسائل"، حاول أن تدرك أن من المحال تحقيق ذلك، وأنه لا بأس بذلك".

فضلاً عن السعي إلى تحويل تركيزك إلى العلاقات الواقعية، من طريق الاتصال بالأصدقاء بدلاً من مراسلتهم، مثلاً، تشير كلوز أيضاً إلى أهمية أن تكون يقظاً أكثر تجاه اتصالاتك الرقمية. عندما تتحدث إلى شخص ما بسرعة، ربما يكون من السهل إرسال رسائل لا تعنيها، وتلقف هذه الرسائل خارج سياقها.

"عندما نشعر بأننا مضطرون إلى الرد على الرسالة، نجد أنفسنا نرسل أي رد يضع حداً لهذا العبء، ولا يعبر بالضرورة عما نشعر به أو نفكر فيه حقاً. اسمح لنفسك بأن تستريح وتفكر في الموضوع، وببساطة أرسل رسالة معلقة تقول "سأتواصل معك في شأن هذه المسألة غداً"، توضح كلوز. إنها طريقة مهمة جداً للتعامل مع ما تصفه الخبيرة بـ"الرسائل المشحونة جداً" مثل تلك الفقرات المشار إليها سابقاً التي قد ترسلها أو تتلقاها في جدال".

،، من المفيد أن نتذكر أننا لسنا مصممين للتواصل مع هذا العدد الكبير من الأشخاص في وقت واحد ،،

زوي كلوز

"إذا وردتك رسالة تفيض بالغضب، من السهل جداً أن تتسرع وتقدم رداً غاضباً غير محسوب، وتجد نفسك تكتب الكلمات بشراسة، ومنخرطاً في معركة من إدمان "واتساب" ربما تستمر حتى الساعات الأولى من الصباح. أما إذا ترويت كي تشعر بالهدوء قبل الرد، ستتسم إجابتك على الأرجح بالحياد البالغ وستوفر على نفسك الوقت والطاقة والتفوه بأي كلام ربما تندم عليه جداً"، تضيف كلوز.

كلما سارعت إلى دمج هذه النصائح في أسلوب المراسلة، كانت النتائج أفضل. وعلى أي حال، تحمل القدرة على التواصل بهذه الطريقة كثيراً من الجوانب الإيجابية، ولكننا لن نستفيد من الفوائد إلا إذا تعلمنا كيف نتعامل مع الجوانب السلبية.

يقول كوركور: "عن طريق تعطيل وظيفة الإشارة إلى أن المتسلم قرأ الرسائل، نجحت في تدبر علاقتي مع القلق الناجم عن "واتساب". أعتقد أن الخوف من التجاهل هو السبب الجذري وراء قلق كثير من الناس في شأن هذه الميزة: يبدو من الصعب جداً أن يرى شخص ما رسالتك وألا يعيرك أي اهتمام على رغم ذلك، ولكن من المهم أن نعرف أن المستخدمين المتصلين بالتطبيق بشكل دائم، لديهم على الأرجح جهات اتصال ومحادثات متعددة تأخذ مجراها في وقت واحد، وأن تلبية هذا الكم الكبير من الردود تبقى مرهقة جداً. وفي النهاية، علينا أن نتصف باللطف وأن نتحلى بالصبر، وأن نمضي وقتاً أقل في استخدام هواتفنا".

© The Independent

اضف تعليق