q
بالرغم من القناعات الراسخة بأن التغيرات المناخية تؤثر سلبًا على كلٍّ من الأمن الغذائي وتنوُّع النظام الغذائي، إلا أن وجود أدلة علمية واضحة ترسم طبيعة هذه التأثيرات وملامحها، كان أحد التحديات التي واجهت الأوساط العلمية خلال الفترة الماضية، ولعل غالبية الدراسات التي تناولت العلاقة بين المناخ والغذاء، تطرقت إلى قضية الأمن الغذائي...
بقلم محمود العيسوي

درجات الحرارة المرتفعة والأمطار المفاجئة تؤدي إلى سوء التغذية وانخفاض جودة الغذاء وعرقلة الجهود العالمية للتنمية.. ومعدلات سوء التغذية ما زالت مرتفعة بين الأطفال المصريين رغم حدوث تحسُّن.

بالرغم من القناعات الراسخة بأن التغيرات المناخية تؤثر سلبًا على كلٍّ من الأمن الغذائي وتنوُّع النظام الغذائي، إلا أن وجود أدلة علمية واضحة ترسم طبيعة هذه التأثيرات وملامحها، كان أحد التحديات التي واجهت الأوساط العلمية خلال الفترة الماضية.

ولعل غالبية الدراسات التي تناولت العلاقة بين المناخ والغذاء، تطرقت إلى قضية الأمن الغذائي التي تتعلق بنقص إنتاج الغذاء، في حين لم تحظَ قضية تنوع الإنتاج الغذائي بنصيب وافر من البحث، رغم أنها تمثِّل أمرًا بالغ الأهمية للأطفال بشكل خاص، لمساعدتهم على نمو صحي.

لكن دراسة علمية دولية، هي الأولى من نوعها، شملت أكثر من 107 آلاف طفل، توصلت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة أحد المسببات الرئيسية لسوء تغذية الأطفال، بمعدلات تفوق العوامل التقليدية الأخرى، مثل الفقر، وسوء خدمات الصرف الصحي، وتدهور التعليم.

أكبر تحقيق عالمي

وتُعد الدراسة التي تضمنت 19 دولةً حول العالم، أكبر تحقيق عالمي لتقييم العلاقة بين التغيرات المناخية وتنوع النظم الغذائية للأطفال، كما يُعتقد أنها الأولى من نوعها عبر دول وقارات متعددة، حول كيفية تأثير درجات الحرارة العالية ومعدلات هطول الأمطار، باعتبارهما أكبر التداعيات الناجمة عن تغير المناخ، على تنوع النظام الغذائي للأطفال.

اعتمد فريق الدراسة، بقيادة باحثين من جامعة فيرمونت، على قياس تنوع النظام الغذائي بين 107 آلاف طفل دون سن الـ5 سنوات، في 19 دولة موزعة على 6 أقاليم جغرافية (آسيا، وشمال أفريقيا، وجنوب شرق أفريقيا، وغرب أفريقيا، وأمريكا الوسطى، وأمريكا الجنوبية)، باستخدام بيانات درجات الحرارة والأمطار على مدار 30 سنة، وكذلك البيانات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والجغرافية.

تقويض جهود التنمية

تقول ميريديث نايلز، أستاذ علوم التغذية المساعد بجامعة فيرمونت، وزميلة معهد جوند للبيئة التابع للجامعة، والمؤلفة الرئيسية للدراسة: إنه "من المتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية المستقبلية على سوء التغذية، إذ أظهرت درجات الحرارة المرتفعة بالفعل تأثيرًا ملحوظًا".

