q

يمثل الفساد العقبة الأكبر امام الدول النامية، ولطالما كان التحدي الصعب بالنسبة لها، ويرى فيه البعض ان ماتعانيه الدول من فقر وبطالة وقصور في برامج التنمية يرجع الى الفساد، الذي أصبح ملازم لا للنظام الاقتصادي وحسب وانما جزء من النظام السياسي ايضاً، اذ ذكرت منظمة الشفافية الدولية إن أغلب الدول العربية تراجعت في مجال مكافحة الفساد في 2016 رغم مرور ست سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي التي كانت بداية التغيير في المنطقة، وفي تقرير نشرته بموقعها على الإنترنت بينت إن غالبية الدول العربية لم تستطع تحقيق نتائج حقيقية تعكس إرادة الشعوب في بناء أنظمة ديمقراطية فعالة تعطي مساحة للمساءلة والمحاسبة، وأضافت أن "90 في المئة من هذه الدول حققت أقل من درجة 50 (على مؤشر يبدأ من صفر حيث الأكثر فسادا إلى 100) ولكن بقيت كل من دولة الإمارات العربية (المتحدة) وقطر رغم تراجعهما فوق المعدل."

ويرى محللون إن فسادا واسعا كان من أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي التي كانت أولها في تونس حيث سقط حكم الرئيس زين العابدين بن علي ثم مصر التي سقط فيها حكم الرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما، وشملت الاحتجاجات ليبيا حيث قتل معمر القذافي واليمن وسوريا التي تحولت الثورة فيها إلى حرب أهلية جذبت تدخلات أجنبية، وجاء في التقرير أن ستاً من أكثر عشر دول فسادا في العالم عربية هي سوريا والعراق والصومال والسودان واليمن وليبيا بسبب انعدام الاستقرار السياسي والنزاعات الداخلية والحروب وتحديات الإرهاب، وأضاف أن تونس شهدت تحسنا طفيفا "إلا أن الطريق يعد طويلا من أجل وضع ركائز فاعلة في مكافحة الفساد وأهمها إقرار قوانين مثل حماية المبلغين عن الفساد وتجريم تضارب المصالح والإثراء غير المشروع والإفصاح عن الذمة المالية.

وذكر التقرير إن التراجع في مجال مكافحة الفساد كان حادا في بعض الدول العربية منها دول الخليج مضيفا أن ذلك يرجع إلى العديد من الأسباب منها انخراط تلك الدول في تحالفات عسكرية مما يزيد من السرية وعدم الوضوح في الموازنات والصرف العام، وأشار إلى أن التراجع في قطر كان الأبرز ويعزى إلى الفساد الذي أحاط بالاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) واستضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم 2020 وكذلك انتهاك حقوق العمال الوافدين.

وبالنسبة للأردن سجل التقرير ارتفاع معدلات الفساد الصغير المتمثل بالرشوة والواسطة والمحسوبية، ورغم سلسلة من قضايا الفساد التي ضبطتها الأجهزة الرقابية المصرية بين التقرير انه يبقى الفساد مستشريا في مصر في ظل غياب أي إرادة سياسية حقيقية وجادة لمكافحته، وأضاف قامت الحكومة بالتعدي على الهيئات المستقلة حين أقال الرئيس عبد الفتاح السيسي بمرسوم رئاسي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة.

وتضمن التقرير ما تعتبره الشفافية الدولية آليات لمكافحة الفساد منها وضع حد للفساد السياسي، إرادة سياسية فاعلة في تحقيق الالتزامات (التعاقدية) الدولية (في مجال المكافحة)، ضمان حق حرية الرأي والتعبير والمساءلة ووضع حد للضغوط على النشطاء والمبلغين ومؤسسات المجتمع المدني، استقلال القضاء من أجل محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة.

الحكومة المصرية متواطئة في فساد القمح

خلص تقرير لجنة برلمانية لتقصي الحقائق في الفساد بقطاع القمح المصري إلى دور حكومي في "إهدار المال العام" ببرنامج دعم الغذاء باهظ التكلفة، ويذكر التقرير إن جهات حكومية تجاهلت مرافقها التخزينية لصالح مواقع تابعة للقطاع الخاص تخضع لرقابة أقل وأبرمت عقودا مع "جهات وهمية" وأشرفت على إصلاحات معيبة أدت إلى زيادة الإنفاق على الدعم بدلا من خفضه كما هو معلن.

