q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

خطط واعمل كي تتقدم

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

التخطيط ينتمي الى العلم، والتنفيذ ينتمي الى العمل، وما بين التخطيط والتنفيذ وشائج كثيرة وأواصر قوية، فلا يمكن تحقيق التقدم من دون أن يتعاون هذان القطبان، العلم والعمل، والتخطيط والتنفيذ، وكثير من الأشخاص والجماعات وصولا الى الشعوب والدول، تخسر قيمة العمل ونتائجه الجيدة، لأنه بلا تخطيط ولا علم، فيكون عملا عشوائيا لا تحكمه ضوابط ولا حدود، فتضيع نتائجه سدى.

هذه المقدمة القصيرة تلقي الضوء على أهمية التلاقح بين العلم والعمل، وهي معادلة يلمسها كل من دخل في مضمار عملي مسيّر بإطار علمي، وهناك من جرّب العلم بلا عمل، فوجده ضربا من الكلمات المجردة، لا تعدو كونها كلام في شبك، أما فيما لو تحول هذا الكلام (العلمي) الى عمل، فإن النتائج سوف تكون باهرة ومؤثرة.

ولو تحدثنا عن العمل بحد ذاته، فإن البشرية ما كانت تصل الى ما وصلت إليه لو لا العمل، وكل تقدم يحصل عليه الأفراد طريقه المثابرة والعمل الدؤوب، وقيل أن المتكاسل عن العمل فاشل، متأخر عن أقرانه، وهذه نتيجة حتمية يمكن اثباتها من خلال الشواهد التي يضج بها الواقع.

لهذا يقدم الامام علي (ع) نصيحة للإنسان فيقول له: (إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما). والمعني هنا الزمن، فإذا مرّ عليك الوقت وأنت في حالة كسل، وتوقّف عن العمل والانتاج، فإنك سوف تراوح في مكانك ولا تتقدم الى الأمام خطوة، اذا لم تتراجع الى الخلف، فيسبقك من كان وراءك، ويتقدم عليك.

ولكن ينبغي أن يكون العمل (علمي) وليس مبعثرا فوضويا، أي مخططا له علميا، حتى تطون النتائج الجيدة مضمونة، وهذا ما تقوم به اليوم الشركات والافراد الاقتصاديون بدراسة الجدوى الاقتصادية لمشاريعهم، ووضع الخطوات العلمية للعمل في مشروع ما.

من هنا يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابة القيم الموسوم بـ (طريق التقدم) على: (أن العمل هو الركن الأساسي ــ بعد العلم ــ في تقدم الفرد والمجتمع).

ولكن سماحته يركّز على أهمية أن يسبق العمل علم وتخطيط، حتى تكون النتائج المأمولة قيد التحقّق والانجاز الحتمي، فيتساءل الإمام الشيرازي حول هذا الموضوع قائلا: (هل يرجو الانسان أن يصبح بلده وفير الخير، قوي الاقتصاد، وتملؤه المعامل والمصانع، دون أن يقدم لذلك تخطيطاً وعملاً؟!).

العمل والعلم ركنان للتقدم

لو سألنا المهندسون المعماريون، كيف تعالت ناطحات السحاب في مدن الغرب، من شيدها، من خطط لها، من جعل تشهق نحو الأعالي، وهنا سيأتي الجواب، مؤكدا على اقتران العلم بالعمل، والتخطيط بالتنفيذ، فلا فائدة من علم بلا عمل، ولا جدوى من عمل بلا علم وتخطيط.

يقول الامام الشيرازي في هذا الإطار: (إن العلم والعمل توأمان لا ينفصلان، ورضيعا لبان لا ينفك بعضهما عن البعض في تحقيق التقدم وتقومه، فإن كل فرد وكذلك كل مجتمع يريد الرقي والتقدم، لا بدّ له من توفير هذين العاملين معاً).

هذا القطبان، لا يتحقق أحدهما إلا بالآخر، ونعني بهما العلم والعمل، وهو أمر بديهي لا يحتاج الى إثبات، ومع هذا كله، تجد المسلمين متأخرين في هذا الجانب، فمنهم من لا يقرن العلم بالعمل او العكس، بل منهم من لا يؤمن بهذا الترابط الحاسم بين القطبين.

إن تحصيل العلم نشاط ذهني تجريبي اكتسابي، وهذا يحتّم على الانسان أن يسعى في هذا الاتجاه، فلا يأتي العالم الى أبوابنا، ولا يسألنا هل ترغبون بي؟، إنه (العلم) مكتف بذاته، وينأى بنفسه عمّن لا يعبأ به، ولا يجهد ذهنه وعقله كي يحصل عليه.

