q
تقدم الدول الغنية التبّرعات بغية وصول لقاحات مرض «كوفيد-19» إلى أكبر عدد ممكن من سكان الجنوب العالمي، ومع ذلك كانت نسبة من تلقوا جرعتي اللقاح من سكان الدول المنخفضة الدخل أقل من 1%، أما سكان الشريحة الأدنى من بلدان الدخول المتوسطة فقد بلغت 10%، في مقابل نسبة تتجاوز 50%...
بقلم: إيمي ماكسيمِن

تواجه شركات الأدوية والدول الغنية ضغطًا متزايدًا لعقد شراكات مع شركات في الجنوب العالمي، لتوفير اللقاحات له، لكنها تُحجم عن التخلي عن السيطرة على تلك اللقاحات.

تقدم الدول الغنية التبّرعات بغية وصول لقاحات مرض «كوفيد-19» إلى أكبر عدد ممكن من سكان الجنوب العالمي، ومع ذلك كانت نسبة من تلقوا جرعتي اللقاح من سكان الدول المنخفضة الدخل أقل من 1%، أما سكان الشريحة الأدنى من بلدان الدخول المتوسطة فقد بلغت 10%، في مقابل نسبة تتجاوز 50% من سكان الدول مرتفعة الدخل.

ويرى عددٌ كبيرٌ من الباحثين أن الطريقة المُثلَى لضمان تحقيق العدالة في توفير لقاحات «كوفيد-19» هي تمكين دول الجنوب العالمي من تصنيع لقاحاتها بأنفسها. ففي هذا الصدد، يقول بيتلار سينجر، مستشار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: "التبرعات مفيدة، لكن الاعتماد عليها لا يكفي".

وتواصِل منظمات دعم الصحة منذ العام الماضي الضغطَ على شركات الأدوية والحكومات التي طوَّرت لقاحات عالية الفاعلية بهدف حثّها على مشاركة خبراتها وتقنياتها المحمية ببراءة اختراع مع جهات تطوير الأدوية التي يمكنها إنتاج اللقاحات للدول الفقيرة.

تشمل هذه اللقاحات تلك القائمة على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) مثل لقاح شركة «موديرنا» Moderna، الذي أُنتج في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية، ولقاح شركة «فايزر» Pfizer الذي أُنتج في مدينة نيويورك، ولقاح شركة «بيونتك» BioNTech الذي طُوِّر في مدينة ماينتز الألمانية، وذلك القائم على تقنية الناقل الفيروسي الذي صنَّعته شركة «جونسون آند جونسون» Johnson & Johnson في مدينة برونزويك بولاية نيو جيرسي الأمريكية.

وقد تعالت الأصوات المطالِبة بتصنيع مزيد من اللقاحات في الجنوب العالمي قبل انعقاد نقاشات رفيعة المستوى دُشِّنت الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضي عن الجائحة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقُبيل القمة العالمية المعنية بجائحة «كوفيد-19» التي رأستها الولايات المتحدة الأمريكية في الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي. ويناشد المنادون بجهود التصنيع تلك بتبنّي عدة أساليب مختلفة.

واعتبر بعضهم استخدام لقاح «سبوتنيك في» Sputnik V نموذجًا لدبلوماسية الجائحات. فقد منحت روسيا تراخيص تصنيع لقاحها هذا لـ34 شركة أدوية خارج حدودها، بما في ذلك عدة شركات في الهند والبرازيل. بيد أن المُصنّعين يرون الآن أن الجرعة الثانية من اللقاح -والتي تختلف في مكوناتها عن الأولى - يصعب إنتاجها بكميات كبيرة.

وفي خطاب وقّعت عليه عدة جمعيات مجتمع مدني في الهند وجرت مشاركته مع دورية Nature، ناشدت جماعات ضغط الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن يعمل على إرغام شركة «جونسون آند جونسون» على عقد شراكات مع شركات الأدوية في الجنوب العالمي، بدعوى أن الشركات التي تُصنّع لقاح «سبوتنيك في» يمكنها أن تتحول بسهولة إلى تصنيع لقاح «جونسون آند جونسون»، وتقدّر هذه الجماعات أن تحقيق هذه النقلة قد يستغرق أقل من ستة أشهر.