تضيف "نايلز" في تصريحات لـ"للعلم": وجدنا أن ارتفاع درجات الحرارة على المدى الطويل، يرتبط بانخفاضٍ في تنوع النظام الغذائي للأطفال بشكل عام، في حين تبيَّن أن ارتفاع معدل هطول الأمطار، في إحدى السنوات، مقارنةً بمتوسط هطول الأمطار على المدى الطويل خلال سنوات سابقة، يرتبط بتنوع أكبر في النظام الغذائي

وتتابع: من خلال دراسة 6 مناطق جغرافية، وجدنا أن 5 مناطق منها سجلت تراجعاتٍ كبيرةً في تنوع النظم الغذائية، نتيجة عامل ارتفاع درجات الحرارة، في حين سجلت 3 مناطق زيادةً ملحوظةً في تنوع النظام الغذائي، لأسباب ترتبط بعامل هطول الأمطار؛ ففي غرب أفريقيا، كان لزيادة هطول الأمطار دور ملحوظ في إحداث التوازن مع التأثيرات السلبية لارتفاع درجات الحرارة على تنوع النظام الغذائي.

وفي بعض المناطق، تبيَّن أن التأثير الإحصائي للمناخ على تنوع النظام الغذائي يفوق جهود التنمية المعروفة الأخرى، متضمنةً تلك الجهود التي ترتكز على التعليم، وتحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، والحد من الفقر.

ووفق مؤلفة الدراسة، فإن هذه النتائج تشير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة تقلبات معدلات هطول الأمطار، يمكن أن يكون لهما آثار عميقة على تنوع النظام الغذائي للأطفال، سواء على المدى القصير أو الطويل، مما يقوض جهود التنمية واسعة النطاق، التي تهدف إلى تحسين الأمن الغذائي.

وتُظهر الدراسة التي نشرتها دورية "إنفيرومنتال ريسيرش ليترز" (Environmental Research Letters)، أن "الآثار السلبية للمناخ، وبشكل خاص درجات الحرارة المرتفعة، على تنوُّع النظام الغذائي في بعض المناطق، تقوض من الآثار الإيجابية التي يمكن أن تتحقق في مجالات التعليم والمياه والصرف الصحي والتخفيف من حدة الفقر، وجميع الأساليب العالمية المعروفة الرامية إلى تحقيق التنمية".

وحذرت "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" قبل نحو 29 عامًا، من أن التغيرات المناخية باتت تمثل شاغلًا مشتركًا للبشرية بسبب آثارها السلبية الضارة على الأنظمة الإيكولوجية الطبيعية وعلى البشر، وأن البلدان الجزرية الصغيرة والبلدان ذات المناطق الساحلية المنخفضـة والمناطق الجافة وشبه الجافة أو المناطق المعرّضة للفيضانات والجفاف والتصحر، والبلدان النامية ذات النظم الإيكولوجية الجبلية الضعيفة معرضة بصفة خاصة للآثار الضارة لتغيُّر المناخ.

وفي 12 ديسمبر 2015، تبنت 197 دولة "اتفاق باريس" بهدف الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة حتى 1.5 درجة.

قياس سوء التغذية

اعتمد الباحثون في الدراسة الحالية على قياس مدى جودة تنوع النظام الغذائي وكمية المغذيات الدقيقة، وهي عناصر ضرورية لنمو الطفل، ويُعد نقص أحد هذه المغذيات سببًا في الإصابة بسوء التغذية الذي يصيب طفلًا من كل 3 أطفال دون سن 5 سنوات، ويتم قياس تنوع النظام الغذائي عن طريق حساب عدد المجموعات الغذائية التي تم تناولها خلال فترة زمنية محددة، وكشفت النتائج أن الأطفال الذين شملتهم الدراسة، تناولوا في المتوسط أطعمة من 3.2 مجموعات غذائية، من أصل 10 مجموعات، تتضمن اللحوم والأسماك والبقوليات والخضراوات الداكنة، خلال الساعات الـ24 الأخيرة، وتبيَّن في المقابل، أن تنوُّع النظام الغذائي في دول الاقتصادات الناشئة أو الأكثر ثراءً، مثل الصين، كان ضِعف هذا المعدل، بواقع 6.8 مجموعات غذائية للأطفال أقل من 6 سنوات.

