q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

هل تكتشف المرأة دورها في صناعة الرجل العظيم؟

قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الإمام السيد محمد الشيرازي – طاب ثراه-

مدخل:

قضية تشغل بال المرأة العصرية في طول العالم وعرضه، بما فيه؛ بلادنا الاسلامية، فبنات حواء عندنا ايضاً تبحث عن دورها الحقيقي في الحياة، ومكانتها في المجتمع، لذا نرى البعض يبحرن مع دعاة الحرية، والبعض الآخر مع دعاة الاستقلالية المالية، وايضاً الاستقلالية الاجتماعية، مع دعوات هنا وهناك لاكتساب عوامل القوة و"المنعة" من خلال فرصة عمل او شهادة جامعية، بل حتى بلغ الأمر روعاً أن تستقوي بدنياً!

كل هذا له اسبابه الموضوعية التي لسنا بوارد الحديث عنها، إنما نسترعي الانتباه الى أن كل هذا البحث المرهق والضجيج المريب حول ضرورة البحث عن دور ومكانة المرأة في المجتمع، كان بالامكان تجنبه وتوفير الكثير من الطاقات الجبارة والاستثنائية لديها اذا ما ألقت بنظرة متأنية الى النظام الاجتماعي في الاسلام، وكيف ينظر الاسلام الى المرأة؟ وما هي الصورة الحقيقية للمرأة المسلمة؟

سماحة الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي – طاب ثراه- في هذا المقطع الصوتي يكشف عن حقيقة محورية، طالما غُيبت عن الاذهان، وهي؛ أن المرأة – بالأساس- ليست بأقل من الرجل، إنما يفصلها عنه الخصوصيات والمميزات التي تضمن لها دورها الحقيقي في الحياة، كما تبين الدور الحقيقي للرجل ايضاً، ولذا نجد سماحته يستشهد بالمقولة الشهيرة بأن "وراء كل عظيم امرأة". لنتابع النصّ:

"لا يوجد رجل عظيم في العالم إلا وراءه إمرأة عظيمة.

واذا راجعنا التاريخ وجدنا مصداقية لهذه المقولة الذائعة الصيت، فالنبي عيسى، وراءه أمه مريم الصديقة، والنبي موسى، كانت وراءه أخته كلثم، وخاتم الانبياء محمد، صلى الله عليه وآله، كانت وراءه زوجته خديجة، والامام علي، كانت وراءه زوجته فاطمة، والامام الحسين كانت وراءه أخته زينب.

إن قيمة المرأة عند الله –تعالى- كقيمة الرجل تماماً، لأن الله لم يخلق المرأة أقل من الرجل، وإنما خلق المرأة لشؤون، وخلق الرجل لشؤون أخرى، والمعيار القرآني؛ {إن اكرمكم عند الله أتقاكم}، فاذا كانت المرأة عظيمة ستنتج الرجل العظيم.

ومن حيث التكوين، أوكل الله –تعالى- للرجل إدارة شؤون البيت، كونه يتّسم بالعقلانية، فيما أوكل للمرأة إدارة شؤون الاطفال كونها تتّسم بالعاطفية، علماً أن كلا السمتين موجودتان في الرجل والمرأة، بيد أن العقلانية عند الرجل اكثر، كما أن العاطفية موجودة أكثر عند المرأة، من أجل أن يديرا سويةً الحياة".

المرأة المسلمة والقدرة الفائقة على صناعة العظماء

هل هذا شعار لترويج الافكار الاسلامية؟ أم استذكار التاريخ وأبطاله؟ أم هو وعد جميل للمرأة مقابل الاستمرارية بالتزام بالاحكام الدينية ؟

إنها الحقيقة الكامنة في النفوس، كما هي الحقائق العلمية الكامنة في العقول بحاجة الى استخراج وصقل واستثمار خلال مسيرة طويلة من التجارب والبحوث، وهذه العملية تحتاج الى إرادة و نظرة ثاقبة للنصوص الدالة على هذه الحقيقة، فالمرأة لم تخلق لتكون عظيمة وناجحة لوحدها، كما هو الحال بالنسبة للرجل، إنما تم الخلق لبعضهما البعض، ضمن عملية تكاملية غاية في الروعة تتمخض عن ظهور العظماء والناجحين من الرجال والنساء ايضاً، عندما يكمل الرجل بعقله عقلانية المرأة، وتكمل المرأة من عاطفيتها عواطف ومشاعر الرجل، لذا نجد هذا الرجل ينبسط ويستريح الى حنان وعطف المرأة، لوجود ما لديه من عواطف يستجيب بها للطرف المقابل، فيما نرى المرأة تشعر بالأمان بالرأي السديد والحكيم للرجل بعد أن يستجيب ما عندها من العقل والإدراك.

والى هذه العملية التكاملية يشير سماحة الامام الشيرازي في هذا المقطع الصوتي عندما يكشف عن المساواة في المرتبة الانسانية، فما عند الرجل من مواهب مخصص لدور معين له في الحياة، فيما المواهب المودعة في المرأة مخصص لدور آخر لها، وهنا بامكاننا الشطب على التصورات الشائعة بأن المرأة كلها عواطف، ولا عقل لها، فيما الرجل يختصّ بالعقل ولا عاطفة لديه.

