q
إن التربية السليمة للأطفال وتشجيعهم على التعلم وبناء شخصية متوازنة وسلوكيات ايجابية، هو أفضل الطرق لتنشئة جيل سليم قادر على تأدية واجباته بشكل جيد في المستقبل، لذا من الضروري أن يُترك الأطفال كي يعيشوا طفولتهم بعيدا عن القلق والمخاطر وباقي أعباء العمل التي لم يستعدوا بعد لتحملها...

الأطفال زينة الحياة الدنيا كما وصفهم الباري عز وجل في كتابه الكريم (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فأينما وجد الأطفال وجدت السعادة، وتربيتهم عملية مهمة وشاقة تقع على عاتق الأبوين لان المنزل يعد ألمدرسه الأولى لهم، وألام هي بحد ذاتها مدرسة كما وصفها الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدته (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق).

وبالطبع لا ننسى دور الأب لأنهما يكملان بعضهما البعض ويعملان جاهدا على تكوين شخصية الطفل وكذلك الاهتمام بصحة الطفل من حيث النظافة والتغذية بالإضافة إلى الاهتمام بطريقة تفكيره وتنمية الذكاء والمهارات من خلال اكتشاف مواهب الطفل التي تبدأ معه منذ الصغر وتعليمه كل ما يحتاج تعلمه لان التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.

ولابد أن يعطى الأطفال مساحة من الحرية للاختيار في بعض الأمور لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتعويدهم على اتخاذ القرارات حتى وان كانت خاطئة فالتجربة ستعلمه الكثير، لان تحكم الآباء والأمهات بأطفالهم قد يسبب مشاكل عقلية لهم في المستقبل.

فيما أظهرت دراسة علمية متخصصة بتنمية الطفولة ان الاطفال الذين يسمعون من والديهم انهم مميزون عمن سواهم، هم اكثر عرضة للاصابة بالنرجسية، في حين أفادت دراسة أخرى بأن ايذاء الأطفال نفسيا من قبل الوالدين أو القائمين على تربيتهم قد يتسبب في أضرار عاطفية بقدر ما يسببه الأذى الجسدي أو الجنسي وربما أكثر، على صعيد اخر أظهرت نتائج دراسة حديثة أن سرد القصص والحكايات الإيجابية للطفل يشجعه على التحلي بالصدق وقول الحقيقة، من جانبها ذكرت دراسة أميركية جديدة أن الصراخ على المراهقين يؤثّر بشكل سلبي فيهم، مثل ضربهم، وبينت الدراسة أن معظم الأهالي يستخدمون التعنيف الكلامي، لتهذيب أولادهم في مرحلة المراهقة، واستنتجت الدراسة أن استخدام الألفاظ القاسية يسهم في تأزيم سلوك المراهقين، عوضاً عن تصويبه.

كما أن المراهقين الذين استخدم أهاليهم التعنيف الكلامي لتأديبهم عانوا معدلات مرتفعة من أعراض الكآبة، وكانوا أكثر عرضة لمعاناة مشكلات سلوكية، مثل السرقة، والسلوك العدائي المعادي للمجتمع. واستنتجت الدراسة أن المراهقين كانوا يتلقون تأديباً كلامياً عند إظهارهم مشكلة سلوكية، مشيرين إلى أنه من المرجح أن تستمر هذه المشكلات السلوكية عند سماع المراهقين للألفاظ القاسية.

وبحسب رأي الخبراء فإن التربية السليمة للأطفال وتشجيعهم على التعلم وبناء شخصية متوازنة وسلوكيات ايجابية، هو أفضل الطرق لتنشئة جيل سليم قادر على تأدية واجباته بشكل جيد في المستقبل، لذا من الضروري أن يُترك الأطفال كي يعيشوا طفولتهم بعيدا عن القلق والمخاطر وباقي أعباء العمل التي لم يستعدوا بعد لتحملها، والتي يمكن أن تترك تأثيرات جسدية ونفسية تؤثر سلبا على مستقبلهم.