فيرى أتشال برابهالا، أحد المشاركين في كتابة الخطاب ومنسّق «أكسس إيبسا» AccessIBSA وهي مبادرة لتوفير الأدوية في بنغالور بالهند، أن هذه النقلة قد تساعد على تسريع وتيرة تطعيم الأفراد الذين لم تتوافر لهم اللقاحات (انظر "فجوة الحماية"). كما يضيف أن عقد شراكات مع الشركات التي طورت اللقاحات القائمة على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) سيكون مهمًا للغاية نظرًا إلى فاعلية هذه اللقاحات وقدرتها على التكيُّف مع تطوُر الفيروس.

لكن لم تحرّك هذه الدعوات زخمًا حتى الآن. وباستثناء اتفاقيات تعبئة لقاحات شركة «جونسون آند جونسون» وتغليفها، فقد عقدت الشركة شراكة وحيدة مع شركة هندية، في حين لم تعقد الشركات «فايزر» و«بيونتك» و«موديرنا» أي شراكات في الهند أو أمريكا الجنوبية أو إفريقيا. وقد أشارت شركات الأدوية إلى أسباب ذلك ومن بينها مخاوف بشأن الجودة، والوقت المستغرق لوصول الشركات الجديدة التي يجري التعاوُن معها إلى سرعة الإنتاج المطلوبة. وترى شركات الأدوية تلك أن الحل يكمن في أن تزيد حجم إنتاجها، وتدعو الدول الغنية إلى زيادة تبرّعاتها من اللقاحات للدول الفقيرة. ويصف برابهالا حجج شركات الأدوية بأنها "واهية وتُخفي العائق الحقيقي، وهو إحجام شركات الأدوية الغربية عن التخلي عن سيطرتها على براءات الاختراع والتقنيات حتى إن جاء ذلك على حساب حياة الملايين".

وعلى الرغم من أن إدارة بايدن دعمت اقتراح التنازل عن حقوق الملكية الفكرية الخاصة بلقاحات «كوفيد-19»، الذي طرحته الهند وجنوب إفريقيا في اجتماع لمنظمة التجارة العالمية في أكتوبر الماضي، فإن الإجراءات المُتَّخذة في هذا الصدد اتَّسمت بالتراخي، كما لم تضغط الإدارة الأمريكية على الشركات الأمريكية لعقد شراكات مع نظيراتها في الجنوب العالمي. كذلك فإن ألمانيا، التي موّلت تطوير اللقاح القائم على الحمض النووي الريبي المرسال الذي طورته شركة «بيونتك» ورخَّصته لاحقًا لشركة «فايزر»، تواصل معارضتها لفكرة التنازل عن براءات الاختراع.

وبمرور الوقت، فَقَد بعض الباحثين الأمل في انعقاد هذه الشراكات. وقرَّرت مجموعة في جنوب إفريقيا محاولة إعادة تصنيع اللقاحات المتوافرة. بينما رأت جهات أخرى أن من الأفضل رصد التمويلات لتجهيز شركات تصنيع الأدوية في الجنوب العالمي لإنتاج اللقاحات، الخاضعة حاليًا للتجارب الإكلينيكية، بكميات كبيرة. ويُجمع أغلب الباحثين في مجال الصحة العالمية على أن التصنيع الإقليمي هو الحل الوحيد لضمان إنهاء أزمة التطعيم العالمية. ففي هذا الصدد، يقول شاهد جميل، اختصاصي علم الفيروسات من كلية تريفيدي للعلوم البيولوجية في جامعة أشوكا بنيو دلهي: "لن نتمكن من حل مشكلة انعدام المساواة في توفير اللقاحات حتى يُوزَّع تصنيع اللقاحات".

تراجُع الإنتاج

وترى أندريا تايلور، الباحثة في مجال الصحة العامة من جامعة ديوك في درهام بولاية كارولينا الشمالية والتي تقود مشروعًا لتتبُّع توفير اللقاحات أن الشركات قد تُنتج ما يُقدَّر بـ12 مليار جرعة من لقاحات «كوفيد-19» هذا العام، لكن ثمة حاجة إلى مزيد من الجرعات. كما تؤكد أن الدول الغنية قد اشترت جرعات كافية لتغطية تطعيم سكانها عدَّة مرات، بينما لم تحصل دولٌ إلا على عدد قليل جدًا من اللقاحات. بالإضافة إلى ذلك، فإن نوعية اللقاحات المطلوبة قد تغيَّرت أيضًا؛ فاللقاحات الصينية المصنّعة من أحد فيروسات كورونا "سارس–كوف-2 " المعطلة تمثل ما يقرب من ثلث الجرعات التي حصل عليها الأفراد في الدول منخفضة الدخل حتى أغسطس الماضي. بيد أن الشكوك بشأن كفاءة هذه اللقاحات دفعت بعض الدول إلى البحث عن خيارات بديلة. من جهة أخرى، فإن الطلب على اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي المرسال قد ارتفع لأن الدول الغنية تُوصي بجرعات ثالثة منها، تعزّز مناعة سكّانها، وهو ما تراه ممكنًا نظريًا (انظر "توزيع الجرعات").

