q

تواجه الولايات المتحدة الامريكية تحديات كبيرة وحروب مختلفة في اكثر من مجال، حيث تعيش اليوم وكما يقول بعض المراقبين حرب جديدة وتهديد خطير يتمثل بالحرب الإلكترونية التي تقودها بعض الجهات والدول، من خلال استخدام النظم والوسائل الإلكترونية الحديثة والمتطورة واستخدام الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" في إرسال هجمات يقوم بها بعض القراصنة، تؤدي إلى خسائر اقتصادية وخسائر في البنية التحتية أيضًا مما يعد نوعًا من استنزاف الموارد باستخدام الحرب الإلكترونية بدلاً من حروب الاستنزاف العسكرية التي اعتمدتها الجيوش قديمًا كتكتيك حربي وهو ما قد يسهم بتغير موازين القوى العالمية، هذه الحرب وكما يقول بعض الخبراء اجبرت الولايات المتحدة الامريكية على اتخاذ اجراءات وخطوات جديدة في سبيل تعزيز قدراتها الامنية، خصوصا بعد ان تعرضت العديد من المؤسسات الحكومية الى عمليات اختراق وقرصنة ومنها اختراق النظم الأمنية لأجهزة الكمبيوتر في البيت الأبيض. هذا وقد اقترحت الحكومة تخصيص 14 مليار دولار لتقوية دفاعات الولايات المتحدة بمجال حماية الفضاء الرقمي من الهجمات الإلكترونية.

وفي هذا الشأن فقد حث الرئيس الاميركي باراك اوباما مركز التكنولوجيا سيليكون فالي على التعاون مع السلطات الفدرالية لحماية الولايات المتحدة من هجمات ارهابية وقراصنة المعلوماتية والتجسس وقال اوباما ان "قسما كبيرا جدا من شبكات المعلوماتية لدينا والبنى التحتية الحساسة هي في القطاع الخاص، وهو ما لا تريد الدولة القيام به لوحدها". واضاف "لكن القطاع الخاص لا يمكنه القيام بذلك لوحده لان الدولة هي التي تملك في غالب الاحيان المعلومات الاحدث حول التهديدات الاخيرة". بحسب رويترز.

واضاف ان الطريقة الوحيدة لحماية الاميركيين بشكل فعال تمر عبر التعاون بين القطاعين الخاص والعام "مثل شركاء حقيقيين" لصد هجمات تستهدف على سبيل المثال ابراج المراقبة الجوية وشبكات الكهرباء او التعاملات المصرفية او الطبية لكل فرد على الانترنت. ووقع الرئيس الاميركي مرسوما يشجع القطاع الخاص على انشاء منظمات لتقاسم المعلومات حول القرصنة المعلوماتية وليس فقط بين الشركات وانما ايضا بينها وبين وزارة الامن الداخلي التي تتولى عمليات التنسيق الحكومية في مجال المعلوماتية.

تهديد أوباما

في السياق ذاته هددت جماعة للمتسللين تطلق على نفسها اسم "الخلافة الالكترونية" الرئيس الامريكي باراك أوباما وعائلته حين سيطرت على حساب مجلة نيوزويك الأمريكية على تويتر. وكتب المتسللون كلمات "انا الدولة الاسلامية" في اشارة مزدوجة لتنظيم الدولة الاسلامية والهجوم المميت على صحيفة شارلي ابدو الفرنسية.

وكتبت الجماعة التي أعلنت المسؤولية عن اختراق حسابات البنتاجون على مواقع التواصل الاجتماعي "من الخلافة الالكترونية .. عيد حب دام ميشيل أوباما. اننا نراقبك انت وبناتك وزوجك". وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست إن مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) يحقق في الاختراق. ولم يعلق تحديدا على التهديد لاسرة الرئيس. ولم يتوفر على الفور تعليق من مكتب التحقيقات.

وظهر على حساب المجلة على تويتر صورة مقاتل اسلامي يلف رأسه بوشاح باللونين الاسود والابيض بجوارها كلمتي "الخلافة الالكترونية". وتأتي عبارة "انا الدولة الاسلامية" لمحاكاة عبارة "انا شارلي" التي ظهرت تعبيرا عن الدعم لضحايا هجوم متشددين اسلاميين على صحيفة شارلي إبدو في باريس قتل فيه 12 شخصا. وقالت صحيفة نيوزويك انها حذفت عبارة "الخلافة الالكترونية" والتغريدات واستعادت السيطرة على الحساب خلال 14 دقيقة. بحسب رويترز.