ومن عقود الصوامع إلى شهادات مسؤولي القطاع مرورا بتحليل الميزانية يشير تقرير تقصي الحقائق الواقع في أكثر من 500 صفحة إلى سوء إدارة من جانب الحكومة للدعم الهادف إلى تشجيع الزراعة وإطعام عشرات الملايين وذلك على نحو أدى أحيانا إلى تسهيل الفساد، وتحدث التقرير عن خلل بيّن يصل إلى درجة التواطؤ من وزارة التموين بكافة أجهزتها المعنية بالرقابة على جميع مراحل منظومة توريد واستلام الأقماح.

وتشهد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم جدلا بشأن ما إذا كان جزء كبير من حوالي خمسة ملايين طن من القمح قالت الحكومة إنها اشترتها من محصول العام الحالي لا يوجد إلا على الورق بسبب قيام الموردين المحليين بتزوير الإيصالات لتقاضي مزيد من المدفوعات الحكومية، ويرى مسؤولون بالقطاع إن كمية تصل إلى مليوني طن قد تكون مفقودة من الصوامع وهو العجز الذي قد يجبر مصر على استيراد كميات كبيرة من القمح لتلبية الطلب المحلي في وقت تواجه فيه نقصا حادا في العملة الصعبة.

ويلقي التقرير البرلماني الضوء على الدور المباشر لأجهزة حكومية عديدة في الممارسات الفاسدة وبخاصة عن طريق ترسية العقود على موردي القطاع الخاص الذين خضعت مرافق التخزين التابعة لهم لإشراف ضعيف بينما ظلت المواقع الحكومية دون استخدام، وبين التقرير إن الشركة القابضة للصوامع والتخزين التابعة لوزارة التموين قد خزنت أكثر من مليون طن في مخازن القطاع الخاص الخاضعة لإشراف أقل هذا الموسم بينما لم تستغل 700 ألف طن من طاقتها التخزينية في مخالفة للوائح التي تعطي الأولوية للمساحات الحكومية، وأوضح أن الشركة لم تستخدم سوى 29.7 بالمئة من الطاقة الاستيعابية لصوامعها.

وشكك التقرير أيضا في صحة كثير من العقود المبرمة مع مواقع التخزين التابعة للقطاع الخاص، وإن الشركات الحكومية تعاقدت مع بعض أماكن التخزين التي سبق اتخاذ إجراءات قانونية ضدها والتي قام المالك بتعديل اسمها التجاري ومع أخرى ثبت عدم وجود سجل تجاري أو بطاقة ضريبية لها.

كما جاء في التقرير نقلا عن وثائق لوزارة المالية إن الإنفاق الحكومي على دعم الخبز زاد 3.91 مليار جنيه مصري (440.32 مليون دولار) بما يعادل 15.9 بالمئة في السنة المالية 2014-2015 و1.89 مليار جنيه (212.84 مليون دولار) أو 6.6 بالمئة في 2015-2016، وان الدعم زاد ولم ينخفض نتيجة منظومة الخبز كما تدعي وزارة التموين بشكل مستمر.

شبهات فساد على أكثر من 12 مسؤول في تونس

أعلنت النيابة العامة التونسية فتح تحقيقات قضائية ضد 12 من كبار موظفي الدولة يشتبه بضلوعهم في "جرائم فساد مالي"، وصرح سفيان السليطي الناطق الرسمي باسم النيابة العامة لفرانس برس ان المتهمين موظفون كبار في "بعض الوزارات" وبينهم "المكلف العام بنزاعات الدولة"، محامي الدولة، الذي شغل هذا المنصب بين 2011 و2012.