وبسبب عدم توافر خيارات من اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA)، فإن كثيرًا من دول الجنوب العالمي يعتمد على اللقاحات القائمة على تقنية الناقل الفيروسي التي تستخدم فيروسًا معطلًا وغير ضار لنقل حمل فيروسي معين إلى الخلايا. وبالفعل فإن 88% من الأشخاص الذين تلقوا تطعيمات في الهند حصلوا على جرعات من لقاحات قائمة على تقنية الناقل الفيروسي، طورتها جامعة أوكسفورد وشركة «أسترازينيكا» AstraZeneca في المملكة المتحدة، وأنتجها معهد سيرم بالهند وهو أكبر مُصنِّع للقاحات في العالم. وقد توقَّعت المنظمات الدولية التي تقود مبادرة الوصول العالمي للقاحات «كوفيد-19» (المعروفة اختصارًا باسم كوفاكس COVAX)، وهو نظام لتزويد الدول منخفضة ومتوسطة الدخل بلقاحات «كوفيد-19»، أن يوفّر معهد سيرم الجزء الأكبر من اللقاحات لها، لكن هذه الخطة باءت بالفشل حين فرضت الحكومة الهندية قيودًا على صادراتها من اللقاحات مارس الماضي في ظل مواجهة البلاد موجة فتَّاكة من «كوفيد-19»، إذ لم يكن قد اكتمل تطعيم إلا 2% من سُكّانها. وبسبب عدة مشكلات من بينها وقف تصدير اللقاحات، ونقص التبرعات منها، أرجأت مبادرة «كوفاكس» تحقيق هدفها المتمثّل في أن توفّر هذا العام ملياري جرعة من اللقاحات إلى عام 2022.

بالإضافة إلى ذلك، فإن لقاح «سبوتنيك في» الروسي لا يمكن أن يُعزّز إمدادات مبادرة «كوفاكس» من اللقاحات لأنه غير معتمد من منظمة الصحة العالمية رغم اعتماده في الهند والبرازيل وعشرات الدول الأخرى، في حين أن المنظمة قد أعطت الضوء الأخضر لاعتماد لقاح «جونسون آند جونسون»، وهو ما يُشكّل سببًا آخر تستند إليه جماعات الضغط في تأييدها للانتقال إلى تصنيع هذا اللقاح. فعملية تصدير تقنية لقاح «سبوتنيك في» لم تكن بسيطة، لكن ترى جهات التصنيع أنها تُمثّل تجربة مفيدة في هذا الصدد، فقد أعطى العلماء الروسيون شركات الأدوية الراغبة في تطوير اللقاح المكونات الضرورية له إلى جانب قائمة بالمعدات والمستلزمات الضرورية لذلك، كما زاروا المصانع لشرح عملية تصنيع اللقاح.

ويرى هيمانث نانديجالا، المدير العام لإحدى الشركات المنتجة للقاح «سبوتنيك في» وهي شركة «فيرتشو بيوتِك» Virchow Biotech، ومقرّها حيدرآباد في الهند أن هذا "التعاون الوثيق" أسرع خطى عميلة نقل تقنية تصنيع اللقاح لتستغرق قرابة ثلاثة أشهر، رغم أن زيادة حجم إنتاجه، والحصول على التصريحات التنظيمية اللازمة لتطويره، والتسويق التجاري له قد استغرق خمسة شهور أخرى. ولم يتّضح إلا في سبتمبر الماضي أن كثيرًا من الشركات التي تُصنِّع لقاح «سبوتنيك في» تعاني انخفاضًا في حجم إنتاج الجرعة الثانية. ويشبه الناقل الفيروسي المستخدم في الجرعة الأولى وهو الفيروس الغدي 26 ذاك المستخدم في لقاح «جونسون آند جونسون». من هنا، يرى نانديجالا أن الشركات، إذا حصلت على الدعم المناسب، يمكنها أن تتحوَّل إلى تصنيع لقاح «جونسون آند جونسون»".

