q
اللقاح الناجع يجب أن يتسم بالخواص المهمة التالية: فعاليته في خلق مناعة فعّالة وحقيقية عند الإنسان كي يتصدى للوباء ويقاومه، سلامة إستخدام هذا اللقاح شرط ألاّ يسبب مضاعفات وآثار جانبية تضر بأجهزة الجسم وأعضائه، شمولية إستخدام هذا اللقاح لمختلف الأعمار والأجناس والأحوال، طول الفترة المناعية...

منذ أن بدأ إنتشار فايروس كورونا الجديد " كوفيد19" في بدايات هذا العام، خارج مناطق تواجده في الصين الى البلدان الأخرى، سمعنا وقرأنا الكثير عن أخبار إكتشافات لأدوية ولقاحات أثبتت الأيام عدم صحتها!

إكتشاف أي لقاح ضد الفايروسات يتطلب عملية مبرمجة طويلة نسبيّا، تتراوح مدتها بين ستة أشهر الى أكثر من عام، تتضمن سلسلة من الخطوات والمراحل وتبتدأ بمرحلة إكتشاف الصيغة الجينيّة للفايروس أولا، يعقبها مرحلة التجارب قبل السريرية "تجارب على الحيوانات المختبريّة"، ثم تبدأ مراحل التجارب على الإنسان.

ثلاث مراحل لتجارب اللقاح تجرى على الإنسان أولها يبدأ بحجم صغير من المتطوعين، يليه حجم موسع في المرحلة الثانية ثم يحصل الإختبار الكبير وهو المرحلة الثالثة والأخيرة التي يتم التأكد فيها من فعالية اللقاح وسلامته، بعد أن يجرّب بأعداد كبيرة تصل الى عشرات الآلاف من المتطوعين.

أعلن العديد من شركات أدوية عالمية لحد الآن وصولها الى مشارف نهاية المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح " كوفيد19 ". بيّنت ثلاثة شركات نتائج مطمئنة تخص سلامة اللقاح وفعاليته وهي: شركة " فايزر-بيونتيك" الأمريكية الألمانية وشركة "موديرنا" الأمريكية وشركة" سبوتنيك في" الروسية.

اللقاح الناجع يجب أن يتسم بالخواص المهمة التالية: فعاليته في خلق مناعة فعّالة وحقيقية عند الإنسان كي يتصدى للوباء ويقاومه، سلامة إستخدام هذا اللقاح شرط ألاّ يسبب مضاعفات وآثار جانبية تضر بأجهزة الجسم وأعضائه، شمولية إستخدام هذا اللقاح لمختلف الأعمار والأجناس والأحوال، طول الفترة المناعية التي تحمي الأشخاص بعد التطعيم، سهولة نقل وتخزين اللقاح وطبيعة إستخدامه، ثمن اللقاح حيث يمكن أن يناله الجميع.

اللقاحات الثلاثة المذكورة تتباين في التنافس بينها لتلبية الشروط الضرورية المذكورة كي تنال فائدتها أكبر عدد من الناس من حيث الفعالية والسلامة وطرق التخزين. تشير المعلومات الأولية أن جميع هذه اللقاحات تصل فعاليتها الى أكثر من 90 بالمئة (92 الى 95 بالمئة). كما بينت المعلومات الواردة عن هذه اللقاحات إمكانية حصول أعراض جانبية بعد التطعيم عند البعض تتباين في درجتها لكنها غير خطيرة، تتضمن صداع أو حمى وأوجاع في الجسم والشعور بالتعب، وهذه هي أعراض تفاعلية طبيعية تحصل في كثير من الحالات بعد التطعيم.

رغم أن التقارير الأولية في لقاح "موديرنا" تشير أن كبار السن يستجيبون بشكل مقنع في خلق المناعة لديهم ضد الفايروس بعد التطعيم، إلاّ أن هذا الأمر تأكد وجوده أيضا مؤخرا على لسان شركة "فايزر-بيونتيك" التي أشارت بأن كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم الـ "65" عاما يتمتعون بمناعة فعّالة لديهم ضد الفايروس بعد التطعيم تصل درجتها الى "94" بالمئة!.

لحد الآن لا وجود لإشارة تبيّن مدى الفترة المناعية التي تعقب التطعيم بجميع هذه اللقاحات الثلاثة، بمعنى آخر لا جواب لحد الآن على السؤال المطروح: ماهو مقدار الوقت الذي يبقى فيه الجسم محصنا من الإصابة بالفايروس بعد التطعيم؟، الزمن سيكون هو الكفيل الوحيد في الإجابة على هذا السؤال المهم والمطلوب دائما.

الأمر المهم الآخر هو طريقة تخزين وتوزيع هذا اللقاح كي يبقى فعالا ومفيدا، وهي أيضا مسألة متباينة بين هذه اللقاحات الثلاثة، حيث يبدو أن لقاح "فايزر–بيونتيك" هو الأصعب في التخزين والنقل حيث يتطلب أن يحفظ اللقاح في مجمدات خاصة تنخفض الحرارة فيها الى ناقص 75 درجة مئوية وقبيل إستخدامه يمكن أن يحفظ في الثلاجات المنزلية العادية لفترة لا تزيد عن خمسة أيام فقط.