كيف يمكن أن تؤثر التربية القاسية على دماغ طفلك؟

حذرت دراسة جديدة من أن الغضب المتكرر أو الضرب أو الصراخ في وجه طفلك، يمكن أن يؤثر على هياكل دماغه في مرحلة المراهقة، ووجد الباحثون أن الأطفال الذين نشأوا على "التربية القاسية''، طوروا قشرة فص جبهية ولوزة مخية أصغر - وهما بنيتان دماغيتان تلعبان دورا رئيسيا في التنظيم العاطفي وظهور القلق والاكتئاب.

وما يثير القلق، أن هذه الممارسات الأبوية القاسية شائعة، وتعتبر بشكل عام مقبولة اجتماعيا في جميع أنحاء العالم، وفقا للفريق، ويأمل الباحثون أن تشجع النتائج الآباء على تنفيذ تدابير أقل قسوة عند التفاعل مع أطفالهم، وفي الدراسة، سعى باحثون من جامعتي مونتريال وستانفورد، إلى النظر في تأثيرات التربية القاسية على أدمغة الأطفال.

وقالت الدكتورة سابرينا سوفرين، التي قادت الدراسة: "إن الآثار تتجاوز التغيرات في الدماغ. أعتقد أن المهم هو أن يفهم الآباء والمجتمع أن الاستخدام المتكرر لممارسات الأبوة القاسية يمكن أن يضر بنمو الطفل. نحن نتحدث عن تطورهم الاجتماعي والعاطفي، وكذلك عن نمو عقولهم".

واستخدم الفريق بيانات من أطفال خضعوا للمراقبة في مستشفى CHU Saint-Justine، منذ ولادتهم هناك في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقُيّمت ممارسات الأبوة والأمومة ومستويات قلق الطفل ومسح الدماغ سنويا، بينما كان عمر الأطفال بين عامين وتسع سنوات.

وكشفت النتائج أن الأطفال الذين تعرضوا لمستويات أعلى من الأبوة القاسية، طوروا قشرة جبهية أمامية ولوزة مخية أصغر، وأوضحت سوفرين: "هذه النتائج مهمة وجديدة. إنها المرة الأولى التي يتم فيها ربط ممارسات الأبوة القاسية التي لا ترقى إلى مستوى سوء المعاملة الجسيمة، بانخفاض حجم بنية الدماغ، على غرار ما نراه في ضحايا أعمال الإساءة الخطيرة"، ويأمل الباحثون أن تشجع النتائج الآباء على تنفيذ استراتيجيات الأبوة والأمومة الأقل شدة للمضي قدما.

تحكم الآباء والأمهات بأطفالهم

في السياق ذاته كشفت دراسة أجراها باحثون بريطانيون أن الراشدين الذين تعرضوا لسيطرة نفسية من قبل والديهم وهم أطفال، معرضون أكثر للإصابة بأمراض عقلية، وقال الباحثون من جامعة لندن (UCL) إن هذا التأثير شبيه بفقدان صديق مقرب أو قريب، وأضافوا أن "أهم عامل في تطوير الحس العقلي للأطفال هو رعاية الوالدين وطريقة تعاملهم مع آبنائهم"، وأكد الباحثون أن الوالدين المسيطرين على أطفالهم يمنعنوهم من تكوين هوية ذاتية قوية، كما يحرمونهم من التعلم من أخطائهم أو مشاكلهم، وأشاروا أن ذلك يؤثر على صحتهم العقلية خلال حياتهم. بحسب البي بي سي.

رعاية الأهل، وأوضح الباحثون أن الأهل الذين يوفرون رعاية واهتمام أكثر لأطفالهم، ينعكس ذلك ايجاباً على علاقاتهم مع الآخرين في المستقبل، إذ يستطيعون بناء شبكة من العلاقات ويقدرون على التعامل معها بسهولة، وشارك في الدراسة الفي شخص ولدوا في انكلترا وويلز واسكتلندا في عام 1946، وتم طرح أسئلة عليهم بِشأن صحتهم العقلية وهم في سن المراهقة وفي الثلاثينيات من عمرهم وفي الأربعينيات والفترة ما بين سنهم 60 إلى 64 عاماً.