ولم تجب شركة «جونسون آند جونسون» على استفسارات من دورية Nature بشأن أسباب عدم عقدها شراكات مع مزيد من الشركات في الجنوب العالمي، لكن في مؤتمر صحفي عُقد في السابع من سبتمبر الماضي، أوضّح بول ستوفيلز، كبير المسؤولين العلميين في الشركة أن نقل تقنية تصنيع لقاحها يحتاج إلى وقت لتدريب العمالة على إنتاج منتجات جديدة ومعقدة. وقد أبرمت «جونسون آند جونسون» شراكة مع شركة هندية في حيدر آباد، هي شركة «بيولوجيكال إي» Biological E، التي صرَّحت ماهيما داتلا، المدير العام لها، بأن نقل تقنية اللقاح وزيادة معدلات إنتاجه قد استغرقا نحو سبعة أشهر، وبأن «بيولوجيكال إي» تأمل في أن تنتج منه ما يزيد على 40 مليون جرعة شهريًا. رغم ذلك، لم يتّضح عدد الجرعات التي سيجري إرسالها إلى الدول منخفضة الدخل. إذ تقول داتلا في هذا الصدد: "القرارات المتعلقة بوجهة تصدير اللقاح وسعره تعود تمامًا إلى شركة «جونسون آند جونسون»".

وفي جنوب إفريقيا، أثارت شراكة لتعبئة لقاحات شركة «جونسون آند جونسون»، أبرمتها الشركة مع شركة أدوية في مدينة ديربان، جدلًا كبيرًا، بعد أن ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن شركة «جونسون آند جونسون» كانت تشحن اللقاحات إلى أوروبا رغم أن 90% من سكان جنوب إفريقيا لم يحصلوا على أي جرعات. وفي أعقاب هذه الانتقادات، صرّحت شركة «جونسون آند جونسون» بأن الجرعات التي ستُنتج مستقبلًا في دولة جنوب إفريقيا ستبقى في القارة السمراء.

وفي مواجهة إحجام شركة «جونسون آند جونسون» عن تعهيد تصنيع لقاحها إلى شركات أخرى، رأى من شاركوا في صوغ الخطاب سالف الذكر من الهند أن على الحكومة الأمريكية أن تمنح الشركة مليار دولار لتطوير تقنيتها، ليسنح من ثمَّ إرغام الشركة على زيادة إنتاجها بعقد شراكات مع 34 شركة مجهَّزة لتصنيع لقاح «سبوتنيك في». فقد جاء في نص الخطاب: "إذا كان الرئيس بايدن جاد حقًا بشأن تحصين العالم ضد الجائحة، فإن إدارته تملك من السلطة الأخلاقية والقانونية، وأيضًا من النفوذ المالي -إذا لزم الأمر- ما يُمكِّنها من رفع العوائق التي تمثّلها حقوق الملكية الفكرية، لإقناع شركة «جونسون آند جونسون» بمنح تراخيص تصنيع لقاحها، وتقنيات تطويره والمساعدة اللازمة، لكل جهة تصنيع تعمل حاليًا على تصنيع لقاح «سبوتنيك في»".

الرضا بالفتات

وفي ما يخصّ اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA)، يرى الباحثون أن نقل المعارف اللازمة واقتناء الأدوات الضرورية لتصنيع هذه اللقاحات سينطوي على صعوبات بسبب حداثة التقنية المستخدمة في إنتاجها. رغم ذلك، يقول أديتيا كومار، ممثل شركة «ستيليس بيوفارما»Stelis Biopharma الكائنة في الهند، والتي تُصنِّع لقاح «سبوتنيك في»، إن تبنّي نموذج عمل قائم على سرعة نقل خبرات تصنيع هذه اللقاحات جدير بالتجربة، لأن إنتاجها يبدو أبسط من اللقاحات القائمة على تقنية الناقل الفيروسي، التي يتطلب إنتاجها عملية دقيقة تحتاج من الباحثين إلى زرع الفيروسات الغُدِّية في خلايا ثدييات حيّة. ويضيف كومار: "جهات التصنيع أمثالنا تفكر دائمًا في كيفية زيادة إنتاج اللقاحات، لأننا ندرك الحاجة الماسة إليها في مناطق العالم التي لا تجد كفايتها منها".

وقد دعت منظمة الصحة العالمية منذ أشهر عدّة شركات إلى منح تراخيص تصنيع لقاحاتها لشركات أخرى. ففي مؤتمر صحفي عُقد في الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر الماضي، قال تيدروس أدهانوم جيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في تصريح له: "لن أقف مكتوف اليدين حيال اعتقاد الشركات والدول التي تتحكم في الإمداد العالمي من اللقاحات بأن على الدول الفقيرة أن ترضى بالفتات".

