q
القيادة الديمقراطية تعتمد على توزيع السلطة والمسؤولية على جميع أعضاء الجماعة مع إيجاد الدافع إلى التعاون في العمل عن طريق زيادة إشباع رغبات وحاجات الأفراد النفسية وفي ضوء هذه القيم الاجتماعية يكون سلوك المدير، وهو هنا جدير بأن يسمى (بالقائد) لأنه لا يصدر الأوامر لتنفيذها...

ليسمح لنا القارئ الكريم بأن نوجز ما ذهب إليه الإمام الشيرازي في كتاب الإدارة بجزأيه الأول والثاني، فقد بدأ ببيان الإدارة وتعريفها وعرض صفات المدير، ومواصفات الإدارة، مناهج الإدارة، فضلاً عن وظائف الإدارة ومبادئها، وبالدقة ما هي إدارة الأعمال، ويستمر في طرح المسائل تلو الأخرى من الخرائط والهيكلية العملية إلى أشكال المنشآت الاقتصادية مع بحث في الحرية الفردية الإجتماعية مروراً بمهمات الإدارة (جمع المعلومات) إلى اتخاذ القرار، وإزاء ذلك فإن النظريات العلمية في الإدارة تؤكد على قابلية البشر للتغير بفعالية ونشاط، ولهذا فإن القدرات العقلية كالقدرة على الذكاء الإداري، والقدرة القيادية، والقدرة على استيعاب المواقف المتعددة في خضم العمل، تحتاج إلى عقل مدبر، فالإمام الشيرازي يرى في ذلك أنْ تتوفر في المدير صفات لها أهميتها في التمكن من إيصال سفينة الإدارة إلى المقصد بسلام، فإن المدير أمرٌ ذو شعب طرف منها المدير، وطرف منها العمال، وعلى أي حال فاللازم في المدير أن يتصف بالصفات التالية، وكلما ضعفت هذه الصفات فيه كماً أو كيفاً ضعفت الإدارة، والعكس بالعكس، وهي:

1- أن تكون له القدرة التامة على التعبير عن نفسه تكلماً أو كتابةً، حتى يفضي إلى الطرف بما يريد، فإن الإدارة بحاجة إلى بحر من الإقناع، وكلما كانت الإدارة أهم، كان الإقناع محتاجاً إليه أكثر، وبدون ذلك لا يتمكن المدير لا من إقناع رؤسائه، ولا من إقناع مرؤوسيه.

2- أن تكون له رغبةٌ في البحث عن الحقائق، واستعداد للعمل بجد واخلاص وتفاني في تأدية الواجب في مختلف أبعاد الإدارة.

3- أن يهتم بالوقت اهتماماً بالغاً.

4- أن يكون لطيفاً ودوداً محباً للآخرين مدارياً لهم.

5- أن يكون تفكيره منظماً وعقله بارعاً في تحليل الأشياء وتصنيفها.

6- أن يكون له ميل طبيعي للإستفسار عن كل ما يحيط به، والتعمق في الإجابات المطروحة في الساحة، فلا يكتفي بالإجابات السريعة التي يأتي بها بادئ الرأي.

7- تكون لديه قدرة على الاستفادة مما يجمعه من المعلومات بأن يتمكن من تحليلها وغربلتها واستخراج الصالح منها.

8- أن يكون بعيد النظر من الدراسة سواء على الأشياء أو الأفراد، قادراً على المقايسات الزمنية والعملية.

9- أن يكون حكمه على نفسه وعلى الآخرين حكماً متصفاً بالعدل والأنصاف.

10- وأخيراً أن يكون مؤمناً بالله واليوم الآخر (12).

ويعرف قانون الإدارة، بأنها (أي الإدارة) التنبؤ والتخطيط والتنظيم وإصدار الأوامر، والتنسيق والرقابة.

أما (فريدرك تايلور) فيعرفها: إن فن الإدارة هو المعرفة الصحيحة لما تريد من الرجال أن يقدموا بعمله ثم رؤيتك (أي ملاحظتك ومباشرتك) إياهم وهم يعملون بأفضل الطرق وأرخصها ثمناً.

أما (فيفر) فيرى بأنها تنسيق الجهود الفردية والجماعية لتنفيذ السياسة العامة.

ويعرفها (محمود حسان سعد)، تعني بكلمات بسيطة، بأنها مجموعة من الوظائف التي يقوم بها فرد أو أفراد لتحقيق هدف محدد (13).