فدونك العلم ايها الانسان، ولكن عليك ان تغذ الخطى إليه، وتحرك قدراتك كلها كي تجعل منه في متناول يديك، خلاف ذلك، فأنت الخاسر، وأنت من يبقى في حياض التخلف، تتقدم عليه الحياة وهو في مكانه لا يتحرك قيد أنملة، كل هذا يحدث لأنه لا يسعى الى تحصل العلم.

ولا تنتهي النتائج عند هذا الحد، فالضعف سوف ينتابك ويشل قدراتك، فيطمع الاخرون بخيراتك وثرواتك، وهذا هو الذي حصل بالضبط مع المسلمين، عندما قسم الأعداء أرضهم الأم الى بقاع متناحرة ودول متحاربة في المعاهدة المسماة بـ (سايكس بيكو)، ثم انفردوا بكل دولة على حدة وحققوا مآربهم، والسبب هو ابتعاد المسلمين عن العلم والعمل، مع أنهما عماد الحياة.

لذا يقول الإمام الشيرازي حول هذا الجانب: (إن العلم بنفسه لا يتحقق ـ عادةً ـ إلاّ بالعمل لتحصيله، ولا يتحصّل العلم إلاّ بالجد والاجتهاد والعمل، لأن أكثر المعلومات اكتسابية).

الركون الى عالم الأساطير

عندما يتكاسل الإنسان، سوف يتأخر، ويسبقه الآخرون، وكنتيجة حتمية لهذا الكسل، سوف يلجأ الى الأماني، كي يحقق ما فاته من مهام ومشاريع، ولكن الأماني تزيد من تأخره، وهذا بالضبط ما حصل مع المسلمين، عندما تخلوا عن العلم والعمل فتخلى هذان الركنان الأساسيان من أركان الحياة عنهم.

لذا وجّه لهم الامام الشيرازي هذا القول: (أيها المسلمون، إن تحقّق الأمور ليست بالأماني والآمال، بل بالفكر والنظر، والعلم والعمل، والتخطيط والتطبيق).

وعندما يعتمد الناس على التمني، ويتّكلون على ذلك، كتعويض عن خسائرهم، فإن السبب هو قلة الوعي، وهيمنة اللامبالاة عليهم، وعلى الانسان أن يعرف بأنه ما من شيء يمكن أن يظهر للوجود ما لم يكن هناك سبب يقف وراء ذلك.

من هنا يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه: (إن الاعتماد على التمني والاتكال على الأمنيات، ناتج من قلة الوعي، أو فقدانه؛ لأن الإنسان الذي يعقل ويعي الأمور يعرف أن لكل شيء سبباً)، فلا يمكن أن يتم إنجاز هدف معين بالتمني وحده، وإنما بالعمل بعد التخطيط.

ان المسلمين عاشوا في عالم الأساطير، وظلوا مقيمين في عالم الأحلام ردحاً من الزمن، وكل ظنهم أنهم يسيرون في طريق الانجاز الصحيح، ولكن ما أن اصطدموا بالوقائع والحقائق، حتى شعروا وعرفوا بالبون الشاسع الذي يفصلهم عن عالم التقدم، من هنا فإنهم مطالبون اليوم، بالخروج من عالم الاساطير والأحلام، الى عالم العلم والعمل، والسعي الى الأمام من دون توقف، او تكاسل او عجز، حتى يتمكنوا من اللحاق بالأمم التي باتت تتقدم عليهم، بعد أن كانت تسير وراءهم.

لا ينبغي للانسان المسلم أن ينتظر النتائج الجيدة من دون تخطيط علمي وتنفيذ عملي ناجح، لأن توقع النتائج الجيدة من دون اعتماد العلم والعمل هو ضرب من الغباء، ونوع من الاخطاء التي لا يرتكبها إلا الناس المغفّلون.

يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: هنالك إنسان (ينتظر النتائج من غيره دون عمل ومقدمات من نفسه، وهذا خطأ فادح؛ لأن ابتعاد المسلمين عن العمل وإلقاء المسؤولية على الآخرين نوع من العيش في عالم الأساطير والأحلام).

لا ريب أننا مطالبون بأسلوب آخر متجدد للتعامل مع الحياة، فلا يعقل أننا نبتغي التقدم، ونحن غير مستعدين لبذل ما ينبغي من جهود علمية وعملية تدعم رؤيتنا وأهدافنا؟ وقد حان الوقت كي ننتقل من عالم الاساطير الى الواقع المتقدم.

اضف تعليق