وطرحت عليهم أسئلة حول طبيعة علاقاتهم بوالديهم حتى بلوغهم السادسة عشر من عمرهم، القلق، وقالت الدكتورة ماي ستافورد التي ترأست هذا البحث إن "جميع الآباء والأمهات يقدمون رعاية لأطفالهم من جهة، ومن جهة ثانية يميلون إلى السيطرة عليهم"، واضافت أنه " كلما اهتممنا بأطفالنا وحاولنا أن نفهمهم أكثر، فكلما استمعنا اليهم وتحدثنا معهم بطريقة ودية ولطيفة كلما انعكس ذلك بشكل ايجابي على صحتهم العقلية في المستقبل".

ما الذي يصيب الاطفال بالنرجسية؟

على صعيد ذي صلة راقب الباحثون سلوك 565 طفلا في هولندا على مدى سنة ونصف السنة، في سبيل اعداد هذه الدراسة المنشورة الاثنين في مجلة الاكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم. بحسب فرانس برس.

وعكف الباحثون ايضا على تحليل سلوكيات الاهل، وتبين لهم ان الاطفال الذي يصفهم والدوهم بانهم "مميزون عن غيرهم"، وانهم "يستحقون افضل ما يكون في الحياة"، هم اكثر عرضة للاصابة بالنرجسية، وكانت اعمار الاطفال المشمولين بالدراسة تراوح بين السابعة والحادية عشرة حين البدء بالابحاث.

وتبين للباحثين ان الاطفال يقتنعون انهم افضل من غيرهم، اذا سمعوا ذلك من اهلهم، بحسب استاذ علم النفس براد بوشمان المشارك ف الدراسة، وقال "لن يكون ذلك مفيدا لهم ولا للمجتمع من حولهم"، وبحسب الدراسة، فان التشجيع والتعامل بحرارة مع الاطفال هو افضل من تضخيم الانا لديهم.

واشار المشرف على الدراسة ادي بروملمان الى ان الاهل يظنون انهم يحسنون صنعا حين يقولون لاطفالهم انهم مميزون، لكنهم في الحقيقة يضخمون النرجسية عندهم، وقال براد بوشمان ان خلاصات هذه الدراسة جعلته ينتقي الكلمات التي يقولها لاطفاله، واضاف "حين بدأت الابحاث في هذا المجال كنت اظن انه ينبغي ان يقال للطفل انه مميز جدا عن غيره، لكني الان ادركت ان ذلك خطأ".

ايذاء الطفل نفسيا

من جهة أخرى قال جوزيف سبينازولا الذي قاد الدراسة "عندما تنظر إلى قوة الأعراض فإنه لا يوجد اختلاف بين الأشكال الثلاثة لاساءة المعاملة"، وتختلف الصدمات النفسية عن "الاختلال في التربية" والذي يحدث عندما يفقد الآباء والأمهات أعصابهم بين الحين والآخر عند التعامل مع أولادهم، وأَضاف سبينازولا "إنه كالعيش دون الحصول على أي نوع من الحب أو الدفء وانما العداوة أو التهديدات أو المطالب المستحيلة وكأن الطفل عدو أو وحش أو مخلوق بائس غير محبوب". بحسب رويترز.

وسبينازولا هو المدير التنفيذي لمركز الصدمات بمعهد جاستيس ريسورس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، وذكرت الورقة البحثية التي ستنشر في العدد المقبل من دورية الصدمات النفسية: النظرية والبحث والممارسة والسياسات "Psychological Trauma: Theory, Research, Practice, and Policy" أن الأطفال الذين يتعرضون للأذى النفسي يصبحون عرضة أكثر بنسبة 78 في المئة للاكتئاب و80 في المئة للاصابة باضطرابات القلق و92 في المئة للتوتر.

وبمقارنتهم بأطفال تعرضوا للأذى الجنسي توصل الباحثون إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للأذى النفسي يكونون أكثر عرضة لمواجهة مشاكل دراسية وممارسة الأنشطة الإجرامية وايذاء أنفسهم جسديا، وأشار الباحثون إلى أن الأذى الجسدي والجنسي يحظى باهتمام أكبر من ايذاء الطفل نفسيا.