ويضيف الإمام الشيرازي قوله: الإدارة يجب أن تكون مرنة، فإن الإنسان لم يخلق من الحجر والشجر حتى يتمكن الشخص من المعاشرة مع البشر، لذا فالواجب على الإدارة أن تكون مرنة، والمدير الناجح هو المدير الذي يكون مرناً وعليه أن يلاحظ هذه البنود:

الأول: التعاون، فإن التعاون بين المدير ومرؤوسيه، كالتعاون بين المدير وعامليه، وبين العمال من أي قسم من أقسام الإدارة.

الثاني: المساواة، فإن اللازم على المدير أن يجعل المساواة الكاملة نصب عينيه بالنسبة إلى العمال المتساوين، لا أن يرجح بعضهم على بعض في أية من الإمتيازات. فإن الترجيح يوجب التفكك وابتعاد القلوب مما يسبب ضعف الإنتاج، فاللازم على المدير الناجح الحصول على ولاء مرؤوسيه من هذه الناحية حتى يتفانوا في العمل وذلك مزيداً من العطف والعدل والإحسان عند التعامل معهم.

الثالث: استقرار العمالة، بمعنى أن لا يخرج المدير هذا تارة ويدخل ذاك أخرى، حتى يسقط الإستقرار، فإن غير المستقر من العمال لا يخدم العمل بمثل المستقر من غير فرق بين أن يكون ذلك في المعمل، أو المصنع أو المدرسة أو الوزارة، وغيرها.

الرابع: المبادرات، بأن يفسح المدير أمام المرؤوسين المجال ليتمكنوا من تطبيق أفكارهم، ومبادئهم، وابتكاراتهم، فإن كثيراً من المرؤوسين عندهم ابتكارات ونفسيات صالحة للانتفاع.

الخامس: تقسيم العمل، بأن يكون المدير قادراً على جعل الإنسان المناسب في المكان المناسب، وهذا هو المعبر عنه بالتخصص.

السادس: السلطة والمسؤولية، فعلى المدير أن يعرف أن السلطة بقدر المسؤولية، والمسؤولية بقدر السلطة، وهذا ما يعبر عنه بالحق والواجب، فإن السلطة والمسؤولية مرتبطتان ارتباطاً عضوياً.

السابع: مراعاة النظام، ومعنى ذلك احترام الاتفاقات والنظم والأوامر، وعدم الإخلال بشيء من القواعد الموضوعة للإدارة، وهذا المبدأ يستلزم وجود رؤساء قديرين في كل المستويات الإدارية.

الثامن: الترتيب، وهذا تابع تلقائياً للنظام، والترتيب ينقسم إلى الترتيب المادي والترتيب الاجتماعي، بمعنى أن يكون هناك مكان معين لكل شيء ولكل شخص، ويكون كل شيء وكل شخص في مكانه الخاص به.

التاسع: تدرج السلطة، بأن تكون سلسلة الرؤساء من أعلى الرتب إلى أدناها تسلسلاً صحيحاً.

العاشر: وحدة التوجيه، بأن يكون لكل مجموعة من الأنشطة التي لها نفس الهدف خطة واحدة ورئيس واحد، وهذا المبدأ يتعلق بالمنشأة.

الحادي عشر: وحدة السلطة الآمرة، وهذا مربوط بالعاملين، وهو غير العاشر، ومعنى هذا أنه يجب أن يحصل الموظف على الأوامر من رئيس أو مشرف واحد فقط.

الثاني عشر: خضوع المصلحة الشخصية للمصلحة العامة.

الثالث عشر: ملاحظة المركزية أو اللامركزية في السلطة.

الرابع عشر: مكافأة الأفراد وتعويضهم لا مادياً فحسب، بل معنوياً أيضاً.

الخامس عشر: على المدير أن يكون قادراً على التخفيف من ثقل الروتين واليأس الذي يكون كابوساً على قلوب العاملين.

ويطرح فلاسفة الإدارة رأيهم بقولهم: تستند الإدارة في أهميتها إلى عوامل سياسية تبرز وجودها وتحتّمهُ، وهذه العوامل تعمل الإدارة إلى تحقيقها، وتشكل في مجملها الفلسفة الأساسية من وراء وجودها، وضروراتها في أي جهد جماعي ذي أهداف محددة:

- تحقيق الأهداف الموضوعة للمؤسسة بفعالية.

- تنظيم جهود العاملين في المؤسسة.

- حفز طاقات العاملين وتنسيقها، وتعزيزها.