وتضمن الحساب رسالة من جماعة "الخلافة الالكترونية" موجهة للولايات المتحدة ردا على تحركاتها في العالم الاسلامي. وقالت الرسالة "في حين أن الولايات المتحدة وتابعيها يقتلون اخوتنا في سوريا والعراق وافغانستان فاننا ندمر نظام امنكم الالكتروني الوطني من الداخل." واعلنت نفس الجماعة مسؤوليتها عن اختراق في الآونة الأخيرة لموقع القيادة المركزية الأمريكية على تويتر.

التدمير بدل السرقة

على صعيد متصل أوضحت دراسة للبنية الأساسية الحساسة للمنظمات في أنحاء أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية أن هجمات القرصنة التي تدمر بدلا من سرقة بيانات أو التلاعب بأجهزة أكثر انتشارا مما كان يعتقد. وتوصلت الدراسة التي أجرتها منظمة الدول الأمريكية إلى أن 40 بالمئة ممن جرى استطلاع آرائهم حاربوا محاولات لغلق شبكات الكمبيوتر الخاصة بهم في حين تعامل 44 بالمئة مع محاولات لمسح ملفات كما واجه 54 بالمئة "محاولات للتلاعب" بأجهزتهم عبر نظام للتحكم.

وأبرز مثال لهجمات القرصنة المدمرة في الولايات المتحدة كان الهجوم الالكتروني العام الماضي على شركة سوني بيكتشرز انترتينمينت الذي مسح بعض البيانات وجعل بعض الشبكات الداخلية غير صالحة للعمل. وعزز هذا الهجوم الاعتقاد بأن مثل هذا النوع من القرصنة يفوق المعتاد غير أنه كان متوقعا منذ سنوات.

وتدمير البيانات يمثل تحديا فنيا محدودا مقارنة باختراق شبكة وأدوات التسلل منتشرة بشكل واسع الآن كما أن المزيد من المجرمين والنشطاء والجواسيس والمنافسين في مجال الأعمال يقدمون على تجربة مثل هذه الأساليب. أجريت هذه الدراسة على شركات ووكالات في قطاعات مهمة على حد وصف أعضاء منظمة الدول الأمريكية ونحو ثلث المشاركين كانوا من المؤسسات العامة والأكثر تمثيلا كانت المؤسسات المتعلقة بالاتصالات والأمن والمال.

ولم تتطرق أسئلة الدراسة إلى التفاصيل إذ لم تتناول كم الخسائر الناجمة عن التسلل أو دوافع المهاجمين كونها تخضع لتكهنات. ولم يسأل المشاركون في الدراسة عما إذا كانت محاولات التسلل نجحت. وقال آدم بلاكويل سكرتير الأمن في منظمة الدول الأمريكية ومقرها واشنطن والمؤلفة من 35 دولة إن من بين أمثلة القرصنة المدمرة تلك التي تعرضت لها مؤسسة مالية مضيفا أن متسللين سرقوا حسابات ثم مسحوا السجلات حتى يصعب تحديد أي أموال تخص أيا من العملاء. وقال "كان هذا عنصرا مهما للغاية" في الهجوم. بحسب رويترز.

ومن الأمثلة الأخرى تلاعب لصوص بأجهزة لتحويل موارد من شركة تعمل في قطاع البترول. ويمكن أيضا وصف الهجمات التي تعمل على تشفير ملفات وتطالب بتحويل مبالغ مالية إلى متسللين على أنها مدمرة إذا أنها كثيرا ما تحول دون استعادة البيانات ثانية. وقال متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إن الوزارة لا تحتفظ باحصاءات عن عدد المرات التي هوجمت فيها مؤسسات أمريكية حساسة أو تعرضت لتدمير برامج كما أنه لا يمكنها "التكهن" بأن أربعة من بين عشر محاولات مسح بيانات كانت مثيرة للقلق.

قواعد جديدة

من جانب اخر قال مسؤولون أمريكيون ان وزارة الدفاع (البنتاجون) تتخذ اجراءات حاسمة لتعزيز أمن أنظمة الاسلحة الأمريكية ضد الهجمات الالكترونية منها اصدار قواعد جديدة للامتلاك خلال الاشهر القليلة القادمة. وقالت كاترينا مكفارلاند مساعدة وزير الدفاع الامريكي انه إلى جانب سياسة الامتلاك تعد الوزارة كتيبا ارشاديا يساعد مديري البرامج على تقييم العلاقة التبادلية بين التكلفة والمخاطر أثناء وضع برامج الأسلحة الجديدة وجعلها أكثر أمنا.