القصص الإيجابية تشجع الطفل على الصدق

وفي الشأن ذاته دراسة كندية حديثة شارك بها 268 طفلاً تراوح أعمارهم بين ثلاثة وسبعة أعوام، قام العلماء بقراءة مجموعة مختلفة من القصص لهؤلاء الأطفال، ثم قاموا بعدها بإسناد إحدى المهام، التي كانت متاحة للطفل أن يغش خلالها أو يلتزم بالصدق. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وتبيّن بعد ذلك، أن الأطفال الذين استمعوا لقصص إيجابية ذات شخصيات صادقة كانوا الأكثر قولاً للصدق، حيث صرّحوا بالحقيقة على نحو يزداد بمعدل ثلاثة أضعاف عن غيرهم من الأطفال الذين استمعوا للقصص الأخرى. وأظهرت نتائج الدراسة أيضاً أن الأطفال لم يتأثروا مطلقاً بالقصص التي واجهت خلالها الشخصيات الكاذبة عواقب سلبية، لذا خلص الباحثون إلى أنه من الأفضل أن يتم تحفيز الطفل على قول الحقيقة من خلال القصص التي تستعرض العواقب الإيجابية للصدق وليس العواقب السلبية للكذب.

ضرب الاطفال

يجب منع الوالدين من ضرب اطفالهم، حسبما قالت ماغي اتكينسون مفوضة شؤون الاطفال في انجلترا، وقالت اتكينسون لصحيفة الاندبندنت إن القانون يمنح الحيوانات الاليفة والبالغين قدرا اكبر من الحماية من العنف عن الاطفال، وأضافت أنه توجد ثغرة قانونية بشأن "العقاب الجسدي لطفلك".

ودعت اتكينسون إلى حظر كلي للضرب يواجه بموجبه الآباء عقوبات قانونية، ووفقا للقوانين الحالية، يسمح بالضرب الخفيف ولكن اي ضرب يحدث كدمات او خدوشا أو تورما أو جروحا محظور قانونا، وقالت اتكينسون للصحيفة "بصفة شخصية كمعلمة سابقة، لم اضطر قط لاستخدام العقاب الجسدي. اعتقد اننا يجب ان نتخذ اجراءا لمنع الضرب".

واضافت "وفقا للقانون انت ممنوع عن ضرب شخص بالغ آخر ومن معاقبة حيواناتك الاليفة جسديا ولكن توجد ثغرة بشأن معاقبة طفلك جسديا"، وقالت اتكينسون إمن حظر الضرب "قضية أخلاقية" وأضافت أن "العقاب الجسدي يمثل اعتداء جسديا"، ولكنها أضافت أن مكتبها لن يبدأ حملة رسمية العام القادم لتجريم ضرب الآباء لأبنائهم لأن "الكثير من الامور الاخرى في الانتظار".

وقالت متحدثة باسم الحكومة للصحيفة انه مع ان الوزراء "لا يقرون العنف ضد الاطفال"، إلا انهم "لا يريدون تجريم الاباء لضرب أبناءهم بصورة خفيفة"، وقالت المتحدثة إنه "توجد سبل اكثر ايجابية لتأديب الاطفال والضرب امر خاطئ ولن يجدي المجتمع نفعا".

التأديب الايجابي

تابعت سيلين دروسا تلقن الاشخاص كيف يكونون اهلا صالحين بعدما استشارت عددا من الاخصائيين والمعالجين ومدربي النطق بشأن ابنها البالغ سبع سنوات الذي كان "في حالة تمرد متواصلة. وانا كنت في غضب دائم ولم اكن الام التي اريد ان اكون"، على غرار الدول الناطقة بالانكليزية، تكثر في فرنسا الان الشركات التي توفر المشورة الى الاهل الذين يريدون اقامة علاقات افضل مع اطفالهم". بحسب فرانس برس.

احدى المقاربات الرائجة الان هي "التأديب الايجابي" المعتمدة في كاليفورنيا وترتكز على "تربية الاكفال بحزم وعطف"، قرب محطة سان-لازار في باريس يلتقي 12 من الاهل هم تسعة نساء وثلاثة رجال ليلة واحدة في الاسبوع على مدى ثلاثة اشهر ويجلسون بشكل دائري مع مدربتين، وعلى الجدران علقت شعارات "تشجيع الولد مثل ري النبتة" او "الاخطاء هي فرص ممتازة للتعلم".

الجلسة مخصصة "للتصرفات غير المناسبة" مع تناول النزاعات الاكثر انتشارا في العائلة: الفروض المدرسية واستخدام الالعاب الالكترونية والتلفزيون والخروج من المنزل، تقوم احدى الامهات بدور مراهقة تريد ان تمضي ليلتها عند صديقتها لكن والدتها ترفض. فترد المراهقة غاضبة "اكرهك".