- التخطيط لاستثمار طاقات العاملين.

- تحقيق رضا العاملين لتحقيق أفضل النتائج بكفاية (السرعة، الدقة، الإتقان، وبأقل كلفة ممكنة).

- تحقيق الانسجام المهني بين العاملين في المؤسسة.

- توحد أهداف العاملين لتحقيق هدف المؤسسة.

- تحقيق تطور الأهداف لمجاراة الركب الحضاري.

- توفير المناخ العاطفي والاجتماعي بين أفراد المؤسسة.

- توفير الخبرات الفنية اللازمة.

- تتابع عمل وإنجازات الأفراد.

- التقويم المستمر (14).

ويطرح الإمام الشيرازي رأيه بضرورة وجود مناهج محددة للإدارة لاسيما أنّ الإدارة تقوم بدور العنصر المعاون الذي يتغلغل في جميع أوجه النشاط الإنساني، وعليه فلا بد أن تكون لها مناهج خاصة، ويذكر جملة من هذه المدارس التي تصب كلها في مصب واحد.

الأولى: المدرسة العلمية للإدارة.

وهذه المدرسة تبني تحققها على تجزئة الإدارة عن طريق تحرير وظائف المدير، وعلى الخبرة الطويلة مع الإدارة ومرافقها المتنوعة مما يستخلص منها حقائق ومبادئ تساعد على فهم وتحسين عملية الإدارة.

الثانية: المدرسة التجريبية.

وهذه المدرسة تهتم بدراسة تجارب المديرين الناجحين والمديرين الفاشلين التي تحدث في الإدارات الناجحة والإدارات الفاشلة، فهي تحلل الإدارة عن طريق التجارب لغرض الوصول إلى عموميات لنقل هذه الخبرة والتجارب للدراسيين والممارسين.

الثالث: مدرسة السلوك الإنساني.

وتقوم هذه المدرسة بتحليل الإدارة على فكرة أساسية مفادها أن الإدارة تنطوي على تنفيذ الأشياء مع الأشخاص، ومن خلالهم فإن دراستها يجب أن تتركز على العلاقات الشخصية، وهذا ما يطلق عليه مدخل العلاقات الإنسانية، أو مدخل القيادة أو العلوم السلوكية.

الرابع: مدرسة النظام الإجتماعي.

وتنظر هذه المدرسة إلى الإدارة كنظام اجتماعي وكنظام للعلاقات الثقافية المتداخلة بين أفراد المجتمع، وهذه المدرسة تستمد رؤيتها من علم النفس الإجتماعي، وتتعامل مع تحديد الجماعات الإجتماعية المختلفة، وعلاقاتها الثقافية.

الخامس: المدرسة الرياضية.

وهي تتضمن النظر إلى الإدارة كعملية يمكن التعبير عنها في شكل رموز وعلاقات رياضية، لأنه بواسطة النماذج يمكن التعبير عن المشكلة على أساس علاقاتها الأساسية، وعلى أساس الأهداف المختارة.

ويطرح الإمام الشيرازي في إحدى المسائل مؤهلات الإدارة والقائد الناجح بقوله: المدير بحاجة إلى مؤهلات سابقة على الإدارة ومتزامنة مع الإدارة، حتى يكون مديراً ناجحاً يتمكن أن يسير بالمنشأة إلى الأمام(15) وتطرح النظريات الإدارية بعض المواصفات للقيادة الإدارية الناجحة، وهي خليط بين أسس الإدارة العلمية والعلاقات الإنسانية مع الوثوق من أن أهداف التنظيم وأغراضه تستهدف الصالح المشترك لكل من يعمل فيه، وهي في نفس الوقت إدارة متحركة تتصف بالمرونة وتتكيف مع الظروف المتغيرة الناتجة عن النمو الإقتصادي والتغير الإجتماعي اللذين يمر بهما المجتمع، والإدارة العلمية وحدها لا تحقق النجاح الكامل، وإن كان أتباع تعاليمها يحقق دورات مبسطة للعمل واقتصاداً في الحركة والجهد واقتصاداً في التدريب، كما قد تتحقق الزيادة في الكفاءة الإنتاجية نتيجة تحديد الأهداف وإيجاد أساليب واضحة للاتصالات واتخاذ القرارات والرقابة إلى غير ذلك من أساليب الإدارة العلمية، فالقيادة الإدارية الناجحة هي القيادة الديمقراطية المتكاملة التي تتركز حول الجماعة وعملها كفريق واحد، وفي نفس الوقت تحقق للفرد مجالاً واسعاً للإبتكار والتعبير عن نفسه حتى لا تهبط قيمة الفرد في الجماعة (16).