وقال فرانك كيندال كبير المسؤولين عن مشتريات السلاح الأمريكي ان الهجمات الالكترونية على الاسلحة الامريكية والمصانع هي مشكلة "منتشرة" تتطلب اهتماما أكبر. وفي يناير كانون الثاني قال كبير المسؤولين عن اختبار الاسلحة أمام الكونجرس إن كل برامج السلاح الامريكية تقريبا أظهرت "قابلية ملموسة للتعرض" للهجمات الالكترونية. وقال تيري هالفرسن مدير المعلومات في البنتاجون "الخطر جاد للغاية. نحن نتخذ اجراءات رادعة للغاية في مواجهة هذه المخاطر." بحسب رويترز.

وتحدث هالفرسن عما وصفه بهجمات متطورة للغاية من جانب مجرمين وجماعات متطرفة وحكومات أجنبية. وصرح بأن الحرب الالكترونية تتيح للمهاجمين فرصة ايقاع أذى كبير بثمن بخس. وذكر ان البنتاجون يقيم أيضا المخاطر التي يشكلها المندسون الذين يخربون أنظمة الأسلحة وان الوزارة اتخذت بعض "الاجراءات الوقائية" في هذا الصدد. وقالت مكفارلاند ان معظم برامج الاسلحة الامريكية الاساسية خضعت لمراجعة لتحديد مدى قابليتها للتعرض لهجمات.

اخفاء معلومات

الى جانب ذلك أعلن البيت الابيض انه ليس في مصلحة الولايات المتحدة الاعلان عن هوية الجهة المسؤولة عن عملية القرصنة المعلوماتية التي استهدفت في نهاية العام الماضي كلا من وزارة الخارجية ومقر الرئاسة الاميركيتين والتي تقول شبكة "سي ان ان" ان روسيا تقف خلفها. وقال المتحدث باسم البيت الابيض جوش ارنست ان "محققينا خلصوا الى انه ليس من مصلحتنا الكشف عن هوية الكيان الذي قد يكون مسؤولا" عن الهجوم المعلوماتي الذي وقع في تشرين الاول/اكتوبر.

وردا على سؤال عن الاسباب التي تدفع الادارة الاميركية للامتناع عن كشف هوية منفذي هذا الهجوم في حين انها لم تتوان عن اتهام كوريا الجنوبية رسميا بالوقوف خلف القرصنة المعلوماتية التي استهدفت شركة سوني في العام الماضي، قال ارنست انه "في تلك الحالة ارتأى مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) انه بامكاننا ان نكون فعالين اكثر في محاسبة الكوريين الشماليين على القرصنة المعلوماتية ضد سوني اذا سميناهم".

واكد المتحدث ان الهجوم لم يؤد، بحسب المحققين، الى المساس بالنظام المعلوماتي السري الذي تمر عبره المعلومات السرية، لكنه اعترف بأنه جرى رصد "نشاطات مقلقة" على بقية الشبكة المعلوماتية التابعة للبيت الابيض حيث يتم تبادل معلومات ذات طبيعة "حساسة". وكان مساعد مستشارة الامن القومي في البيت الابيض بن رودز قال ان الهجوم المعلوماتي لم يطاول معلومات حساسة وسرية تابعة للحكومة، رافضا في الوقت نفسه تأكيد او نفي ما اعلنته شبكة "سي ان ان" لجهة وقوف روسيا خلف هذا الهجوم.

وكانت الشبكة التلفزيونية الاميركية قالت انها حصلت على معلومات تؤكد ان روسيا تقف خلف الهجوم الذي استهدف الانظمة المعلوماتية التابعة لوزارة الخارجية والبيت الابيض. واقرت وزارة الخارجية في حينه بتعرضها لعملية قرصنة معلوماتية وقامت بحجب خادمها العملاق للرسائل الالكترونية واعادة ضبطه في عملية استغرقت عدة ايام. وأكد ارنست ان عملية القرصنة لم تؤد الى "اي ضرر" في الشبكات المعلوماتية للبيت الابيض، الا ان قدرات معلوماتية تأثرت لبعض الوقت ريثما انتهى القيمون على النظام المعلوماتي من عملية تأمينه. بحسب فرانس برس.

وفي موسكو علق المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف على الاتهامات التي اوردتها "سي ان ان" بقوله انه لا يعلم ما هي المصادر التي استقت منها الشبكة الاميركية معلوماتها. وقال بيسكوف "ولكن يمكننا القول ان اتهام روسيا بكل الشرور اصبح رياضة وطنية"، مضيفا "غير ان المهم هو انهم لم يبدأوا بعد بالتفتيش عن غواصات روسية في نهر بوتوماك (في واشنطن) كما حصل في بعض الدول". واضاف ان "الكرملين يتصدى لأنشطة تجسس معلوماتي مئات المرات يوميا. (...) هذه الهجمات تشن بشكل رئيسي من الخارج".