وضمت المجموعات الغذائية العشر الحبوب، والدرنات البيضاء والأطعمة الجذرية، والخضراوات ذات الأوراق الداكنة، والدرنات الغنية بفيتامين أ، والفواكه الغنية بفيتامين أ، والفواكه والخضراوات الأخرى، وأطعمة اللحوم والأسماك، والبيض، والبقوليات والمكسرات والبذور، والحليب ومنتجات الألبان.

من جهته، يقول بريندان فيشر، مدير برنامج البيئة في كلية روبنشتاين للبيئة والموارد الطبيعية، والمؤلف المشارك في الدراسة: "إن تنوع النظام الغذائي لهذه المجموعة كان منخفضًا بالفعل؛ وتشير هذه النتائج إلى أنه إذا لم نستطع التكيف، فإن تغيُّر المناخ قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في النظم الغذائية التي لا تلبي بالفعل مستويات المغذيات الدقيقة المناسبة للأطفال".

ويُعد سوء التغذية الحاد في مرحلة الطفولة أحد أكبر التحديات العالمية، ووفق تقديرات الأمم المتحدة، فقد تأثر نحو 144 مليون طفل دون سن الخامسة بأعراض التقزُّم في عام 2019، وهو أحد التأثيرات الناجمة عن سوء التغذية المزمن، فضلًا عن معاناة 47 مليون طفل آخرين من الهزال ونقص التغذية الحاد، نتيجة عدم تناوُل كميات مناسبة من المغذيات الدقيقة، أو الإصابة بالتهابات ناتجة عن أسباب أخرى.

الأمطار سلاح ذو حدين

وتُظهر الدراسة أن ارتفاع معدلات هطول الأمطار، وهو تأثيرٌ محتمل آخر للتغيرات المناخية في بعض المناطق، كان له دور إيجابي في زيادة تنوُّع النظام الغذائي للأطفال، وفي بعض الحالات، كان لتزايُد سقوط المطر تأثيرٌ أكبر على تنوع النظم الغذائية للأطفال، مقارنةً بالتأثيرات الأخرى الناتجة عن التعليم أو تحسين خدمات الصرف الصحي، أو زيادة الغطاء النباتي.

وتوضح مولي براون -الباحثة في قسم العلوم الجغرافية في جامعة ميريلاند، والمؤلفة المشاركة في الدراسة- أن "ارتفاع معدل هطول الأمطار في المستقبل، قد يوفر فوائد مهمة لجودة النظام الغذائي عبر طرق متعددة، ولكن ذلك يعتمد أيضًا على كيفية تساقُط تلك الأمطار"، مشيرةً إلى أنه إذا كانت الأمطار أكثر تقلبًا وشدة، كما هو متوقع مع التغيرات المناخية، فقد لا يكون ذلك جيدًا.

وردًّا على سؤال لـ"للعلم" في هذا الصدد، تقول "نايلز": أعتقد أن الحذر مطلوب عند القول إن تزايُد هطول الأمطار في المستقبل سوف يوفر دائمًا فوائد لجودة النظام الغذائي، ورغم أن الدراسة كشفت عن وجود علاقة بين ارتفاع معدل هطول الأمطار وزيادة جودة النظام الغذائي في جنوب شرق أفريقيا في إحدى السنوات، وهي العلاقة ذاتها التي ظهرت في منطقتي غرب أفريقيا وأمريكا الوسطى في السنة السابقة، إلا أن هذا لا يعني أن هذه العلاقة ستكون إيجابيةً في كل مرة".

وتوضح أن تزايُد هطول الأمطار قد يوفر فوائد تتعلق بزيادة إنتاجية المحاصيل، مما يجعل الأغذية متوافرةً في مكان محدد، وتحقيق دخل إضافي للحصول على أنظمة غذائية أكثر تنوعًا، ومع ذلك، فإنه كما يُقال: "إذا زاد الأمر عن حده انقلب إلى ضده"؛ إذ إن هطول الأمطار بغزارة، أو على فترات طويلة، قد يؤدي إلى حدوث فيضانات مدمرة، تكون لها آثارها السلبية، ليس على جودة النظام الغذائي فحسب، بل على الأمن الغذائي برُمَّته، مشيرةً إلى أن الدراسة لم تبحث في هذا المستوى من التفاصيل.

