q

تتبع عيوب الآخرين وزلاتهم وأخطائهم من أقبح العيوب وأسوأ الخصال الرذيلة؛ فلابد من ستر عيوب الآخرين، وحرمة نشرها، وإشاعتها لما في ذلك من انتقاص لكرامتهم الإنسانية، وانتهاك لحقوقهم المعنوية.

وقد نهى الإسلام في تعاليمه ووصاياه الكثيرة عن تتبع عورات وعيوب وزلات المؤمنين، لما في ذلك من مساوئ كثيرة، ولأن الإسلام يحرص على سلامة المجتمع وحماية الأسرة ونشر المحبة بين المؤمنين.

وقد توعد الله تعالى بالعذاب الشديد الذين يطعنون في الناس بغير حق، وينتقصون من مكانة المؤمنين بالغمز واللمز كما في قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾، والهمزة واللمزة تأتي بمعنى كثير الطعن علي غيره بغير حق، سواء كان في الغياب أم في الحضور، وسواء كان باللسان أم بغيره

كما توعد الله عز وجل الذين يشيعون الفاحشة في المجتمع بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، وهذا يدل على أن إشاعة الفاحشة من المحرمات، وقد توعد الله تعالى مرتكبها بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.

وورد في السنة الشريفة جمهرة من النصوص الناهية عن تتبع عورات المؤمنين وزلاتهم، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لا تَتَّبِعوا عَوراتِ المُؤمِنينَ؛ فإنَّهُ مَن تَتَبَّعَ عَوراتِ المُؤمِنينَ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَورَتَهُ، ومَن تَتَبَّعَ اللَّهُ عَورَتَهُ فَضَحَهُ ولَو في جَوفِ بَيتِهِ».

وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: «مَن سَتَرَ أخاهُ في فاحِشَةٍ رَآها عَلَيهِ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدّنيا والآخِرَةِ»، وعنه (صلى الله عليه وآله) قال: «مَن سَتَرَ أخاهُ المُسلِمَ فِي الدّنيا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ»، وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «لو وَجَدتُ مؤمناً على‏ فاحِشَةٍ لَسَتَرتُهُ بثَوبِي».

وعلى الإنسان المؤمن أن يحذر الوقوع في نشر معايب المؤمنين وزلاتهم، فإن ذلك من الأمور المنهي عنها شرعاً وعقلاً، وكل إنسان له عيوب وزلات، ولذلك قال الإمام علي (عليه السلام): «مَن طَلَبَ عَيباً وَجَدَهُ».

والتنقيب عن عيوب الناس ونشرها في المجتمع؛ من المحرمات، ومن أسوأ العيوب وأشد السيئات، وأقبح الأفعال، ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «تَتَبُّعُ العُيوبِ مِن أقبَحِ العُيوبِ وشَرِّ السَّيِّئاتِ»، وقوله (عليه السلام): «تَأمُّلُ العَيبِ عَيبٌ».

كما أن من الخصال الأخلاقية الحميدة هو نشر إيجابيات الآخرين وحسناتهم، والإغضاء عن سلبياتهم، والكف عن تتبع عوراتهم وزلاتهم وهفواتهم.

وعلى المؤمن أن يتصف بهذه الصفة الحميدة، وأن يسلك مسلك النحل الذي لا يحط إلا على الزهور والورود العبقة الرائحة حتى يمتص منها الرحيق، بخلاف الذباب الذي لا يحط إلا على الأماكن الوسخة والقذرة.

ومن ينقب عن عورات الآخرين ويفتش عنها وينشرها كمن يسلك مسلك الذباب الذي يترك الأشياء الجميلة وذات الرائحة العطرة ويبحث عن الأشياء ذات الرائحة النتنة والقذرة!

والانسان الإيجابي هو الذي ينظر للأمور الإيجابية في الآخرين، وغض الطرف عن سلبياتهم وعيوبهم وزلاتهم، في حين أن الإنسان السلبي لا يرى إلا الأمور السلبية، ولا يبحث إلا عن عيوب الناس وزلاتهم وكأن ذلك هوايته المفضلة.

وقصة نبي الله عيسى مع الحواريين، توضح الفرق بين النظرة الإيجابية للأمور، والنظرة السلبية، فقد رُوِيَ أنّ عيسى‏ (عليه السلام) مَرَّ والحَوارِيّونَ عَلى‏ جيفَةِ كَلبٍ، فقالَ الحَوارِيّونَ: ما أنتَنَ ريحَ هذا الكَلبَ! فقالَ عيسى‏ (عليه السلام): ما أشَدَّ بَياضَ أسنانِهِ!

فعلى الإنسان المؤمن أن ينظر إلى الأمور والأشياء في الحياة بنظرة إيجابية كما نظر نبي الله عيسى (عليه السلام)، فبالرغم من أنه رأى جثة كلب ورائحته نتنة ولكنه نظر إلى الجزء الإيجابي منه قائلاً: ما أشَدَّ بَياضَ أسنانِهِ!

أما الحواريون الذين كانوا معه فقد نظروا إلى الرائحة الكريهة الناتجة من تعفنه، ولذلك قالوا: ما أنتَنَ ريحَ هذا الكَلبَ!

إن الكثير من الأمور في حياتنا ستتغير عندما ننظر للأشياء بمنظار إيجابي، ونتجنب النظر إليها بمنظار سلبي، فالكثير من المشاكل الزوجية والأسرية، والكثير من المشاكل الاجتماعية، والكثير من المشاكل الأخلاقية ناتجة من النظر إليها بنظرة سلبية، وعدم رؤية الجوانب الإيجابية منها.

ونجد أن بعض المشاكل في الحياة الزوجية ناتجة من نظر كل طرف لشريك حياته بمنظار سلبي، فيرى نقاط الضعف لديه، والعيوب الموجودة فيه، ولكنه لا يرى الأمور الإيجابية والحسنة منه، ومع الزمن تتحول هذه النظرة السلبية إلى مشاكل مستعصية بين الزوجين، وربما يصل الأمر إلى الانفصال والطلاق.

بينما لو نظر كل طرف لشريك حياته بنظرة إيجابية، وتأمل في النقاط الإيجابية الموجودة عند شريك حياته، وأغضى الطرف عن النقاط السلبية لأصبحت الحياة الزوجية ملؤها السعادة، والتفاؤل والأمل.

من هنا نؤكد على أهمية التركيز على إيجابيات الآخرين وحسناتهم، وأن نشيعها بين الناس، ونتجنب الخوض في معايبهم وزلاتهم، وعدم نشر ما قد نعلمه أو نسمعه أو نقرأه عن عورات الآخرين وعيوبهم وهفواتهم وأخطائهم، فالستر أولى وأفضل وأحسن.

اضف تعليق