ويعرض الإمام الشيرازي شروط ومؤهلات المدير الناجح وهي:

الأول: يحتاج المدير إلى مؤهل جامعي في إحدى التخصصات المرتبطة بالإدارة، كالإدارة العامة، أو إدارة الأعمال، أو العلوم السياسية، أو العلوم الاقتصادية، أو المحاسبة أو ما أشبه ذلك.

الثاني: في البلاد الإسلامية حيث الصبغة العامة في البلاد هي الإسلام، فالمدير بحاجة إلى إلمام بالعلوم الإسلامية المحتاج إليها في كيفية الإدارة وفقاً للأخلاق الإسلامية في باب المعاشرة والمداراة. وعلم الإجتماع العام بالسلوكيات الإسلامية وعلم الفقه في الجملة، وعلم النفس الإسلامي بات يعرف نفسيات المسلمين وما إلى ذلك.

الثالث: الخبرة العلمية، حيث يلزم توفر الخبرة العلمية للمدير في مجال عمله، وذلك لا يكون إلا بالتصاعد التدريجي في سُلّم تلك الإدارة، ولهذا ترى في البلاد الإستشارية (الديمقراطية) يصعد الموظف الحكومي من مدير الناحية إلى القائم مقامية إلى المحافظة الصغيرة ثم إلى المحافظة الكبيرة ثم إلى محافظة العاصمة، وهكذا بالنسبة إلى سائر الشؤون.

الرابع: التدريب في مجال التنظيم والأساليب المحتاج إليها المدير، فإنه شرط أساسي بالنسبة إلى العاملين في هذه الأنشطة، فمن المستحسن بالنسبة إلى المدير تنظيم دورات تدريبية لعدة أسابيع أو لعدة أشهر، حسب صعوبة الإدارة أو سهولتها لاطلاع المدراء الجدد بالنسبة إلى أعمالهم الجديدة على كافة أعمال ونشاطات التنظيم والأساليب الهيكلية، وعلى كيفية القيام بإجراءات الدراسات التنظيمية، وكيفية التعامل مع الرؤساء الإداريين، ومع الموظفين في الإدارات والأقسام التي سيقومون بإجراء دراسات فيها، أو مع سائر الناس إذا كانوا مرتبطين بإداراتهم بسائر الناس، فإن الدورات التدريبية لها مدخلية كاملة في إعداد المديرين لتسليم المناصب الجديدة.

الخامس: يلزم مراعاة التخصص بالنسبة إلى لإدارة والعلوم العامة، ولا تنفع بالنسبة إلى الأمور المحتاجة إلى الإختصاص بالنسبة إلى المديرين الذين يتسلمون قسماً يحتاج إلى الإختصاصات.

السادس: اللازم أن يكون المدير ملماً بلغة أجنبية أخرى غير لغته.

السابع: أن يكون دائم التفاوض والإستطلاع والمطالعة في الكتب المعنية بشأن إدارته (17).

ويطرح الإمام الشيرازي أهم وظائف المدير، بقوله: المدير مكلف بعملين أساسيين:

الأول: بالنسبة إلى البيئة الداخلية، إنها ستتأثر البيئة الداخلية بالمدير بالنسبة إلى مسؤوليه، فإن المدير في منشأته يكون مسؤولاً عن البيئة التي سيعمل فيها بضمن مرؤوسيه أو مع الناس.

الثاني: بالنسبة إلى البيئة الخارجية فإنه وإن لم يملك الخارج ملكاً كما يملك الداخل، فإن المدير لا يملك القوة التي تمكنه من التأثير على سياسية الحكومة، أو الظروف الاقتصادية، أو العلاقات الدولية، والعلاقات مع سائر المؤسسات المشابهة، أو غير المشابهة، مما تؤثر كل واحد منها في الآخر تأثيراً ما.

ويعرض الوظائف التي يقوم بها المدير، وهي وظائف عامة، وهناك وظائف خاصة بالنسبة إلى البيئة الداخلية، أو البيئة الخارجية ويوجزها في خمس:

الأول: التخطيط.

الثاني: التنظيم.

الثالث: التشكيل.

الرابع: التوجيه.

الخامس: الرقابة (18).

أما علم الإدارة العام فيعرض أعمال المدير بما يلي:

- التخطيط.