الوضع في مصر

وجاءت مصر ضمن الدول التي شملتها الدراسة، ممثلةً لإقليم شمال أفريقيا، بالإضافة إلى نيجيريا وليبيريا وغانا، من غرب القارة الأفريقية، و7 دول من جنوب شرق القارة، مدغشقر وأوغندا وزامبيا وزيمبابوي وناميبيا وليسوتو وسوازيلاند، فضلًا عن 3 دول آسيوية هي تيمور الشرقية ونيبال والفلبين، في حين جاءت بيرو وجيانا وكولومبيا لتمثل أمريكا الجنوبية، وتمثلت أمريكا الوسطى في الدومينيكان وهاييتي.

ومن إجمالي 107 آلاف و741 طفلًا شملتهم الدراسة، لقياس "نقاط التنوع الغذائي" لدى الأفراد (IDDS)، كان هناك 7 آلاف و751 طفلًا من مصر، خضعوا للتقييم في عام 2008، حيث بلغت نتيجة تنوع المجموعات الغذائية (تناول أطعمة من 3.2 مجموعات غذائية من أصل 10 مجموعات) بين الأطفال المصريين 3.509 درجات (المعدل المعياري الذي وضعه الباحثون 10)، في حين كان المعدل المعياري في مصر 2.510 درجة قبل عام 2008، ما يعني أنه رغم تراجُع المعدل المعياري في مصر مقارنةً بالمعدل المعياري الذي اعتمده الفريق البحثي، إلا أن المعدل المعياري في مصر يتحسن.

و"نقاط التنوع الغذائي" مؤشر عالمي نوعي بسيط خاص بالتغذية، يعمل على حساب عدد مجموعات الأغذية التي يستهلكها شخص واحد خلال مدة 24 ساعة.

أما بالنسبة للتأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية في مصر خلال تلك الفترة، فقد اعتمدت الدراسة على قياس مجموعة من المتغيرات، منها الغطاء النباتي، والوقت اللازم للحصول على المياه، وكثافة الثروة الحيوانية، وطرق الوصول إلى المراكز الحضرية، والكثافة السكانية، بالإضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بعمر الطفل، ومستوى تعليم رب الأسرة، وما إذا كان ذكرًا أم أنثى، ومعدلات الفقر لدى الأسرة.

وشملت الدراسة قياس مدى توافر خدمات المراحيض الصحية والمياه النظيفة في مناطق إقامة الأطفال، إضافةً إلى متوسط درجات الحرارة، ومعدلات هطول الأمطار، وحالات التطرف المناخي التي تعرضت لها مصر، إذ أظهرت النتائج تغيراتٍ طفيفةً للغاية، فقد كان معامل الاختلاف 0.125 درجة، بالنسبة لمقياس معياري يبلغ 0.354 درجة.

ووفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، تأتي مصر ضمن 36 بلدًا يتركز فيها 90% من عبء سوء التغذية الذي يُعد سببًا رئيسيًّا في ثلثي وفيات الأطفال حول العالم، وأشار التقرير الذي اعتمد على بيانات عام 2015، إلى أنه رغم الانخفاض الملحوظ في وفيات الأطفال في مصر، إلا أن معدلات سوء التغذية لا تزال مرتفعة، خاصةً بين الأطفال دون الخامسة، إذ وصل معدل التقزم بين الأطفال في سنة 2014 إلى 21%، بينما وصلت معدلات النحافة ونقص الوزن إلى 8% و6% على الترتيب.

نظم غذائية غير آمنة

من جهته، يتفق محمد عبد المنعم -خبير التنوع البيولوجي في المكتب الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"- مع نتائج الدراسة، مؤكدًا أن "تغير المناخ يؤثر على النظم الغذائية للأطفال، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويتمثل ذلك في التأثير على حجم أنواع الغذاء، وكذلك على نوعيته من حيث توافر العناصر الغذائية".