وقد طالبت سمية سواميناثان، كبيرة علماء منظمة الصحة العالمية، الشركات المطورة للقاحات، بأن تتبرع بحقوق ملكيتها الفكرية لمجمع براءات اختراعات الأدوية (MPP) وهي منظمة تدعمها الأمم المتحدة وتهدف إلى استجلاب الأدوية باهظة التكلفة إلى الدول الفقيرة. كما تساعد هذه المنظمة الشركات على عقد شراكات من خلال تحديد جهات التصنيع الموثوقة والحصول على الموافقات التنظيمية والوصول إلى تدابير ترخيص توفّر لمطوري الأدوية عوائد على الأدوية المباعة.

لكن شركات الأدوية رفضت خوض تعاوُن كهذا. وفي هذا الصدد، يرى توماس كويني، مدير عام الاتحاد الدولي لجهات وجمعيات تصنيع المستحضرات الصيدلانية (IFPMA)، أن الطريقة الأضمن لزيادة حجم تصنيع اللقاحات هو تحقيق ذلك داخل الشركات الدوائية المنتجة للقاحات. إذ يقول إنه في أي بقعة من العالم، "يرتهن الأمر بعمليات رقابة الجودة وضمانها، وهي عمليات تتسم بالتعقيد الشديد". ويضيف: قد يتحدث أفراد عن أهمية عقد شراكات إضافية لكنهم يقللون من شأن التحديات التي ينطوي عليها ذلك".

لكن ماري بول كيني، رئيسة مجمع براءات الاختراع، تختلف معه في هذا الشأن، مشيرة إلى أن عددًا كبيرًا من الباحثين في فريقها سبق له العمل في شركات أدوية رائدة ويملك خبرة في ضمان اتِّباع أفضل الممارسات. إذ تقول في هذا الصدد "لا يمنح مجمع براءات اختراع الأدوية تراخيص لجهات تصنيع هاوية".

وترى سواميناثان أن ثمة نهجًا آخر للتعاوُن يتمثّل في أن تتعاون شركات الأدوية تحت لواء مركز في جنوب إفريقيا لنقل تقنيات إنتاج اللقاحات، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تدشينه يونيو الماضي، إذ يمكن للجهات البحثية التي اضطلعت بتطوير اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) تدريب جهات التصنيع الأخرى على كيفية تصنيع اللقاحات. لكن ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي لشركة «فايزر»، انتقد المبادرة في مؤتمر صحفي عُقد للاتحاد الدولي لجهات وجمعيات تصنيع المستحضرات الصيدلانية (IFPMA) في وقت سابق من شهر سبتمبر، مشيرًا إلى أن الشركات التي يجري تعهيد التقنيات إليها سوف تستغرق "سنوات" لكي تبلغ معدل الإنتاج المطلوب. كما أضاف أن توفير اللقاحات لن يمثّل مشكلة العام المقبل فور تسريع شركة «فايزر» والشركات الأخرى وتيرة إنتاجها من اللقاحات. وفي رسالة بريدية إلكترونية إلى دورية Nature، أفاد متحدث رسمي باسم شركة «فايزر» بأن الشركة قد اعتمدت في البداية على جهات تصنيع في أوروبا والولايات المتحدة لتعزيز إنتاج لقاحها على نحو آمن، لكنها قد تضيف مُصنّعًا أو أكثر في المستقبل لكي يمكنها تصنيع ما يصل إلى أربعة مليارات جرعة في عام 2022.

بينما لم تجِب شركة «موديرنا» على استفسارات دورية Nature في هذا الشأن. إلا أن رئيسها التنفيذي، ستيفان بانسل، أخبر مراقبين للوضع في مايو الماضي أنه يُعارض بشدة التنازل عن براءات الاختراع، وأن الشركات الخارجية قد تحتاج إلى فترة تتراوح بين 12 إلى 18 شهرًا لإنتاج لقاح «مودرنا» القائم على تقنية الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA).