- تحقيق أهداف المؤسسة.

- التنسيق في العمل.

- الدافعية والتحفيز.

- التوجيه.

- الإلتزام بالعمل.

- المتابعة.

- التقويم.

- إتخاذ القرار (19).

ويطرح العلماءُ المتخصّصون في علوم الإدارة المزاوجة بين الإدارة الناجحة والقيادة الناجحة، ويعرض (ملاك جرجس) خصائص القائد الناجح والذي يجب أن تتوفر في المديرين ليصبحوا قادة بالإضافة إلى كونهم مديرين، وقوله: ليس من السهل أن ترسم صورة واضحة لسمات القائد الناجح، ذلك لأن القيادة تعتمد كثيراً على الظروف التي تنشأ فيها، ولكن يمكن أن تركز على عامل هام هو أسلوب القائد وقدرته على إشباع الحاجات النفسية الأساسية للأفراد الذين يقودهم، وعلى هذا الأساس فالقائد بين طلبة فصل من الفصول في المدرسة هو أقدر الطلبة على مساعدة زملائه، والقائد في وسط مجموعة من العاملين هو أقدر العاملين على مساعدة زملائه والدفاع عنهم بالحق.

ويرى البعض أن أي قائد خصوصاً في المجالات الإدارية والفنية يجب أن يتصف بصفات خاصة منها: أن يكون ذكياً -مرناً- على درجة معقولة من الثقة بالنفس- له القدرة على الإنطلاق -القدرة على التحدث بطلاقة وحماس- له القدرة على المشاركة الوجدانية مع أفراد الجماعة التي يقودها -القدرة على الإبتكار (20).

يبحث الإمام الشيرازي في مهام الإدارة الأساسية، وواجبات المدير الناجح، وكيفية اتخاذ القرار، بقوله: من الأعمال الأساسية للإدارة، اتخاذ القرار، وهو عمل مستمر للمدير، سواء كان مديراً عاماً، أو مديراً متوسطاً أو مديراً في القاعدة، سواء كان في مؤسسة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها.

ومعنى اتخاذ القرار، اختيار ما ينبغي عمله، ومن الذي يقوم بهذا العمل، ومتى يكون وأين وكيف؟.

وبالأخير فإن عملية اتخاذ القرارات هي بطبيعتها عملية مستمرة ومتغلغلة في كل الوظائف الأساسية للإدارة، بل في الوظائف الفرعية، فإن الوظائف بحاجة إلى التخطيط والتشكيل والتوجيه والرقابة الخ.

وقول الإمام الشيرازي: في التخطيط تحدد القرارات العمل الذي يجب تأديته والسبل التي يتعين اتباعها لإنجاز هذا العمل، وفي التنظيم تحدد القرارات نوع العمل الذي يوزع على أعضاء معينين من الجماعة، وتفويض القدر المعين من السلطة التي يمكنه القيام بالعمل، وجعل قدر كاف من الحقوق لهم من باب مقابلة الواجب بالحق وفي التشكيل تلزم القرارات التي تؤدي إلى تنمية الهيئة الإدارية واختيارها وتدبيرها، وفي التوجيه تقوّم القرارات بإقناع أعضاء الجماعة إن العمل المحدد الموضوع هو العمل المناسب لتحقيق الأهداف ثم الرقابة، وهي عبارة عن مقارنة الأداء الفعلي بما هو مخطط، فإن ذلك لا يكون إلا بواسطة قرارات تظهر وجودها أو عدمها.

ويستطرد الإمام الشيرازي بقوله: عرف البعض القرار بأنه الإختيار القائم على أساس بعض المعايير لبديل واحد من بديلين محتملين، أو لأحد البدلاء في الموضوع، سواء كان البديلان أو الأكثر بين السلب والإيجاب، أو بين الإيجابيين أو بين السلبيين، فيجب أن يتخذ القرار بين هذا المعيار أو هذا المعيار، ويتأثر باختيار البديل الأفضل بواسطة المعايير المتمركزة في الذهن.

ويمضي الإمام الشيرازي بصدد توضيح القرار وعملية اتخاذ القرار بقوله: القرار عبارة عن حسم بعض وجهات النظر والآراء المتعارضة، فإذا كانت هنالك آراء، فكثيراً ما توجد اختلافات في الآراء أو وجهات النظر أو الأحكام أو الحقائق المتصلة بمشكلة ما، وهنا يجب على المدير أن يتخذ قراراً حتى يمكن المحافظة على فاعلية الجماعة، والّلازم أن يكون اتخاذ القرار غير مضر بالجماعة المخالفة لهذا الرأي الذي اتخذوه، فالمنازعات التي يمكن حسمها بواسطة القرارات الناجحة عديدة(21).