وتسأل المدربة اليكس دي سابيري ، "الام"، "بماذا تشعرين؟" فترد اليس قائلة "انها تخيفني واشعر باني لا اسيطر على الوضع"، ويعاد المشهد وينبغي على اليس ان تعطي الان "جوابا مناسبا"، فتقول "انا سعيدة جدا لان لديك صديقات عزيزات. انا ايضا كنت اشعر بخيبة امل عندما كانت والدتي ترفض طلبي، لكن الامر غير ممكن اليوم فجدتك ستتناول العشاء معنا. فلنتفق معا على يوم اخر".

وفي نهاية الجلسة يعطى الاهل فروضا لتطبيقها مع مع اطفالهم يتلوى فيها الطفل دور البالغ والاهل دور الطفل، دروس "التأديب الايجابي" للاهل والمدرسين تتنشر راهنا في باريس والمناطق، ويتم تدريب مدربات لبلجيكا وسويسرا والمغرب، وتوضح اليس (42 عاما) "لم يكن اهلنا يفكرون بالطريقة التي يتصرفون بها. لقد تربيت على الضرب باليد والسوط، وهذا يقضي على الطفل، انا اردت الا اتعرض لابنائي قدر المستطاع، لا اريد ان اصرخ ولا ان اضرب".

ويسعى الاهل اليوم الى نوع جديد من السلطة لا تحطم الطفل لكن من دون ان يعطى ايضا مطلق الحرية على ما تقول بياتريس سباتيه عالمة النفس التي طورت في فرنسا "التأديب الايجابي"، وتوضح "ثمة قواعد لكن الطفل يساهم في وضعها وان كانت هناك مشكلة نطلب من الطفل المساهمة في حلها"، وتقول بياتريس كوبر-رواييه عالمة النفس "الرابط مع الطفل اصبح الاثمن في الحياة اذ ان الرابط العاطفي اصبح هشا وعابرا، ويتوقع الناس الكثير من علاقتهم بطفلهم، والكثير من الاهل يخشون الا يتصرفوا بطريقة مناسبة والا يكونوا على قدر المسؤولية للوصول الى الطفل المثالي الذين يصبون اليه".

تركز جمعية "تومبو جون" على الاهل مع اطفال مراهقين الذين يعانون بسبب الضغط المدرسي ويجدون انفسهم بمفردهم بعد المدرسة، ومن الادوات المقترحة لمساعدة المراهق على اقامة "توازن في حياته"، جدول موزع على حصص من نصف ساعة تدرج فيه كل نشاطاته وفروضه المدرسية وكرة القدم والكمان مع اوقات للقراءة والحلم ورؤية الاصدقاء.

وتقول مبتكرة هذه الطريقة ايمانويل غييامون "يسأل الاهل دائما كيف يمكنهم ان يكونوا فعالين قدر الامكان مع الوقت القليل المتاح امامهم. فهم يخضعون لضغوط المجتمع الذي يتطلب النجاح في كل شيء"، وتضيف وهي ام لاربعة اطفال "الاهل فقدوا ثقتهم بانفسهم. لو تركوا قلبهم وغريزتهم تقودهم فهم سيجدون حلولا لمشاكلهم".

وتقول كوبر-روييه "ازدهار سوق المشورة عائد الى اتساع اضطراب الاهل، وهو مؤشر قوي جدا الى التركيز الكبير على الاداء والنتائج في مجتمعنا"، وتؤكد سيلين ان الامور التي تعلمتها في هذه الجلسات ساعدتها على تخفيف التوتر مع نجلها، وتوضح "منذ متابعتي لهذه الجلسات عاد نجلي يلاطفني ويتودد الي، واصبحت العلاقة جميلة".

