q
التعايش مع فيروس كورونا المستجد بات واقعا محتوما، مثلما كان اختيار الإغلاق إجبارياً بالنظر لعدم معرفة طبيعة المرض وانتظار اللقاح المناسب، لكن وبعد هذه المحاولات المتعددة، يظهر أن العالم اقتنع بأن مدة الوباء ستطول، ولابد من عودة أنشطة الحياة ومن ثم عودة الاقتصاد والأعمال...

مرت أكثر من ثلاثة أشهر عندما حل علينا ضيفا ثقيلا، ادخل الرعب في نفوس الناس وأثار القلق لدى الجميع، فيروس كورونا هو من أستطاع ان يغير عادات المجتمعات ويبدل العديد من الضروريات.

تعاملت دول العالم مع الفيروس بكل ما لديها من حيطة وحذر، وجندت من اجل ذلك الأموال والإمكانات البشرية الأخرى، وحققت تقدما ملموسا في السيطرة عليه، لكنها مع ذلك وقف عاجزة في بعض الأحيان لوقف جماحه، فهو لا يزال يفتك بالأشخاص ويواصل هجمته الشرسة على الأفراد بمختلف فئاتهم العمرية، حيث لايزال يشكل مصدر خطر على كبار السن وكذلك على الذين يعانون من أزمة صحية مزمنة.

هالة الخوف التي غرسها الفيروس في الأوساط والناتجة من التحذيرات والتأكيدات من قبل المنظمات الصحية العالمية، على ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية؛ نظرا لما يشكله الفيروس من تهديد كبير على صحة الإنسان، أخذت بالانحسار، ومع مرور الأيام تعايش الناس مع الموضوع وأصبح سماع اي خبر متعلق به امر طبيعي.

فلم تعد هنالك لهفة لمعرفة الموقف الوبائي مثلما في السابق، ولم يكن من أولويات العامة معرفة تأثير المرض وحيثياته، بعد ان ضعفت قدرتهم الشرائية وبات من الصعب تأمين قوتهم اليومي، فالكثير من المصانع توقف، والعديد من الحرف تلاشت، وفضل أصحابها المكوث في المنازل حفاظا على حياتهم.

هذا التدهور الاقتصادي لم يستثني دولة حول العالم ممن تفشى بها الوباء، فالجميع سواسية، الكل تعاني من نفس الداء، والجميع يتسابق لإيجاد الدواء، لكن لغاية اللحظة لم نرَ بوادر نجاح تلوح في الأفق، ما يجعل الأمور غير مطمئنة الى حد ما.

ونتيجة لتفشي المرض فان اغلب الدول الصناعية الكبرى تكبدت خسائر فادحة، ولم تستطيع الاستمرار في الإجراءات الاحترازية الأولى وعمدت الى إرجاع الحياة الى طبيعتها بصورة تدريجية، والتثقيف لمسألة مزاولة الأعمال اليومية مع الالتزام بشروط السلامة العامة والتباعد الاجتماعي الذي يعتبر الحل الأمثل لمنع الفيروس من الانتشار.

ان الوقاية من المرض تتوقف بالدرجة الأساس على ثقافة الفرد ووعيه، فلا تستطيع الإجراءات المتخذة بكافة اشكالها ان تُحكم سيطرتها على حركة الأفراد ومنهم من مزاولة بعض النشاطات التي تضر بالصحة؛ مالم تكن هنالك إرادة وعزيمة نابعة من ذات الفرد.

التعايش مع فيروس كورونا المستجد بات واقعا محتوما، مثلما كان اختيار الإغلاق إجبارياً بالنظر لعدم معرفة طبيعة المرض وانتظار اللقاح المناسب، لكن وبعد هذه المحاولات المتعددة، يظهر أن العالم اقتنع بأن مدة الوباء ستطول، ولابد من عودة أنشطة الحياة ومن ثم عودة الاقتصاد والأعمال، وبالتالي فقد بدأت الحياة الاجتماعية الجديدة مع كورونا تأخذ شكلا جديدا، وأهم مميزاتها أن الأفراد أصبحوا مسؤولين عن حماية أنفسهم بشكل أساسي إلى جانب الحكومات.

وبما انه العالم لحد الآن لم يتمكن من الاهتداء لعلاج فيروس كورونا وفي ذات الوقت لا يستطيع الاستمرار في الإغلاق هنا نجد الحل الأمثل والأكثر نجاعة هو أن تعود الحياة إلى طبيعتها تدريجيا مع إتباع الإجراءات الاحترازية.

نعلم ان وضع كورونا وحركته لم يطرأ عليها تغيرات ملحوظة، اذ لا يزال ينتشر ويخادع دون دواء ودون مصل وكل الذى تغير هو انتهاء حالة الصدمة ودخول البشرية مرحلة التعود النفسي.

كثيرة هي الدعوات التي تؤكد على أهمية التعايش مع الفيروس باعتباره أمرا وجب التعايش مثله اي فيروس آخر لحين الانقضاض عليه، إما بمناعة الإنسان، أو بعلاج ناجع أو لقاح واق، ويبقى الأمر الأكثر أهمية هنا هو تحقيق التوازن بين دوران عجلة الحياة الطبيعية وبين استمرار الإجراءات الاحترازية.

تناهى الى مسامعنا بان في الأيام المقبلة تذهب الإجراءات الحكومية الى رفع الحظر بشكل كلي والركون لمسألة مناعة القطيع التي تعني فسح المجال امام الفيروس وجعله يتمكن من المجتمع بنسبة 70‎%، وحينها ينجو من لديه المناعة الكافية للقضاء عليه.

في هذه الحالة نكون قد وضعنا كبيري السن والمصابين بالأمراض المزمنة في المحرقة دون ان نشعر بخطورة الأمر، وعلى المعنيين ان يعوا مدى تبعات هذا القرار السلبية ودراسته من جميع الجوانب، لكي لا تحل كارثة إنسانية جديدة، ما دمنا في بداية المشوار ومن الممكن السيطرة على المرض عبر تشديد الإجراءات الاحترازية، وتفعيل قانون محاسبة المخالفين.

اضف تعليق