ويعرض علماء الإدارة كيفية اتخاذ القرار، وخاصة عند الجماعة حيث يقول (ملاك جرجس) المناقشة وحدها لا تكفي.. إلا إذا انتهت باتفاق أو قرار أو فعل، ثم إن القرارات لا تؤدي إلى عمل فعّال إلا إذا كان المرؤوسون منتبهين للأهداف المقصودة، كذلك تتوقف كفاءة القيادة وفعالية القرار على مدى اشتراك جميع من يتأثرون بالقرار ومن يتطلب الأمر فهمهم ومساعدتهم (22).

الإمام الشيرازي والإدارة العالمية للمسلمين:

يرى الإمام الشيرازي إن من الضروري للمسلمين إدارة مؤسسة إسلامية عالمية، فإن هناك نشاطات إسلامية كثيرة في كافة بلاد الإسلام وغيرها حتى بلاد الستار الحديدي التي تحارب الدين ورجاله بكل شدة، لكن هناك ثلاثة أشياء يحتاج إليها العالم الإسلامي ككل:

الأول: تنظيم المسلمين الذين يتواجدون في البلاد شبه الحرة كأوروبا وأمريكا ونحوهما.

الثاني: إعلام غير المسلمين بالإسلام، فإن غير المسلمين إذا عرفوا حقيقة الإسلام أقبل كثير منهم على الإسلام بمحض إرادتهم ورغبتهم في انتخاب الأحسن أو انتخاب الحسن.

الثالث: جمع النشاطات الإسلامية في وحدة واحدة، بأن يكون الكل تياراً واحداً.

ويناقش الإمام الشيرازي أن مثل هذه المؤسسة بحاجة إلى أموال كثيرة، لكن من الواضح أيضاً أن الأثرياء لو وجدوا مثل هذه المؤسسة لإنخرطوا في مؤتمرات تعقدها المؤسسة بحضورهم وحضور سائر المثقفين.

كيفية قياس الأداء

ويناقش الإمام الشيرازي في إحدى المسائل كيفية قياس الأداء -بقياس الأعمال- التي تتم أو تمت قبل ذلك، ويتم القياس بواسطة المعايير الرقابية التي تقررت، وبدون قياس الأداء لا يمكن القيام بعملية الرقابة قياماً كاملاً وإن أمكن القيام قياماً ضحلاً أو مشوشاً، ويتم قياس الأداء إما بالملاحظة المباشرة أو بالتقارير.

ويطرح علماءُ النفس المتخصصون في مجال الصناعة والإدارة، الإختبارات النفسية كوسيلة للإختبار المهني أو التوجيه المهني فضلاً عن المقابلة Interview، وهي من الطرق الشائعة في مجالات متعددة في علوم الإدارة والتنظيم الإداري والصناعي.

ويتطرق سماحة الإمام الشيرازي إلى تفصيل لأسلوب التقارير، الذي يعد ثاني أعمدة قياس الاداء، بقوله: (أنها تحتل مكاناً مهماً بين وسائل قياس الأداء، والتقارير قد تكون شفاهية وقد تكون كتابة).

ثم يستطرد بقوله أن للتقارير أشكال مختلفة:

أولاً: بالبيانات الرقمية.

ثانياً: بالخرائط والأشكال البيانية.

ثالثاً: بالاستعراضات الإنشائية.

وتؤدي التقارير وظائف عدة منها مجرد الإعلام، وقد يراد به، بالإضافة إلى ذلك إقناع المدير أو إقناع الجهة العليا من المحلل أو المفتش أو من أشبه بوجهة نظر خاصة.

أنواع القيادة الإدارية:

تقسم العلوم المتخصصة في الإدارة، الإدارة إلى عدة أنواع: القيادة الأوتوقراطية والقيادة الديمقراطية، ويقسم الإمام الشيرازي القيادة إلى أنواع ثمانية:

القيادة الشخصية.

القيادة غير الشخصية.

القيادة المتسلطة.

القيادة الإستشارية.

القيادة الأبوية.

القيادة الجافة.

القيادة الرسمية.

القيادة غير الرسمية.