إستراتيجيات ثورية لتغذية عقل طفلك النامي

كيف يعمل دماغ الطفل؟ وكيف ينمو؟ ولماذا لا يتصرف الأطفال الصغار مثل البالغين؟ أسئلة تدور برأسك كلما واجهت غضب طفلك وعناده، يتبعها شعور بالتقصير واليأس؛ لكن ما رأيك بكتاب يشرح طريقة عمل دماغ طفلك تماما كما يشرح كتالوغ الأجهزة الكهربائية طريقة عملها؟

يقدم الطبيب النفسي العصبي، بروس بيري، وخبيرة التربية، تينا باين برايسون، إستراتيجيات تربية فعالة مدعومة بأحدث أبحاث علم الأعصاب، في كتابهما "الطفل كامل الدماغ: 12 إستراتيجية ثورية لتغذية عقل طفلك النامي"، مع تجارب سهلة التنفيذ للتعامل مع ضغوط الأمومة والأبوة اليومية، نعرض لك بعضا منها.

هل أنت موجودة؟ يشير مؤلفا الكتاب إلى أن تربية أطفال سعداء وأصحاء ومبدعين لا تتطلب اشتراكهم في كل الأنشطة الرياضية والفنية؛ بل تتطلب شيئا أساسيا، وهو "الحضور"، بمعنى استحضار كيانك ووعيك وانتباهك الكامل في اللحظة التي تقضينها مع طفلك، ليطمئن لوجودك في لحظات الغياب، وأنك تحبينه كما هو بغض النظر عن إخفاقاته، وأن الأمان والحماية موجودان بعالم أنت فيه.

سيساعد وجودك على النمو العاطفي والاجتماعي لطفلك، وتشكيله علاقات هادفة، وحتى النجاح الأكاديمي والوظيفي مستقبلا، ولتحقيق ذلك عليك فهم مشاعره، وسماع وجهة نظره، ومعرفة ما يحب ويكره، وتجنب الأفعال التي تخيفه، ومساعدته على التعامل مع مشاعره، والاستجابة لبكائه.

هل يشعر بأنه مرئي؟ عندما يفكر الطفل بنا نحن الكبار، فإن فكرة واحدة تدور بذهنه، وهي أننا لا نفهمه على الإطلاق، وما يمنع الطفل من الشعور بأنه مرئي ومفهوم هو أننا ننظر إليه من خلال نظارة رغباتنا ومخاوفنا ومشكلاتنا، أكثر من ربط سلوكياته بشخصيته وعواطفه.

تميل بعض الأمهات إلى تكرار عبارات مثل "إنه طفل"، "هي خجولة لأنها فتاة"، "إنه عنيد مثل والده"، وإذا صنفنا الأطفال على هذا النحو، فإننا نمنع أنفسنا من رؤية شخصياتهم الحقيقية، وفهم مشاعرهم الكامنة وراء أي سلوك.

يعني فهم ورؤية الأطفال أيضا استعدادنا للنظر أبعد قليلا من افتراضاتنا وتفسيراتنا الأولية، فإذا كان طفلك خجولا أو خائفا عند مقابلة شخص بالغ، فلا تفترضي أنه غير مهذب أو عليك تحسين مهاراته الاجتماعية، وتفهمي أنه قلق أو خجول بدلا من نهره لأنه لم يكن لطيفا، وابحثي عن سبب قلقه، بدلا من الحكم المتسرع، ووصفه بالخجول.

كيف تضبطين سلوكه؟ أثبتت الدراسات حول المرونة العصبية قدرة الدماغ على التكيف، وأن التجارب المتكررة تغير فعليا البنية الفيزيائية للدماغ؛ لذا يتعلق ضبط سلوك الطفل بالتكرار، وإيجاد طرق لتعليمه السلوك المناسب للنمو الصحي، والاستجابة لسوء سلوكه بقضاء بعض الوقت معه، والتفكير في سلوكه السيئ على أنه حدث عارض، ولن يؤثر على مقدار حبك له.

يقابل التعلم عن طريق التجربة والتكرار، أحد أساليب التأديب الأكثر شيوعا، وهي عزل الطفل في غرفته، بافتراض أن تلك الطريقة تمنحه "مهلة" للتفكير في سلوكه السيئ؛ لكن حتى إن كنت تتبعين تلك الطريقة بصبر ومحبة، فإن "المهلة" تعلم طفلك أنه عند ارتكابه خطأ، أو مواجهته أوقاتا عصيبة، سيضطر لأن يكون بمفرده، بدون تفهم سبب سوء السلوك العدواني الذي غالبا ما يكون صرخة من طفلك لطلب تهدئته، وحاجته إلى التواصل، وهكذا تصبح طريقة "المهلة" سببا في جعل الطفل أكثر غضبا، وأقل قدرة على تنظيم مشاعره، وأكثر تركيزا على مدى لؤم والديه في معاقبته.