هذا يشكل صعوبة تقنية مكلفة في نقل وتوزيع وحفظ اللقاح، على عكس الحالة في اللقاحين الأخريين "موديرنا" و "سبوتنيك في". فلقاح " موديرنا" يحفظ في مجمدات تنخفض الحرارة فيها الى ناقص 20 درجة مئوية ولمدة لا تتجاوز الستة أشهر ومن الممكن الإحتفاظ باللقاح في الثلاجات المنزلية لمدة لا تزيد عن الشهر قبيل الإستخدام، وبمواصفات مشابهة يتميز اللقاح الروسي "سبو تنيك في". هذه الخواص في اللقاحين الأخيرين تعتبر ميزة مهمة وعملية.

حقنة اللقاح المستعمل لا تحتوي على فايروس "كوفيد19" كاملا، إنما تحوي فقط على جزء محدود من الشفرة الجينيّة الحاوية لمرسال الحمض النووي الريبي المسمّى بـ " m RNA" والتي تزرق في العضلة وعلى الأخص "العضلة الداليّة Deltoid" الموجودة في أعلى الذراع. تستخدم بعض الشركات حقن لفايروسات غير ضارة عدّلت وراثيا كي تصبح شبيهة بفايروس "كوفيد19" في لقاحاتها، غير أن النتائج في الحصول على المناعة المرتقبة تكون متماثلة في الحالتين.

حقن هذه المواد الفايروسية بنوعيها يحفز الجهاز المناعي عند الإنسان بطريقتين: الأولى، هي إنتاج مضادات جسميّة داخل الجسم تتصدى مستقبلا للفايروسات الحقيقية المهاجمة وتعادلها وهذا النوع من المناعة يسمّى بـ "المناعة أو الحصانة الخلطيّة Humoral Immunity". والطريقة الثانية، بتحفيز خلايا مناعية متخصصة في الجسم تسمى بـ "الخلايا اللمفاوية تيT Lymphocytes"، وهي من نوع خلايا الدم البيضاء تقتل الفايروسات المهاجمة بشكل مباشر، هذا النوع من المناعة يسمّى بـ "المناعة أو الحصانة الخلوية Cellular Immunity". الفترة الزمنية التي يبقى بها المرء محصنا من الإصابة بـ " كوفيد19" بعد التلقيح لا تزال مبهمة كما أسلفنا. تعطى كل هذه اللقاحات الثلاثة بجرعتين عادة الفاصل الزمني بينها هو ثلاث أسابيع بالنسبة للقاح "فايزر- بيونتيك" وأربعة أسابيع بالنسبة للقاح "موديرنا". يصبح الشخص عادة محصنا من الإصابة بهذا الوباء بعد مرور حوالي شهر بعد التطعيم الأولي.

دون شك أن توزيع جرعات اللقاح ضد الفايروس على الناس سوف لن تكون عملية سريعة وسهلة بل تتطلب فترة زمنية قد تطول نسبيّا، وذلك لعدم وجود الكميات الكافية من اللقاح التي تغطي الحاجة المحليّة والعالمية في الوهلة الأولى. هذا يعني أن التلقيح سيبدأ في أماكن صنعه أولا (ربما قبل أعياد الميلاد) مع نماذج محددة للتصدير، وستكون هناك أولويات في التطعيم حيث يطعم الأشخاص المعرضين للإصابة أولا وتشمل العاملين في المستشفيات من أطباء وممرضين ومساعديهم من جهة، ورجال الخدمات الضرورية في الدولة الذين تتطلب طبيعة أعمالهم الإحتكاك مع الناس من جهة أخرى. كما تعطى أولوية أيضا لكبار السن ومن لديهم مناعة ضعيفة بسبب أمراضهم المزمنة والخطيرة والذين يكونون أكثر عرضة عادة للموت والمضاعفات من غيرهم في حالة إصابتهم بفايروس"كوفيد19".

قابليات شركات الأدوية في تصنيع هذا اللقاح تتباين من شركة الى أخرى ولكن قد يصل عدد جرعات اللقاح المنتجة الى أكثر من مليار جرعة سنويا. كما أن إنتاج هذا اللقاح سوف لن يقتصر فقط على هذه الشركات الثلاثة المذكورة والتي سبقت غيرها في الإعلان عن نجاح لقاحها فحسب، وإنما هناك 12 شركة تنتج هذا اللقاح في مراحله الأخيرة أيضا ومنها لقاح "جامعة أكسفورد" ولقاح "أسترازينيكا" في بريطانيا، ولقاح " جونسون" وهي شركة بلجيكية ولقاح "سينوفاك" الصيني وغيرها.

إضافة الى وجود مختبرات أخرى يصل عددها الى حدود "155" مختبر في طريقها الى إنتاج لقاح لـ "كوفيد19"، حيث سيكون عدد مهم منها فعّالا ويوازي بقية اللقاحات المتوفرة في فعاليته وسلامته، مما سيخفف من ضغوط الحاجة على هذا اللقاح الذي فتح بارقة أمل في محنة طالت بأثرها وتأثيرها صحة البشر واقتصاده وحريته وحركته....!

* أخصائي علم الأمراض-بروكسل

اضف تعليق