حتى مفهوم "القوامة" الذي ورد في القرآن الكريم، فانه يتجه الى تحديد دور الرجل ليس إلا، وهو ما اشار اليه سماحة الامام الراحل في كتابه "المرأة في ظل الاسلام" بأن المقصود من الآية الكريمة: {الرجال قوامون على النساء بما فضل بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}، "ليس نقصاً في المرأة مطلقاً، إنما القوامة أو القيادة، أمر لابد منه لتسيير شؤون الحياة بصورة منظمة"، ثم ان الرجل القائد داخل أسرته، سيكون جندياً مطيعاً في إمرة القائد العام للقوات المسلحة، أليس كذلك؟

وفي نفس الكتاب يؤكد سماحة الامام الشيرازي الى أن "الرجل هو المسؤول الاول عن توفير الحماية للبيت، وتوفير كل مستلزمات العيش والسكن"، وقد وصف المرأة في ظل هكذا إدارة للإسرة بأنها "مدللة" داخل البيت وهذا يمكنها من ممارسة دورها الحضاري العظيم في وضع المنهج الصحيح لتربية الأولاد وحمايتهم من أية أمراض نفسية وروحية عندما تغمرهم بالحنان والاحترام والثقة، واذا كان هذا يصدق على الأم بالدرجة الأولى، فانه يصدق على الزوجة والأخت ايضاً.

وإذن؛ فان هذا النظام الاجتماعي هو الذي يصنع المرأة العظيمة، وهي بدورها تصنع الرجل العظيم بناءً على معايير أخلاقية ثابتة التزمتها الاجيال الماضية وقدمت لنا العلماء والقادة والمصلحين، وهنالك أمثلة عدّة على نساء كان لهن الدور المباشر في ظهور عظماء مثل الشيخ الانصاري صاحب كتاب "المكاسب" الذي يدرس منذ عقود طويلة في الحوزات العلمية، وعندما جاءت النسوة ليباركن لأمه وصول ابنها الى مرتبة زعامة الحوزة العلمية، قالت غير مكترثة بأنها لم تتوقع بأقل من ذلك لانها لم تكن لترضعه يوماً في صغره إلا وهي على وضوء.

ويمكن الاشارة سريعاً –للعلم والاطلاع- الى زوجة الشيخ محمد جواد البلاغي، ذلك العالم والمؤلف المقتدر الذي وهبته زوجته ما تملك من أموال لطباعة مؤلفاته ونشرها في العالم، والمعروف عن الشيخ البلاغي غزارة علمه واهتمامه بالفكر والعقيدة، واتقانه للغات عدّة منها؛ الفارسية والانجليزية والعبرية. فكان في طليعة المبادرين لكشف حقيقة الوهابية والرد على الماديين وتشكيك المسيحيين، الى جانب مؤلفاته في الفقه والتفسير والادب.

ان عظمة هذه النسوة لم تتحقق إلا باحتفاظ الزوجة والأم والاخت على أنوثتها ورقتها وما وهبها الله –تعالى- لهنّ من مواهب استثنائية تشبه الارض الطيبة والخصبة التي ينفجر منها الزرع وتسمو منها الاشجار المثمرة.

ثورة المعلومات ضد بنات حواء

ان ثورة المعلومات التي اندلعت مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، لم تأت للمرأة بما يساعدها على اكتشاف ذاتها واستخراج قدراتها الحقيقية، كما تفعل كثير من المواقع بضخ سيل من المعلومات عن طريقة طبخ الطعام، وطريقة العناية بالبشرة والمحافظة على القوام الممشوق والتخلص من البدانة وبعض النصائح عن الحياة الزوجية، وإنما تركز على تقييد بسلسلة من مشاعر الغضب والاستنكار على واقع مرير تعيشه الامة بلا جدال، من سوء تعامل مع الزوجة والبنت والاخت وحتى الأم، فتجد المرأة المسلمة او العربية،نفسها مجبرة على التقوقع او النأي بنفسها عن الرجل – في أحسن الحالات- لعدم حصول الصدام وخلق المشاكل.

ولمن يلاحظ الخطاب السائد في وسائل الاعلام العالمية والشبكة العنكبوتية حول العالم، يجد ان الرسالة الوحيدة لبنات حواء ان يحتفظن بوحدانيتهنّ في الحياة ولا يشغلن بالهن بالاهتمام بالرجل او الأسرة وما يولده من احتكاك وحصول مشاكل، وما عليهنّ إلا الأخذ بزمام القرار في كل شيء، من مأكل وملبس وسلوك وتفكير واختيار أي شيء تراه هي مناسباً، ولا يهم اذا كانت العواقب وخيمة او النتائج غير طيبة لها، او ان تجد الفتاة والمرأة نفسها تترجل من صهوة العظمة والرفعة على حين غرّة، وبذلك تخسر نفسها ويخسرها الرجل والمجتمع والامة.

اضف تعليق