كيف تدمجين أجزاء دماغه؟ لا يعد فهم الدماغ أمرا ضروريا في علاقتك بطفلك فحسب؛ بل يشير المؤلفان إلى أهمية دمج الأجزاء المختلفة من الدماغ، من أجل التكامل والحصول على توقعات مناسبة ولغة وفهم خلال اللحظات الصعبة التي نمر بها مع أطفالنا. يعلمنا المؤلفان التواصل مع أطفالنا بجذب كلا الجانبين من الدماغ "الأيسر" المنطقي، و"الأيمن" العاطفي، في أوقات الاضطراب والشحنة العاطفية.

عندما يغضب طفلك فهذا ليس الوقت المناسب لتأديبه ومناقشة سلوكه؛ لكنه وقت التعبير عن مشاعره وتفهمها حتى يعود دماغه إلى حالة متزنة وهادئة، بإظهار التعاطف والتفاهم والتلامس، وبمجرد أن تهدأ المشاعر الكبيرة ويهدأ الطفل، يأتي دور الجزء الأيسر المنطقي، وتلك هي المرحلة التي يمكن أن يحدث فيها إعادة التوجيه والانضباط؛ مما يساعد الطفل على تكوين فهم لتجربته الشعورية.

كيف يصف مشاعره؟ تتمثل إحدى إستراتيجيات الكتاب في طريقة عمل "الطابق العلوي" و"الطابق السفلي" من الدماغ، وهي تشبيه عقل الطفل بمنزل من طابقين، يعمل فيه الطابق العلوي على العمليات العقلية مثل اتخاذ القرار الواعي، أما الطابق السفلي فينبع منه رد الفعل، وعند عمل الطابق العلوي بنجاح، سيبطئ الطابق السفلي من انفعاله، وسيبدأ بالتفكير قبل التصرف.

بينما تم بناء دماغ "الطابق السفلي" بالكامل في الصغر، فإن دماغ "الطابق العلوي" يظل قيد الإنشاء حتى العشرينيات من العمر، ويحتاج الوالدان إلى دعم تكامل مناطق "الطابق السفلي" و"الطابق العلوي" من أدمغة الأطفال، عن طريق تسمية المشاعر وتوصيفها، وتشجيعه على ذكر ما يشعر به، ومساعدته على تهدئة نفسه، باستخدام اللمس وتعبيرات الوجه الحنونة والنبرات والاتصال معه بالعينين حتى نشعره بأننا نراه، ويتمكن من الوصول إلى دماغه في "الطابق العلوي" بطرق تدعم التعاطف والمرونة.

بعد ذلك يمكن للوالدين الانتقال من مرحلة النمو العاطفي إلى المسؤولية الاجتماعية، بإشراك طفلهما في أعمال خيرية محلية، أو مبادرات لجمع تبرعات لهدف نبيل، ومثل هذا الأمر سيعلمه أنه جزء من كيان أكبر من ذاته.

الانتقال إلى "المنطقة الخضراء" الهادئة وفقا للكتاب، يمر أطفالنا بحالتي التفاؤل والإحباط، كحالتنا بعد يوم سعيد أو يوم شاق في العمل، ما أطلق عليه المؤلفان "المنطقة الحمراء" الغاضبة، و"المنطقة الخضراء" الهادئة.

يمكن تدريب الطفل على إدراك المنطقة التي يوجد فيها، وإشراكه في الحالة التي نمر بها كقولنا "أنا غاضبة حقا، وأنا الآن في المنطقة الحمراء"، هذا التفاعل بين شخصين يسمح للطفل باستخدامك كمرجع في تلك اللحظة للانتقال "للمنطقة الخضراء"، عن طريق تمرينه على منح نفسه بعض المساحة لتنظيم أنفاسه، والتمدد، والتجول، وشرب الماء، ومحاكاة نظامك لتهدئة نفسك، وتذكيره بأنها حالة مؤقتة، وليست ما يميزه.

اضف تعليق