ويرى المتخصصون في علم الإدارة والتنظيم الإداري والصناعي بأن القيادة الأوتوقراطية تتسم بالسيطرة والتحكم، وقد يلجأ إليها البعض لما لهم من قيم اجتماعية خاصة تجعل أنماط سلوكهم واتجاهاتهم نحو الآخرين شبه استبدادية تعتمد على إعطاء الأوامر وتوقع إطاعتها دون مراعاة العوامل الإنسانية، وقد يلجأ إليها البعض لانحرافات في شخصياتهم تتسم بالشعور بالعظمة والشك في سلوك الغير، وتوقع المؤامرات منهم، فيلجئون كمديرين إلى أساليب استبدادية في الإدارة، ويركزون السلطة في أيديهم، ويصدرون من التعليمات ما يؤمن جانبهم من المؤامرات المزعومة، أو احتياطاً لما يسمونه عدم أمانة الموظفين.

أما القيادة الديمقراطية فتعتمد على توزيع السلطة والمسؤولية على جميع أعضاء الجماعة مع إيجاد الدافع إلى التعاون في العمل عن طريق زيادة إشباع رغبات وحاجات الأفراد النفسية وفي ضوء هذه القيم الاجتماعية يكون سلوك المدير، وهو هنا جدير بأن يسمى (بالقائد) لأنه لا يصدر الأوامر لتنفيذها إنما يصدرها بعد مشاورات مع أعضاء الإدارة العليا ثم تفسيرها لباقي أفراد المؤسسة.

ولا يمكن لمدير من المديرين أن يلجأ إلى الإدارة الديمقراطية إلا إذا كان على درجة كبيرة من الذكاء وكان يتمتع بدرجة كبيرة من تكيّف الشخصية ومرونتها، ومع دراية كبيرة بالنواحي الفنية الخاصة بالنشاط الصناعي أو التجاري الذي يعمل فيه، ومن هنا كانت الضرورة القصوى في انتقاء المديرين انتقاءاً سيكولوجياً مهنياً أو اختيار من يصلحون للتدريب على القيام بهذه المهمة.

أما الإمام الشيرازي فيرى ان العوامل التي تساهم في القيادة الناجحة تنطوي على تقديم أهداف محددة وواضحة مع خطة سليمة كاملة ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.

ويرى أن القيادة الشخصية هي التي تزاول القيادة عن طريق الإتصال الشخصي بالآخرين والتوجيه لهم وتحفيزهم بالكلام وما أشبه ذلك، وهي من الأنواع الشائعة والتي تمتاز بالفاعلية الكثيرة بالإضافة إلى بساطتها.

أما القيادة غير الشخصية، فهي اصطلاح يستخدم للإشارة إلى القيادة التي تزاول خلال مرؤوس القائد وعن طريق الوسائل غير الشخصية مثل الخطط والأوامر وما أشبه ذلك.

أما القيادة المتسلطة المستبدة، والتي يعبر عنها بالدكتاتورية، وهي تقوم بكل الأعمال بنفسها، وتزعم أنها تعرف كل شيء، وأن رأيها هو الأصوب، فتوزع الأوامر وتعطي التوجيهات دون التشاور مع الشخص الذي يقوم بتنفيذ العمل، بالإضافة إلى أنه دكتاتور بالنسبة إلى أقرانه أيضاً، وغالباً ما يعتقد القائد المتسلط أنه بسبب مركزه وما يتمتع به، من سلطة يمكنه أن يقرر أفضل من غيره ماذا ينبغي عمله؟.

أما القسم الرابع من القيادة فهي القيادة الإستشارية (الديمقراطية) وهذه القيادة تستفيد من المرؤوسين ومن الزملاء وتتشاور معهم وتأخذ بآرائهم وتشجع المبادرة من جانب التابعين، والقائد يقترح الأعمال المحتملة مع توصياته، ولكنه ينتظر موافقة الجماعة قبل أن يضع هذه الأعمال موضع التنفيذ، وتهتم هذه القيادة بمصالح الجماعة وتعمل على إشباعها بخلاف القيادة الدكتاتورية التي لا ترى إلا نفسها، فالإستشارية ضد الدكتاتورية.

والقيادة الخامسة هي القيادة الأبوية والتي تكون بمنزلة الأب بالنسبة إلى العائلة، فتهتم بالنفوذ الأبوي في العلاقات بين القائد والجماعة والذي ينعكس على اهتمام القائد براحة ورفاهية التابعين، وجعلهم بمنزلة أبنائه، وهم يشعرون بهذا الشعور فيجعلونه أباً.