برنامج عقوبات

على صعيد متصل أطلق الرئيس الأمريكي باراك أوباما برنامج عقوبات يستهدف أفرادا وجماعات خارج الولايات المتحدة يستخدمون الهجمات الالكترونية لتهديد السياسة الخارجية والأمن القومي والاستقرار الاقتصادي للولايات المتحدة. وفي أمر تنفيذي أعلن أوباما ان مثل هذه الأنشطة تمثل حالة "طوارئ وطنية" وفوض وزارة الخزانة الأمريكية بتجميد أصول وحظر المعاملات المالية الأخرى للكيانات المرتبطة بهجمات الكترونية مدمرة.

وأعطى الأمر الاداري الحكومة نفس الأدوات العقابية التي تطبقها في التعامل مع التهديدات الأخرى بما فيها الأزمات في الشرق الأوسط والعدوان الروسي على أوكرانيا. وأصبحت هذه الأدوات متاحة الآن للتصدي للتهديدات الالكترونية المتزايدة التي تستهدف شبكات الكمبيوتر الأمريكية. وقال جويل برينر الذي رأس وحدة مكافحة التجسس أثناء الولاية الثانية للرئيس السابق جورج بوش الابن "ادارة أوباما أصبحت جادة الآن بالفعل. هذا الأمر يضع القوة الاقتصادية للولايات المتحدة في مواجهة الأشخاص الذين يسرقوننا من وراء ظهورنا ويضعوننا في خطر."

وجاءت جهود تشديد التعامل مع القرصنة الالكترونية في أعقاب اتهام خمسة ضباط عسكريين صينيين وقرار تحميل كوريا الشمالية مسؤولية هجوم كبير على شركة سوني. وأعرب مسؤولون عن أملهم في أن يحذو حلفاء الولايات المتحدة حذوها. وقالت الصين - التي تنفي دوما اتهامات المحققين الأمريكيين بأن قراصنة تدعمهم حكومة بكين هم المسؤولون عن هجمات على الشركات الأمريكية - إن الهجمات الالكترونية هي بشكل عام حوادث تتخطى حدود الدول ويصعب تعقب منبعها.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ في افادة صحفية يومية "الصين تعارض دائما استخدام أي دولة لقوانينها المحلية لفرض عقوبات في كل مناسبة على أشخاص أو كيانات في دولة أخرى." وقال مسؤولون كبار في الادارة الأمريكية إن البرنامج الجديد يركز على الأنشطة بدلا من الدول والمناطق. ورحب مشرعون وخبراء أمنيون وقانونيون في الولايات المتحدة بهذا التحرك باعتباره خطوة مشجعة بعد سلسلة متواصلة من الهجمات الالكترونية التي استهدفت شركات تجارية وكذلك شبكات عسكرية. بحسب رويترز.

لكنهم قالوا إن الأمر التنفيذي فضفاض إلى حد كبير مما قد يشكل كابوسا للشركات في تنفيذه وحذروا من انه لا يزال من الصعب "تحديد" مسؤولية هجمات القرصنة بشكل حاسم وتعريف المسؤولين عنها. وقال أوباما في بيان إن العقوبات ستفعل حال الإضرار بالبنية التحتية الحيوية واختلاس الأموال واستغلال الأسرار التجارية في اكتساب ميزات تنافسية وتعطيل شبكات الكمبيوتر.

من جهة اخرى قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن بريطانيا والولايات المتحدة تعتزمان زيادة التعاون في مجال الأمن الالكتروني من خلال تشكيل "خلايا الكترونية" لتبادل معلومات المخابرات وشن هجمات منسقة لاختبار أنظمة الدفاع في هيئات منها البنوك. وقال كاميرون "لدينا قدرات دفاعية الكترونية هائلة ولدينا الخبرة ولهذا يجب أن نتحد وسوف نشكل خلايا الكترونية على جانبي الأطلسي لتبادل المعلومات."

وقال كاميرون "هناك مؤشر حقيقي على أن الوقت قد حان لتكثيف الجهود وبذل المزيد." وأضاف أنه يعتزم أيضا ان يناقش مع أوباما ما يمكن للولايات المتحدة وبريطانيا عمله لزيادة التعاون مع شركات الانترنت الكبيرة مثل فيسبوك وجوجل لمراقبة الاتصالات بين المشتبه بأنهم ارهابيون.

اضف تعليق