q
إن الغرب يمر بفترة غير مسبوقة من الأزمات المتقاربة، ومن ضمنها الجفاف الممتد وندرة المياه وموجات الحرارة الشديدة والحرائق الهائلة وفقدان التنوع البيولوجي، ويجب السعي نحو الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأراضي لإنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض، وكذلك للتخفيف من تغيُّر المناخ والتكيُّف معه...
بقلم شروق الأشقر

تُعد مناطق الغرب الأمريكي من أكبر المناطق القاحلة وشبه القاحلة في الولايات المتحدة، وعلى غرار العديد من الأنظمة العالمية الأخرى، فإن الأراضي الجافة في الغرب الأمريكي ليست مستثناةً من الاضطرابات البشرية المتزايدة والتغيرات المناخية المتنامية بسرعة، ما يؤدي إلى تقليل التنوع البيولوجي عن طريق تقليل الموائل الأرضية المتاحة للنباتات والحيوانات، ويستوجب العمل على حماية الطبيعة وصونها من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه واستعادة التنوع البيولوجي.

من هنا، تأتي أهمية الدراسة التي نشرتها دورية "بيوساينس" (BioScience) بعنوان "إعادة بناء الغرب الأمريكي"، مشيرةً إلى أن "إعادة موائل الذئاب الرمادية والقنادس يمكنها إحداث تأثيرات بيئية قوية وواسعة النطاق، ومن ثم إحياء المنظومة البيئية من جديد".

ووفق الدراسة التي أجراها فريق بحثي بقيادة جامعة ولاية أوريجون، فإن "القنادس تعمل كمهندسين بيئيين من الطراز الرفيع؛ إذ يمكنها بناء السدود لعمل مساحات من البِرَك المائية للعيش فيها، وتقوم القنادس بنسج الأغصان معًا، وقطع الأشجار عن طريق قطعها بأسنانها، وعزل البناء بالطين، كما تحفر القنادس أيضًا القنوات لجلب المياه من المسطحات المائية الكبيرة إلى منطقة التغذية الخاصة بها، وبالتالي تُثري القنادس موائل الأسماك، وتزيد من احتباس المياه، وتحافظ على تدفُّقها في أثناء الجفاف، كما تحسِّن من نوعية المياه".

ويوضح الباحثون في البيان الصحفي الذي اطلعت مجلة "للعلم" على نسخة منه أن "القنادس تعمل على تحسين موائل الأنواع النباتية والحيوانية على ضفاف النهر بشكل عام، وبالمثل، فإن الذئاب تقدم فوائد بيئيةً كبيرةً من خلال المساعدة على التحكم بشكل طبيعي في ذوات الحوافر الأصلية مثل الأيائل؛ إذ تسهل الذئاب إعادة نمو أنواع النباتات، وبالتالي يساعد ذلك على وجود مجتمعات نباتية وحيوانية متنوعة ومتوازنة".

يقول ويليام ريبيل -أستاذ علم البيئة في قسم النظم الإيكولوجية للغابات والمجتمع بجامعة ولاية أوريجون- في تصريحات لـ"للعلم": لا يقدِّر البعض الفوائد البيئية للذئاب والقنادس بينما يستخفون بالتأثيرات البيئية لرعي الماشية، رغم أنها تمثل التهديد البيئي الأكثر شيوعًا؛ إذ يمكن لرعي الماشية أن يتسبَّب في تدهور مجاري المياه والأراضي الرطبة، ويؤثر على أنظمة الحرائق، ويجعل من الصعب على الأنواع الخشبية -وخاصةً الصفصاف- أن تتجدد.

من جهته، يؤكد المؤلف المشارك في الدراسة "روبرت بيشتا" -الأستاذ الفخري في كلية الغابات بجامعة ولاية أوهايو- في البيان الصحفي أن "إعادة موائل القنادس طريقة فعالة من حيث التكلفة لإصلاح المناطق المجاورة للمجاري المائية المتدهورة، وأنه بالرغم من أن تلك المناطق تمثل أقل من 2٪ من الأراضي في الغرب، فإنها توفر موطنًا لنحو 70٪ من أنواع الحياة البرية".

يضيف "ريبيل": فوجئ الباحثون بالعدد الكبير للأنواع المهددة بالانقراض الموجودة في غرب الولايات المتحدة، لقد تقلص النطاق الحالي للذئب الرمادي في تلك الولايات الإحدى عشرة إلى حوالي 14٪ فقط من نطاقه التاريخي، ربما بلغ عددها في يوم من الأيام عشرات الآلاف، لكن اليوم قد لا يتخطى العدد 3500 ذئب في جميع أنحاء الغرب الأمريكي، هذا بالإضافة إلى انخفاض نسبة القنادس بنحو 90٪ تقريبًا، وهي الآن غير موجودة في العديد من الأماكن، ما يعني أن هناك خللًا واضحًا في النظام البيئي.

استندت الدراسة إلى استخدام تقنيات رسم الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية، ويقترح الباحثون تخصيص أجزاء من الأراضي الفيدرالية في 11 ولايةً لإنشاء شبكة تعتمد على الموطن المحتمل للذئب الرمادي في تلك الولايات بحيث تغطي حوالي 500 ألف كيلومتر مربع، والولايات الإحدى عشرة هي أوريجون وواشنطن وكاليفورنيا ونيفادا وأيداهو ومونتانا ووايومنج وكولورادو وأريزونا ونيومكسيكو ويوتا.

يقول "ريبيل": إنها فكرة طموحة، لكن لا بد منها؛ إذ إن الغرب الأمريكي يمر بفترة غير مسبوقة من الأزمات المتقاربة، ومن ضمنها الجفاف الممتد وندرة المياه وموجات الحرارة الشديدة والحرائق الهائلة وفقدان التنوع البيولوجي، ويجب السعي نحو الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الأراضي لإنقاذ الأنواع المهددة بالانقراض، وكذلك للتخفيف من تغيُّر المناخ والتكيُّف معه.

اضف تعليق