والمكلف العام بنزاعات الدولة قاض يتبع إداريا وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية ومهمته الرئيسية الدفاع عن مصالح الدولة امام القضاء، وأضاف سفيان السليطي ان فتح التحقيق القضائي جاء إثر تلقي النيابة العامة ملفات "جرائم فساد مالي" متعلقة بالموظفين الـ12 من "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" (دستورية)، وأعلنت وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في بيان انها اقامت 2016 دعوى قضائية "ضد عدل تنفيذ (حاجب محكمة) ومكلف عام أسبق شغل الخطة بين سنتي 2011 و2012" بتهمة اختلاس أموال عامة، ونسبت الوزارة الى المتهمين جملة من الإخلالات في تنفيذ أحكام قضائية وسندات إدارية صادرة لفائدة الدولة ومنشآت (مؤسسات) عمومية، وذلك بعدم ايداع المبالغ المالية الهامة (اختلاس) بخزينة الدّولة.

وبعد الثورة التي اطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، "تفاقم" الفساد في تونس، وفق البنك الدولي، رغم انه كان أحد الاسباب الرئيسية للثورة، وتراجع ترتيب تونس في لائحة الفساد لمنظمة الشفافية الدولية من المرتبة 59 في 2010 الى المرتبة 75 في 2016.

ولم يبت القضاء التونسي حتى اليوم في أكثر من الف ملف فساد "شائك" أحيلت اليه بعد 2011، حسبما اعلنت منظمة "انا يقظ" الفرع التونسي لمنظمة الشفافية الدولية، وفي2016 دعا رئيس الحكومة يوسف الشاهد أمام البرلمان خلال جلسة نيل حكومته الثقة، السلطات القضائية الى البت في قضايا الفساد المعروضة عليها.

وأعلن شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن "ركود" ملفات فساد في محاكم تونسية يعود الى فساد "بعض القضاة" الذين "تواطؤوا للتغطية على بارونات فساد"، وسنويا تخسر تونس نقطتين في الناتج المحلي الاجمالي بسبب الفساد، ومثلهما بسبب "اللاحوكمة"، وفق البنك الدولي، وفي 2016 تبنت الحكومة "الاستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد" ووقعت على "خطة عمل" لتنفيذ هذه الاستراتيجية التي تغطي الفترة ما بين 2016 و2020.

اتهام موظفين بالشركة السعودية للكهرباء في قضية فساد

اتهمت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالسعودية مسؤولين تنفيذيين وموظفين بالشركة السعودية للكهرباء "بخيانة الأمانة وتبديد المال العام" وأحالتهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، وذكرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) إنها اكتشفت مخالفات في ثمانية عقود أبرمها موظفون بالشركة الحكومية في المنطقة الشرقية بأكثر من 80 مليون ريال سعودي (21.33 مليون دولار) ترتبط معظمها بشراء تراخيص بغير أسعارها الفعلية.

وأوضحت الشركة السعودية للكهرباء في بيان مكتوب إن أنظمتها الرقابية الداخلية بادرت باكتشاف المخالفات وإنها تتعاون بشكل كامل مع السلطات في القضية، وكانت المملكة شكلت هيئة نزاهة في عام 2011 في إطار جهودها لتعزيز الثقة في الحكومة في الوقت الذي كانت تشهد فيه المنطقة اضطرابات عارمة انتهت بالإطاحة بعدد من الحكومات.

اقتصادات الدول العربية والفساد

المشكلة التي يواججها علم الاقتصاد في الانظمة العربية هو أن مقدار التبعية للنظام السياسي كبيرة جداً، فالعديد من المؤسسات التي يفترض ان تكون مستقلة عن النظام السياسي كالبنك المركزي وغيره من المؤسسات، وهذا يعني ان امكانية تفشي الفساد داخل هذه المؤسسات كبيرة، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فأن طبيعة الانظمة الاقتصادية في هذه الدول تسعى دائماً الى بسط نفوذها وتقوية سلطتها، وبالتالي قد يكون الضحية الاقتصاد في ذلك، طالما المهم هو بقاء أفراد السلطة على كراسيهم.

وهذا يدفعنا الى ان مسألة مكافحة الفساد في هذه الدول قد تأخذ مدى زمني طويل نسبياً، لاسيما وأن أغلبها غائب عنه الطابع المؤسساتي للدولة ومعايير الشفافية والنزاهة، والتي إن وجدت تبقى شكلية لاتمارس دولها بالشكل الحقيقي، وهذا يُعد من أكبر معوق أمام مكافحة الفساد.

اضف تعليق