وفي قبال هذه القيادة في القسم السادس، والتي نعبر عنها بالقيادة الجافة، وهي القيادة التي لا نصيب لها من العطف، ومثل هذه القيادة تكون دائماً مفروضة، فإن الناس إلى جانب العقل يريدون العطف، لأنهم خلقوا من عقل وعاطفة.

أما النمط السابع من القيادة، فهي القيادة التي تكون حسب نوع العمل المفوض إليه اجتماعياً، كرؤساء القوى الثلاث في الحكومات، وهي التنفيذية والتأطيرية والقضائية أو ما أشبه ذلك، وهذه القيادة لا تكون إلا حسب الإقتضاء الإجتماعي، وحتى قيادة مرجع التقليد تسمى في هذا الإصطلاح بالقيادة الرسمية.

أما القيادة غير الرسمية، وهو القسم الثامن، ويقصد بها ذلك النوع الذي يظهر أصلاً بواسطة جماعات التنظيم ويعبر عنهم في بعض الأحيان بجماعات الضغط ثم يناقش الإمام الشيرازي مؤهلات القائد والمدير ومنها:

الأول: الطاقة الجسمية.

الثاني: الطاقة العقلية.

الثالث: الدافع الشخصي.

الرابع: المهارة في الإتصال.

الخامس: المهارة الإجتماعية.

السادس: الاستقامة.

السابع: يجب على القائد الديني أن يكون متوكلاً على الله مستعيناً به مرتبطاً معه وتابعاً لهُ.

الثامن: قوة علاقاته الإنسانية.

التاسع: الموضوعية.

العاشر: أن يكون قادراً على أن يصبح معلماً.

الحادي عشر: المقدرة الفنية في إدارته.

الثاني عشر: القيام بحل المشكلات بنفسه.

الثالث عشر: تحمل المسؤولية.

الرابع عشر: السرعة في الرجوع إلى الحق إذا تبيّن له خطأه.

الخامس عشر: البقاء على وتيرة واحدة.

السادس عشر: يجب على القائد أن يهيئ نفسه للقيادة أي يجعل الجو الملائم في أطرافه سواء في داخل المؤسسة أو خارجها ليتمكن من مزاولة القيادة مزاولة صحيحة.

* مقتطف من فصل العلوم الإنسانية والاجتماعية في فكر الإمام الشيرازي لكتاب: (الإمام الشيرازي التنوع الإنساني المبدع) من إصدارات مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2018 Ⓒ
http://shrsc.com

....................................
(12) كتاب الإدارة ج1: الإمام محمد الحسيني الشيرازي، دارا لعلوم، بيروت، 1992 ص18.
(13) الإدارة التربوية: محمود حسان سعد، دار الفكر للطباعة، عمان، 2000 ص248.
(14) المصدر السابق: ص249.
(15) كتاب الإدارة ج1، مصدر سابق ص35.
(16) سيكولوجية الإدارة والإنتاج: ملاك جرجس، الدار العربية للكتاب، تونس 1983 ص248.
(17) كتاب الإدارة ج2: مصدر سابق ص35.
(18) المصدر السابق: ص40.
(19) الإدارة التربوية: مصدر سابق ص248.
(‌20) سيكولوجية الإدارة والإنتاج: مصدر سابق ص255.
(21) كتاب الإدارة: مصدر سابق، ص142.
(22) سيكولوجية الإدارة والإنتاج: مصدر سابق، ص257.

اضف تعليق


التعليقات

اسعد كاظم المياحي
العراق
يعتمد نجاح المؤسسات الإعلامية بدرجه كبيره على القيادات الإدارية الموجودة فيها لذا فقد اهـتم العلمـاء بدراسة الوسائل التى تضمن الإعداد الجيد للقيادات الإدارية داخل المؤسسات الإعلامية.
فالقيادة الإدارية هي القدرة على التأثير فى الآخرين من خلال الأتصال ليسعوا بحماس والتزام الى أداء مثمر يحقق أهدافا مخططة,وهي عملية تفاعل إجتماعى لايمكن أن تتم فى فراغ وإنما يلزم لها إطار من العلاقات والتفاعلات الاجتماعية بين عدد من الأفراد الذين يشكلون جماعة لكى يتبلور من خلالها الدور القيادى ويتحدد من خلالها التأثير والتأثر الذى يتم من خلال هذه العملية الاجتماعية.2020-04-13