يقول "عبد المنعم" في تصريحات لـ"للعلم": المنطقة العربية من أكثر المناطق تعرُّضًا لهذه التأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف الحادة، والتي تؤثر على خصوبة التربة ومحتواها من العناصر الضرورية التي تنتقل عبر السلسلة الغذائية، وهو الأمر الذي يدفع باتجاه اللجوء إلى نظم غذائية غير صحية، تعتمد على استهلاك المزيد من الأغذية غير الآمنة.

ويضيف: من المهم أن تدرس الحكومات هذه التأثيرات، وتتخذ ما يجب عمله من إجراءات المواءمة للتغير المناخي، التي تتضمن تشجيع زراعة المحاصيل الغنية بالعناصر المغذية المهمة للأطفال وغيرهم، والتي تتطلب كميةً أقل من المياه، وتتحمل الملوحة والحرارة الزائدة، وكذلك النظر في أن يحتوي غذاء الأطفال على مغذيات إضافية، لتسد النقص المتوقع حدوثه.

سوء التغذية والتقزم

كما تتفق نعمة عبد الهادي -أخصائية طب الأطفال والتغذية في المعهد القومي للتغذية- مع نتائج الدراسة فيما يتعلق بتأثير النظم الغذائية على صحة الأطفال، مضيفةً أن "المغذيات الدقيقة لها تأثير كبير على صحة الإنسان عمومًا، والأطفال بشكل خاص، ورغم أن أجسام الأطفال قد تحتاج إلى هذه المغذيات بكميات ضئيلة، إلا أنها تُعد مكونًا أساسيًّا لبناء كلٍّ من الجسم والعقل والقدرة المناعية للطفل".

ومن أبرز المغذيات الدقيقة، المتعارف عليها عالميًّا، فيتامينات (A وB وC وD)، وبعض المعادن، مثل (اليود والزنك والكالسيوم والحديد)، بالإضافة إلى حمض الفوليك.

وتتوافر هه العناصر في الأغذية المختلفة، مما يجعل من تنوع النظام الغذائي ضرورةً حتمية، وقد يؤدي نقص أحد هذه العناصر، مع مرور الوقت، إلى آثار مدمرة على صحة الأطفال، تتمثل في نقص النمو، والتقدم المعرفي، وضعف المناعة، مما يجعلهم أكثر تعرُّضًا للإصابة بالعديد من الأمراض.

وعما إذا كانت هناك علاقة بين سوء التغذية والإصابة بالتقزم، تقول "عبد الهادي" في تصريحات لـ"للعلم": مرض التقزم الذي يُعرف بقصر القامة بالنسبة للعمر، ينجم عن نقص التغذية المزمن أو المتكرر، وعادةً ما يرتبط بتردِّي صحة الأمهات ونوعية الغذاء، كما يرتبط بسوء تغذية الرضع والأطفال دون سن 5 سنوات، ورعايتهم على نحو ملائم خلال مراحل النمو المبكرة، ويحول داء التقزم دون تحقيق الأطفال لإمكانياتهم الجسمانية والإدراكية.

أطفال العالم في خطر

وتتفق نتائج الدراسة الصادرة عن جامعة فيرمونت مع تحذير أطلقته الأمم المتحدة، في فبراير الماضي، إذ خلصت لجنة تضم أكثر من 40 خبيرًا في مجال صحة الأطفال والمراهقين، إلى أنه لا توجد دولة واحدة في العالم تحمي صحة الأطفال وبيئتهم ومستقبلهم بما فيه الكفاية، بما في ذلك السياسات المتبعة للحد من آثار التغيرات المناخية.

وأصدرت اللجنة، بدعوة من منظمتي الصحة العالمية و"يونيسف" ومجلة "ذي لا نسيت"، تقريرًا بعنوان "مستقبل لأطفال العالم"، حذرت فيه من أن صحة الأطفال والمراهقين في جميع أنحاء العالم ومستقبلهم معرضٌ لخطر محدق، نتيجة التدهور البيئي وتغيُّر المناخ والممارسات التجارية الاستغلالية، التي تدفع بالأطفال نحو تناول الأغذية السريعة المجهزة بشكل مكثف.