لكن صهيب صِديقي، وهو مدير سابق لقسم الكيمياء في شركة «موديرنا»، ومقيم حاليًا في بوسطن بولاية ماساتشوستس، اختلف مع تقدير هذه الفترة الزمنية. وحاجج بأن شركة «موديرنا» اختبرت كفاءة لقاحها وزادت حجم إنتاجها في غضون تسعة أشهر وبناءً عليه يمكنها أن تُدِّرب شركات الأدوية الكبرى في الهند على القيام بذلك. ولعلّ منظمة الصحة العالمية تتفق مع صديقي؛ فقد أشارت وكالة رويترز في خبر عاجل إلى أن مركز نقل تقنيات اللقاحات في جنوب إفريقيا سيحاول إعادة إنتاج لقاح «موديرنا»، كما أكدت سواميناثان الخبر مضيفة أن باحثين مُلمّين بعملية تصنيع اللقاح قد عرضوا المساعدة.

وترى جماعة الضغط المعروفة باسم «بابليك سيتيزان» Public Citizen، التي يقع مقرها في العاصمة الأمريكية واشنطن، أن وزارة الصحة والخدمات البشرية الأمريكية يمكنها أن تدعم منظمة الصحة العالمية في هذا الشأن. إذ تؤكّد جماعة الضغط أن الوزارة تملك حق الحصول على معلومات إنتاج اللقاح هذه لأن الحكومة الأمريكية استثمرت 1.4 مليار دولار في تطويره في عام 2020، نظير "الوصول إلى جميع الوثائق والبيانات" الصادرة بموجب عقد علني مع شركة «موديرنا». وقد رفضت الوزارة الإدلاء بتعليق لدورية Nature في ما يخص بنود العقد والطلب الذي قدَّمته جماعة ضغط «بابليك سيتيزان».

مسار أسهل؟

بدلًا من انتظار اللقاحات الشهيرة في الوقت الحاليّ، يأمل بعض الباحثين أن تغدو اللقاحات التي تخضع لمرحلة التجارب الإكلينيكية الآن أسهل في ترخيصها وتصنيعها في الجنوب العالمي. ويأتي على رأس قائمة هذه اللقاحات تلك القائمة على الوحدات البروتينية الفرعية، والتي تستخدم ببتيدات مطابقة لتلك الموجودة في فيروس «سارس-كوف-» تعمل على تدريب الجهاز المناعي على التعرف على الفيروس ومحاربته. ويرى باحثون أن فائدة هذه اللقاحات تتمثَّل في أن أحواض استزراع خلايا الخميرة أو الحشرات يمكن أن تنتج كميات هائلة من الببتيدات، وهو ما يتيح توسعة نطاق إنتاج هذه اللقاحات. بالإضافة إلى ذلك، يرى هؤلاء الباحثون أن عددًا كبيرًا من الشركات على دراية بهذه الآلية لأنها تنتج لقاحات لأمراض أخرى وعقاقير معادة التركيب بطريقة مماثلة.

ومن بين هذه المنتجات لقاح لشركة «بيولوجيكال إي»، التي حصلت على ترخيص استخدام تقنية إنتاجه من كلية بايلور للطب ومستشفى تكساس للأطفال في مدينة هيوستن، بولاية تكساس الأمريكية. ويخضع لقاح شركة بيولوجيكال إي» حاليًا للمرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية في الهند، وتتوقع داتلا أن تعتمده الحكومة الهندية بحلول نوفمبر المقبل، لتعقبها منظمة الصحة العالمية في ذلك يناير القادم. أما براشانت ياداف، المتخصص في سلاسل توريد منتجات الرعاية الصحية من مركز التنمية العالمية بالعاصمة الأمريكية واشنطن، فيرى أن الانتظار للتأكد من فاعلية هذا النوع من اللقاحات يستحق العناء، لأن نقل تقنية تصنيع هذه اللقاحات وتوسيع نطاق إنتاجها قد يكون أبسط من التحوُّل تمامًا إلى شركات أخرى. يقول ياداف: "إذا كانت لقاحات الوحدات الفرعية البروتينية تعمل بكفاءة، فسأراهن عليها".

لكن يبقى من المجهول كيف ستمنح مجموعة جديدة من الشركات تراخيص تصنيع لقاحاتها لجهات خارجية. وفي ذلك الصدد، يقول بيتر هوتيز، الباحث في علم اللقاحات، والذي ساعد على تطوير لقاح الوحدة الفرعية في شركة «بايلور»، إنه لن تُفرض قيود متعلقة ببراءات الاختراع على هذه التقنية، وبذلك سوف يتمكن المصنعون في الهند وإندونيسيا ودول أخرى من إنتاج مليارات الجرعات منها في العام المقبل للعالم النامي. ويستطرد هوتيز: "ترد إلينا مكالمات أسبوعية من الدول منخفضة ومتوسطة الدخل الراغبة بشدة في الحصول على لقاحنا".

اضف تعليق