وقالت هيلين كلارك -رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة والرئيسة المشاركة للجنة: إنه "على الرغم من التحسينات التي طرأت على صحة الأطفال والمراهقين على مدار العشرين عامًا الماضية، إلا أن التقدم وصل إلى حده، ومن المتوقع أن يتخذ اتجاهًا معاكسًا"، وفق تصريحات تضمَّنها التقرير.

وبينما تشير التقديرات، التي أوردها التقرير، إلى أن حوالي 250 مليون طفل دون سن الخامسة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، معرضون لمخاطر ناجمة عن سوء التغذية، فقد أكدت كلارك أن "الأهم من كل ذلك، هو أن جميع الأطفال في العالم يواجهون أخطارًا تهدد حياتهم، بسبب تغيُّر المناخ والضغوط التجارية"، مضيفةً أنه "لا بد من أن تصلح البلدان سياساتها فيما يتعلق بصحة الأطفال، ليس لضمان الاعتناء بأطفالنا اليوم فحسب، بل أيضًا لحماية العالم الذي سيرثونه غدًا".

إجراءات المواجهة والحل

وتشدد الدراسة على أنه يجب على صانعي السياسات اعتماد خطط عاجلة، ليس فقط لتلبية الاحتياجات الحالية، بل أيضًا لتحسين النظم الغذائية للفئات الأكثر ضعفًا في المستقبل، مع مراعاة ارتفاع درجات الحرارة، والأخذ بالنتائج المترتبة على تغيُّر المناخ في الاعتبار.

ويرى تايلور ريكيتس -مدير معهد جوند للبيئة، والمؤلف المشارك في الدراسة- أن ارتفاع درجة حرارة المناخ يمكنه أن يقوض كل النتائج الإيجابية التي تسعى إليها برامج التنمية الدولية، مضيفًا أنه "في واقع الأمر، هذه النتيجة توصَّلنا إليها مرارًا وتكرارًا في هذا البحث العالمي، والتدهور البيئي المستمر يمكنه تقويض المكاسب العالمية التي أمكن تحقيقها في القطاع الصحي، على مدار الـ50 عامًا الماضية".

وفي إطار ردها على سؤال لـ"للعلم" بشأن ما تقترحه الدراسة لتحسين النظم الغذائية، تقول "نايلز": هناك بعض الإجراءات التي يتوجب اتخاذها في المستقبل القريب، أولها إجراء مزيد من الأبحاث لتقييم العلاقة بين ظواهر التغيرات المناخية، ومنها ارتفاع درجات الحرارة، ومعدلات هطول الأمطار، وحالات التطرف المناخي، وإستراتيجيات التنمية الأخرى، على نحوٍ أكثر شمولية.

وتضيف: من المهم أيضًا أن ترتكز هذه الجهود على مدخل النظم الغذائية، لتقييم آثار التغيرات المناخية على منظومة الغذاء، بدايةً من الزراعة، مرورًا بتداول المنتجات الزراعية في الأسواق، وانتهاءً بممارسات الاستهلاك.

وتتابع أن "تغير المناخ سيؤثر على جميع جوانب نظامنا الغذائي، وبالتالي فإن مجرد الفهم الضيق لأحد التأثيرات، مثل التأثير على إنتاجية المحصول مثلًا، قد يُغفل التأثيرات الأخرى لتغير المناخ على نظامنا الغذائي وتنوعه".

أما الاقتراح الثالث والأخير، وفق "نايلز"، فيتعلق بالمساعدات الغذائية، إذ ترى أن التدخلات التي لا تأخذ بهذه الحسابات المعقدة في اعتبارها، قد تكون تقييماتها لخيارات التكيف مع المناخ قاصرة، وهذا يتطلب تصميم الدراسات بشكل صريح، لتقييم التدخلات لإمكانية التكيف مع المناخ، بدلًا من إمكانية تقديم مساعدات غذائية بحتة، كما يجري في الأوضاع الراهنة.

اضف تعليق